4- الطهارة هبة من الله
يجدر بنا أن نتأكد أن أقسى درجات الاحتمال من وطأة الجوع والعطش والسهر والعمل المتواصل والمثابرة في القراءة… كل هذه التداريب وحدها لا تثبتنا في طهارة دائمة ما لم نقتنع عمليًا وسط تدربنا هذا أن نعمة الله وحدها تستطيع أن تهبنا هذه الطهارة غير الفاسدة.
لنتيقن أنه يلزم على كل أحد أن يثابر بصبرٍ بلا ملل، حتى ينال بإذلال الجسد رحمة الرب، ويستحق أن تنقذه نعمة الله من هجمات الجسد وعبودية الشهوات العنيفة، وألا يظن أنه بهذه الأعمال وحدها يقدر أن يقتني الطهارة الدائمة التي يبتغيها.
لنفرح بالرب أثناء التداريب اليومية
إن أردنا طرد الشهوات من قلوبنا، فلنفسح المجال لكي تدخل الأفراح الروحية بلا حدود.
وإذ ترتبط روحنا بهذا الفرح على الدوام، ترى من الآن (في هذه الحياة) أين تثبت، طاردة عنها جاذبية أفراح العالم والسعادة الزائلة.
وإذ تقودها التداريب اليومية إلى هذه الحالة، تختبر الروح مشاعر الفرح التي لا يُعبر عنها وهي هنا، وترتل أمام الحق بالتسبيح العادي[2] الذي لا يقدر أن يختبره إلا القليلون الذين تذوقوه، مخترقين أعماق معنى هذا القول: “جعلتُ الربَّ أمامي في كل حين، لأنهُ عن يميني فلا أتزعزع” (مز8:16).
7- درجات الطهارة
للطهارة درجات كثيرة، بها نرتفع لنبلغ الطهارة الدائمة.
وبالرغم من عجزي عن معرفة جميع درجاتها والحديث عنها كما ينبغي، غير أن تسلسل المناظرة يحصرني، فأخبركم قدر خبرتي الضعيفة، تاركًا للكاملين أن يتحدثوا عنها بصورة أكمل.
وما أنطق به الآن لا تأخذونه قضية مسلم بها، فإن الذين يتمتعون بهذه الفضيلة في درجة أعلى، هؤلاء يُكشف لهم نور أسطع فيختبروا ويخبروا الآخرين عنها.
وأنني سأميز بين الدرجات الست التي لهذه الطهارة العظيمة، ولو أنه يوجد بُعد شاسع بين كل درجة وأخرى، وكان يمكن أن يوضع بينهم درجات وسطى… وإذ هذه الدرجات أمر غير محسوس وغاية في الدقة، لهذا بالكاد يقدر الذهن أن يدركها أو الكلام يُعبر عنها.
هذه الدرجات الست التي أتوقف عندها تقود الإنسان يومًا فيوما إلى الطهارة الكاملة. لأنه كما أن الجسد ينمو يومًا فيوما لاشعوريًا ويسير نحو الكمال (أي النضوج الجسدي) الذي نبتغيه، هكذا تثبت الروح في قوة الطهارة وكمالها رويدًا رويدًا.
درجات الطهارة الست
1- الأولى: عدم سقوط الإنسان تحت ثقل هجمات الجسد.
2- الثانية: أن يوقف فكره عن الأفكار الدنسة.
3- الثالثة: ألا تؤثر فيه رؤيته للمرأة أدنى تأثير.
4- الرابعة: ألا يشعر خلال يومه بأي حركة من حركات الجسد.
5- الخامسة: ألا يتأثر فكره بأي لذة متى ألزمته الضرورة أن يتحدث عن الزواج أو التناسل البشري، إنما في طهارة قلبه الهادئ يرى في ذلك مجرد مسئولية ملقاة على كاهل الجنس البشري، ولا يتطلع إلى هذا الأمر على أنه أمر تافه.
6- السادسة: ألا يتعرض في أثناء نومه للمناظر النسائية الجذابة، لأنه وإن كان في هذا عدم خطية، لكن لها علاقة بالشهوة الكامنة في عمق القلب.
[div3 class=”quote” class2=”quote-l” class3=”quote-r”]إن اللقاء الثاني عشر (الثاني مع الأب شيريمون) غير موجود في موسوعة آباء الكنيسة الموجودة على الانترنت (مثل: tertullian وnewadvent). ولكننا وضعناه لوجوده في الكتاب المُترجم الذي نضعه على الشبكة، وهو موجود كفقرات منتقاة كما هو في هذه الصفحة… (الشبكة)[/div3]
[حاشية مرتبطة بالعنوان] ترجمة: عايدة حنا عن كتاب: M. J. Rouet de Journel: Textes Ascétiques des Pères de L’Eglise, 1947.
[2] أي التسابيح الكنسية العادية، إذ يتذوقها كل إنسان قدر قامته الروحية.