في طقس كنيستنا الأرثوذكسية يتم تدشين الكنيسة بصلوات وطقوس خاصة فبالاضافة إلى قراءات من الكتاب المقدس والمزامير والرسائل والانجيل وكذلك الطلبات والقطع الخاصة بالتدشين ثم رش بناء الهيكل بالماء المقدس وتمسح بالميرون المقدس أيضاً. ويوضع جزء من ذخائر قديس (بقاياه) في المائدة أو الأنديمنسي (قطعة قماش بمثابة المائدة).
قد نتساءل لماذا هذه الطقوس ؟ ومن أين أتت؟
إذا عدنا إلى الكتاب المقدس يرينا في أول صفحة فيه كيف أن روح الرب كان يرفرف فوق المياه (أي أنه كان يحتضن الكون) وبعدها نقرأ كيف أن الرب خلق العالم (الأفلاك – اليابسة – النبات – الحيوان – الانسان) ورأى الله أن كل شيء حسناً.
فالخليقة كّلها تمجّد الله. وبعد سقوط الإنسان سقط الكون معه. لكن الله لم يترك خليقته فنزل بنفسه إليها ليخّلصها بشخص ابنه الحبيب يسوع المسيح الذي اتخذ جسده من طبيعة جسدنا الذي يحتوي على كل العناصر الموجودة في الخلق فتجسّد المسيح أعاد للإنسان والخليقة مكانها ومركزها وفتح أمامها الباب لتتجّلى ولتمتلئ كلها من نعمته وتصبح وسائل لنقل هذه النعمة ليتقدس بها الإنسان. فالماء في المعمودية يبقى من الناحية الفيزيائية ماء بعناصره المعروفة لكن بالصلاة عليه يكتسب نعمة خاصة من الله يتقدس بها المؤمن ويصبح عضواً في جسد المسيح كذلك الخبز والخمر في القداس الإلهي يتحولان بنعمة الروح القدس إلى جسد المسيح ودمه وهكذا..
لذا فالكنيسة الأرثوذكسية تحيط بالاحترام والمحبة كل شيء خلقه الله وكل شيء تحوّل بنعمته بل ُتعبّر عن الإكرام والورع والعبادة لله الذي أبدعها كلها فكل شيء يجب أن يُفعل “لمجد الله” ( 1 كور10: 31 ) لكي يُمجَّد الله في كل شيء بيسوع المسيح” ( 1 بط 4:11).
وُتعبِّر الكنيسة عن ذلك في الإفشين التالي: “… لكي بالعناصر والملائكة والبشر، والأشياء المنظورة، وغير المنظورة، يُمجّد اسمك الكلي التقديس، مع أبيك وروحك القدوس الآن وكل أوان والى دهر الداهرين آمين”.
إذاً الخليقة كلها تساهم بفرح في “حرية أبناء الله” لأنها تشارك في هذه الحرية (رو 8:21 ) أي بكونها تصبح ناقلة لنعمة الله فإنها تتحرر أيضاً من نير عبودية نتائج الخطيئة.
وهذا ما تعبّر عنه كنيستنا بطريقة فريدة في ليتورجيتها وهندسة كنائسها وشكل المذبح المقدس أو عرش الأسقف والمنبر المقدس، وجميع الأدوات التي تستعملها في العبادة، كالأواني المقدسة والشموع والبخور والزيت والقربان وسواها. فهذه الأشياء المادية كلها من مخلوقات الله ومن هباته للإنسان. وعلى الإنسان أن يعيدها ويقرّبها إلى الله، على غرار الخبز والخمر في سر الشكر الإلهي. وهكذا يتحول الخشب والألوان إلى أيقونة مقدسة، وتغدو جدران الكنيسة هيكلاً لله الحي، وتصير الشموع والبخور صلاة (1أخبار 29:10-16) الصلة بالمسيح وبجسده الإلهي تجعل هذه الأشياء المادية مشاركة في نعمة المسيح وتحولها إلى ينبوع لمواهب الروح القدس، لأنها تحاط بالروح وتتقدس بواسطته فنلمسها ونقبّلها باعتبارها شيئاً مقدساً.
أما بالنسبة لوضع ذخائر القديسين في المائدة. فكنيستنا تعتبر أن الشهيد هو المذبح الحقيقي للمسيح. وإكرام ذخائر القديسين عند المسيحيين عادة قديمة تعود إلى الأزمنة المسيحية الأولى، وهو تقليد مستمر في كنيستنا. ودليلنا من التقليد هو الشهيد بوليكاربوس أسقف ازمير وتلميذ الرسول يوحنا الانجيلي (مات حوالي 156- 15٧ م) فبقاياه توصف بأنها “أغلى من الحجارة الكريمة وأثمن من الذهب” وكان المؤمنون يقيمون القداس الإلهي على بقاياه هذه.
عن رسالة مطرانية اللاذقية
18-3-2001