☦︎
☦︎

عندما صار مخلصنا إنساناً طلب أول ما طلبه أن يعرفوه. هذا ما أظهره وعلمه منذ البداية ومن أجـل هذه الغاية تجسد مكرساً ذاته من اجلنا:” أتيت إلى العالم لأشهد للحقيقة” (يوحنا 8: 37). فالحقيقة هـي المسيح. تجنّب المخلص أن يقول ذلك تواضعاً” لكي لا اشهد عن نفسي”. وهذا ما يستمر على فعله مع المعمدين. أنه يشهد للحقيقة ويبعدهم عن الخيرات الخداعة ويقوم واهباً الخير الحقيقي بكشفه لهم نفسه حسب تعبيره (يوحنا 18: 37 و 14: 22).

الأفعال كما قلت تظهر أن هذه التأكيدات أساسية وأن المعمدين يتميزون بنوع مـن الإدراك الإلهـي. وإذا كانت هذه الحقيقة تحتاج إلى براهين قاطعة من قبل الكثيرين من الرجال القديسين فمـا علينـا إلا أن نقرأ صاحب النفس الشفافة المشعة ونسمع الصوت الرنان كالذهب، صوت يوحنا الذهبي الفم: “أن مجد االله ينعكس كما مرآة ليحولنا إلى صورته. ماذا يعني ذلك؟ كان من السهل أن نفهم ذلك لو كانـت العجائب فينا أكثر حيوية في فعلها الكامل. هذه الحركة تظهر في الوقت الحاضـر عنـد المـستنيرين بالإيمان. عندما نعتمد تصبح نفسنا المطهرة بالمعمودية أكثر إشعاعاً من الشمس لا من حيث طبيعتهـا الخاصة فحسب بل بسبب بريق الشمس لأنها تقبل من الروح شعاع المجد حتى تنتهي بامتلاك إشـعاع خاص بها، ولا تصير كذلك إلا بروح السيد الذي ينقل لها ذلك”. ويقول في مكان آخر: “أتريـدون أن تصبح هذه الحقيقة محسوسة؟ تذكروا القديس بولس والقديس بطرس اللذين كان لهمـا تـأثير عظـيم، الواحد بثيابه والثاني بظله. لم يكن للثياب زهوة ولا للظل لو لم يكن الرسولان من حملة صورة الملك ولو لم يكن إشعاعها انعكاساً لمجد لا يدرك. فالعباءة الملوكية توحي بالخوف لفاعلي الشر. أتريـدون أن تروا هذا الإشعاع من خلال الجسد؟ أن وجه استفانوس ظهر للأعين الشاخصة إليـه كأنـه وجـه ملاك (أعمال 6: 1)، لا شيء يوازي البهاء الداخلي. ما حمله موسى فوق جبينه حمله القديـسون فـي أعماق قلوبهم بصورة أكثر بهاء. كان إشعاع موسى حسياً وإشعاع الرسل فوق الحس. الذرات المشعة من أجسادٍ مشعة تنعكس على الأشياء المحيطة بها وتنقل إليها إشعاعها، وهذا ما يقال عن المـؤمنين، أن النفوس المختارة تنفصل عن الأرض ولا تحلم إلا بالسماء. ولكن ويا للأسف! هناك ما يدعو إلـى البكاء والنحيب عندما نفكر أننا نحن، ورثة هذا الشرف العظيم، لا نفهم حتى ما قيل لنا. ننسى سـريعاً ونترك أنفسنا في يد الأشياء الأرضية الخداعة. المجد الفائق الوصف يسكن فينا ليـوم أو يـومين ثـم نطفئه باحتضاننا لزوبعة أحلامنا العادية وأعمالنا اليومية وبحجبنا الأشـعة بغيمـة كثيفـة. وهكـذا لا يستقي المؤمنون من أجران المعمودية كما نتصور معرفة بسيطة عن االله تقوم علـى أخـذ فكـرة أو معلومات سطحية عنه أو نفرض إيماناً بسيطاً بل معرفة أكثر عمقاً وكمالاً وموضـوعية ونخطـئ إذا اعتقدنـا أن هذا البرق الخاطـف يدخل إلى النفوس شعاعاً مقيماً من أشعـة الذكاء ينطفئ خلال يوم أو يومين وسط الضجيج والضوضاء. أن الإيمان، لا أحد يجهل ذلك، ينـشىء لاهوتـاً مهمـا كـان الاهتمام به قليلاً ويعرف ما هو الخلاص والحكمة الحقيقية حتى ولو كان الإنسان غارقاً فـي ظلمـة الشهوات. ويستنتج من هذا كله أن الإدراك الإلهي يأتي عن الاتصال المباشر باالله في الوقـت الـذي يأتي فيه الشعاع الإلهي لو لامس النفس بصورة غير منظورة.

كل الطقوس التي ترافق الغسل في المعمودية ترمز بدقة إلى هذا الإشراق، فالاحتفال هذا هو احتفال الأنوار والشموع والأناشيد وحركات الكورس والمظاهر الظريفة. كل شيء مفرح حتى أثواب المعمودية الناصعة البياض معدة للذين سيرون النور.

أن البرقع الذي يغطي الرأس يرمز إلى الروح القدس وشكله يعلن حضور المعزي لأنه على شكل لسان يغطي الرأس، وعلينا أن نحافظ على قدر الإمكان على هذا الشكل الذي ظهر به الروح القدس عندما عمد الرسل في البدء. يستقر فوراً فوق هذا القسم من الجسد ويمكن رؤيته فوق رأس كل إنسان شعلة على شكل لسان، وذلك حسب اعتقادي لإدراك السبب من نزول الروح القدس، وهو بشارة الذين يجهلون الكلمة المساوي له في الجوهر. هذا هو دور اللسان المترجم لحركات النفس الصميمة المعبرة عن مكنون الداخل. وهكذا يظهر الكلمة الآب والروح القدس الابن ويقول يسوع عن أبيه” لقد مجدك” (يوحنا 17: 4)، ولهذا ظهر الروح القدس للرسـل تحت هذا الشكل. أن البرقع الرمزي يعيدنا إلى هذه العجيبة، إلى هذه الذكرى، إلى هذا اليوم المقدس الذي صار شاهداً للمعمودية الأولى. يذكرنا بأن أولئك الذين قبلوا الروح القدس أولاً نقلوه إلى خلفائهم وهؤلاء إلى من جاء بعدهم وهكذا إلى أيامنا. لا تلغي هذه الموهبة إلا عند ظهور الواهب بالذات فالسيد إذ ذاك يبعد كل برقع ويمنح الصديقين رؤيته بالذات. أما الآن فلا نستطيع أن نصل إليه إلا على قدر ما يسمح به برقع الجسد السميك.

أن الفرح الذي لا يعبر عنه والمحبة العزومة هما من نتاج الرؤية الإلهية ويجب أن تعزى الكـشوفات العظيمة لهذا الفرح ولهذه المحبة، وكذلك الأعمال الخارقة والسير الظافر المنتصر وسـط الحـواجز والمصاعب. فلا التجارب ولا المسرات تستطيع أن تجذب أو أن تجر إليها الذين هم تحـت سـلطان وسيطرة محبة كهذه المحبة.

Facebook
Twitter
Telegrama
Whatsapp
PDF
☦︎

Informação Sobre a página

Endereços O artigo

contente Seção

Etiquetas Página

الأكثر قراءة

Rolar para cima