Chrystus jest pełnią

تؤكّد الكتابات المقدّسة في العهد الجديد أنّ المسيح هو الملء. والملء الذي هو نقيض الخواء الخالي يعني في الكتاب المقدّس الكمال، الذي لا يستطيع الإنسان من ذاته، أي من دون عطيّة الله، أن يحقّقه أو أن يجده. والملء هو في حدّ ذاته مفهوم مكانيّ، ولكن يمكن نقله إلى حيّز الزمن، وفي هذين الإطارين (الزمان والمكان) تمّ استعمال تعبير الملء في الكتاب المقدّس. هكذا نرى مجد الله يملأ خيمة الموعد: “ثمّ غطّى العمام خيمة الموعد وملأ مجد الربّ المسكن، فلم يستطع موسى أن يدخل خيمة الموعد، لأنّ الغمام كان حالاًّ عليه ومجد الربّ قد ملأ المكان” (خروج 40: 34-35). ولكنّ الأرضّ كلّها، وليس فقط الهيكل، “مملوءة من مجده” بحسب إشعيا النبيّ (6: 3).

هذا الملء بلغ ذروته في يسوع المسيح الذي، بحسب الإنجيليّ يوحنّا، “من ملئه نلنا بأجمعنا وقد نلنا نعمة فوق نعمة” (1: 16). وهو الذي “حلّ فيه ملء اللاهوت جسديّاً” (كولوسّي 2: 9 و1: 19)، وبه يقاس “ملء الزمان” (أفسس 1: 10). إنّ الرسول بولس حين يتكلّم على “الملء”، فهو يستعمل لفظاً من ألفاظ العهد القديم: “إنّ للربّ الأرض وملأها” (1 كورنثوس 10: 26 عن المزمور 14 :1). او يفكّر بالنهاية المقبلة كما جاء في الرسالة إلى الرومانيّين بما معناه أنّ ملء إسرائيل وملء الأمم يكتملان في عمل الله في سبله المتشعّبة، هذا العمل الذي يبلغ مداه في المسيح (11 :12 و25).

أمّا أقرب الآيات لموضوعنا فهي موجودة في الرسالة إلى أهل غلاطية: “لمّا حان ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً لامرأة، مولوداً تحت الناموس” (4: 4). تدلّ عبارة “ملء الزمان” على مجيء أوان الخلاص بعد أن انتظره الناس مدّة طويلة. ذلك أنّ الزمان في نظر الساميّين واليونانيّين يتوق إلى الامتلاء، وهو يمتلئ عندما يصل حدث إلى نهايته. وفي سياق الرسالة إلى غلاطية، الحدث المقصود هو تحرير الشعب من نير العبوديّة، وحين يمتلئ الزمان يبلغ الاستعباد إلى نهايته، وهذا ما يعنيه إرسال الابن الوحيد الذي ينزع عنّا الاستعباد وينيلنا التبنّي. هكذا ينهي الرسول بولس كلامه بالقول: “فلستَ بعد عبداً بل ابن، وإذا كنتَ ابناً فأنت وارث بفضل الله” (غلاطية 4:7). من هنا أيضاً يمكننا التحدّث عن “ملء الناموس”، أي اكتماله وبلوغ غايته بوصيّة المحبّة التي كانت موجودة في العهد القديم (لاويين 19: 18). غير أنّ الجديد هو أنّ هذه الوصيّة تصبح مقياساً للناموس كلّه، وعلى حدّ قول الرسول بولس نفسه: “فالمحبّة، إذاً، ملء الناموس” (رومية 13 :10).

وفي العودة إلى الرسالة إلى أهل كولوسّي، يرتبط ذكر “الملء” بالمرضاة والسلام، فالرسول يقول: “فقد حسن لدى الله أن يحلّ به الملء كلّه. وأن يصالح به ومن أجله كلّ موجود ممّا في الأرض وممّا في السموات. وقد حقّق السلام بدم صليبه” (1: 19-20). والملء في الآية يحتلّ مكان الفاعل، فهو الذي قرّر أن “يسكن”، وهذا يذكّرنا بسكنى الله ومجده بملئه في الهيكل كما ذكرنا آنفاً، ممّا يعني أنّ المقصود بلفظ “الملء” في الآية إنّما هو الله نفسه. وذلك ما قصدته الآية (2: 9) من الرسالة ذاتها حين قالت “في المسيح يحلّ كلّ ملء اللاهوت”، أي الله، ذلك أنّ كاتب الرسالة استعمل لفظ “اللاهوت” الذي هو أقرب اشتقاق إلى لفظ “الله”. قصد الرسول بولس، إذاً، من استعمال لفظ “ملء اللاهوت” التاكيد على ألوهة الربّ يسوع. وما استعمال تعبير “ملء اللاهوت” إلاّ للتأكيد على كون المسيح إلهاً كاملاً، فقد نال ملء اللاهوت كلّه لا جزءاً أو بعض أجزاء منه كما حلا لبعض الهراطقة أن يعتقدوا. و”الملء” الحالّ في المسيح يحقّق الغاية التي يحتاج إليها الكون كلّه، أي السلام بدم صليبه.

ويسعنا أن نشير في هذا الصدد إلى ما ورد في الرسالة إلى أهل أفسس، حيث يقول الرسول بولس: “ليحقّق في المسيح ملء الأزمنة، ليجمع تحت رأس واحد، هو المسيح، كلّ شيء، ما في السموات وما على الأرض” (10: 1). هذا يعني أنّ الكلّ سيعرف رأسه الأساسيّ، ولا يبقى شيء من الكلّ خارجاً عن حدث الخلاص، والمسيح هو رأس كلّ شيء على الإطلاق. فالسيادة التامّة للمسيح تشمل الكون كلّه، وإن كانت ذات بعد أخرويّ، وبالوقت نفسه مكانها في الجماعة الكنسيّة، في الكنيسة التي هي جسده حيث نلاقي ملأه: “وجعل (الله) كلّ شيء تحت قدميه ووهبه لنا فوق كلّ شيء رأساً للكنيسة، وهي جسده وملء ذاك الذي يمتلئ تماماً بجميع الناس” (أفسس 1: 22-23).

في يسوع المسيح نجد ملء اللاهوت وملء الزمان والمكان. هو الكلّ في الكلّ. فملء الله حاصل في المسيح لا يدع شيئاً ممّا على الأرض وفي السماء في بُعد عن الله، والذي بدمه على الصليب افتدانا ووهبنا السلام. من هنا، دور الكنيسة تجاه العالم يكمن في الشهادة التي تؤدّيها وفي البشارة بأنّ ملء الحياة البشريّة هو الإيمان بأنّ الربّ يسوع هو الملء الذي به يتحقّق الخلاص والحياة الأبديّة، ولا سبيل سواه.

عن نشرة رعيتي 2004

pl_PLPolish
Przewiń na górę