Paweł z Teb, sprawiedliwy święty i pierwszy pustelnik

Paweł z Teb, sprawiedliwy święty i pierwszy pustelnik

Paweł z Teb, sprawiedliwy święty i pierwszy pustelnikنشأته:

تعيّد كنيستنا في اليوم الخامس عشر من كانون الثاني لأبينا البار بولس الثيبي أول النساك المتوحدين في التاريخ المسيحي. ولد القديس بولس سنة 228 في مدينة ثيبة في صعيد مصر أيام الإمبراطور الروماني ألكسندروس ساويروس، قرابة العام 228م. كان أبواه غنيَّين، فثقَّفاه باللسانيين اليوناني والقبطي وربَّياه تربيةً مسيحية صالحةً لأنهما كانا مسيحيَّين تقيَّين. غرسا في قلبه بذور الفضائل المسيحية مع العلوم العصرية التي نبغ فيها. ورث عن والديه ثروة طائلة بعد أن فقدهما وهو في ريعان شبابه فترك كلّ شيء لشقيقته لأن نفسه كانت تصبو إلى الكنوز الروحية والسماوية، وذهب إلى البراري قاصداً الخلوة والوحدة والسكينة مع الله. هناك وجد كهفاً قضى فيه معظم حياته مصلياً وساجداً للرب، مناجياً ومستعطفاً إياه لأجل خلاص جميع البشر.

هروبهُ إلى الصحراء:

إثر الاضطهاد الذي حرَّكهُ داكيوس وفاليريانوس ضد الكنيسة، وبعد وفاة والديِّ بولس وزواج أخته، وجد بولس نفسهُ وحيداً، فهرب إلى الصحراء خوفاً من الرومانيين خاصةً بعد أن سمع أن صهرهُ عازمٌ على إخبار الرومانيين بأن بولس مختبئ بين الحقول، ليتمكن من وضع يَدُهُ على ميراثِهِ.

وجد بولس نفسه أليفَ الصحراء، فطاب لهُ التوغل فيها. وقد استمر كذلك إلى أن بلغ جبلاً استبان فيه ما يشبه الكهف، فشقَّ طريقه عبر جرائد نخلة كانت على تشابك وكثافة سدّا المكان. فإذ به أمام صحن واسع، وقرب النخلة مياه رقراقة تجري قليلاً ثم تغور في الأرض.

نظر بولس المكان ورأى فيه أن العناية الإلهية هيَّأتهُ ليكون منزِلاً لهُ. فتخلىَّ عن العالميات وأقام في الكهف بقية أيام حياته. لقد وفرَّ لهُ المكان الطعام والشراب والمسكن. حتىَّ ثوبه صنعه من جرائد النخل. ما خلا ذلك انصرف بولس للصلاة والتسبيح.

لا يعرف أحد كيف عاش ولا التجارب التي تعرَّض لها. فقط نعرف أن حياته كانت أدنى إلى سيرة الملائكة منها إلى سيرة البشر، وأنه بقي كذلك إلى سن الثالثة عشرة بعد المائة حين كشف الله أمره للقديس أنطونيوس الكبير.

العناية الإلهية وكشف أمره للقديس أنطونيوس:

كان القديس أنطونيوس قد بلغ يومذاك التسعين. ويبدو أن فكراً قد خطر بباله أنه لم يُقم أحد قبله في الصحراء سار في الحياة الكاملة نظيره. فجاءَهُ، في رؤى الليل، من قال لهُ أن في فكره وهماً لأنَّ ثمَّةَ في الصحراء من هو خيرٌ منهَ وأعرف وأن عليه أن يسرع الخطا إليه، فلمَّا انبلج الفجر، قام فأخذ عصاه وسار غير عابئ بثقل الأيام عليه والنسك. همَّه كان أن يتَّبع الصوت الإلهي إلى حيثُ يهديه.

شاءت العناية الإلهيَّة أن يهتدي القديس أنطونيوس بعد مسيرة يومين في الصحراء إلى كهف القديس بولس. فتطلَّع إلى داخل الكهف، فبدا لهُ مظلماً، فتلمَّس طريقه تلمَّساً فعاين نوراً ضئيلاً يلتمعُ من بعيد فتيقَّن أن هذا هو مسكن الرّجل الذي أعلن لهُ الله عنهُ.

أسرع القديس أنطونيوس الخطا جذلاً فاصطدمت رجلاه ببعض الحجارة فترددَّت في المكان أصواتٌ منكرة، فلما فطن لها بولس من الداخل قام فأقفل الباب. كانت هذه أول مرَّة اخترق فيها أحد هدوءه منذُ أن وصل إلى المكان. وإذ رأى القديس أنطونيوس أن الباب قد رُدَّ في وجهه، ارتمى أرضاً، عند العتبة، ورجا بولس أن لا يحرمه من التعزية التي جاء يلتمسها من بعيد بمشقة كبيرة، مؤكداً أنه لن يغادر الموضع البتة قبل أن يحظىَ ببركة القديس أو يموت عند الباب. فما كان من بولس سوى أن فتح لهُ وطالعهُ بابتسامة رقيقة. وإذ تعانقا سمىَّ كُلٌ منهما الآخر باسمِهِ.

الغراب ورغيف الخبز:

بعد لقاء بولس وأنطونيوس وجلوسهما لتبادل الحديث، إذ بغراب يأتيهما برغيف خبز ويلقيه أمامهما. فشكر الرجلان الله على عظيم رحمته. قال بولس: “أترى كم صالحٌ هو الله الذي يُرسل إليَّ نصف خبزة كل يوم. واليوم، وقد أتيتني زائِراً، ضاعف الحصَّة لأنَّهُ يهتم بالذين يخدمونَهُ.

ثم قام الاثنان للأكل. فبعدما صليا انتظر كل منهما الآخر أن يكسر الخبز ويعطيه، بولس احتراماً لحق أنطونيوس كضيف عليه وأنطونيوس توقيراً لمشيئة بولس. فلما أصر الاثنان على نحو طفولي بديع اتفقا على أن يمسكا الرغيف معاً ويكسراه، كلاً من ناحيته.

معرفة القديس بولس بقرب رُقادِه:

بعد أن أمضىَ بولس وأنطونيوس ليلهما في الصلاة، رغبا في اليوم التالي بمتابعة الكلام، فقال بولس لأنطونيوس: “من زمان، يا أخي، وأنا عارف بإقامتك في هذه البريَّة. من زمان كشف لي الله أنك تبذل نفسك في خدمته. ها إنَّ ساعتي الأخيرة قد دنت، ولطالما اشتاقت نفسي إلى الاتحاد بالرّب يسوع فإنهُ لم يبقَ لي سوى أن أتلقىَ من يده إكليل البر. وقد أرسلك المعلَم الإلهي لتدفن جسدي. أو بكلام أوفق، لتردَّ التراب إلى التراب”.

فلمَّا سمع أنطونيوس بولس يتكلم عن قرب مفارقته أجهش بالبكاء ورجاه ألا يتركه وحيداً أو أن يتبعه. فأجاب بولس: “ليس لك أن ترغب بما فيه خيرك، في الوقت الحاضر. لا شك أنهُ سرور لك أن تنعتق من ثقل هذا الجسد المائت، لكن أخوتك بحاجة إلى مثالك. لذلك أسألك، إن كنتُ لا أُثقل عليك كثيراً، أن تذهب وتأتيني بالرداء الذي سبق فأعطاك إياه أثناسيوس الأسقف (القديس) لتلفَّني به وتدفئني”. طلب منهُ بولس ذلك لا لأنَّهُ كان يهتم كثيراً بأمر دفنه، ملفوفاً في رداءٍ أو غير ملفوف، بل لأنه شاء أن يبعد أنطونيوس عنه بضعة أيام ليوفر عليه ألم معاينته يموت، علاوة على أنَّهُ كان راغباً في إعلان أنه يموت على شركة والقديس أثناسيوس، المدافع الصلب عن الإيمان الأرثوذكسي في وجه الهرطقة الآريوسية.

دهش أنطونيوس لنعمة الله الساكنة في هذا الشيخ الجليل وأكبر من كشف له أمر الرداء. وبعد ما ذرف الدمع وقَبَّل عيني الشيخ ويديه عاد إلى ديره.

عودة القديس أنطونيوس إلى منسك القديس بولس ودفنه إيَّاه:

سار أنطونيوس في طريق العودة بهمة. الشوق إلى بولس جدَّد كالنسر شبابه. ولماَّ بلغ ديرَهُ قبض على الرداء وأسرع خارجاً، دون أن يفكر في طعامٍ يأخذه معه. لأنَّ همَّهُ كان أن يُدرك بولس قبل موته.

مشىَ أنطونيوس مقدار ثلاث ساعات وفجأة رأى بولس صَاعِداً إلى السماء في نور وضَّاء وسط الأرواح المغبوطة، فوقع على الأرض وغطىَّ رأسه بالرمل وصاح: “آه، يا بولس، لماذا تركتني؟ لماذا لا تسمح لي بتوديعك؟ أكان يجب أن أضيِّعك هكذا سريعاً بعدما التقيتك متأخرَّاً؟

ثمَّ قام وأسرع الخطا من جديد. فلما وصل إلى المغارة، وجد جسد القديس في حال الركوع فظنَّ أنه مازال حياً فركع بقربه وأخذ يصلي. وإذ أنتبه إلى أن بولس لا يتنفَّس بصوت مسموع كما ألفاه في المرَّة الأولى، عرف أنَّهُ قد مات، فقام وألقىَ بنفسِهِ على عنقِهِ وقبَّله قبلة حزينة وبكىَ عليه طويلاً.

أخيراً قام أنطونيوس وسحب جسد بولس خارج المغارة ليدفنه وهو يردِّد التسابيح والمزامير ولكنه لما رغب في نبش حفرة يواري فيها الجسد لم يجد ما يستعين به فارتبك. وإذا بأسدين يظهران من عمق الصحراء ويتقدمان ليربضا عند جسد بولس ويداعبانه بذيليهما وهما يزأران وكأنهما في حال النحيب عليه. ثمَّ أنهما أخذا يحفران الأرض بمخالبهما ويلقيان الرَّمل من هنا ومن هنا، إلى أن أحدثا حفرة تكفي لضم جسد بولس. فلما انتهيا من عملهما تقدما من أنطونيوس مطأطئي الرأس ولعقا يديه ورجليه، فأدرك أنطونيوس أنهما يتودَّدان إليه ليسألاه البركة فباركهما على هذا النحو: “أيها السيد، يا من بغير مشيئته لا تسقط ورقة واحدة من الشجر على الأرض ولا يهلك أقل طيور السماء، أنت أعطِ هذين الأسدين ما تعرف أنَّهُ ضروريٌ لهما”. فلما قال هذا أشار إلى الأسدين بالانصراف، فانصرفا. وقام هو إلى الجسد فجعله في الحفرة وردَّ عليه التراب وعاد إلى ديره. شيءٌ واحدٌ حملهُ معه من المكان، رداء بولس المصنوع من جريد النخيل، الذي أخذ منذ ذاك، يلبسه في أعياد الفصح والعنصرة.

تعيّد له (مع القديس يوحنا الكوخي) الكنيسة في الخامس عشر من كانون الثاني.

طروبارية للقديس بولس باللحن الثامن وللقديس يوحنا باللحن الرابع
للبرّية غير المثمرة بمجاري دموعك أمرعتَ، وبالتنهُّدات التي من الأعماق أثمرتَ بأتعابك إلى مئة ضعفٍ. فصرتَ كوكباً للمسكونة متلألئاً بالعجائب، يا أبانا البار بولس، فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا.
لما صبوتَ إلى الرب منذ الطفولية بحرارة، تركتَ العالم والمطربات التي في العالم، ونسكتَ نسكاً فاضلاً، ونصبتَ الكوخ عند أبواب والديك، فسحقتَ مكامن الأبالسة، يا يوحنا الكلي الغبطة، فلذلك قد شرَّفكَ المسيح باستحقاق.

قنداق للقديس بولس باللحن الرابع وللقديس يوحنا باللحن الثاني
لنمدح جميعنا أيها المؤمنون، الكوكب الشارق في سمّو الفضائل، بولس الشريف هاتفين: أنتَ بهجة الأبرار أيها المسيح.
لما رغبتَ أيها الحكيم يوحنا، في المسكنة المماثلة مسكنة المسيح، تركتَ ثروة والديك، وتبعتَ المسيح الإله حاملاً الإنجيل بيدك، متشفعاً على الدوام من أجل جميعنا.

Przewiń na górę