Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

في عرض خطير يقدم لنا القديس يوحنا كاسيان خطورة خطية المجد الباطل. فكل الخطايا الأخرى، مهما استخدمت من وسائل الخبث والخداع، فإنه إذ يجاهد الإنسان ضدها تضعُف أمامه. أما خطية المجد الباطل ففريدة، إذ تقاتل المؤمن بذات أسلحته، أي بنصرته. فكلما انتصر على أية خطية حتى على خطية المجد الباطل ذاتها، تجد الخطية مجالاً أقوى لتحاربه بذات نصراته.

خطية المجد الباطل تحارب المؤمن جسديًا وروحيًا، إن ارتدى ثيابًا فاخرة ونال كرامات وتمتع بالنجاح حاربته بذات هذه الأمور، وإن ارتدى ثيابًا رثه واتضع هاربًا من الكرامة تحاربه في أعماقه كمن هو افضل من غيره. ضل من غيره.

محاربة خطية “المجد الباطل” تحتاج إلى نعمة خاصة من قبل الله مع الجدية والحذر الدائم.

يقول القديس يوحنا كاسيان:

[لأنه حين لا يستطيع إبليس أن يصطنع المجد الباطل في إنسانٍ عن طريق حسن هندامه وأناقة لباسه، يحاول اصطناعه عن طريق زيّ أشعث ولباس قذر مهمل.

 إذا لم يستطع أن يسقط إنسانًا بالفخر يسقطه بالاتضاع.

وإذا لم يستطع أن يدفعه للتعالي بنعمة المعرفة والفصاحة يسحبه إلى أسفل تحت ثقل الصمت.

وإذا صام إنسان علانية هاجمه كبرياء الزهو والغرور، وإذا أخفاه احتقارًا لما يسفر عنه من فخار وقع فريسة لخطية الكبرياء ذاتها.

وكي لا تدفعه وصمة المجد الباطل فإنه يتجنب إطالة الصلوات على مرأى من الاخوة، لكن لأنه يمارسها سرًا، دون أن يشعر به أحد لا ينجو من كبرياء الزهو.] (فصل 4)

يقول القديس أوغريس:

[فكر “المجد الباطل” هو أخبث أنواع الأفكار.

يأتي هذا الفكر للسالكين في حياة البر، ويبتدئ الإنسان يمجّد جهاده ويجمع لنفسه مديح الآخرين له. فيتصور فزع الشياطين منه، شفاءه للنساء، ازدحام الجماهير حوله يلمسون هدب ثوبه، وأخيرًا يتنبأ له بتكريسه للكهنوت. وأن الناس يفدون إليه ليجعلوه كاهنًا، وعندما يرفض الكهنوت يقيدونه ويقودوه رغمًا عنه.

بعدما يشعل الشيطان فيه هذه الآمال الكاذبة، ينسحب تاركًا المجال لمحاربات أخرى يقدمها شيطان الكبرياء أو شيطان التذمر، الذي يأتي حالاً ويعرض عليه أفكارًا مضادة لهذه الآمال، حتى أنه في بعض الأوقات يستسلم لأفكار شيطان الزنا، هذا الذي منذ لحظات كان يرى في نفسه أنه قديس وكاهن وقور![2]]

القمص تادرس يعقوب ملطي

الفصل الأول

سابع صراع لنا موجه ضد المجد الباطل، وما هي طبيعته

سابع صراع لنا موجه ضد روح الخيلاء، التي يصح أن نسميها روح المجد الباطل أو العاطل. وهي روح تأخذ أشكالاً كثيرة، كما أنها متقلبة ماكرة. لذلك يتعذر، لا أقول الاحتراس منها، بل رؤية أغوارها واكتشافها، حتى على أشد العيون حدة.

الفصل الثاني

لا يكتفي المجد الباطل بأن يهاجم الراهب من الناحية الجسدية بل والروحية

لأن هذا لا يكتفي، كبقية السقطات، بأن يهاجم الراهب من الناحية الجسدية بل والروحية أيضًا، متسللاً داخل العقل بالحيلة والخداع. حتى أن أولئك الذين لا يمكن التغرير بهم عن طريق الرذائل الجسدية، يُصابون بجرح غائر في صميم قدراتهم الروحية، والقتال ضده أكثر صعوبة، والاحتراس منه أيضًا أكثر صعوبة.

هجوم كل الرذائل الأخرى صريح ليس فيه التواء، وفي حالة كل منها عندما يقابل من يثيرها بالرفض البات ينصرف وهو أكثر ضعفًا. وحين يهاجم العدو المنهزم فريسته مرة أخرى يكون أقل قوة. أما هذه الآفة، فحين تهاجم العقل عن طريق الكبرياء الجسدية ويصدّها بردٍ حاسمٍ وورعٍ تبقى ثابتة مثل بعض الشرور التي تأخذ أشكالاً عدة، فتغير تنكُرها الأول وطبعها، وتحاول تحت مظهر الفضيلة أن تسدد لقاهرها ضربة قاصمة تحطمه وتقضي عليه.

الفصل الثالث

كيف يأخذ المجد الباطل لنفسه أشكالاً وهيئات عدة

يمكن القول أن جميع السقطات والنزوات أكثر بساطة وذات شكل واحد فقط، أما المجد الباطل فيأخذ أشكالاً وهيئات كثيرة، ويتنقل ويهاجم الإنسان من كل جهة. ينقض على قاهره من جميع الجوانب، لأنه يحاول أن يؤذي جندي المسيح في لباسه وسلوكه وسيره وصوته وعمله وأسهاره وأصوامه وصلواته وحين ينسحب وحين يُطالع وفي معرفته وفي صمته وفي طاعته وفي تواضعه وفي صبره كصخرة بالغة الخطورة تخفيها الأمواج الصاخبة. فإنها تكون سببًا في دمار غير مرتقب للذين يبحرون مع نسيمٍ وريحٍ هادئٍ، ماداموا غير متيقظين أو محترسين منها.

الفصل الرابع

كيف يهاجم المجد الباطل الراهب من اليمين ومن الشمال

من يصبو أن يسير قدمًا في الطريق الملكي “بسلاح البر لليمين ولليسار“، ينبغي وفق تعليم الرسول أن يمر “بمجد وهوان، وبصيت رديء وصيت حسن” (2كو7:6،8)، وبعناية لتوجيه مجراه المستقيم وسط أمواج التجارب المتلاطمة. وبحذر نمسك بالدفة، ويهب روح الرب وينشر عبيره من حولنا، مادمنا نعلم أننا إذا انحرفنا قليلاً نحو اليمين أو اليسار سرعان ما تتحطم سفينة حياتنا فوق الصخور الوعرة.

لذلك حذرنا سليمان الحكيم قائلاً: “لا تمل يمنة ولا يسرة” (أم27:4). بمعنى لا تمتدح فضائلك أمام نفسك. أو تزهو بإنجازاتك الروحية من اليمين، ولا تتحول إلى طريق الرذائل نحو الشمال، وتختار من هذه الرذائل لنفسك، وباستخدام كلمات الرسول: “فخرًا في خزيك” (في19:3).

لأنه حين لا يستطيع إبليس أن يصطنع المجد الباطل في إنسانٍ عن طريق حسن هندامه وأناقة لباسه، يحاول اصطناعه عن طريق زيّ أشعث ولباس قذر مهمل. إذا لم يستطع أن يسقط إنسانًا بالفخر يسقطه بالاتضاع. وإذا لم يستطع أن يدفعه للتعالي بنعمة المعرفة والفصاحة يسحبه إلى أسفل تحت ثقل الصمت. وإذا صام إنسان علانية هاجمه كبرياء الزهو والغرور، وإذا أخفاه احتقارًا لما يسفر عنه من فخار وقع فريسة لخطية الكبرياء ذاتها. وكي لا تدفعه وصمة المجد الباطل فإنه يتجنب إطالة الصلوات على مرأى من الاخوة، لكن لأنه يمارسها سرًا، دون أن يشعر به أحد لا ينجو من كبرياء الزهو.

الفصل الخامس

مقارنة تبين طبيعة المجد الباطل

يصف شيوخنا في براعة طبيعة هذا الداء أنها كالبصلة، كلما نزع المرء إحدى طبقاتها وجدها مغلفة بطبقة أخرى، وعلى قدر تعريتها نجدها مُحصنة.

الفصل السادس

لا يمكن التخلص من خطية المجد الباطل بميزات الوحدة

في الوحدة أيضًا لا تكف عن ملاحقة ذاك الذي هرب من الاتصال بجميع الناس التماسًا للفخر. وكلما زاد أيّ إنسان في رفضه التام للعالم ازدادت ملاحقتها الملحة له. وهي تحاول أن ترفع بالكبرياء شخصًا ما بسبب شدة احتماله للعمل والمشقة، وآخر بسبب استعداده التام للطاعة، وثالث لأنه يسمو عن الآخرين بتواضعه.

قد يُجرب إنسان بسعة إطلاعه، وآخر بكثرة مطالعته، وثالث بطول أسهاره. وهكذا لا تحاول هذه الآفة أن تصيب إنسانًا إلا عن طريق فضائله، مقحمة عراقيل تؤدي إلى الموت بوسطة تلك الأشياء ذاتها التي تنشد فيها زاد الحياة. ذلك لأن الناس حين يتطلعون للسير في طريق القداسة والكمال، لا يضع الأعداء شباكهم في أي مكان ليخدعوهم بل في الطريق الذي يسيرون فيه، مصداقًا لقول داود الطوباوي: “مدوا لي شبكة بجانب الطريق، وضعوا لي أشراكًا” (مز5:14). حتى أننا في ذات طريق الفضيلة الذي نسير فيه، مجدين في طلب “جعالة دعوتنا العليا” (في14:3) قد نتعالى بما نحرزه من النجاح ومن ثمة نسقط، وتطبق شباك الزهو على أقدام أرواحنا. لهذا فإن الذين من بيننا لا يتيسر قهرهم في المعركة ضد العدو ينهزمون بعظمة النصرة ذاتها. أو من ناحية أخرى (وهي نوع آخر من الخداع) باستنفاذ أقصى ما لدينا من طاقة ضبط النفس نعجز عن المثابرة في سيرنا بسبب الضعف البدني.

الفصل السابع

يرفع المجد الباطل رأسه عند هزيمته وهو أكثر حماسًا للقتال عن ذي قبل

كل الرذائل تضعف عند هزيمتها، وعند قهرها تتخاذل يومًا فيومًا. وفي علاقتها بكل من المكان والزمان تتضاءل وتنزوي، أو على أية حال فلعدم تشابهها بالفضائل المضادة، يسهل رفضها وتحاشيها. لكن هذه الرذيلة، حين تُقهر، تقوم من سقطتها لمعاودة القتال أشد ضراوة. وحين تتوهم أنه قد قُضي عليها تسترد الحياة ثانية. وهي أشد قوة بسبب موتها!

عادةً لا تهاجم الأنواع الأخرى من الرذائل سوى أولئك الذين هزمتهم في القتال. أما هذه فهي تلاحق المنتصرين عليها وهي أكثر حدة، وكلما زادت مقاومة المرء لها زادت مهاجمتها له لتعاليه بالانتصار عليها؛ هنا يكمن دهاء عدونا المخادع. أعني في الواقع حيث لا يستطيع قهر جندي المسيح بأسلحة العدو، عندئذ يخضعه بذات حرابه.

الفصل الثامن

لا تخف وطأت المجد الباطل في الصحراء ولا مع تقدم السن

كما قلنا إن بعض الرذائل أحيانًا تخف وطأتها بما يهيئه لها الموقف من تيسيرات، وكذلك عند زوال مادة الخطية والفرصة المتاحة لها، فإن هذه الرذائل تخزى. لكن هذه الخطية تخترق الصحاري مع الإنسان الهارب منها، كذلك لا يمكن حبسها عن أيّ مكان، أو أن يبدو عليها العجز عند إزالة أية مادة خارجية من طريقها. لأنها تجد ما يشجعها في مآثر فضائل الإنسان الذي تهاجمه. لأن جميع الرذائل الأخرى، كما قلنا آنفًا تتضاءل أحيانًا مع مرور الزمن وتختفي، أما مع هذه فطول الحياة، إن لم يدعمه جد بارع وتعقل حصيف، لا يعوقها بل يمدها فعلاً بوقود جديد للغرور.

الفصل التاسع

يصبح المجد الباطل أشد خطورة لدى اختلاطه بالفضائل

أخيرًا فالنزعات الأخرى التي تختلف تمامًا عن الفضائل التي تناقضها، والتي تهاجمنا في صراحة كما لو كانت في وضح النهار، يسهل هزيمتها والاحتراس منها، أما هذه فإذ هي متداخلة في نسيج فضائلنا، متورطة في المعمعة، فإن القتال كما لو كان تحت ستار من ظلام الليل يخدع بشكلٍ خطر أولئك الذين تعوزهم الحيطة والحذر.

الفصل العاشر

مثال يظهر كيف أن الملك حزقيا أسقطه رمح المجد الباطل

نقرأ عن حزقيا ملك يهوذا أنه كان رجلاً بارًا كاملاً في كل شيء، ومشهودًا له من الأسفار المقدسة، سقط بسهمٍ واحدٍ من المجد الباطل، بعد أن تعددت فضائله. وهكذا قهر التفاخر والغرور ذاك الذي استطاع بصلاة واحدة أن يقضي على مائة وخمسة وثمانين ألف جنديًا من جيش الأشوريين، بواسطة الملاك في ليلة واحدة. سأغفل عن ذكر قائمة فضائل هذا الملك الطويلة، مكتفيًا بواحدة منها فقط. فبعد أن حدد الرب ختام حياته ويوم وفاته، وفُق بصلاة واحدة أن يمدها خمسة عشر عامًا. ورجعت الشمس إلى الوراء عشرة درجات، كانت قد تقدمتها صوب الغروب، وبعودتها بددت خطوط الظل التي تبعت مسارها. وبهذه المعجزة الخارقة لنواميس الطبيعة امتد النهار الواحد نهارين للعالم كله. ومن ثمَّ اطمأن حزقيا الملك إلى أن الرب سيهبه الشفاء وطول العمر. لكن بعد علامات عظيمة بهذا القدر لا يكاد يصدقها العقل، وبعد مثل هذه الأدلة على طيبته، اسمع ماذا يقول الكتاب المقدس عن ضروب هذا النجاح بالذات الذي قضى عليه: “في تلك الأيام مرض حزقيا إلى حد الموت، وصلى إلى الرب، فكلمه وأعطاه علامة” (2مل20)… تلك التي قرأنا عنها في السفر الرابع من الملوك، التي ذكرها إشعياء النبي بصدد رجوع الشمس إلى الوراء… لكن يقول الكتاب المقدس “لم يرد حزقيا حسبما أُنعم عليه، لأن قلبه ارتفع فكان غضب عليه وعلى يهوذا وأورشليم، ثم تواضع حزقيا بسبب ارتفاع قلبه هو وسكان أورشليم، فلم يأتِ عليهم غضب الرب في أيام حزقيا” (2أي24:32،26).

يا لخطورة آفة الخيلاء وشناعتها! عمل واحد أساسه الكبرياء يقضي على هذا القدر الكبير من التقوى وعديد من الفضائل والإيمان وصدق العبادة! هكذا فإن أفعاله الخيرة كان سيطويها النسيان كأن لم تكن، فيبوء بغضب الرب، لولا أنه استرضاه باسترداد تواضعه. ومن ثمَّ فالذي سقط من ذروة الفضيلة يستطيع الارتقاء إلى ذات الذروة التي انحدر منها بالتواضع في الخطوات ذاتها. أتريد أن ترى نموذجًا آخر لسقطة مماثلة؟

الفصل الحادي عشر

مثال الملك عُزيّا الذي قضت عليه وصمة الآفة ذاتها

أما عُزيّا سلف هذا الملك الذي كنا نتحدث عنه، فهو الآخر ممن شهد لهم الكتاب المقدس بعديد من المناقب. لكنه بعد أن تذكى بفضائله والانتصارات الكثيرة التي أنجزها بفضل صدق عبادته وإيمانه، سقط فريسة للكبرياء والمجد باطل. يقول عنه الكتاب المقدس: “واشتهر اسم عُزيا لأن الرب ساعده وشدده، ولكنه لما تشدد ارتفع قلبه إلى الهلاك وخان الرب إلهه” (2أي15:26،16). ها أنت ترى مثالاً آخر لسقطة بالغة الشناعة.

هكذا فإن رجلين على هذا القدر من الاستقامة والفضيلة قضت عليهما ضروب نصرتهما وغلبتهما. من هذين النموذجين نرى مدى خطورة تعدد ألوان النجاح والازدهار. الذين لا تستطيع الشدائد أن تؤذيهم، قد يدمرهم الرجاء ورغد العيش، ما لم يأخذوا حذرهم. وأولئك الذين نجوا من السقوط صرعى أثناء القتال، يسقطون أمام غنائمهم وانتصاراتهم.

الفصل الثاني عشر

شهادات متعددة ضد المجد الباطل

يحذرنا الرسول قائلاً: “لا نكن مُعجبين” (غل26:5). ويوبخ الرب الفريسيين قائلاً: “كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجدًا بعضكم من بعضٍ، والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه؟!” (يو44:4) وعن هؤلاء أيضًا يتكلم داود المبارك مهددًا: “بدد الرب عظام من يمالقون الناس” (مز5:53).

الفصل الثالث عشر

في الأساليب التي يهاجم بها المجد الباطل أحد الرهبان

أيضًا في حالة المبتدئين والذين لم يتقدموا إلا قليلاً إما في قدرات العقل أو في المعرفة، هؤلاء ينتفخون في أفكارهم، إما بسبب حلاوة أصواتهم وحسن تراتيلهم، أو بسبب نحول أجسادهم أو حسن منظرهم، أو غنى أسرهم وعراقة مولدهم، أو لأنهم رفضوا حياة الجندية وانصرفوا عن رتبها ونياشينها. وأحيانًا قد يدفع المجد الباطل شخصًا ما إلى الاقتناع بأنه لو لم يهجر العالم لأثرى في يسر وارتقى في مراتب الكرامة، الأمر الذي قد يكون بالنسبة له بعيدًا عن الإنجاز والتحقيق، فيتعالى وينتفخ بأملٍ باطل في أشياء غير مؤكدة. وفي حالة تلك الأمور التي لم يحققها قط يملأه الكبرياء والغرور كما لو كانت قد دانت له فعلاً فانصرف عنها واحتقرها.

الفصل الرابع عشر

كيف يدفع المجد الباطل إنسانًا ما أن ينشد الدرجات الكهنوتية

قد يخلق الزهو رغبة في الحصول على الدرجات الكهنوتية كأن يصبح المرء كاهنًا أو شماسًا. وقد يوهمه أنه إذا شغل هذا المنصب فإنه سينجز عمله في ورعٍ ودقةٍ، يجعلان منه مثالاً في القداسة يحتذي به الكهنة الآخرون. وأنه سينجي الكثيرين، ليس فقط بنمط حياته، بل أيضًا بوعظه وتعليمه. كذلك من شأنه أن يجعل الإنسان حتى وهو بمفرده جالسًا في صومعته يجول بفكره وخياله في الصوامع والأديرة الأخرى، ويقوم بهداية الكثيرين وهو في غمرة من الابتهاج الوهمي.

 الفصل الخامس عشر

كيف يسمم المجد الباطل العقل

تتأثر النفس التعسة بمثل هذا الغرور، كما لو كانت في غمرة من نوم عميق، حتى أنها كثيرًا ما تنساق في نشوة من مثل هذه الأفكار، وتمتلئ من هذه التخيلات، إلى حد لا يستطيع معه مجرد النظر إلى أشياء موجودة، أو إلى الاخوة، ما دامت تستمتع بالاستغراق في هذه الأشياء، التي تهيئ لها مع أفكارها الهائمة، كما لو كانت حقيقة لا مجرد أوهام.

الفصل السادس عشر

في شخص أقبل عليه الرئيس فوجده فريسة للمجد الباطل

أذكر وأنا في صحراء الإسقيط، ذهب شيخ إلى قلاية أخٍ آخر لزيارته، وحين وصل إلى الباب سمعه يتمتم في الداخل. فوقف دون حراك فترة قصيرة، مستطلعًا ما كان يقرأه من الكتاب المقدس، أو يردده من ذاكرته عن ظهر قلب (كما هي العادة) في أثناء العمل. وحين استرق السمع بأذنيه الحادتين، وهو متعجب! وجد أنه كان يلقي على الناس موعظة أخّاذة تستهوي الألباب. وحين سمعه الأخ الطاعن في السن وهو واقف دون حراك، ينهي خطابه، ويعود إلى مكانه ويصرف جموع المهتدين إلى الدين المسيحي، كما يفعل الشماس، حينئذ طرق الباب، فخرج إليه هذا الأخ واستقبله بما ألفه من تجله واحترام وأدخله معه ( ولعلمه بما سببته له أفكاره من قلق) سأله عن موعد وصوله لئلا يكون قد تضرر من انتظاره بالباب مدة طويلة. فأجابه الشيخ متفكرًا: “وصلت هنا بالضبط وأنت تصرف جمع المتنصرين”.

الفصل السابع عشر

لا يتيسر علاج السقطات إلا إذا تم اكتشاف جذورها وعللها

رأيت أنه من المستحسن أن أدخل هذه الأشياء في هذا المؤلف الصغير كي نتعلم، ليس بالشرح فقطن إنما بالأمثلة أيضًا عن شدة التجارب وسلطان الخطايا التي تؤذي نفسًا بائسة. ومن ثمَّ يلزم أن نكون أشد حذرًا في تجنب شباك العدو وضروب خداعه المتنوعة. لأن الآباء المصريين عرضوا هذه الأشياء، حتى أنهم بروايتهم لها، كمن لا يزالوا يعانون منها يكشفون عن المعارك ويبسطونها عارية، مع كل الرذائل التي يعانون منها فعلاً، والتي لابد أن سيعاني منها من هم أصغر سنًا. ومن ثمَّ فهم حين يوضحون الأوهام التي تسفر عن جميع النزعات يصبح المبتدئون والمتحمسون بالروح على دراية بسرّ حروبهم، إذ يرونها كما لو كانت في كوبٍ من زجاجٍ، يتطلعون على أسباب الخطايا التي تزعجهم، وضروب علاجها. ومادام يتم إرشادهم مسبقًا فيما يتعلق بطريقة فهم الحروب القادمة، يتعلمون كيف ينبغي الاحتراس منها أو ملاقاتها ومقاتلتها.

وكما أن مهرة الأطباء قد اعتادوا ليس فقط علاج الأمراض الموجودة فعلاً، بل ومحاولة تفادي الأمراض المتوقعة، ومنعها بوصفاتهم الطبية وجرعاتهم الشافية. كذلك فإن أطباء النفس الحقيقيين بوساطة المداولات الروحية، مثل ترياق سماوي، يقضون مسبقًا على تلك الأمراض الروحية التي قد تبرز، ولا يسمحون لها بالرسوخ في عقول من هم أصغر سنًا، إذ يكشفون لهم أسباب الآفات التي تهددهم، وأنواع العلاج التي تشفيهم.

الفصل الثامن عشر

كيف ينبغي أن يتجنب الراهب النساء والأساقفة

توجد حكمة قديمة ما زال الآباء يتداولونها، على الرغم من أنني لا أصرح بها دون أن أشعر بالعار من جانبي، إذ لم استطع تجنب لقاء شقيقتي، أو الفرار من بين يدي الأسقف، أعني أنه ينبغي على الراهب الفرار بكل الطرق من النساء والأساقفة. ذلك لأنه ما من أحد من الطرفين سيسمح لمن توطدت علاقته به أن يواصل الحرص على هدوء قلايته، أو أن يثابر بعينين طاهرتين على التأمل الإلهي عن طريق التغلغل إلى أعماق الأشياء المقدسة.

الفصل التاسع عشر

ضروب العلاج التي نستطيع أن نقهر بها المجد الباطل

جندي المسيح الذي يرغب في أن يجاهد قانونيًا في هذه المعركة الروحية الحقيقية، ينبغي أن يجاهد بكافة الطرق لقهر هذا الكائن غير سوي المتقلب المتعدد الأشكال، هذا الذي حين يهاجمنا من كل جانب مثل شتى الشرور المنوعة، نستطيع أن ننجو منه بعلاج كهذا:

التفكير في قول داود: “بدد الرب عظام من يمالئون الناس” (مز5:53). في البداية يجب علينا ألا نسمح لأنفسنا أن نعمل أيّ شيء بدافع من الغرور أو لإحراز أيّ مجد باطل. كذلك حين نكون قد بدأنا في شيء على نحو حسن، علينا ان نجاهد لتدعيمه بذات القدر من العناية، خشية أن يتسلل إلينا مرض المجد الباطل، ويلاشي كل ثمار أتعابنا.

أيضًا ينبغي تجنب أيّ شيء تافه النفع أو القيمة في حياة الاخوة العادية، كي لا يكون مدخلاً للمجد الباطل.

كما ينبغي أن ننأى عن كل شيء يميزنا عن الآخرين ويجعلنا أهلاً للتكريم بينهم، كما لو كنا نحن فقط القادرين على إنجازه.

بهذه العلامات نثبت أن وصمة المجد الباطل عالقة بنا، الأمر الذي كان يسهل علينا جدًا أن ننجو منه إذا حسبنا أننا لا نفقد فقط ثمار تلك الأعمال التي أنجزناها بدافع من الخيلاء، بل ونرتكب خطيئة عظمى. وكما أن غير الأتقياء من الناس سيقاسون العذاب الأبدي، إذ نسيء إلى الله بما نفعله في سبيل استرضاء الناس ما كان ينبغي أن نفعله في سبيله هو، هكذا يديننا المطلع على خفايا قلوبنا، إذ آثرنا الناس على الله، ومديح العالم على مديح الرب.


حاشية مرتبطة بالعنوان: ترجمة: الراهب باسيليوس السرياني (السابق).

[2] إلى أناتوليس عن الأفكار الثمانية، 8.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
sv_SESwedish
Rulla till toppen