هو أكثر القديسين شهرة في كنيسة المسيح، شرقاً وغرباً. فصورته، كما ارتسمت في وجدان الناس عبر العصور، هي صورة الراعي الصالح، على مثال معلمه. لا يترك إنساناً يستنجد به إلا هبّ إلى نجدته كائنة ما كانت حاله أو ضيقته أو حاجته. أكثر القديسين، كما نعرف، ارتبط ذكرهم بين الناس بحاجة محددة. هذه ليست حال القديس نيقولاوس.
القديس نيقولاوس على مر العصور بدأ وكأنه قديس لكل ظرف وحاجة. بهذا المعنى كان في هذا البلد أو ذاك، شفيعاً للتلاميذ والأولاد العاقلين والفتيات اللواتي لا مهر لهن والبحارة والصيادين والعتالين وباعة النبيذ وصناع البراميل وعمال البيرة والتجار والبقالين والقصابين والمسافرين والحجاج والمظلومين والمحكومين والمحامين والأسرى والصرافين وغيرهم. لذلك لا عجب إذا كانت الكنيسة عندنا قد خصته بيوم الخميس إكراماً واستشفاعاً، كما أدخلت اسمه في عداد النخبة من القديسين الذين يستعين بهم المؤمنون، على الدوام عبر الافشين الذي يتلى في صلاة السحر وغيرها من الصلوات والذي أوله: “خلص يا رب شعبك وبارك ميراثك…”
كل هذا ولا نعرف من أخبار القديس نيقولاوس قبل القرن التاسع للميلاد إلا القليل القليل، مع انه من المفترض أن يكون قد عاش وصار أسقفا ورقد بين القرنين الثالث والرابع الميلاديين. فأول من كتب سيرته بتوسع كان القديس سمعان المترجم حوالي العام 913م . وكان مثوديوس بطريرك القسطنطينية قد دون عنه قبل ذلك سيرة مختصرة حوالي العام 840م.
بين ما نعرفه أن الامبرطور البيزنطي يوستنيانوس بنى على اسمه في القسطنطينية سنة 530م كنيسة هي الكنيسة المعروفة باسم القديسين بريسكوس نيقولاوس، في حي بلاشيرن الشهير بكنيسة السيدة فيه. وعلى مقربة من المكان كان احد الأسوار يحمل اسمه. وعندنا للقديس نيقولاوس أيقونات أو رسوم حائطية منذ ذلك القرن أيضا، نشاهد بعضها في دير القديسة كاترينا في سيناء.
ولد القديس نقولاوس في أواخر القرن الثالث للمسيح من أسرة شريفة كثيرة الغنى والتقوى والفضيلة، كان في حداثته مثال التلميذ الكامل يلازم الرفاق الصالحين ويبتعد عن الأشرار، لا يضيع وقته في اللهو بل يكثر من حفظ العلوم، مات والداه وخلفا له ثروة طائلة فأخذ يبحث عن الفقراء والمعوزين ويعطيهم دون أن يشعروا من أين يأتيهم الإحسان، كان يذهب إليهم ليلاً وهو متخف و يسقط لهم النقود من النوافذ بدون أن يعلموا من أسقطه.
ومن أعماله المشهورة إنقاذه لثلاث فتيات من السقوط بالرذيلة التي فكر فيها والدهن ليوقعهن بها نتيجة لفقره ويأسه وذلك بالمتاجرة بأعراضهن، فلما سمع نقولاوس بهذا ذهب ليلاً ورمى له من النافذة مبلغاً من المال وتوارى عن الأنظار فلما أصبح الرجل وجد المال فدهش وعد ذلك عملاً إلهيا يؤنبه على ما كان ينوي عمله فندم وزوج ابنته الكبرى بذلك المال بشاب شريف النسب فعلم بذلك نقولاوس وفرح وأعاد الكرة مرة ثانية فزوج الأب إبنته الثانية ولما أعاد الكرة الثالثة، كان الوالد قد كمن له فوثب عليه وأمسكه فعرفه، فرجا منه نقولاوس أن لايعلم أحداً عن ذلك لكن الرجل قام بعكس ذلك وأخذ يذيع إحساناته التي عملها فطار صيته بين الناس في تلك البلاد .
ولما مات أسقف ميرا (في آسيا الصغرى أو كما تعرف اليوم بر الأناضول، هي “دمري” الحالية.) تضرع الأساقفة والإكليروس والشعب إلى الله بحرارة أن يلهمهم من يختاره لذلك المقام الخطير، فأوحي إليهم أن أول رجل يدخل الكنيسة ويدعى نقولاوس هو الذي اختاره الروح القدس ليكون راعيا ً لتلك الكنيسة. وفي الغد دخل نقولاوس كعادته باكراً إلى الكنيسة فكان أول الداخلين فعرفوا أنه هو ذلك العبد المختار من الله فمنحوه الدرجات الكهنوتية ورسموه أسقفاً على مدينة ميرا.
قبض عليه أيام الاضطهاد للمسيحيين في عهد الأمبراطور ذيوكلسيانوس وزج به في السجن ونال الكثير من العذاب والتحقير وبقي في السجن إلي أن تبوأ عرش القياصرة قسطنطين الكبير فأمر بإطلاق سراح جميع المسيحيين في السجون فخرج معهم، وعاد إلى حياة الجهاد في الكنيسة و قد حضر اجتماعات المجمع المسكوني الأول الذي عقد في نيقية سنة” 325″ م ضد بدعة آريوس الذي انكر ألوهية المسيح.
لقب القديس نقولاوس بصانع العجائب لما أجرى الله على يده من المعجزات فقد كان كثير العجائب في حياته وكثير العجائب بعد وفاته، ومن احدى عجائبه أن قبض الملك قسطنطين مرةً على ثلاثة من القضاة بتهمة وحكم عليهم بالإعدام، و كانوا أبرياء، فصلى أحدهم وتضرع إلي الله أن ينقذه هو ورفاقه المظلومين بشفاعة القديس نقولاوس فلم يتم صلاته حتى رأى الملك قسطنطين في الحلم شيخاً داخلاً عليه وقال له :” انهض أيها الملك واطلق سراح القضاة الثلاثة الذين حكمت عليهم بالإعدام لأنهم أبريأ وقد وشي بهم إليك ظلما ً”. دهش الملك وقال للشيخ :” من أنت حتى تكلمنى هكذا ؟” فقال :” أنا نقولاوس أسقف ميرا “. فقام الملك لساعته ودعا رئيس الشرطة وقص عليه ما رآه في الحلم فقال له رئيس الشرطة وأنا أيضاً رأيت نفس الحلم في منامي فأرسل الملك وأتي بالمحكومين و سألهم كيف أرسلوا الأسقف نقولاوس، ليشفع فيهم ؟ فصاح أحدهم وقال يا مولاى هو الله الذي استجاب لطلبي وأرسل الأسقف نقولاوس يدعوكم إلى إعادة النظر في دعوانا وقص عليه ما حدث، فأمر الملك أن تعاد محاكمتهم فأعيدت وثبتت براءتهم فشكروا الله على خلاصهم من الموت بشفاعة القديس نقولاوس.
وأراد الملك قسطنطين أن يظهر للقديس نقولاوس سامي تقديره لكونه خلص أبرياء من الموت فبعث إليه بكأس وصينية من الذهب الخالص المحلى بالحجارة الكريمة تقدمة منه إلى كنيسة ميرا ليستعملها نقولاوس في إقامة الذبيحة الإلهية، ومن عجائبة انه قد هدأ البحر وسكن أمواجه، وأقام من الموت نوتيا كان قد سقط من أعلى السارى ومات، وقد أضحى شفيع البحارة وصيادي الأسماك والمسافرين بحراً وبر، و اتخذه المظلومون في المحاكم شفيعاً لهم أيضاً.
تكرم القديس نيقولاوسكنائس اللاتين والسريان اليعاقبة والأرمن والموارنة وسواهم بالإضافة إلى الروم الأرثوذكس. يذكر أن اسمه عند الموارنة هو زخيا، وزخيا اسم سرياني يعني تقريباً ما يعنيه اسم نيقولاوس، أما باليونانية فيعني نيقولاوس ” المنصور” أو ” الظافر” والمعنى الدقيق لنيقولاوس هو ” الشعب المظفر” .
يعد القديس نقولاوس من أكثر القديسين شعبية وهو صديق الأطفال و شفيعهم و يتذكرونه في أعياد الميلاد ” سانتا كلوز ” حيث يتبادل الجميع هدايا العيد. تحتفل كنيستنا بتذكاره في اليوم السادس من شهر كانون أول شرقي ( 19 كانون الأول ) من كل عام.
طروبارية باللحن الثامن
لقد أظهرتكَ أفعال الحق لرعيتك، قانوناً للإيمان، وصورةً للوداعة ومعلماً للامساك، أيها الأب رئيس الكهنة نيقولاوس، فلذلك أحرزت بالتواضع الرفعة وبالمسكنة الغنى، فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا.
Qandaq com a terceira música
لقد ظهرت كاهناً في ميرا أيها القديس، لأنك لما أتممت إنجيل المسيح أيها البار، وضعت نفسك عن شعبك، وخلصتَ الأبرياء من الموت، فلذلك تقدّست بما أنك مسارٌ عظيمٌ لنعمة الله