Jesús y Pablo

من الثابت أنّ بولس الرسول (“شاول” قبل اهتدائه) لم يكن أحد “الاثني عشر” الذين اختارهم الربّ ودعاهم الى أن يكونوا رسله وشاهدين لقيامته. ولعلّه كان فتيّاً حين ابتدأ يسوع كرازته، ولا شكّ في أنّه لم يلتقِ بالربّ قبل قيامته وصعوده الى السماء. هذا ما يؤكّده القدّيس بولس نفسه بقوله إنّه لم يعرف الربّ “معرفة بشريّة” (2 كورنثوس 5 :16)، ولكنّ “القائم من بين الأموات” ظهر له، على طريق دمشق، فيما كان ذاهباً اليها ليضطهد “كنيسة الله” ويدمّرها (غلاطية 1 :13؛ أعمال 9 :1-19)، وأسَرَهُ (يسوع) وغيّر له مجرى حياته كلّها.

ويعرف من قرأ كتابات القدّيس بولس أنّ ثّمة من كان يشكّك في صحة رسوليّته، وذلك للسبب عينه الذي بيّناه أعلاه (أنه لم يكن واحداً من “الاثني عشر”)،

وهذا كلّف الرسول دفاعاً كبيراً وتوضيحاً بليغاً لمفهوم الرسوليّة (رسوليّته). وقد اعتمد، في دفاعه، على نقطتين، أوّلهما ظهور الربّ شخصياً له، لمرّات عديدة، داعياً إيّاه الى خدمة رسالته (ممّا يؤكد أن يسوع اختاره كما اختار الرسل الذين قبله)،

وتالياً تكليف الكنيسة له ببشارة الأمم (يقول: “أعطوني يمين الشركة”). وهذا الاختيار المدعوم “بسموّ المكاشفات” (2 كورنثوس 12: 1و7)، الذي عمّقه الرسول بصِلته الوثيقة بالجماعة التي عاصرت السيّد، كشف له أسرار الحياة الجديدة (أن يعرف يسوع الناصريّ معرفة عميقة)، وأعطاه أن يبذل نفسه من أجل أن يعلن اسم الربّ يسوع في العالم كلّه.

وهذا عينه ساعد الرسول المصطفى أن يكتب بعض التفاصيل التي تدلّ على معرفته الربَّ المتجسّد: أنه “مولود لامرأة” (غلاطية 4 :4)، وأنه “وُلد من نسل داود بحسب الطبيعة البشرية” (رومية 1 :3)، وأن يذكر أنه “في الليلة التي أُسلم فيها أخذ خبزاً وشكر، ثم كسره وقال: هذا هو جسدي، إنه من أجلكم. اصنعوا هذا لذِكري. وصنع مثل ذلك على الكأس بعد العشاء وقال: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. كلّما شربتم فاصنعوه لذكري…” (1 كورنثوس 11: 23-26)،

وأن يؤكد صلبه وموته وقيامته وظهوره لتلاميذه و”لأكثر من خمسمائة أخ…” (1 كورنثوس 2 :2و 8، 15: 3 و4-8؛ غلاطية 2 :20، 3 :1؛ فيلبي 2: 5؛…)، وصعوده الى السماء (أفسس 4: 10)… وأن يكتب، تالياً، بعض التعاليم أو الأقوال التي لفظها الربّ شخصياً، ومنها: “… ذاكرين كلام الربّ يسوع، وقد قال هو نفسه: السعادة في العطاء أعظم منها في الأخذ” (أعمال 20: 35)؛ “وأمّا المتزوّجون فأوصيهم، ولست أنا الموصي، بل الربّ، بأن لا تفارق المرأة زوجها…” (1 كورنثوس 7 : 10 و11)، “وهكذا قضى الربّ للذين يعلنون البشارة أن يعيشوا من البشارة” (1 كورنثوس 9 :14)؛ وأيضا: “فإنّكم تعرفون ما هي الوصايا التي أوصيناكم بها من قِبَل الربّ يسوع”، “فإننا نقول لكم عن قول الربّ: إنّنا نحن الأحياء الباقين الى مجيء الربّ لن نتقدّم الأمواتَ…” (1تسالونيكي 4: 2 و15-17)…

هذه الأمور جملةً جعلت يسوع، الذي وحّد ذاته مع كنيسته المفتداة وأظهر ذاته لرسوله حيّاً، مصدر لاهوت القدّيس بولس وتعليمه كلّه: فهو “رسول يسوع المسيح” والشاهد لقيامته وحلول ملكوته. هو، بولس، لم يعلن إنجيلاً آخر ولم يؤسّس ديانة جديدة، كما يزعم البعض، بل إنّما شرح إيمان الكنيسة الأولى بعد أن تعمّق شخصيّاً فيه وطبعه بدعوته الخاصّة: في أنه اختبر ليكون رسولاً للأمم. وما من شكّ في أنّ المواقف والتساؤلات العديدة التي ردّ عليها الرسول في رسائله التي وجّهها الى كنائس العالم، أتاح له التفكير فيها فرصة أن يزيد تعمّقه في معرفة مسيح الربّ مخلّصاً العالم، وجعله، تالياً، يدرك أنّ روحه القدّوس ينير المؤمنين به ويعطيهم أن يجتهدوا لتكون القداسة هدف كلّ التزام. فإنّ معرفة الله تبدأ في هذا التاريخ. فيسوع حاضر فيه. وهو سيّده. وهو عينه الذي يجزي المخلصين “إكليل البر” في يومه المنتظَر.

بولس هو أحد الرسل الأوّلين الذين عيّنهم الربّ، ولو أنّه اصطفاه بعدهم. هذه الحقيقة الرائعة تؤكد، بما لا يقبل الجدل، أنّ الكنيسة غير محصورة عضويّتها في التلاميذ الذي تبعوا يسوع أولاً، ولكنّها كنيسة حيّة ومفتوحة على الجميع. وهذا يعني أنّها اليوم، كما في الأمس البعيد والقريب، وأنّها غداً والى ما شاء الله، ما يزال بابها مشرّعاً ليدخلها من يشاء، ويعرف الربّ عينه الذي تبعه الرسل الأوّلون (ومنهم بولس) والقدّيسون في كلّ جيل، ويحمل رسالته في محيطه والى من يضعه الله في طريقه ويشهد للربّ الحيّ الى الأبد.

De mi boletín parroquial 2001

es_ESSpanish
Scroll al inicio