Facebook
Twitter
Telegrama
Whatsapp
PDF
☦︎
☦︎

“..Que por amor de nós, humanos e pela nossa salvação, desceu do céu e se encarnou pelo Espírito Santo e pela Virgem Maria e se tornou homem.”

1. غاية التجسد

بالخطيئة كما رأينا، انفصل الإنسان عن الله وغدا مهمشاً طريحاً غير قادر أن ينهض نفسه من الهوة التي سقط فيه. لم يكن بإمكانه أن يرتفع إلى الله ولذلك فقد شاء الله في محبته أن ينحدر بنفسه إلى الإنسان ليعيد الشركة بين الإنسان وبينه.

إن الله أحبّ الإنسان “حباً جنونياً” على حدّ تعبير اللاهوتي ” نقولا كباسيلاس”، حتى أنه وهو الكائن الأبدي، الخالق، ذو السعادة المطلقة، لم يترك وشأنه ذاك الإنسان الذي رفضه إختيارياً بلّ إنحدر إليه ساعياً في طلبه. كما سعى الراعي الذي تكلّم عنه الرب يسوع وراء الخروف الضال [ لوقا 15: 1 7 ]. غير مكتفٍ بالملائكة كما لم يكتف ذل الراعي بالتسعة والتسعين خاروفاً التي لم تضلّ.

بالتجسّد أخذ الله طبيعتنا البشرية المنحطة، الساقطة، واتحدت مع لاهوته اتحاداً فائق الوصف. ليداوي الله بالتجسّد النزيف الروحي الذي هو الخطيئة الأصلية.

بالتجسّد بث الله حياته في الإنسان المريض، ليعيد إليه القوة الروحية التي خارت والجمال الذي تشوّه.

بالتجسد اتحد الله ذاته بالإنسان لتسري في الإنسان حياة الله .

لقد رأينا ان الإنسان سقط لكونه أراد أن يجعل نفسه إلها دون الله، بالاستغناء عن الله. لقد كان يتوق إلى التألّه ولكنه ضلّ الطريق إذ اعتقد أن التألّه يتم بانتفاخ الأن. لقد كان في تصميم الله أن يتأله الإنسان، فإنه -الله- لم يخلق الإنسان ليكون له عبداً بل شريكاً في حياته الإلهية. ولكن هذا التأله لم يكن ممكناً بمعزل عن الله بلّ كان مشرطاً باتحاد الإنسان بالله، لأن من الله، ومن الله وحده، يستمد الإنسان كل موهبة وقوة وحياة. خارج الله ليس سوى العدم والفراغ والموت. ولكن الإنسان استمع على خداع الشرير فطمع بالتألّه دون الله، فلم يبلغ مأربه بل انحطّ من مستواه الإنسانى الأصيل وأخضع طبيعته للموت. لقد كانت وعود الشيطان كاذبة (لقد قال عنه يسوع أنه ” كَذَّاب وَأَبُواَلْكَذِب ” [ يوحنا 8: 44 ]) عندما اعلن للإنسان أنه بمخالفة الله يصير إلهاً. تلك الوعود البراقة كانت وهما وخداعا ولكن ما لم يستطع الإنسان أن يحققه عندما تشامخ حققه له الله عندما نزل إليه. لذلك تنشد الكنيسة في خدمة سحر البشارة:

“اليوم ينكشف السر الذي قبل الدهور وابن الله يصير ابن البشر لكي أنه باتخاذه الأدنى يهبني الأفضل. لقد خاب آدم قديماً فلم يصر إلهاً كما كان قد اشتهى. فصار الإله إنساناً لكي يصير آدم إلهاً”.

هكذا اتخذ الله غير المحدود طبيعتنا المحدودة، والكامل الخالد طبيعتنا الضعيفة المائتة. إن مجرد اتخاذه طبيعتنا المخلوقة وهو الخالق تنازل منه، ولكنه ذهب في التنازل الحبي إلى حد اتخاذ طبيعتنا في الحالة التعيسة التي آلت إليها بسبب سقطتها. هكذا بتنازله داوى تشامخنا وبانحداره إلينا رفعنا إليه.

ولكن مذا يعني قولنا أن الإنسان “تأله” بالتجسد؟ هذا لا يعني أننا أصبحنا آلهة بالطبيعة، فإننا مازلنا مخلوقات. ولكن التألّه يعني أن حياة الله قد أُعْطيت لنا فصرنا مشاركين له في محبته، في مجده، في قوته، في فرحه، في حكمته، في قداسته، في خلوده. لم نبلغ جوهر ولاهوت الله لأنه دائماً متعالٍ لا يمكن الوصول إليه، ولكن القوى الإلهية أعْطيت لنا وأصبحت في متناولنا. هذا ما اوضحه بنوع خاص القديس ” غريغوريوس بالاماس” وثبتته المجامع الأرثوذكسية. بهذا المعنى ينبغى أن نفهم كلمة الرسول بطرس: “لقد صرتم شركاء الطبيعة الإلهية” (2 بطرس 1: 4).

أسئلة:

  1. إقرأ لوقا 15: 1-7. كيف يشير هذا المثل إلى معنى التجسد؟
  2. ماهي الغاية من اتخاذ الله بالتجسد طبيعة الإنسان الساقطة؟
  3. لقد سقط الإنسان عندما حاول أن يتأله. هل كان خطأه في سعيه إلى التأله أم في الطريق التي انتهجها للوصول إليه؟
  4. ماذا تعني كلمة القديس ايريناوس: “لقد صار الإله إنساناً ليستطيع الإنسان أن يصير إلهاً”؟ هل يتحدث الكتاب المقدس عن هذا التأليه الذي تعلّم به الكنيسة الأرثوذكسية؟ (أنظر 2 بطرس 1: 4). هل يعني “تأليهنا” هذا أننا نصير معادلين لله؟ إذاً ماذا يعني؟

2. تهيئة التجسد

التجسد إذاً مبادرة محبة مجانية من الله نحو الإنسان الذي ابتعد عنه ورفضه بإختياره:

[ وَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ مَحَبَّتَهُ لَنَا إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الأَوْحَدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. وَفِي هَذَا نَرَى الْمَحَبَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ، لاَ مَحَبَّتَنَا نَحْنُ لِلهِ، بَلْ مَحَبَّتَهُ هُوَ لَنَا. فَبِدَافِعِ مَحَبَّتِهِ، أَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا ] [ 1يوحنا 4: 9، 10 ].

ولكن محبّة الله لا تُفرض فرضاً، ولذا كان على الإنسان أن يتقبّل مبادرة الحب الإلهي هذه. من أجل هذا اهتم الله بمحة أبوية أن يهيئ البشر تدريجياً إلى إقتبال التجسد وكان عمله شبيهاً بعمل المربّي الحكيم الذي يهيء للطفل الظروف المؤاتية كى يرقى مراحل النمو الواحدة تلو الأخرى حتى يصل إلى البلوغ. وقد ظهرت هذه التربية الإلهية لحرية الإنسان خاصة في الشعب الإسرائيلي الذي بقى وحده بين الشعوب أميناً لله رغم خطاياه الكثيرة. ففيه خاصة هيأ الله البشر إلى إقتبال التجسد حتى إذا تم يحمل أفراد من هذا الشعب بشارته إلى العالم أجمع. وقد اتخذت هذه التهيئة وجوهاً مختلفة منها:

الناموس:

وهو مجموعة شرائع أعطيت إلى الشعب الإسرائيلي بوحى من الله. وقد قال عنه الرسول بولس: [ إِذاً قَدْ كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ ] [ غلاطية 3: 24 ]. والمؤدب كان عند اليونان عبداً موكولاً إليه أن يصحب الأولاد المؤتمن عليهم ويسهر عليهم ويلقنهم ميادئ المعرفة ليتمكنوا فيما بعد من استماع دروس يلقيها معلّم شهير. تلك كانت وظيفة الناموس بالنسبة إلى اليهود. فالوصايا العشر مثلاَ كانت غايتها تهذيب أخلاق الناس كى يُعدّوا للدخول في ملكوت المحبة. أمّا الذبائح التي كان يفرضها الناموس للتكفير عن الخطايا فقد كانت رمزاً يشير إلى الذبيحة الحقيقية الواحدة وهي موت يسوع المسيح على الصليب.

الحوادث التاريخية:

وقد كانت حوادث تاريخ الشعب اليهودي ترمز إلى حوادث الخلاص وتُعدّ الشعب لإقتبال التجسّد. فيوسف الذي باعه أخوته حسداً وصار كما قال الكتاب عنه “مخلّص العالم” أثناء المجاعة التي حصلت، كان رمزاً للمسيح الذي أُسْلِمَ حسداً من اليهود أخوته بالجسد إلى الرومانيين لكى يميتوه صلباً فصار بالمعنى الكامل “مخلّص العالم”. مطعما الناس ليس خبزاً مادياً كما فعل يوسف بل الخبز السماوي الذي هو جسده. كذلك خلاص الشعب الإسرائيلي من عبودية فرعون على يد موسى ودخوله في أرض الميعاد على يد يشوع الذي هو اسم يسوع بالذات ومعناه ” الله يخلّص”، كان رمزاً لخلاص المؤمنين من عبودية الشيطان بتجسّد المسيح وموته وقيامته ودخولهم إلى ملكوت الله.

الأنبياء

كذلك أرسل الله أنبياء إلى شعبه على مرّ الأجيال لتهيئته لإقتبال التجسّد. والنبي كما يدلّ إسمه كانت مهمته أن ينبئ بإرادة الله أى أن يعلنها بقوة داعياً البشر إلى تقويم ما إعوج من سيرتهم وإلى الرجوع إلى الله. هؤلاء الأنبياء أعدّوا الشعب اليهودي لإقتبال التجسّد:

أ – لأنهم كانوا يحرّكون الضمائر النائمة المتحجّرة وقولون جهراً للناس أن تتميم الشريعة في الظاهر لا يهم، إنما المهم تغيير القلب وإعطائه لله، وهكذا يمهدون طريق الله التي إلى العالم.

ب – لأنهم كانوا يشيرون، بإلهام إلهي، إلى تجسّد ابن الله وإلى أعمال الخلاص التي سوف يقوم بها في أرضنا. هكذا تحدّث النبي أشعياء الذي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد عن البيت الذي يولد فيه المسيح، فقال أن سيكون من نسل داود: [ وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ ‏‏وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ رُوحُ الْمَشُورَةِ ‏وَالْقُوَّةِ رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ‏ ] [ أشعياء 11: 1، 2 ].

وأعلن النبي نفسه أنه يولد من عذراء: [ وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ اَلسَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا اَلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ اِبْناً وَتَدْعُو ‏اِسْمَهُ {عِمَّانُوئِيلَ}‏ ] [ أشعياء 7: 14 ].

وتنبّأ النبي ميخا الذي عاش هو أيضاً في القرن الثامن قبل الميلاد عن مكان ولادة المخلّص، فقال: [ أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا ‏فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي اَلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ‏اَلْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ اَلأَزَلِ ] [ ميخا 5: 2 ].

وتحدّث أشعياء عن رسالة المخلّص قائلاً: [ رُوحُ اَلسَّيِّدِ اَلرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّ اَلرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ اَلْمَسَاكِينَ ‏أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي اَلْقَلْبِ لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ ‏وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ وَبِيَوْمِ اِنْتِقَامٍ ‏لإِلَهِنَا. لأُعَزِّيَ كُلَّ اَلنَّائِحِينَ ] [ أشعياء 61: 1، 2 ].

كذلك أعلن أشعياء عن الآلام التي سوف يتحمّلها المخلّص من أجل خطايا الناس:

[ وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا ‏عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ ‏وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ ‏كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى اَلذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ ] [ أشعياء 53: 5 – 7 ].

أسئلة:

  1. ألم يكن التجسد مبادرة حب مجانية من قبل الله؟ (أنظر 1يوحنا 4: 9 و10).
  2. ولكن المحبة لا تفرض فرضاً، كان إذاً على الإنسان أن يتقبل مبادرة الحب هذه. فكيف أعدّه الله لاقتبال التجسد؟
  3. ماهو الناموس؟ وماذا عن دوره في تهيئة التجسد؟ (أنظر غلاطية 3: 24). كيف تمم دوره هذا؟
  4. كيف كانت حواد تاريخ الشعب اليهودي تشير إلى حوادث الخلاص؟ كيف تشير إليها قصة يوسف؟ كيف تشير إليها خلاص الشعب الإسرائيلي من عبودية فرعون ودخوله أرض الميعاد؟
  5. من هم الأنبياء؟ كيف هيأوا الناس لاقتبال التجسد؟ هل أشاروا إلى ظروف التجسد وإلى أعمال الخلاص؟
    • مثلاً: إلى أصل المسيح بالجسد (أنظر اشعياء 11: 1-2)
      إلى ولادته من العذراء؟ (أنظر أشعياء 7: 14)
      إلى البلدة التي ولد فيها؟ (أنظر ميخا 5: 6)
      إلى رسالته الخلاصية؟ (أنظر أشعياء 61: 1-2)
      إلى آلامه؟ (أنظر اشعياء 53: 5-7).

3. دور العذراء مريم في التجسد

قلنا أن الله صمّم في محبته أن ينحدر على الإنسان ليخلّصه. إلا أنه – وهو يحترم حرية الإنسان – كان منتظراً أن يريد الإنسان خلاصه، ان يشاء إقتبال الإله المنحدر إليه. ولذا فقد هيّأ الله الإنسانية تدريجياً إلى إقتبال الخلاص. وقد أدّت هذه التهيئة إلى العذراء مريم. فمريم هي زهرة العهد القديم وثمرة عناية الله بشعبه وتربيته له على مرّ الأجيال. ففي مريم بلغت قداسة العهد القديم ذروتها في الإيمان والتواضع والطاعة لله. لذلك في شخص مريم استطاعت البشرية أن تقول ” نعم” لله وأن تتقبله مخلّصا لها، هذا ما تمّ عندما أجابت مريم الملاك: [ هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ ] [ لوقا 1: 38 ]. عندئذ، تمّ تجسّد ابن الله لأن البشرية “سمحت” له بشخص مريم أن يأتى إليها ويخلّصها. لذلك كتب اللاهوتى ” نقولا كباسيلاس” : { إن التجسّد لم يكن فعل الآب وقدرته وروحه فحسب، ولكنه أيضاً فعل إرادة العذراء وإيمانها. فبدون قبول الكلية النقاوة، وبدون مساهمة إيمانها، لكان تحقيق هذا المقصد متعذراً..,}.

هكذا كانت مريم ذلك “الباب المتجه نحو المشارق” الذي تحدث عنه النبي حزقيال والذي عبر به الرب. [ثُمَّ أَرْجَعَنِي إِلَى طَرِيقِ بَابِ الْمَقْدِسِ الْخَارِجِيِّ الْمُتَّجِهِ لِلْمَشْرِقِ وَهُوَ مُغْلَقٌ. فَقَالَ لِيَ الرَّبُّ: [هَذَا الْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقاً, لاَ يُفْتَحُ وَلاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ, لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقاً. اَلرَّئِيسُ الرَّئِيسُ هُوَ يَجْلِسُ فِيهِ لِيَأْكُلَ خُبْزاً أَمَامَ الرَّبِّ. مِنْ طَرِيقِ رِوَاقِ الْبَابِ يَدْخُلُ, وَمِنْ طَرِيقِهِ يَخْرُجُ».] [حزقيال 44: 1، 2 ].

وكما تنشد الكنيسة “هي وحدها أدخلت المسيح وحده إلى المسكونة لخلاص نفوسنا” (خدمة عيد ميلاد السيدة). ففي مريم تم أولاً الاتحاد بين الله والإنسان. إذ أن ابن الله اتحد ذاته بجسد إتخذه من جسد مريم: “بمولدك اتحد كلمة الله بالبشر وطبيعة جنسنا المقصاة أقرنتها مع السماويين”.

وتدعو الكنيسة العذراء ” والدة الإله” لأنها ولدت الإله المتجسّد. وبذلك ترَدّد ما قالته أليصابات بوحي الروح القدس عندما زارتها نسيبتها العذراء مريم إذ: [ …امْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: …. فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ ] [ لوقا 1 : 41 – 43 ]. وتعتقد الكنيسة أن منزلة العذراء تفوق الملائكة إذ قد أُهّلَتْ أن تحمل في ذاتها ابن الله المتجسد فتصير هكذا هيكلاً حياً للإله الذي: { لا تجسر طغمات الملائكة أن تنظر إليه } لذلك تخاطبها منشدة: { يامن هي أكرم من الشاروبيم وأرفع مجداً بغير قياس من السارافيم }. وأيضاً: { لأنه صنع مستودعك عرشاً وجعل بطنك أرحب من السماوات }. (قداس باسيليوس)

وهكذا فتكريم الكنيسة الأرثوذكسية للعذراء مريم يعود خاصة للدور الذي لعبته في التجسّد. لذا، فالاسم الذي تطلقه عليها باستمرار هو إسم “والدة الإله”. ولذلك، أيضا عندما تمدحها تمدح بنوع خاص ذلك الدور الذي شاء الله أن يسنده إليها في مقاصد: “إفرحي يا من ولدت مرشد الضالين، إفرحي يا من ولدت منقد المأسورين” (خدمة المديح). وللسبب عينه لا تمثل الأيقونات الأرثوذكسية أبداً العذراء وحدها، بلّ تمثلها دوماً حاملة ابنها وإلهها. فمجد والدة الإله مستمد من ذاك الذي شاء أن يُولد منها، من ذلك الذي أعطته للعالم. والعذراء نفسها في حياتها الأرضية لم تشأ أن تُبرز شخصيتها بل كانت دائما متخفية وراء ابنها والتعليم الوحيد الذي نقله إلينا الإنجيل عن لسان العذراء إنما هو وصيتها للبشر بأن يطيعوا ابنها: “مهما يأمركم به فافعلوه.. يوحنا 2: 5”

وتعتقد الكنيسة أن العذراء بما انها صارت أما للإله المتجسّد، فقد أصبحت أيضاً أمّاً لكلّ الذين صار ذاك الإله أخا لهم بالتجسّد: [ لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا السَّبَبِ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً.. فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا ] [ عبرانيين 2: 11، 14 ].

وبنوعٍ خاص اما للذين أصبحوا بإيمانهم تلامذة أحباء له. فعندما كان يسوع على الصليب خاطب مريم قائلاً لها عن التلميذ الحبيب: “هُوَذَا اِبْنُكِ” ثم خاطب يوحنا قائلاً: “هُوَذَا أُمُّكَ” [ يوحنا 19: 26 و27 ]. فهذه العبارات يصح إطلاقها على كل تلميذ حبيب ليسوع أي كل مؤمن به. لذلك فلوالدة الإله نحونا حنان الأم ولهفتها. في عرس قانا الجليل تحسست مريم لحاجة أهل البيت وضمت شعورها بهذه الحاجة إلى شعور ابنها قائلة له: “ليس عندهم خمر”، فلباها الرب وصنع من أجلها معجزته الأولى مع أن ساعته لم تكن قد أتت بعد (يوحنا 2: 3 و4). هكذا تتحسس مريم لحاجتنا وشفاعها هي أن تضم حنوها علينا إلى حنو ابنه. وهذه الشفاعة قوية كما يظهر من حادثة عر قانا الجليل. وكما تشهد الكنيسة: { ليس أحد يسارع محاضراً إليك ويمضى خازياً من قبلك أيتها البتول النقية أم الإله… “قانون الباركليسي” }. ولكن النعمة التي تطلبها لنا العذراء بنوع خاص هي أن يتصوّر ابنها فينا حتى نحمله نحن في كياننا كما حملته هي ونتحد به كما اتحدت به هي.

أسئلة:

إقرأ لوقا 1: 26-56 ويوحنا 2: 1-11 و19: 25-27.

  1. هل كان ممكناً أن يتم التجسد لو لم يقبل الإنسان به؟ لماذا لا؟
  2. ماهي -والحالة هذه- أهمية عبارة العذراء في لوقا 1: 38؟
  3. كيف يمكننا إذاً أن نقول أن العذراء كانت ثمرة تربية الله للإنسان في العهد القديم؟
  4. كيف تفهم قول اللاهوتي الأرثوذكسي نقولا كاباسيلاس بأن العذراء جعلت التجسد ممكناً؟
  5. كيف يمكننا القول أن اتحاد الله بالبشر تم أولاً في شخص مريم؟ أو يتضح ذلك من قول الكنيسة لمريم: “لقد أقرضت جسداً للكلمة البارئ الكل”؟
  6. لماذا تدعو الكنيسة العذراء “والدة الإله”؟ ألا تستند هذه التسمية إلى نص الإنجيل؟ (أنظر لوقا 1: 41-43).
  7. أليس تكريم الكنيسة الأرثوذكسية للعذراء يعود خاصةً للدور الذي لعبته في التجسد؟ كيف يتضح ذلك في صلوات الكنيسة وفي الأيقونات التي نرسمها؟ ألا ينسجم ذلك مع موقف العذراء نفسها كما يتضح في الإنجيل (أنظر يوحنا 2: 5).
  8. ألم يصبح ابن الله أخاً لنا بالتجسد؟ (أنظر عبرانيين 2: 11 و14). كيف يصح والحالة هذه أن نعتبر العذراء أماً لنا؟
  9. ألم يعطِ يسوع أمه “أماً” لكل “تلميذ حبيب”؟ (أنظر يوحنا 19: 25-27).
  10. كيف تجلت شفاعة العذراء في الإنجيل؟ (أنظر يوحنا 2: 1-11).

4. شخص المسيح الواحد:

إن الإله المتجسد سُمي يسوع المسيح. أما “يسوع” فهي كلمة عبرانية معناها “الله يخلص”. وقد أُطلق هذا الاسم على ابن الله المتجسد نظراً للمهمة الخلاصية التي أتى ليقوم بها. لذلك قال الملاك لمريم عندما بشرها: “ها أنت تحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع” (لوقا 1-31). والملاك الذي ظهر ليوسف قال له متكلماً عن العذراء: “ستلد ابناً فتسميه يسوع لأنه هو الذي يخلص شعبه من خطاياه” (متى 1: 21). أما كلمة “المسيح” فتعني الممسوح. وقد كان الأنبياء والملوك والكهنة في العهد القديم يُمحسون بزيد مقدس ينالون بواسطته نعمة لإتمام رسالتهم، ولذلك كانوا يدعون مسحاء الرب. ولكن هؤلاء لم يكونوا سوى صورة ورمز ليسوع الذي هو وحده مسيح الرب بالمعنى الكامل أي أنه مسح ليس بزيت ولكن بملء مواهب الروح القدس الذي حل على انسانيته فجعل منه نبياً أنبأ بحقيقة الله الكاملة، وكاهناً قدم الذبيحة الوحيدة المقبولة عن خطايا البشر ألا وهي ذبيحة ذاته، وملكاً يملك إلى الأبد على البشرية المؤمنة به.

وتعتقد -تؤمن- الكنيسة الأرثوذكسية أن للمسيح طبيعتين: إلهية وإنسانية، متحدتين في شخص واحد، شخص ابن الله المتجسد، وأن هذا الاتحاد قائم بدون إنقسام أو انفصال أو تحول أو اختلاط، أي أن كلّاً من هاتين الطبيعتين تحتفظ بصفاتها الخاصة، فلا تفقد الطبيعة الإلهية صفاتها الإلهية ولا تفقد الطبيعة الإنسانية صفاتها الإنسانية (بدون تحول أو اختلاط) ولكنهما متحدتان في شخص واحد (بدون انقسام أو انفصال). وإذا أردنا صورة توضح هذا المعتقد، فلنأخذ الحديد المحمى بالنار، فالحديد لم يزل حديداً والنار ناراً ولكن ليس هناك إنفصال بين النار والحديد إذ هما مجتمعان في قطعة الحديد المحمى.

وبعارة أخرى تعتقد الكنيسة أن يسوع المسيح إله تام وإنسان تام، إله حقيقي وإنسان حقيقي، ولكنه شخص واحد لأن ابن الله ضم الطبيعة البشرية إلى لاهوته وجعلها وهذا اللاهوت شخصاً واحداً، شخص الإله المتجسد. وقد كان هذا التدبير الإلهي ضرورياً للخلاص. لأنه لو كان المسيح إلهاً فقط ولو كانت انسانتيه مجرد وهم وخيال فكيف كان دخل اللاهوت إلى صميم البشرية ليقدسها؟ ولو كان المسيح إنساناً فقط فكيف يكون جسراً به تنقل إلى الإنسانية الحياة الإلهية نفسها؟ ولو كان اللاهوت والناسوت في المسيح منفصلين فكيف يتم بين الله والإنسان ذلك الإتحاد الصميمي الذي به تتجدد الإنسانية وتتأله؟ هذا الاعتقاد القويم في شخص المسيح شرط أساسي إذاً لندرك الخلاص الذي منحنا الرب إياه. كما أنه حجر زاوية في حياتنا، لأنه إذا كان اللاهوت قد اتحد بالناسوت في شخص المسيح دون أن يبطل هذا الناسوت، فذلك يعني أنه يمكننا أن نتحد بالله ونتأله دون أن توب إنسانيتنا وتمحى. وهكذا يمكننا أن نفهم أهمية الجهاد الذي جاهدته الكنيسة لتحفظ عبر الأجيال الاعتقاد القويم في شخص المسيح ضد كل البدع التي حاولت أن تشوه هذا الاعتقاد.

المسيح شخص واحد:

فقد ظهر في القرن الخامس بدعة نادى بها نسطوريوس علّمت أن المسيح شخصين أحدهما إلهي والآخر إنساني غير ملازمين بالضرورة أحدهما للآخر. وقالت بأن المسيح عندما ولد كان إنساناً محضاً ثم سكنت فيه الألوهية كما في هيكل ولازمته إلى حين صلبه، حينئذ فارقته فلم يكن على الصليب سوى إنسان يتألم. ولذلك كان أتباع هذه البدعة يسمون العذراء مريم “والدة المسيح” وليس “والدة الإله”. ولكن هذه البدعة النسطورية التي تشق شخص المسيح الواحد، مخالفة لتعليم الكتاب المقدس. فقد حيّت أليصابات مريم الحبلى بيسوع قائلة لها: “من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟”، وهذا الكلام الموحى به من الروح القدس (لأن أليصابات قالته وهي ممتلئة من الروح القدس) يعني أن مريم مزمعة أن تلد ليس مجرّد إنسان بل الرب نفسه. وكذلك المسيح المتألم والمهان على الصليب لم يزل حتى في تلك اللحظات أيضاً إلهاً، كما يتضح من قول الرسول بولس: “لو عرفوا لما صلبوا رب المجد” (1 كورنثوس 2: 8): فالمصلوب هو إذاً بالوقت نفسه رب المجد. كذلك تحدث الرسول نفسه عن “كنيسة الله التي اقتناها بدمه” (أعمال 20: 28): فالدم الذي سفك على الصليب لم يكن مجرد دم انسان إنما كان دم الله نفسه. وقد اجتمع المجمع الثالث المسكوني في أفسس سنة 431 لدحض هذه البدعة، فأثبت أن المسيح شخص واحد غير مجتزئ.

في طبيعتين:

وكرد فعل للبدعة السابقة، ظهرت في القرن الخامس أيضاً بدعة معاكسة نادى بها أفتيشيس (أو أوطيخا) تقول بأن الطبيعة الإلهية في المسيح قد ابتلعت الطبيعة الإنسانية ولذا فالمسيح ليس فقد شخصاً واحداً، كما تقول الأرثوذكسية، بل طبيعة واحدة وهي الطبيعة الإلهية التي ذابت فيها الطبيعة الإنسانية. ولذا دعيت هذه البدعة “بدعة الطبيعة الواحدة”. وقد حكم عليها المجمع الرابع المسكوني المنعقد في خلقيدون سنة 451، وأثبت أن يسوع ليس فقط إلهاً تاماً ولكنه أيضاً إنسان تام، إنسان بالحقيقة وليس بالمظهر والخيال.

والقول بالطبيعتين الذي حدده المجمع المسكوني الرابع لم تأخذ به الكنائس الشرقية القديمة (السريان، الأقباط، الأحباش والأرمن). أن هذه الكنائس ترفض عبارة الطبيعتين ولكنها تكفّر بآن أوطيخا القائل بذوبان الطبيعة الإنسانية بالطبيعة الإلهية. فيكون الاختلفا فيما بيننا وبينها اختلافاً لفظياً لا يمس جوهر العقيدة.

وهذا ما يتضح جلياً في الإنجيل كله إذ نرى فيه يسوع قد ولد كإنسان ونما وترعرع وكان يجوع ويعطش ويفرح ويتألم ويبكي وقد مات ودفن كإنسان. وكما كان يتكلم كإله قائلاً: “أنا والآب واحد” (يوحنا 10: 30)، كان يتكلم أحياناً كإنسان قائلاً: “إنني منطلق إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم” (يوحنا 20: 17). وفي الظرف نفسه كان يتصرف كإله وإنسان مظهراً بذلك أن الطبيعتين الإلهية والإنسانية قائمتان كلاهما في شخصه الواحد. فمثلاً كإنسان تعب وعطش وطلب من السامرية أن تسقيه ماء كإله كشف لها خفايا حياتها. كإنسان بكى على لعازر وسأل أين وضعوه وكإله أقامه من بين الأموات. ولذا كتب يوحنا “والكلمة صار جسداً” (يوحنا 1: 14)، وورد في الرسالة إلى العبرانيين: “إذ اشترك البنون في اللحم والدم اشترك هو أيضاً فيهما” (عبرانيين 2: 14).

بمشيئتين:

ولما استفحل الخلاف بين الأرثوذكس وأتباع الطبيعة الواحدة، أراد البعض، بضغط من الإمبراطور، أن يوفقوا بين وجهتي النظر، فاستعاضوا عن عبارة “طبيعة واحدة” بعبارة “مشيئة واحدة” قائلين أن في المسيح طبيعتين ولكن المشيئة الإنسانية فيه ذابت في المشيئة الإلهية ولكن المجمع السادس المسكوني المنعقد سنة 680 في القسطنطينية دحض هذه البدعة الجديدة مثبتاً أن للمسيح إرادة إنسانية تتميز عن الإرادة الإلهية. فالإرادة الإلهية في المسيح هي إرادة الآب عينها: “أنا والآب واحد” (يو 10: 30). أما الإرادة الإنسانية فيه فقائمة بذاتها ولكن المسيح بحريته أخضعها طيلة حياته وحتى الموت، موت الصليب، لإرادة الآب. هذا ما يتضح في قول الرب: “لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي أرسلني” (يوحنا 5: 30). فللمسيح إذاً كان مشيئة متميزة عن مشيئة الآب ولكنه يحريته يرفض أن يدعها تختلف عن مشيئة الآب. وهذا ما يظهر أيضاً عندما صلى في بستان الجسمانية: “يا أبتاه إن شئت أن تعبر عني هذه الكأس” (متى26: 39) (وهنا ظهرت مشيئته الإنسانية بأن يعفى من الآلام) ولكنه أردف قائلاً: “ولكن لتكن مشيئتك وليس مشيئتي” (متى 26: 39) (وهنا أخضع إرادته الإنسانية خضوعاً كاملاً للمشيئة الإلهية).

ولكون الإرادة الإنسانية في المسيح متميزة عن الإرادة الإلهية لذلك كان من الممكن أن تجرب بالاستقلال عن الإرادة الإلهية. وبالفعل جُرب المسيح لكي يصبح شبيهاً لنا بكل شيء حتى بتجاربنا. وقد روى لنا الإنجيل تجربتين حدثتا له إحداهما هي تجربته في البرية بعد صيامه (متى 4: 1-11) والثانية تجربته برفض الآلام (متى 26: 39). ولا بد أن يسوع مر بتجارب أخرى طيلة حياته ولكنه كان دائماً باختياره يخضع إرادته الإنسانية لإرادة الآب وهكذا لم يرتكب خطيئة مع أنه شابهنا بكل شيء. لذا استطاع أن يتحدى أعداءه سائلاً إياهم بجرأة لا يقوى إنسان عليها: “من منكم يوبخني على خطيئة؟” (يوحنا 8: 36). لذلك أيضاً استطاع أن يقول لتلاميذه قبل آلامه: “لأن رئيس هذا العالم يأتي (أي الشيطان) وليس له فيّ شيء” (يوحنا 14: 30). وبهذا المعنى أيضاً كتب عنه الرسول بطرس: “إنه لم يعلم خطيئة ولا وجد في فمه غش” (1بطرس 2: 22).

هكذا شاء الإله المتجسد أن يتخذ إرادة بشرية تامة لكي يجدد من الداخل إرادتنا الإنسانية المنفسدة وشاء أن يمر بتجاربنا كي يعطينا قوة التغلب على التجارب.

أسئلة:

  1. من الذي أطلق على الإله المتجسد اسم “يسوع”؟ (أنظر لوقا 1: 31 ومتى 1: 31). وما معنى هذه الكلمة؟
  2. من هم “مسحاء الرب” في العهد القديم؟ مالعلاقة بين تسميتهم “بمسحاء” وتسمية يسوع بـ “المسيح”؟
  3. ما معنى قول الكنيسة الأرثوذكسية بأن للمسيح طبيعتين “بدون انقسام أو انفصال أو تحول أو اختلاط”؟ كيف يعطيا الحديد المحمى بالنار صورة عن ذلك؟
  4. ما هي أهمية هذه العقيدة لفهمنا الخلاص؟
  5. هل تعلم شيئاً عن البدعة النسطورية وعن المجمع الذي حكم عليها؟ كيف يفهم من الكتاب المقدس أن الألوهة في المسيح ملازمة للناسوت منذ الحبل به؟ (أنظر لوقا 1: 43) وفي حين آلامه وصلبه؟ (أنظر 1 كورنثوس 2: 8 وأعمال 20: 28). هل يمكن أن نفهم الخلاص إذا لم نعتقد أن الألوهة في المسيح متحدة اتحاداً صميمياً بناسوته؟
  6. هل تعلم شيئاً عن بدعة “الطبيعة الواحدة” وعن المجمع الذي حكم عليها؟ كيف يظهر من الإنجيل أن المسيح إنسان تام وأن طبيعته الإنسانية لم تذب وتضمحل في الطبيعة الإلهية؟ هل تذكر حوادث إنجيلية يتصرف فيها المسيح في الظرف الواحد تارةً كإله وطوراً كإنسان؟ (أنظر مثلاً حادث السامرية، يوحنا 4: 5-42، وحادث إقامة لعازر، يوحنا 11: 1-44). ألا تظهر هذه الحوادث أن الطبيعتين الإلهية والإنسانية قائمتان كلاهما ومتميزتان إحدهما عن الأخرى في شخص المسيح الواحد؟
  7. هل تعلم شيئاً عن بدعة “المشيئة الواحدة” وعن المجمع الذي حكم عليها؟ كيف يظهر من الإنجيل أن في المسيح مشيئتين وكيف تظهر العلاقة بينهما؟ (أنظر يوحنا 5: 30 ومتى 26: 39). ألا ينتج عن ذلك أنه كان ممكناً أن يجرّب المسيح؟ ألم يذكر الإنجيل أنه جُرِّب بالفعل؟ (أنظر متى 4: 1-11 ومتى 26: 39). ولكن هل ارتكب المسيح خطيئة أو مخالفة للإرادة الإلهية؟ (أنظر يوحنا 8: 36 ويوحنا 14: 30 و1 بطرس 2: 22). ما معنى اتخاذ الإله المتجسد إرادة إنسانية تامة وقبوله باحتمال التجارب، بالنسبة لخلاصنا؟

5. ملحق:

عاش القديس أثناسيوس الإسكندري في القرن الرابع واشترك في المجمع المسكوني الأول سنة 325 إذ كان مساعداً لبطريرك الإسكندرية آنذاك إسكندر (ألكسندروس).

عقد هذه المجمع للنظر في تعليم آريوس الذي أنكر ألوهة الابن فأقرّ بطلان هذا التعليم. ثم انتخب القديس أثناسيوس بطريركاً على الإسكندرية واستمر يعلم الإيمان المستقيم في عظاته ورسائله ويدحض التعاليم الآريوسية:

  • “إن طابع الكتاب المقدس وغايته هما كما قلت لكم مراراً التبشير بعقيدتين خاصتين بالمخلص.
  • إنه إله من الأزل وهو الأقنوم الثاني أي الابن وهو مجد الآب وحكمته بصفته الكلمة.
  • وفي الزمن أخذ الابن جسداً من العذراء مريم والدة الإله وصار إنساناً من أجلنا.
  • وحينما نتصفح الكتاب المقدس نجد في العهد القديم التعاليم الخاصة بالكلمة وفي العهد الجديد أي الإنجيل نجد الإله المتجسد <<لأن الكلمة صار جسداً وحل فينا>>. هكذا كتب يوحنا الرسول في بدء إنجيله.
  • حتى لا نسقط في ضلال جديد. فهناك قوم يمكنهم أن يفكروا هكذا قائلين: في قديم الزمان كان الكلمة يأتي في كل واحد من القديسين. وقد أتى الآن أيضاً بالطريقة نفسها في إنسان. وجعله هو أيضاً قديساً بظهوره فيه كما ظهر في الآخرين.
  • لو كان الأمر كذلك، أي لو أن تجسد الكلمة كان على نحو ظهوره في القديسين، لما كان هناك أي عجب، ولما تساءل أولئك الذين شاهدوه وعاينوه قائلين: من أين أتى هذا؟ ولما أضافوا: كيف وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً؟ (يو 10: 33).
  • في الحقيقة أن كلمة الله الذي به كان كل شيء، رضي أن يصير إنساناً، وتواضع على حد تعبير بولس الرسول الذي قال عنه: أخذ صورة العبد. ولذلك صار الصليب موضوع شك لليهود.
  • أما بالنسبة لنا فالمسيح هو قوة الله وحكمته (1كور 1: 22 و24).
  • وقال يوحنا الرسول: والكلمة صار جسداً.
  • في الزمن السابق كان الكلمة يأتي في القديسين ويقدس أولئك الذي يقبلونه باحترام. ولكنه لم يصر واحداً معهم. ولم يقل أحد عنهم عند ميلادهم: أن الكلمة صار جسداً. وعندما تألمموا لم يقل أحد عنهم: أن الكلمة قد تألم.
  • ولكن حينما أتى الكلمة على الأرض مولوداً من مريم، ولأن الآب <<رأى ابنه بالطبيعة مولوداً من امرأة>> (غلاطية 4: 4) حينئذ قيل عنه: أنه أخذ جسداً وصار إنساناً. وفي هذا الجسد تألم من أجلنا كما يقول بطرس الرسول: إن المسيح تألم من أجلنا في جسده (2 بطرس 2: 24 و1 بطرس 4: 1) ليظهر للجميع ويجعلهم يؤمنون أنه إله منذ الأزل، ويقدس أولئك الذين يأتي فيهم. وهو يعمل كل شيء حسب إرادة أبيه. وفي الزمن صار هو ذاته إنساناً من أجلنا. وكما يقول بولس الرسول: سكن اللاهوت جسمياً في جسده (كولوسي 2: 9) وكأننا نقول: وإذ هو إله أخذ جسده ذاته واستعمله كآلة، وصار إنساناً من أجلنا.
  • ولذلك امتلك كل مايخص الطبيعة البشرية: أي الجوع والعطش والألم والتعب وماشابه ذلك مما يتعرض له الإنسان. وكذلك الأعمال الخاصة بالكلمة: كإقامة الموتى وشفاء المرضى. وكان يقوم بها بواسطة جسده ذاته. وهكذا احتمل الكلمة أمراض الجسد وعاهاته. لأن الجسد كان جسده. وكان جسده مشتركاً في أعمال ألوهته. لأن الألوهة كانت في الجسد، ولأن هذا الجسد كان لله.
  • أجل فإن الرب حينما قبل أن يلبس الطبيعة البشرية، لبسها كاملة ولبسها بعاهاتها.
  • من ذا الذي لا يعجب لذلك؟ من ذا الذي لا يعتبر ذلك عملاً إلهياً؟ نعم فلو لم تتم أعمال ألوهة الكلمة في الجسد، لما استطاع الإنسان أن يشترك في الألوهة.
  • إنما الآن كما في أن جميع من يولدون من الأرض يموتون في آدم. فإنهم كذلك أيضاً يجدَدون من فوق بالماء والروح. ولكنا نحيا في المسيح. ولم يعد جسدنا مرتبطاً بالأرض ولكنه يتجلى بكلمة الله الذي صار جسداً بيننا.”… القديس أثناسيوس الإسكندري
Facebook
Twitter
Telegrama
Whatsapp
PDF
pt_BRPortuguese
Rolar para cima