“...Y también vendrá en su gloria para juzgar a vivos y muertos. Cuyo reino no tiene fin. Esperamos la resurrección de los muertos y la vida del siglo venidero. Amén."
Introducción:
عندما يفكّر المرء بآخر الأزمنة، تراوده فوراً مشكلة مصيره الشخصي، ويطرح نفسه السؤال: ماذا سيحدث بي بعد الموت؟ هذا التساؤل ناتج عن جعل الإنسان نفسه محوراً للعالم. غير أن الإعلان الإلهي والتقليد الشريف يعلّمان أن “الأنا” ليست محور العالم، وأن محور العالم هو ذاك الذي قال : “أنا الألف والياء، المصدر والغاية”. لذلك فالسؤال الصحيح الذي يجب أن يُطرح هو: ماذا سيحدث عند مجيء المسيح الثاني؟
الكنيسة تعيش على إنتظار هذا المجيء، إذ حينئذ فقط يصير المسيح “الكلّ في الكلّ” وتتم عملية الخلاص وإفتقاد الله للبشر.
في هذا الفصل سنبحث كل جوانب هذا السر محاولين، قدر المستطاع بنعمة الرب يسوع، الولوج في أعماقه.
1 – المجيء الثاني للمسيح
أ – يسوع نفسه أثناء بشرته على الأرض، أعلن عن مجيئه الثاني فقال: [ وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ الصَّوْتِ فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا ] [ متى 24: 30، 31 ]. و[ وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ اَلأَرْبَعِ اَلرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ اَلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ اَلسَّمَاءِ ] [ مرقس 13: 26، 27 ]. و[ وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ ] [ لوقا 21: 27 ]. وقد ذكّرنا الرسول بولس بأقوال السيد هذه في أول رسالة كتبها من كورونثوس إلى أهل تسالونيكي: [ فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ اَلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً ]. [ 1 تسالونيكى 4: 15، 16 ].
ب – الأحداث التي تشير إلى المجيء الثاني:
لم يُعلن يسوع موعد مجيئه الثاني، لا بل أكّد على أن ذلك الموعد لا يعرفه أحد سوى الله، ولكنه أشار إلى أحداث تسبق ذلك الموعد، منها:
- دمار الهيكل ومدينة أورشليم: [ متى 24 : 2 ]. و [ لوقا 21: 20 – 24 ].
- ظهور الأنبياء الكذبة: [ متى 24: 5، 11]. [ مرقس 13: 6 ]. [ لوقا 21: 8 ].
- الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية: [ متى 24: 6 – 8 ]، [ لوقا 21: 8 – 11 ]، [ مرقس 13: 7، 8 ].
- إضطهاد المسيحيين من أجل المسيح: [ متى 24: 9، 10 ]، [ مرقس 13: 9 ]، [لوقا 21: 14 – 19 ].
- فقدان المحبة والإيمان وطغيان الإثم: [ متى 24: 12 ]، [لوقا 18: 8]، [ 2 تيموثاوس 3: 1 – 5 ].
- إنتشار الإنجيل في كل العالم: [ متى 24: 14 ]، [ متى 28: 19، 20 ].
- ظهور المسيح الدجال: [ متى 24: 15، 16 ]، [ 1 تيموثاوس 4: 1، 2 ]، [ 2 تسالونيكى 2: 3 – 10 ]، [ 1 يوحنا 2: 18، 22]، [ 1 يوحنا 4: 3 ]، [ 2 يوحنا 7 ]
ج – اليقظة والسهر:
العديد من الأحداث التي ذكرنا حصل بالفعل، ومنها ما يحصل الآن. وهذا ما يحدو بالمؤمن أن يأخذ القضية بكثير من الجدية وأن يعتبر ما حصل ويحصل إشارات لإقتراب موعد الملكوت، وأن يستعد لذلك. كيف يستعد؟ بالسهر. هكذا أراد يسوع: [ 42 «اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ. 43 وَاعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي السَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. 44 لِذلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ. ] [ متى 24: 42، 44 ]. و[ وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اَللَّيْلِ، يَوْمُ اَلرَّبِّ، اَلَّذِي فِيهِ تَزُولُ اَلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ اَلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ اَلأَرْضُ وَاَلْمَصْنُوعَاتُ اَلَّتِي فِيهَا ] [ 2 بطرس 3: 10 ].
وما مثل العذارى العاقلات [ متى 25: 1 – 13 ] إلا ليعلمنا يسوع بكل وضوح ضرورة السهر المستمر واليقظة الدائمة في كل حياة روحية تَنْهدُ إلى الأصالة. وأكّد على ذلك في مثل الخادم الأمين الذي عاد سيده فوجده ساهراً… كلّ منّا مدعو لأن يكون إحدى العذارى العاقلات أو ذلك الخادم الأمين. فبدون حياة روحية (واعية) تفتش عن المسيح في كلّ مواضع سُكْناه وتسعى إلى العيش باستمرار في ذكرى الله، وتعي أننا موجودون دوماً في حضرة الله تعالى، لا توجد أية حياة مسيحية حقيقية.
د – صلاة يسوع:
يقول الرسول بولس: [ صَلُّوا بِلاَ اِنْقِطَاعٍ ] [ 1 تسالونيكى 5: 17 ]. وكأنه بذلك يدلّنا على الطريق القويم لإستجابة طلب السيد: ” إسهروا”. والتقليد الأرثوذكسي يربط بين اليقظة والصلاة المستديمة. هذا التقليد، الذي لا يزال حياً في عالمنا اليوم، يدعو إلى تلاوة مستمرة لما يُسمّى بـ “صلاة يسوع” في شكلها التالي: “يا يسوع ابن الله الحي إرحمني أنا الخاطئ”.
هذه الصلاة يمكن أن يمارسها المؤمن في كل مكان. وبإشراف أب روحي ذي خبرة تنقلب الصلاة من حركات في الشفاه إلى صلاة قلبية يرددها القلب دون إنقطاع وأثناء أي عمل يقوم به الإنسان.
ونرى في كتاب ” سائح روسي على دروب الرب” كيف أن أبسط الناس يمكنهم التدرّب على هذه الصلاة والدخول في حضرة الله فيزداد شوقهم إلى لقياه ويترقبون بفرح مجيئه الثاني: [تَعَالَ أَيُّهَا اَلرَّبُّ يَسُوعُ ] [ رؤيا 22: 20 ].
2 – نهاية العالم” الأرض الجديدة”
يعلمنا الكتاب المقدس، في عهديه القديم والجديد، أن للعالم بداية ونهاية. وهاك بعض النصوص الأكثر أهمية المتعلقة بذلك:
أ – في العهد القديم:
[ منْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ اَلأَرْضَ وَاَلسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ. أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ يَسْكُنُونَ وَذُرِّيَّتُهُمْ تُثَبَّتُ أَمَامَكَ ] [ مزمور 102: 25 – 28 ].
[ اِرْفَعُوا إِلَى اَلسَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ وَاُنْظُرُوا إِلَى اَلأَرْضِ مِنْ تَحْتٍ. فَإِنَّ اَلسَّمَاوَاتِ كَالدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ وَاَلأَرْضَ كَالثَّوْبِ تَبْلَى وَسُكَّانَهَا كَالْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى اَلأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ ] [ أشعياء 51: 6 ].
[ اِنْسَحَقَتِ اَلأَرْضُ اِنْسِحَاقاً. تَشَقَّقَتِ اَلأَرْضُ تَشَقُّقاً. تَزَعْزَعَتِ اَلأَرْضُ تَزَعْزُعاً. تَرَنَّحَتِ اَلأَرْضُ تَرَنُّحاً كَالسَّكْرَانِ وَتَدَلْدَلَتْ كَالْعِرْزَالِ وَثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا فَسَقَطَتْ وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ. وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ أَنَّ اَلرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ اَلْعَلاَءِ فِي اَلْعَلاَءِ وَمُلُوكَ اَلأَرْضِ عَلَى اَلأَرْضِ. وَيُجْمَعُونَ جَمْعاً كَأَسَارَى فِي سِجْنٍ وَيُغْلَقُ عَلَيْهِمْ فِي حَبْسٍ. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَهَّدُونَ. وَيَخْجَلُ اَلْقَمَرُ وَتُخْزَى اَلشَّمْسُ لأَنَّ رَبَّ اَلْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ ] [ أشعياء 24: 19 – 23 ].
[ قُدَّامَهُ تَرْتَعِدُ اَلأَرْضُ وَتَرْجُفُ اَلسَّمَاءُ. اَلشَّمْسُ وَاَلْقَمَرُ يُظْلِمَانِ وَاَلنُّجُومُ تَحْجِزُ لَمَعَانَهَا ] [ يوئيل 2: 10، 3: 15 ].
ب – في العهد الجديد:
[ وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ ] [ متى 24: 29 ].
[ وَأَمَّا فِي تِلْكَ اَلأَيَّامِ بَعْدَ ذَلِكَ اَلضّيقِ فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ وَاَلْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَنُجُومُ اَلسَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ وَاَلْقُوَّاتُ اَلَّتِي فِي اَلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ اَلأَرْبَعِ اَلرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ اَلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ اَلسَّمَاءِ ] [ مرقس 13: 24 – 27 ].
[ وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَعَلَى الأَرْضِ كَرْبُ أُمَمٍ بِحَيْرَةٍ. اَلْبَحْرُ وَالأَمْوَاجُ تَضِجُّ وَالنَّاسُ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَانْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى الْمَسْكُونَةِ لأَنَّ قُوَّاتِ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. وَمَتَى ابْتَدَأَتْ هَذِهِ تَكُونُ فَانْتَصِبُوا وَارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ لأَنَّ نَجَاتَكُمْ تَقْتَرِبُ ] [ لوقا 21: 25 – 28 ].
[ وَأَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْكَائِنَةُ الآنَ فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَهَلاَكِ النَّاسِ الْفُجَّارِ. اَلّذِي فِيهِ تَزُولُ اَلسَّماوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ اَلْعَنَاصِرُ مُحتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ اَلأَرْضُ وَاَلْمَصْنُوعَاتُ اَلَّتِي فِيهَا ] [ 2 بطرس 3: 7، 10 ].
[ ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ!. ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ اَلسَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَاَلْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ ] [ رؤيا 20: 11، 21: 1 ].
ج – الأرض الجديدة:
كل النصوص التي ذكرنا تعطينا صورة رهيبة لنهاية العالم. وأمّا الحروب والكوارث الطبيعية، وإمكانات التدمير الحديثة، من أسلحة نووية إلى أسلحة كيماوية، فبإمكانها تقريب الصورة عن تلك النهاية وجعل تصوّرها سهلاً علينا.
ولكن علينا أن ننظر إلى الحدث بعيني الإيمان لا بالعين المجرّدة، لا سيما وأنه لا بدّ من زوال العالم القديم ليحلّ عالم جديد دشنه المسيح في مجيئه الأول وسيكمله في مجيئه الثاني.
إن يوم نهاية العالم سيكون رهيباً (للأشرار): [ فَبِمَا أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَاَلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ ] [ 2بطرس 3: 11، 12 ]. ولكنه للمؤمنين يوم مجد. هذا اليوم هو المنتظر لأن فيه: “يُسلّم المسيح الملك إلى الله الآب بعد أن يبيد كل رئاسة وكل سلطة وكل قوة” [ 1 كورونثوس 15: 24 ]. وفيه يتحقق العالم الجديد الذي تنبّأ عنه أشعياء، إذ قال: [ هَئَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً فَلاَ تُذْكَر الأُولى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَالٍ ] [ أشعياء 65: 17 ]. ويقول لنا بطرس الرسول بشأن هذا اليوم في رسالته الثانية: [ وَلَكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا اَلْبِرُّ ] [ 2بطرس 3 : 13 ]. وأمّا يوحنا فيذكر في رؤياه ” ثم رأيت سماء جديدة وأرض جديدة” [ رؤيا 21: 1 ]، ويروى لنا قول السيد: [ وَقَالَ اَلْجَالِسُ عَلَى اَلْعَرْشِ: هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً ] [ رؤيا 21: 5 ].
إذاً، آخر الأزمنة ليس مدعاة للخوف، فهو النهار الذي يلي الظلمة. ونحن بالمعمودية دخلنا العالم الجديد الآتي: [ إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي اَلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. اَلأَشْيَاءُ اَلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا اَلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً ] [ 2 كورونثوس 5: 17 ]، وولدنا ثانية لله وأصبحنا خليقة جديدة. وكما يقول الرسول بولس: [ لأَنَّكُمْ قَدْ متُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ اَلْمَسِيحِ فِي اَللهِ. مَتَى اُظْهِرَ اَلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي اَلْمَجْدِ ] [ كولوسي 3 : 3، 4].
وكما سنرى فيما بعد، عند مجيء يسوع المسيح الثاني، يقوم الموتى بأجسادهم للحياة الأبدية.
3 – الموت
ما هو الموت، وبالتالي من هم الأموات؟ هذا هو سؤال أساسي جداً في حياتنا ولا بدّ من طرحه الآن. الجواب المباشر يعطينا إيّاه المزمور 104: [ تَحْجُبُ وَجهَكَ فَتَرْتَاعُ. تَنْزِعُ أَرْوَاحهَا فَتَمُوتُ وَإِلَى تُرَابِهَا تَعُودُ. تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلقُ. وَتُجَدِّدُ وَجْهَ اَلأَرْضِ ] [ المزمور104: 29، 30 ].
الحياة هبة من الله. وكما رأينا في الفصل الثالث الخاص بخلق الإنسان وسقوطه، فالموت ضد الطبيعة الإنسانية الأصلية: [ فَإِنَّ الله خَلقَ اَلإِنْسَانَ خَالِداً وصَنَعَهُ عَلَى صُورَةِ ذَاتِهِ ] [ حكمة 2: 23 ]. وكذلك: [ لَيْسَ اَلمَوْتَ مِنْ صُنْعِ الله ولا هَلاكُ اَلأحْيَاء يَسُرَّه ] [ حكمة 1: 13 ].
فالموت، إذاً، نتيجة الخطيئة: [ لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اَللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اِجْتَازَ اَلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ اَلنَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ اَلْجَمِيعُ ] [ رومية 6: 23 و5: 12 ]. دخل العالم بواسطة الإنسان يوم لبَّى دعوة الشيطان “الذي لديه قدرة الموت” [ عبرانيين 2: 14 ]، من أجل الإبتعاد عن مصدر الحياة.
والآن حريّ بنا أن نطرح سؤالاً ثانياً: ما هو مصيرنا بعد الموت ودفن الجسد على رجاء القيامة العامة؟
لنمعن النظر جيداً بالنصوص الكتابية لعلنا نلقي بعض النور على هذه المشكلة.
أ – في المزامير وعند الأنبياء:
الموت، في المزامير وعند الأنبياء، يوصف بأنه “أرض سكوت”، “عدم ذكر الله”، “أرض النسيان”، “التراب”، “الحفرة”، “الجب” وكذلك “الهاوية”.
- [ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي اَلْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي اَلْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟ ] [ مزمور 6: 6 ].
- [ مَا اَلْفَائِدَةُ مِنْ دَمِي إِذَا نَزَلْتُ إِلَى اَلْحُفْرَةِ؟ هَلْ يَحْمَدُكَ اَلتُّرَابُ؟ هَلْ يُخْبِرُ بِحَقِّكَ؟ ] [ مزمور 30: 10 ].
- [ أَفَلَعَلَّكَ لِلأَمْوَاتِ تَصْنَعُ عَجَائِبَ أَمِ اَلأَخِيلَةُ تَقُومُ تُمَجِّدُكَ؟ سِلاَهْ. هَلْ يُحَدَّثُ فِي اَلْقَبْرِ بِرَحْمَتِكَ وبِحَقِّكَ فِي اَلْهَلاَكِ؟ هَلْ تُعْرَفُ فِي اَلظُّلْمَةِ عَجَائِبُكَ وَبِرُّكَ فِي أَرْضِ اَلنِّسْيَانِ؟ ] [ مزمور 88: 10].
- [ لَيْسَ اَلأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ اَلرَّبَّ وَلاَ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ اَلسُّكُوتِ ] [ مزمور 115 : 17 ].
- [ لأَنَّ اَلْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ. اَلْمَوْتُ لاَ يُسَبِّحُكَ. لاَ يَرْجُو اَلْهَابِطُونَ إِلَى اَلْجُبِّ أَمَانَتَكَ ] [ أشعياء 38: 18 ].
معظم النصوص تُظهر الموت وكأنه مكان الهلاك، مكان السكوت والنسيان، وبالتالي، وكأن الأموات ” ينامون”. بيد أن بعض النصوص تلقى على هذا النوم بصيصا من الأمل كالمزمور الذي استشهد به بطرس الرسول في سفر الأعمال: [ لِذَلِكَ سُرَّ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي. حَتَّى جَسَدِي أَيْضاً سَيَسْكُنُ عَلَى رَجَاءٍ. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً. عَرَّفْتَنِي سُبُلَ الْحَيَاةِ وَسَتَمْلأُنِي سُرُوراً مَعَ وَجْهِكَ ] [ أعمل الرسل 2: 26 – 28 ]. ونجد ذلك أيضاً في سفر أشعياء: [ تَحْيَا أَمْوَاتُكَ. تَقُومُ اَلْجُثَثُ. اِسْتَيْقِظُوا. تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ اَلتُّرَابِ. لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ وَاَلأَرْضُ تُسْقِطُ اَلأَخْيِلَةَ ] [ أشعياء 26: 19 ]. وسفر أيوب: [ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَاَلآخِرَ عَلَى اَلأَرْضِ يَقُومُ . وبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اَللهَ ] [ أيوب 19: 25، 26 ]. وبصورة خاصة في سفر حزقيال: [ فَقَالَ لِي: تَنَبَّأْ لِلرُّوحِ، تَنَبَّأْ يَا اِبْنَ آدَمَ، وَقُلْ لِلرُّوحِ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَلُمَّ يَا رُوحُ مِنَ اَلرِّيَاحِ اَلأَرْبَعِ وَهُبَّ عَلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَتْلَى لِيَحْيُوا. فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَني، فَدَخَلَ فِيهِمِ اَلرُّوحُ، فَحَيُوا وَقَامُوا عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدّاً جِدّاً. ثُمَّ قَالَ لِي: يَا اِبْنَ آدَمَ، هَذِهِ اَلعِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ إِسْرَائِيلَ. هَا هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا. قَدِ اِنْقَطَعْنَا. لِذَلِكَ تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ وأُصْعِدُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي. وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيُونَ، وَأَجْعَلُكُمْ فِي أَرْضِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أنَا اَلربُّ تَكَلَّمْتُ وَأَفْعَلُ، يَقُولُ اَلرَّبُّ ] [ حزقيال 37: 9 – 14 ]. وفي سفر دانيال: [ وَكَثِيرُونَ مِنَ اَلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ اَلأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ هَؤُلاَءِ إِلَى اَلْحَيَاةِ اَلأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى اَلْعَارِ لِلاِزْدِرَاءِ اَلأَبَدِيِّ ] [ دانيال 12: 2 ]. حيث يبرز نوع من المقارنة بين “نوم” الموت و”صحو” القيامة المرتقبة: “وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون إلى الحياة الأبدية، وكثيرون آخرون إلى العار للإزدراء الأبدي”.
ب – موت الأبرار في سفر الحكمة:
في أسفار العهد القديم المتأخرة التي كتبت باليونانية في مصر خلال ال 150 سنة السابقة لميلاد المسيح، وخاصةً في سفرى الحكمة والمكابيين الثاني، يبرز مظهر جديد لما سيحدث بعد الموت. فيدخل سفر الحكمة في التفاصيل إذ يبدأ مرحلة التفريق بين نوعين من الأموات، ويؤكّد أن الأبرار منهم لا يموتون إلا “ظاهرياً”. ولأن حياتهم هى في يدّ الله فإنهم يعيشون إلى الأبد.
[ أمَّا اَلْصِدَّيقُ فَإِنَّه وإنْ تَعَجَّلَهُ اَلمَوْتَ يَسْتَقِرَّ فِي اَلرَاحَةِ ] [ حكمة 4: 7 ].
[ أَمَّا نُفُوسَ اَلصِدِّيقِين فَهِي بِيَدِ الله فَلا يَمُسّّهَا اَلْعَذَاب. وفِي ظَنْ اَلجُهَّالِ أَنَّهُمْ مَاتُو و قَدْ حُسِبَ خُرُوجُهُمْ شَقَاءً. وذِهَابُهم عَنا عطَباً أمَّا هُمْ فَفِي اَلْسَلامِ. ومَعَ أنَّهُم قَدْ عُوقِبُوا فِي عُيُونِ اَلْنَاسِ فَرَجَاؤُهُم مَمْلُوءٌ خُلُوداً. وبَعْد تَأدِيبٍ يَسِيرٍ لَهُمْ ثَوَابٌ عَظِيمٌ لأنَّ الله إِمْتَحَنَهُمْ فَوَجَدَهُم أَهْلاً لَهُ. مَحَّصّهُم كّالذّهَبِ فِي البّوْتَقَةِ وقَبِلَهُم كَذَبِيحَةٍ مُحْرَقَةٍ. فَهُمْ فِي وَقْتِ اِفْتِقَادِهِم يَتَلألأون ويَسْعُون سَعْيَ اَلشَرَارِ بَيْنَ اَلقَصَبِ. ويَدِينُونَ اَلأمَمِّ ويَتَسَلَّطُون عَلَى اَلشِعُوبِ ويَمْلُك رَبُّهُم إِلَى اَلأبَدِ. اَلمُتَوَكّلُون عَلَيْهِ سَيَفْهَمُون اَلحَقّ والأُمَنَاءِ فِي اَلمَحَبّةِ سَيُلازِمُونَه لأنَّ اَلنِعْمَة واَلرَحْمَةَ لِمُخْتَارِيه ] [ حكمة 3: 1 – 9 ].
ويضيف: [ لأنَّ رَجَاء اّلمُنَافِق كَغُبارِ تَذْهَبْ بِهِ اَلرِيحُ وَكَزَبَدِ رَقِيقٍ تُطَارِدَه اَلزَوْبَعَة وكَدُخَّانٍ تُبَدِّدَهُ اَلرِيحُ وَكَذِكَرٍ ضَيْفٍ نَزَلَ يَوْماً ثُمّ إِرْتَحَلَ. أمّا اَلصِدّيقُون فَسَيَحْيُون إلَى الأبَدِ وَعِنَد اَلَربِّ ثَوَابُهُم و لَهُم عِنَايَة مِنْ لُدُنِ اَلعَلِيّ ] [ حكمة 5: 15، 16 ].
ج – الحياة الأبدية في العهد الجديد:
هذا الرجاء بالحياة الأبدية، الذي بدأ بالظهور في العهد القديم، توطد وغدا أكيداً عند مجيء السيد المسيح الذي هو أيضاً حياة العالم. في إنجيل [ يوحنا10: 27، 28 ]، يقول يسوع مستخدماً عبارة ” يد الله” الكتابية: [ خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي ]. ويؤكد قيامة المؤمنين حين يقول: [ لأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اَلّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الاِبْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي اَلْيَوْمِ الأَخِيرِ ] [ يوحنا 6: 40 ]. و[ اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ] [ يوحنا 6: 47 ]. و[ اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كلاَمِي فَلَنْ يَرَى اَلْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ ] [ يوحنا 8: 51 ]. ويلفتنا بشكل خاص قوله: [ قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَنَا هُوَ اَلْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ ] [ يوحنا 11: 25، 26 ].
هذه النصوص كلّها تؤكد ما يلى:
- أن حياة الإنسان تستمر بعد الموت بقدر ما هى مرتبطة بالله. لذلك يقول لنا السيد في الإنجيل: [ وَلاَ تَخَافُوا مِنَ اَلَّذِينَ يَقْتُلُونَ اَلْجَسَدَ وَلَكِنَّ اَلنَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ اَلَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ اَلنَّفْسَ وَاَلْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ. ] [ متى 10: 28 ].
- الموت يحدث من جرّاء غياب الله. وحيث يوجد الله لا يوجد الموت. لذلك، فالنفس العطشى لله والتي تسعى دائما إلى العيش في حضرته لا تموت لأن توْقها إلى الله يحفظها حية.
- الذي يعيش على هذه الأرض في المسيح يستمر على هذه الحياة بعد موته. هذا ما يؤكده بقوة الرسول بولس إذ يقول: [ لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اّلْلَّهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ. فَإِنَّنَا فِي هَذِهِ أَيْضاً نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا اَلَّذِي مِنَ السَّمَاءِ. وَإِنْ كُنَّا لاَبِسِينَ لاَ نُوجَدُ عُرَاةً. فَإِنَّنَا نَحْنُ اَلَّذِينَ فِي اَلْخَيْمَةِ نَئِنُّ مُثْقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَهَا بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا، لِكَيْ يُبْتَلَعَ اَلْمَائِتُ مِنَ اَلْحَيَاةِ. وَلَكِنَّ اَلَّذِي صَنَعَنَا لِهَذَا عَيْنِهِ هُوَ اَلْلَّهُ، اَلَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً عَرْبُونَ الرُّوحِ. فَإِذاً نَحْنُ وَاثِقُونَ كُلَّ حِينٍ وَعَالِمُونَ أَنَّنَا وَنَحْنُ مُسْتَوْطِنُونَ فِي اَلْجسَدِ فَنَحْنُ مُتَغَرِّبُونَ عَنِ اَلرَّبِّ. لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعَيَانِ. فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ اَلْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ اَلرَّبِّ ] [ 2 كورونثوس 5: 1 – 8 ]. وجاء في (فيليبي 1: 20-23): “الحياة عندي هي المسيح والموت ربح… أرغب في أن أترك هذه الحياة لأكون مع المسيح…”.
- المسيح هو الحياة وواهبها. فالذي يعيش في المسيح و [ حَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ اَلْمَسِيحِ فِي اَللهِ ] [ كولوسي 3: 3 ]، هذا يكون (ذِكرهُ مؤبداً)، لأن روح الله يحمله ويحفظه من الموت: “مَتَى اظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ انْتُمْ ايْضاً مَعَهُ فِي الْمَجْدِ.” (كولوسي 3: 4).
د – ماذا عن الذين لم يعرفوا يسوع ولم يقبلوه؟:
يجيب بطرس الرسول قائلاً: [ الَّذِي فِيهِ أَيْضاً ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ، إِذْ عَصَتْ قَدِيماً، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ. ] [ 1 بطرس 3: 19، 20 ].
إن الذين “تمردوا” على السيد والذين سوف يتمردون عليه، هم بعد الموت “أرواح سجينة”، ويسكنون “الهاوية”، “مكان الهلاك” و”أرض النسيان”. هذا ما تكلمت عنه المزامير وأشعياء النبي. وفي مثل لعازر يشير يسوع نفسه وبعبارات رمزية إلى وضع هؤلاء المتمردين الحزين. فيقول بأن الغني قد مات ودفن، بينما هو في “الجحيم يقاسي العذاب”، رفع عينيه ورأى من بعيد إبراهيم ولعازر في أحضانه، فصرخ قائلاً: [ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي اَلْهَاوِيَةِ وَهُوَ فِي اَلْعَذَابِ وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ فَنَادَى: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ اِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اَللهِيبِ. ] [ لوقا 16: 23، 24 ]. ثم يضيف السيد أنه يوجد “هوّة عظيمة” بين “الجحيم” و”أرض الأحياء” أو “أحضان إبراهيم”، لا يقدر أحد أن يجتازها ( لوقا 16: 26).
ولكننا نعلم أن السيد نفسه قال أن: [ غَيْرُ اَلْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ اَلنَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اَللهِ ] [ لوقا 18: 27 ]. ونعلم أن المسيح – الله المتجسد – لم ينزل من “السماء” إلى الأرض فقط بل نزل أيضاً إلى “الجحيم” وإلى الهاوية [ رومية 10: 7 ]. لكى يفتقد الإنسان وهو في أقصى درجات تعاسته، ويكسر “القيود الدهرية” ويحرّر الذين يتجاوبون مع محبته.
إذاً، بالقيامة تفقد المسيح الذين هم في الجحيم لأنه “وطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور”. وكل من يلقي بمصيره بين يدى المسيح “أذكرني يا رب متى أتيت في ملكوتك”، يدخل في لحظة مماته مع السيد إلى الفردوس: [اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ اَلْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي اَلْفِرْدَوْسِ ] [ لوقا 23: 43 ]. والفردوس هذا هو: “البيت الأبدي غير المصنوع بيدٍ بشرية، والذي هو في السماوات” (2 كورونثوس 5: 1). وهناك يبقى بإنتظار فرح القيامة.
هـ – وننهي هذا الفصل عن الموت بذكر الصلوات التي تدعونا الكنيسة إلى تلاوتها في سحر يوم الأحد “اللحن الثالث”. وهذه القطعة توجز ببلاغة تعليم الكنيسة عن غلبة السيد النهائية على الموت: “لقد قام المسيح من بين الأموات، الذي هو مقدمة الراقدين وبكر الخليقة ومبدع كل المبروءات. وقد جدّد بذاته طبيعة جنسنا المنفسدة. فلست تتسلّط فيما بعد أيها الموت لأن سيد الكلّ قد أبطل قوتك وحلّها”.
4 – قيامة الموتى والحياة الأبدية:
هل سيقوم الأموات بأجسادهم؟ وهل القيامة هذه حقيقة واقعية أم هي ضرب من الخيال والوهم عفا الزمان على القول بها؟
بادئ ذي بدء نورد بعض النصوص الكتابية التي تلقي ضوءاً على موضوعنا هذا. وسنجدها تدعّم فكرة القيامة الفعلية للأموات. وتجب الملاحظة في هذا المجال أن آراءنا الشخصية وتأويلاتنا لا قيمة حقيقية لها، فالقيمة كلّ القيمة لما أعلنه الله عن هذا السرّ. والروح القدس هو دون سائر الأرواح قائدنا إلى الحقيقة. والكتاب المقدس يؤكد على ذلك ويحذرنا من محاولة الإتصال بالأرواح كائنة ما كانت: [ لاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى اَلْجَانِّ وَلاَ تَطْلُبُوا اَلتَّوَابِعَ فَتَتَنَجَّسُوا بِهِمْ. أَنَا اَلرَّبُّ إِلَهُكُمْ ] [ لاويين 19: 31 ]. ونجد أيضاً في: [ مَتَى دَخَلتَ اَلأَرْضَ اَلتِي يُعْطِيكَ اَلرَّبُّ إِلهُكَ لا تَتَعَلمْ أَنْ تَفْعَل مِثْل رِجْسِ أُولئِكَ اَلأُمَمِ.لا يُوجَدْ فِيكَ مَنْ يُجِيزُ اِبْنَهُ واِبْنَتَهُ فِي اَلنَّارِ وَلا مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً وَلا عَائِفٌ وَلا مُتَفَائِلٌ وَلا سَاحِرٌ. وَلا مَنْ يَرْقِي رُقْيَةً وَلا مَنْ يَسْأَلُ جَانّ وتَابِعَةً وَلا مَنْ يَسْتَشِيرُ اَلمَوْتَى. لأَنَّ كُل مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ اَلرَّبِّ. وَبِسَبَبِ هَذِهِ اَلأَرْجَاسِ اَلرَّبُّ إِلهُكَ طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ ] [ تثنية 18: 9 – 12 ].
أ – في العهد القديم :
- عندما أعلن الرسول بطرس قيامة المسيح [ أعمال 2: 26 – 28 ]، استشهد بنص المزمور (مزمور 16: 9 – 11) فقال: “لِذَلِكَ فَرِحَ قَلْبِي وَاِبْتَهَجَتْ رُوحِي. جَسَدِي أَيْضاً يَسْكُنُ مُطْمَئِنّاً. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي اَلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً. تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ اَلْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى اَلأَبَدِ”.
بطرس، إذاً، يترجّى القيامة، قيامة الأجساد بالفعل، وليس نوعاً من قيامة الأرواح فقط، كما كانت تعلّم في المدارس الفلسفية. - أشعياء سبق وتكلّم عن الرجاء نفسه (26: 19) فقال: “ستحيا أمواتكم وتقوم الجثث. استيقظوا وترنموا يا سكان التراب لأن نداك ندى النور والأرض تسقط الجبابرة”. وكأنه بذلك يشير إلى ولادة ثانية وخلقٍ جديد.
- وفي سفر أيوب نجد الإيمان نفسه بالقيامة بالجسد إذ يؤكد أنه سوف يرى الله بأعين الجسد: [ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَاَلآخِرَ عَلَى اَلأَرْضِ يَقُومُ وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اَللهَ. الَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذَلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جَوْفِي ] [ أيوب 19: 25 – 27 ].
- وهنا لا بد لنا من إثبات نبوءة حزقيال التي تتلى في خدمة صلاة السحر للسبت العظيم المقدس وهي ما يسمّى بجناز المسيح وتقام عادة مساء يوم الجمعة العظيمة. هذه النبوءة تعطي صورة واضحة ومؤثرة لقيامة الأجساد: [ كَانَتْ عَلَيَّ يَدُ الرَّبِّ فَأَخْرَجَني بِرُوحِ اَلرَّبِّ وَأَنْزَلَنِي فِي وَسَطِ اَلْبُقْعَةِ، وَهِيَ مَلآنَةٌ عِظَاماً. وَأَمَرَّنِي عَلَيْهَا مِنْ حَوْلِهَا وَإِذَا هِيَ كَثِيرَةٌ جِدّاً عَلَى وَجْهِ اَلْبُقْعَةِ، وَإِذَا هِيَ يَابِسَةٌ جِدّاً. فَقَالَ لِي: [ يَا اِبْنَ آدَمَ، أَتَحْيَا هَذِهِ اَلْعِظَامُ؟ فَقُلْتُ: [ يَا سَيِّدُ اَلرَّبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ . فَقَالَ لِي: [ تَنَبَّأْ عَلَى هَذِهِ اَلْعِظَامِ وَقُلْ لَهَا: أَيَّتُهَا اَلْعِظَامُ اَلْيَابِسَةُ، اِسْمَعِي كَلِمَةَ اَلرَّبِّ. هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ لِهَذِهِ اَلْعِظَامِ: هَئَنَذَا أُدْخِلُ فِيكُمْ رُوحاً فَتَحْيُونَ. وَأَضَعُ عَلَيْكُمْ عَصَباً وأَكْسِيكُمْ لَحْماً وَأَبْسُطُ عَلَيْكُمْ جِلْداً وَأَجْعَلُ فِيكُمْ رُوحاً فَتَحْيُونَ وَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلرَّبُّ ]. فَتَنَبَّأْتُ كمَا أُمِرتُ. وَبَيْنَمَا أَنَا أَتنَبَّأُ كَانَ صَوْتٌ وَإِذَا رَعْشٌ فَتَقَارَبَتِ اَلْعِظَامُ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى عَظْمِهِ. ونَظَرْتُ وَإِذَا بِاَلْعَصَبِ وَاَللَّحْمِ كَسَاهَ، وبُسِطَ اَلْجِلْدُ علَيْهَا مِنْ فَوْقُ، وَلَيْسَ فِيهَا رُوحٌ. فَقَالَ لِي: [ تَنَبَّأْ لِلرُّوحِ، تَنَبَّأْ يَا اِبْنَ آدَمَ، وَقُلْ لِلرُّوحِ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَلُمَّ يَا رُوحُ مِنَ اَلرِّيَاحِ اَلأَرْبَعِ وَهُبَّ عَلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَتْلَى لِيَحْيُوا. فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَني، فَدَخَلَ فِيهِمِ اَلرُّوحُ، فَحَيُوا وَقَامُوا عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدّاً جِدّاً. ثُمَّ قَالَ لِي: [ يَا اِبْنَ آدَمَ، هَذِهِ اَلعِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ إِسْرَائِيلَ. هَا هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا. قَدِ اِنْقَطَعْنَا. لِذَلِكَ تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ وأُصْعِدُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي. وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيُونَ، وَأَجْعَلُكُمْ فِي أَرْضِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أنَا اَلرَّبُّ تَكَلَّمْتُ وَأَفْعَلُ، يَقُولُ اَلرَّبُّ ] [ حزقيال 37: 1 – 14 ].
ب – في العهد الجديد:
ولنأت الآن إلى العهد الجديد. نجد أن شهادة بطرس الرسول التي ذكرناها تعتمد أيضاً كلام يسوع نفسه إذ أكد رجاء القيامة فقال: [ اَلْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآن حِينَ يَسْمَعُ الأمْوَاتُ صَوْتَ ابنِ اللَهِ وَالسَامِعُونَ يَحْيَوْنَ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآب لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ. لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ ] [ يوحنا 5: 25 – 29 ].
هذا هو النص الإنجيلى الذي يُقرأ في صلاة الجناز. وأمّا نصّ الرسالة فهو للقديس بولس ( تسالونيكي 4: 13 – 18): [ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذَلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضاً مَعَهُ. فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ اَلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي اَلسُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ اَلرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ اَلرَّبِّ. لِذَلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِهَذَا اَلْكَلاَمِ.].
كلّ النصوص التي ذكرنا، الواضحة والمتوافقة فيما بينها، تبين أن الإعلان الإلهي تكلّم عن قيامة للموتى في أجسادهم وقد علّق على ذلك القديس إيريناوس، اسقف ليون السنة 170، مجيباً عن تساؤلات المشككين: “إن لم يُخلّص المسيح الجسد بالقيامة فذلك يعني أنه لم يخلّص الإنسان أبداً. فهل رأى أحد إنسانا بدون جسد؟…”.
التمييز بين روح الإنسان وجسده تمييز مصطنع. والله إفتقد الإنسان كما هو روحاً وجسداً. ومن أجل هذا الإنسان تجسّد المسيح وأخذ جسداً، ثم مات وقام وجلس مع الطبيعة الإنسانية التي تبنى إلى يمين الآب داعياً إليه الذين آمنوا به، والذيم يسلّمون أمورهم وحياتهم للروح القدس ليسكن في هياكل أجسادهم ويحوّلها إلى آنية صاحة لإقتبال الحياة الأبدية. والحياة الأبدية هي “أن يعرفوك أيها الآب القدوس”. وتعطى لمن يؤمن بالآب ويتقبّل الروح [ يوحنا 6: 40، 47 و8: 51 و11: 25، 26 ]. وبهذا الصدد يقول الرسول بولس: [ وَإِنْ كَانَ اَلْمَسِيحُ فِيكُمْ فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ اَلْخَطِيَّةِ وَأَمَّا اَلرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ اَلْبِرِّ ] [ رومية 8: 10 ]. وكذلك: [ وَمَتَى لَبِسَ هَذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ وَلَبِسَ هَذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: { ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ }. أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. إِذاً يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ كُونُوا رَاسِخِينَ غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ ] [ 1 كورونثوس 15: 54 – 57 ].
والآن لا بدّ من طرح السؤال: هل يتمكّن الإنسان منذ الآن – أي في حياته الأرضية – أن ينعم بسكنى الله فيه وأن يذوق حلاوة عشرة الله؟
للإجابة عن هذا السؤال رأينا أن ننطلق من سرد حادثة واقعية حصلت للقديس الروسي سيرافيم ساروفسكي ( 1759 – 1833 ) مع صديق له باسم موتوفيلوف، ثم نتبعها بدراسة أعدّها قدس الأب كاليستوس وير (الأسقف حالياً) الإنجليزي والأستاذ في جامعة أكسفورد وهو من أصل أنجليكاني إهتدى إلى الأرثوذكسية. وكان المثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع قد نقل دراسته هذه إلى العربية ونُشرت سابقاً في مجلة النور الأرثوذكسية.
5 – تجلي الجسد:
أ – الحوار مع موتوفيلوف:
في إحدى ليالي الشتاء كان القديس سيرافيم ونقولا موتوفيلوف يتحدّثان في الغابة. كانا يتكلمان عن هدف الحياة المسيحية الحقيقية. قال سيرافيم جازماً: “أنه إمتلاك الروح القدس”.
فسأل موتوفيلوف: “وكيف يمكن أن أتأكد أني في الروح القدس؟”.
وقد جرى عندئذ بينهما الحوار التالي كما جاء على لسان موتوفيلوف:
“عندئذ شدّ سيرافيم كتفي بيديه وقال: يا بني! كلانا في هذه اللحظة في روح الله. لماذا لا تتطلع إلى وجهي؟
– لا أستطيع. عيناك تلمعان بأشعة كأشعة البرق الخاطف ووجهك يوج بنور أقوى من نور الشمس. تؤلمني عيناي إذا حدقتا في عينيك.
– لا تخف! في هذه اللحظة بالذات يغمرك شعاع كالذي يغمرني. إنك مثلي الآن. إنك ممتلئ أيضا من روح الله.
ثم أدار رأسه وقرّبه من أذني وتمتم فيها كلمات فيها نعومة السحر: أشكر الرب الإله على صلاحه معنا. إن صلاحه لا نهاية له. لكن لماذا لا تنظر إليّ؟ حدّق ! لا تخف فالله معنا.
بعد هذه الكلمات، إرتمت أنظاري فوق وجهه. شعرت خشية عظيمة قد تملكتني. تصوّروا وجهاً، تصوّروا الشمس، تصوّروا قلب الشمس، تصوّروا الأشعة الخاطفة، تجدون أنفسكم أمام هذا الإنسان. تصوّروا هذا الوجه وهو يخاطبكم. إنك ترى حركات شفتيه وتلحظ تعابير عينيه المتتابعة كأنها الموج، وتشعر بأن هناك من يشد كتفيك بيديه. إلا أنك، لن ترى، لا يديه، ولا جسمه. إنك لا ترى إلا نوراً يكتنفك ويمتد بعيداً عنك ويغمر بضيائه طبقات الثلوج المبسوطة فوق أشجار الغابة، فينعكس ضياء على الرشوحات الثلجية المتساقطة بإستمرار”.
الحوار يستمر. يسأل سيرافيم موتوفيلوف عن الشعور الذي يعانيه في داخله، فيجيب موتوفيلوف، ويعلّق أن حالة الذهول كانت بعد بعيدة عنهما. كلاهما كانا بعد على إرتباط بالعالم الخارجي. ما فتئ موتوفيلوف يشعر بوجود الثلج ويشعر بالغاب، وحديثهما كان مترابطا. حتى هذه اللحظة كان يلفهما نور يخطف الأبصار. ماذا حصل لهما؟.
ب – مغزى الحادثة:
“نور يخطف الأبصار”. إن لاهوت الكنيسة الأورثوذكسية الصوفي أوضح أن الضياء الذي ينبعث من وجه سيرافيم وموتوفيلوف ما هو إلا قوى الله غير المخلوقة. النور الذي يلفهما هو النور الإلهي نفسه الذي غمر السيد لمّا تجلّى على جبل ثابور. “في عينيك خطف البرق، وفي وجهك ضياء أين منه ضياء الشمس”. كلمات موتوفيلوف هذه تحمل إلى ذاكرتنا الآية الإنجيلية: “1 وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. 2 وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ.” (متى 17: 1-2). كما تجلّى المسيح فوق جبل ثابور كذلك تجلّى عبد المسيح سيرافيم في غاب ساروف. سيرافيم وموتوفيلوف تجلّيا من مجد إلى مجد حسب تعبير الرسول: “أما نحن جميعنا فننظر بوجه مكشوف كما في مرآة مجد الرب فنتجلى إلى تلك الصورة بعينها” (2 كورنثوس 3: 7، 18).
إن “الهادئين” (Hésychastes) – وهم أتباع مدرسة روحية واسعة الإنتشار في الشرق المسيحي تشدّد على الصلاة المستديمة كأداة للعيش الدائم في حضرة الله – وخاصة القديسين سمعان اللاهوتي الحديث ( 917 – 1022 ) وغريغوريوس بالماس ( 1296 – 1359 ) يكررون الكلام عن نور إلهي واقعي ويعتبرونه ذروة وقمة الحياة في الصلاة. لا توجد في حالة سيرافيم رؤيا منظورة بأعين الروح الداخلية. إنه نور طبيعي يُنظر بعيني الجسد خارجياً.
أيمكن أن تُعتبر حالة سيرافيم شيئاً عارضاً فريداً يمكن تنحيته ووضعه جانباً؟ أيمكن أن يكون حَدَثاً وحَدْثاً غير عادي خارقاً وعجيبا؟ هذا النوع من التفسير يحمل كثيراً من الأخطار ويُعتبر مغامرة. يُروى عن قديس روسي آخر سرجيوس رادونيج ( 1314 – 1392 ) “أن العطر كان يفوح من جسده بعد موته وأن النور كان يغمر وجهه وأن وجهه لم يكن يشبه وجه الأموات بل وجه الأحياء، وقد برهنت الحياة المائجة فوق وجهه على عالم نفسه النقي”. مثل هذه الأمثلة تنقلنا دائماً إلى حقيقة التجلّي كحدث وقع في الزمان والمكان: “وصارت ثيابه بيضاء كالثلج”.
عودة إلى الوراء، عودة إلى آباء الصحراء، نجد أن هناك حالات كثيرة مشابهة. في كتاب أقوال الرهبان وصف لموت الأنبا سيسويس. يقول الكتاب: “عندما كان تلاميذه يحيطون به، وهو على فراش الموت، كان وجهه يشع كالشمس وكان الضياء يزداد ألقاً ويغمر جسده حتى فارق الحياة، إذ ذاك، صار النور برقاً خاطفاً وإمتلأ البيت من رائحة الطيب”. يذكر الكتاب أيضاً أنا “الأنبا بامغو قد تمجّد بمجدٍ جعل الذين كانوا يحيطون به يرتعدون خوفاً ولا يجسرون أن يحدقوا إليه. وكما أخذ موسى صورة آدم بمجده عندما تمجد وجهه كذلك فقد شعّ الأنبا بامغو بأشعة برّاقة وصار كأنه ملك على عرشه”.
في بعض الأحيان يتكلّم كتاب الأقوال عن النار أكثر مما يتكلم عن النور. إقترب أحد تلاميذ البار أرسانيوس الكبير منه بصورة عفوية فوجده قائما يصلي وقد ظهر له الشيخ وكانه وسط نار. يُروى مثل هذا عن الأنبا يوسف في بامغو “ووقف الشيخ ورفع يديه إلى السماء فصارت أنامله العشر كمشاعل فقال له: إذا أردت فصِرْ كُلّك كالنار”..
إن فكرة التجلّي مع أنها غير واضحة هنا ويكتنفها شيء من الغموض إلا أن حقيقتها تبقى قائمة. في بعض الأحيان تظهر القوى الإلهية غير المخلوقة بشكل ألسنة نارية كما في يوم الخمسين وبشكل نور كما حصل على جبل ثابور أو في طريق دمشق مع الرسول بولس. إن تكلمنا عن النار والنور فالحقيقة هي هي لا تتغيّر.
لم يُحصر هذا التمجيد الجسدي في الكنيسة الأرثوذكسية. لقد عرفته الكنيسة الغربية قديماً وفي حالات كثيرة مماثلة. إنه نتيجة لحرارة الشركة مع الله، لحرارة الصلاة العميقة لله.. هذا النوع من الصلاة الحارة يعطي إشعاعاً للجسد فائق الطبيعة ويكون سبيلاً إلى التجلّي الجسدي. نرى هذا التجلّي الجسدي في حياة القديسة تيريزا، والقديسة كاترينا بولونيا وكاترينا جنوا. عندما ذهب رفاق البار “بان فان رويزبريك” للبحث عنه في الغابة “رأوا شجرة بكاملها وسط شعلة من نور”. وكان البار جالس عند جذورها.
كما أن جراحات القديس فرنسيس الأسيزي فوق جبل المبارنو هي إمتداد لصليب المسيح في أحد أعضاء جسده السري: “وأتم ما ينقص من شدائد المسيح في جسمي” (كولوسي 1: 24). كذلك تمجيد القديس سيرافيم والقديسين الآخرين هو امتداد لتجلي المسيح “فنتجلى إلى تلك الصورة بعينها”.
ماهو المعنى اللاهوتى لهذا التمجيد الجسدي الذي ظهر في قديسين من الشرق والغرب؟ وراء هذه الأمثلة توجد نقطتان لهما معنى أساسي.
En primer lugar: التجلي في كلتا الحالتين، حالة تجلّى الرب وحالة تجلّي قديسيه، يؤكّد أهمية الجسد الإنساني في اللاهوت المسيحي. عندما تجلّى المسيح على جبل ثابور ظهر مجده في جسده وعن طريق هذا الجسد. رأى التلاميذ بأعينهم الجسدية: “أن ملء اللاهوت كله حلّ فيه جسدياً” (كولوسي 2: 9). كما أن مجد المسيح لم يكن داخلياً فقط بلّ مادياً وجسدياً كذلك كان مجد قديسيه. إن تجليهم يؤكد أن تقديس الإنسان -تألهه كما يقول الآباء- ليس أمراً يستهدف الروح فقط بل أمراً يشمل الجسد. “الجسد يتأله مع الروح وعلى قدر اشتراكه بالتأله” (مكسيموس المعترف). ويقول القديس ترتليانوس الجسد هو محور الخلاص.
en segundo lugar: التجلي في كلتا الحالتين، في تجلّي المسيح وفي تجلّي قديسيه، حدث أخروي. إنه سبق مذاق وعربون الحضور الثاني. وتمجيد جسد القديسين يرمز بطريقة حية إلى منزلة المسيحي، ويشير كيف أن المسيحي هو في “العالم” “وأنه ليس من العالم”. وأنه قائم في نقطة الفصل بين الجيل الحاضر والمستقبل ويعيش في الجيلين معاً. الأزمنة الأخيرة ليست حدثا إستقبالياً فقط. لقد إبتدأت بالفعل.
لندرس هاتين النقطتين درساً مفصلاً ونبحث أولاً عن النتائج الإنسانية النابعة من سر التجلّي.
ج – الجسد واسطة لتمجيد الله:
إن بلاديوس ( 363 – 430 )، في رحلته الأولى إلى مصر عاش مع شيخ ناسك اسمه دوروثيوس وكان هذا ينقل الحجارة طول النهار تحت أشعة الشمس المحرقة، لبناء القلالي. إحتج بلاديوس على عمل الشيخ وقال له: “ما هذا الذي تفعله طول النهار تحت أشعة الشمس الكاوية وأنت في هذه السن؟ إنك تقتل نفسك”. فأجابه دورثيوس ساخراً: “يا بني يجب أن أقتل هذا الجسد قبل أن يقتلني”. هذا القول يتعارض تماماً مع قول بيمين أحد أباء الصحراء:” نحن لم نتعلّم قتل الجسد بلّ قتل الأهواء”.
وراء هذين القولين الموجزين توجد، بعد التدقيق، طريقتان مختلفان في النظرة إلى الإنسان. الطريقة الأولى طريقة أفلاطونية أكثر مما هي مسيحية “وإن كان لها تاريخ طويل في تاريخ اللاهوت المسيحي”. والثانية مسيحية حقيقية ترتكز على الكتاب المقدس. وراء هاتين الطريقتين المختلفتين في النظرة إلى الإنسان نظرتان مختلفتان عن الخليقة. النظرة الأفلاطونية عن الخليقة تقول بأزلية المادة. ليست المادة شيئاً خلقه الله من العدم بل شيئاً سبق وأن كان موجوداً، ومع أن الله يستطيع أن يعطي للمادة شكلاً وترتيباً إلا أنها تبقى في نهاية المطاف شيئاً خارج الله، مبدأ مستقلاً عن الله. أما الكتاب المقدس فلا يقبل بأيّة فكرة تقول بمبدأين. المادة حسب التفكير الكتابي ليست مستقلّة عن الله ولا مساوية له في البدء، إنها ككل الكائنات الهيولية خُلقة من خلقته إذ: “صنع الله السماء والأرض ورأى الله أن كل ما صنع حسن”.
مقابل هاتين الفكرتين عن الخليقة نجد نظرتين مختلفتين في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا). ينظر أفلاطون (ومثله أكثر الفلاسفة اليونانيين) إلى الإنسان نظرة ثنائية ويعالجه على هذا الأساس. يعتبر النفس إلهية أمّا الجسد فينظر إليه كسجن وكنبع للمآثم. الإنسان عقل سجين في جسد ترابي يخفق إلى الحرية. الجسد قبر. وهدف الفيلسوف هو أن يبقى بعيداً عن كلّ ما هو مادي. هناك من ينظر إلى الجسد نظرة معتدلة فيعتبرونه وشاحاً لا بدّ للإنسان إلا وأن ينعتق (فيثاغورث). وهناك من ينظر إليه نظرة صارمة قاسية: ” أنك يا نفس فقيرة تحملين جثة” (مرقس أوريليوس).
إن الكتاب المقدّس يدعو إلى نظرة إلى الإنسان تقوم على الوحدانية لا الثنائية كما هو الحال في الفلسفة اليونانية. ليس الإنسان سجيناً في الجسد إنه وحدة جسد وروح. إنه كلّ روحي جسدي. قال أفلاطون “الروح هي الإنسان”. أمّا الكنيسة فترد قائلة الروح ليست كل الإنسان. روحي ليست أن. عندما خلق الله، عندما خلق الثالوث الأقدس الإنسان على صورته خلق كياناً كاملاً، خلق الروح والجسد معاً. وعندما أتى الله إلى الأرض ليخلص الإنسان لم يأخذ نفساً بشرية فقط بلّ جسداً بشريا أيضاً لأن إرادته كانت، وهي، تخليص كل الإنسان، جسده وروحه.
في الواقع أن الجسد كما نعرفه ثقل. إنه شيء يسبب لنا التعب والشقاء وعذاب الولادة. إنه كما نعرفه فعلاً نبع لكل الأهواء الخاطئة وهذه كلها نتيجة للسقطة. بعد السقطة لم بيق الجسد البشري على حالته الطبيعية بلّ صار إلى حالة مضادة للطبيعة. لا شك أن الجسد والروح سينفصلان وهذا الإنفصال إنفصال مؤقت ما دام المسيحيون يترجّون قيامة الجسد وفي القيامة سيعود الإتحاد مرة أخرى. ليس الجسد قبراً ولا سجنا بلّ قسم جوهري من الإنسان. إن الجسد في نظر الرسول بولس ليس عدواً تجب محاربته وسحقه بلّ سبيلاً يمكن الإنسان أن يمجّد به خالقه: [أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلروحِ اَلْقُدُسِ اَلَّذِي فِيكُمُ اَلّذِي لَكُمْ مِنَ اَللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ ] [ 1 كورونثوس 6: 19 ]. [ فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا اَلإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اَللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اَللهِ عِبَادَتَكُمُ اَلْعَقْلِيَّةَ ] [ رومية 12: 1 ]. القديس مكسيموس المعترف يُعلم نفس التعليم على أساس فكرة التأله: “بالطبيعة يبقى الإنسان كلاّ في الجسد والروح وبالنعمة يصير إلهاً في الجسد والروح”. وكذلك القديس غريغوريوس بالاماس: “النفس الفرحة روحياً والعاملة في الجسد تنتقل بهجتها إلى الجسد فيصير روحياً وهكذا لا تتعطل اللذة المنقولة من الروح إلى الجسد باتصالها مع الجسد بل تحوله إلى روح. وبطرحه الرغبات الجسدية الخبيثة لا يجرف الروح بل يتصرف كأنه روح من الإنسان الكل”. يتضح أن بالماس كتابي بكليته في نظرته الأنثروبولوجية.
الإرتباط الجوهري بين النفس والجسد، خلاصهما المشترك وتأليههما هي أفكار واضحة جداً عند القديس إيريناوس: “بيديّ الله أي بالابن والروح القتدس خُلق الإنسان على شبه الله. أقول الإنسان كله لا قسماً منه فقط خُلق على صورة الله. النفس والجسد معا يشكلان الإنسان بقسميه، لا الإنسان بحد ذاته. لأن الإنسان ككل هو مزج ووحدة النفس (التي تُعطي روح الآب) بالجسد (الذي يتكون على صورة الله)”.
إن صورة الله، حسب قول إيريناوس، ليس شيئاً ينحصر بالعقل بلّ شيئاً يتناول الجسد الإنساني. يعالج هذه الناحية يوستينوس الفيلسوف في بحثه عن القيامة فيقول:
“من الواضح، إذاً، أن الإنسان المخلوق على صورة الله هو جسدي. أليس القول: إن لا قيمة للجسد المخلوق على صورة الله ولا شرف له قول غير صحيح ومشين؟ فهل الإنسان روحاً فقط؟. كلا!.إنها روح الإنسان. أيمكن أن يكون الإنسان جسداً فقط؟ كلا!. إنه جسد الإنسان. الإنسان هو وحدة من الإثنين. لو أخذ الإنسان بقسمه الواحد دون الآخر، لكان حيادياً”.
في عبارته “نثبت إستناداً إلى طبيعة الإنسان الكتابية أن الإنسان سُمّي إنسانا لا لأنه ذو نفس فقط وجسد فقط، بل لأنه وحدة من النفس والجسد ومن الناحيتين خُلق على صورة الله ومثاله”، يتفق غريغوريوس بالاماس مع يوستينوس.
بدلاً من أن يستغل الكتبة المسيحيون النتائج التي يكتسبها الجسد والمادة من خلقة الإنسان على صورة الله وقعوا في نوع من الملائكية وإعتبروا الجسد كعائق ومانع، كشيء لا علاقة له بالحياة الروحية، كشيء خارجي عن طبيعة الإنسان الحقيقية وأوحوا أن هدف حياة الإنسان هو أن يتحرّر من ربط المادة وأن يحيا حياة روح بدون جسد.
Este punto de vista no tiene en cuenta la diferencia fundamental entre humanos y ángeles. Dios creó a los ángeles como espíritus puros, pero el hombre le dio un cuerpo así como le dio un alma, y estos dos constituyen una unidad fundamental. Dios creó al hombre con un cuerpo, y es orgullo y locura flagrante que el hombre intente quitarse el cuerpo y convertirse en ángel. Como dice Pascal: “El hombre no es ni un ángel ni un animal. Quien quiere ser ángel se convierte en animal”. La persona no debe ignorar la naturaleza material ni tratar de trascenderla, sino que debe estar orgullosa de su cuerpo y utilizarlo como el regalo más honorable de Dios. Muchos creen que el hombre es menos que un ángel porque tiene cuerpo. Un ángel sólo tiene alma, mientras que un humano tiene alma y cuerpo. Gregorio Palmas dice: “El hombre está por encima del ángel porque tiene cuerpo”. La naturaleza humana como complejo tiene mayor potencial que la naturaleza angelical. El hombre es una frontera intermedia entre lo material y lo inmaterial, participa de ambos mundos, por lo que forma un puente y un punto de contacto para toda la creación divina.
Todo esto y muchas otras cosas están detrás del misterio de la Transfiguración, detrás de la expansión de este misterio entre los miembros de la Iglesia. El obispo de Fastcott dice: “La Transfiguración es la medida del potencial humano, es la revelación del poder espiritual de la vida terrenal en su forma externa más elevada. La transfiguración de Cristo y la transfiguración de sus santos nos demuestra la medida del potencial humano y nos muestra el cuerpo humano tal como Dios lo creó en el principio y lo que está calificado para llegar a ser por Su gracia y nuestra voluntad. La Transfiguración revela la espiritualidad de nuestra naturaleza material pecaminosa: vemos el cuerpo humano en su estado final cuando se convierte en espíritu. La manifestación revela de manera muy vívida que el espíritu no es igual a lo “inmaterial”. No sólo el alma, sino también el cuerpo está capacitado para llevar el manto del Espíritu Santo. La manifestación de los cuerpos es una apariencia percibida sólo en el marco de una antropología que acepta el potencial espiritual del cuerpo humano y rechaza firmemente toda forma de dualismo platónico”. La Transfiguración da al ermitaño el derecho a “jurar” contra Doroteo y demuestra que el teólogo cristiano es necesariamente un materialista.
Dijimos que vemos en la transfiguración el cuerpo humano tal como Dios lo creó en el principio. La gloria de Jesucristo en el Monte Tabor no es sólo una gloria en el más allá, sino un evento que se refiere a la naturaleza humana en el principio antes de que fuera destruida por la caída.
Bamgo tomó la imagen del cuerpo de Adán, como dice el libro “Dichos de los Ermitaños”. ¿Qué pasa con esta frase? Ciertamente significa que Bamgu ha regresado y ha poseído el estado de Adán en el Paraíso. Así, su cuerpo fue revelado y llegó a ser como el cuerpo de Adán antes de la caída, radiante y glorificado. Los libros litúrgicos contienen tal enseñanza, y en la Fiesta de la Transfiguración de nuestro Señor y Dios, el 6 de agosto, cantamos: “Hoy se transfiguró sobre los discípulos en el monte Tabor y mostró en sí mismo la belleza del elemento de la Primera Imagen asumiendo la esencia humana”.
Y también: “Oh Cristo Salvador, Tú hiciste brillar la naturaleza oscura de Adán a través de Tu transfiguración, restaurando su elemento a la gloria y esplendor de Tu divinidad”.
La transfiguración del cuerpo glorioso de Jesús en el monte Tabor revela “la belleza de la imagen divina”, nos muestra cómo habría sido nuestra naturaleza humana si no hubiera estado contaminada por el pecado de Adán y nos muestra lo que nuestra naturaleza humana puede y puede hacer. debe convertirse.
En las vidas de los santos que no fueron glorificados físicamente como lo fueron los Serafines, podemos observar de manera modificada la misma enseñanza sobre el cuerpo humano. Mostraremos algunos ejemplos de autistas antiguos. Entre los antiguos ermitaños del desierto podemos encontrar un falso dualismo debido a la extrema severidad de la vida y muchas veces podemos encontrarnos con lo contrario. Cuando San Antonio (251 - 356) salió de su torre desierta, donde había vivido recluso durante veinte años (como menciona Atanasio), la gente quedó asombrada al ver su cuerpo en el estado en que se encontraba: “No estaba agotado por el ayuno. , ni su lucha con los demonios lo calmó, ni se encorvó por falta de ejercicio”. Era recto, como quien sigue la razón y vive según la naturaleza”. Aquí no hay rastro alguno de dualidad. Antonio estaba en un estado natural, “vivía según la naturaleza”. La vida estricta no cambió su cuerpo. Parece que el ermitaño que busca la vida antes del pecado apunta al alma y al cuerpo. En su libro “La vida de Antonio”, Atanasio el Grande destaca la preservación de su cuerpo por parte del ermitaño Antonio de una manera que llama la atención: “Aunque vivió ciento cinco años, aún conservó su vista y sus dientes perfectos, y sus manos y pies se mantuvieron fuertes”.
En Egipto existe toda una parroquia de ermitaños que conocemos, cuyos cuerpos gozaban de buena salud, como el de San Antonio, y “ninguno de ellos enfermó antes de su muerte”. Cuando se acercaba la hora de la muerte, el solitario entre ellos se preparaba y se lo contaba a sus hermanos, luego se acostaba y dormía su último sueño. No hubo ninguna enfermedad antes de la caída. Esto sucede también a veces con aquellos que por su santidad han alcanzado el estado del paraíso. Están libres de enfermedades. La liberación de la enfermedad concedida a Bamgu “quien aceptó la imagen de la gloria de Adán” y murió mientras tejía una canasta no carece de significado. No se enfermó antes de su muerte y no sintió ningún dolor en sus órganos. Juan al-Salami (579-649) escribe sobre este tema en su famosa escalera, y al final del trigésimo escalón de la escalera explica el tema de la manifestación. Habla de la transfiguración del cuerpo y dice: “Cuando el corazón se alegra en el amor de Dios, su rostro se alegra y resplandece”. Por eso, cuando una persona está completamente fusionada con el amor divino, el rostro adquiere pureza y luz y se convierte en un espejo radiante que expresa las luces interiores existentes en lo más profundo del alma. Con este esplendor resplandeció Moisés y resplandeció su color”. Luego continúa diciendo: “Quienes realizan el acto angélico de amor muchas veces descuidan el gusto del placer de la comida. Creo que los que poseían este amor divino se parecían a los ángeles, como si fueran inmortales y sus cuerpos no enfermaban fácilmente, y se volvían inmortales e inmortales, purificados por la llama del puro amor divino”.
El cuerpo humano, incluso en la vida presente y en ciertos casos, puede alcanzar dentro de ciertos límites la incorruptibilidad que tenía Adán antes de la caída, que es la parte de todos los justos después de la resurrección del cuerpo. Esto nos ayuda a comprender cómo los cuerpos de los santos a veces permanecen inmortales después de la muerte.
D - La gloria final de la Resurrección:
Si el hombre, creado a imagen de Dios, es una unidad de alma y cuerpo, si el cuerpo participa con el alma en la deificación, entonces ¿por qué no encontramos en la vida de muchos santos ni la incorrupción del cuerpo ni la glorificación externa? ¿No fue la glorificación física en el caso de San Serafín y en la vida de otros santos la glorificación de momentos? ¿Cuál es la explicación para esto? La manifestación de nuestro Señor y Dios responde a esta pregunta. Una vez, y una vez durante la vida de Cristo en la tierra, Cristo se apareció a sus discípulos transfigurado en la luz divina por un momento. Esto no significa que la naturaleza humana del Señor aceptó algo que antes no estaba en ella y luego lo perdió. Por el contrario, la gloria que brilló en Jesús en el monte Tabor no era una gloria extraordinaria, sino algo que Él siempre había poseído, salvo que, mediante un movimiento voluntario de evacuación, ocultó esta gloria por otras circunstancias. En su segunda presencia, el Señor vendrá en gloria y poder, y los humanos verán su cuerpo tal como realmente es, en toda su belleza y grandeza. Esto también sucederá con sus santos. Mientras permanezcan en la tierra, su verdadera gloria casi siempre permanece secreta y aparece físicamente en pocos y raros casos. Pero cuando los muertos resuciten en el último día, los santos aparecerán tal como son en realidad, glorificados física y espiritualmente.
La Transfiguración es, por tanto, una realidad escatológica, es decir, la esperanza de la segunda venida de Cristo, cuando también aparecerá en su gloria como apareció en el Tabor y simbolizará la resurrección de los muertos, cuando la misma luz divina que irradió en el cuerpo de Jesús en el monte Tabor penetrarán los cuerpos de los santos que se levantan del sepulcro. Cristo en su transfiguración, como dice Anselmo, demostró su gloria y glorificó a sus seguidores, o como dice Gregorio Teólogo: “¿Se revela mediante la transfiguración algo más que la gloria de la resurrección final? La gloria del Tabor es la prenda, la promesa y la manifestación de la gloria del Paraíso”.
En los sermones de Macario (a principios del siglo V) se habla detalladamente de la futura transfiguración del hombre tras la resurrección del cuerpo: “El cuerpo humano es glorificado en la medida en que es poseído por el Espíritu Santo. Lo que una persona guarda en lo más profundo de sí mismo será revelado y aparecerá fuera del cuerpo y llegará el Día de la Resurrección. Por el poder del Sol de Justicia, la gloria del Espíritu Santo emerge de adentro hacia afuera y cubre los cuerpos de los santos cuya gloria estaba escondida dentro de sus almas. Lo que hay en ellos ahora sale del cuerpo, y entonces sus cuerpos son glorificados por la luz incomprensible que había en ellos por el poder del espíritu”.
Después de la Resurrección, los cuerpos de los santos brillarán con luz, como dice el Libro. Este esplendor se debe a la gloria del Espíritu, que será derramado en el cuerpo: haciéndolo transparente. El cuerpo acepta revelar el esplendor que hay dentro del alma, espiritual e inmaterialmente. La gloria del alma se verá en el cuerpo transfigurado, como se ve el color de las cosas en los vasos de vidrio.
Esto es lo que el fotógrafo eclesiástico intenta hacer y representar en secreto. Intenta resaltar el cuerpo transfigurado de la resurrección, radiante con la luz del Espíritu Santo.
E - El comienzo de la futura generación:
Lo que Santo Tomás de Aquino llama “la efusión del espíritu en el cuerpo” no es algo preparado sólo para el futuro. Algunos (como hemos visto) disfrutan de la gloria física de ahora en adelante (incluso si el disfrute es momentáneo).
La realidad del último día es la resurrección integral y la transfiguración del cuerpo. ¿No vivimos como cristianos que han sido sepultados y resucitados con Cristo a través del bautismo en la próxima generación de ahora en adelante hasta cierto punto? ¿No es el Reino de Dios una realidad presente y al mismo tiempo una realidad futura? La resurrección, como confirma el evangelista Juan en su narración de la resurrección de Eliezer, es algo de lo que el creyente participa a partir de ahora. Cuando Marta dice: “Sé que resucitará en la resurrección el último día”, se refiere a la resurrección futura. En cuanto a Cristo, confirma la realidad de la resurrección presente con su respuesta: “Yo soy la resurrección y la vida... y todo el que vive y cree en mí, no morirá jamás”. [Juan 11:24-26]. La transfiguración de San Serafín es un símbolo realista de las palabras de Cristo. Todos estos ejemplos de glorificación física y el sabor previo de la resurrección final de los muertos confirman que la enseñanza cristiana sobre el más allá no es algo recibido sino algo alcanzado a partir de ahora, después de haber sido consagrado. “Si en aquel entonces el cuerpo compartía los bienes secretos con el alma, ahora comparte los bienes del espíritu que lo habita”, dice San Gregorio Palmas.
Éste es el significado teológico del diálogo: Serafines y Motovilov. Presenta claramente la importancia del cuerpo humano en el plan de salvación de Dios, invitándonos a volver la mirada hacia nuestra resurrección futura y al mismo tiempo mostrándonos cómo podemos disfrutar de las primicias, los frutos de la resurrección, aquí y ahora.
Y - la manifestación del mundo:
No sólo el cuerpo humano está llamado a manifestarse, a “vestirse del espíritu”, sino también a toda la creación material. Cuando amanezca el último día, el hombre liberado no será separado del resto de la creación, ya que toda la creación será salvada y glorificada con él. El evangelista Juan dice: [Entonces vi un cielo nuevo y una tierra nueva; porque el primer cielo y la primera tierra pasaron, y el mar ya no existía] [Apocalipsis 21:1]. El apóstol Pablo dice: [Porque la expectativa de la creación aguarda la revelación de los hijos de Dios. Porque la creación fue sometida a vanidad, no voluntariamente, sino por causa de aquel que la sometió, por esperanza. Porque la creación misma también será liberada de la esclavitud de la corrupción para pasar a la gloriosa libertad de los hijos de Dios. Porque sabemos que toda la creación está gimiendo y con dolores de parto hasta ahora [Romanos 8:19-22]. Esta idea de la salvación del mundo puede malinterpretarse, pero cuando se interpreta correctamente constituye un elemento esencial de la doctrina ortodoxa en cuestiones relacionadas con el más allá.
El hombre puede ahora mirar a los iconos sagrados como primicias de esta salvación colectiva que incluye incluso la materia. En él vemos claramente el potencial de santificación y don espiritual de la madera y el color como material. Los iconos son poderosas revelaciones del poder espiritual que posee el hombre y con el que es capaz de redimir la creación con belleza y arte. Es una promesa de la victoria venidera cuando la salvación que Cristo trajo a toda la creación se consolide para borrar los resultados de la caída. El ícono es un ejemplo físico positivo que ha sido restaurado a su simetría y belleza originales y ahora se usa como vestimenta para el Espíritu Santo. El icono constituye una parte del mundo revelado.
Así como la transfiguración de Jesús simboliza la resurrección final del cuerpo, también prefigura la transformación del mundo entero. En el monte Tabor no sólo apareció la persona de Cristo, sino también su vestimenta. F dice: De Maurice: “El acontecimiento de la transfiguración vivió a través de los siglos e iluminó a todas las generaciones. Por esa luz y esa forma que brillaba con la gloria de Dios, por esos pañuelos que brillaban blancos como la nieve, todos los rostros adquirieron este resplandor y todas las cosas comunes se transfiguraron. La manifestación del Señor Jesús significa la manifestación de todas las criaturas, la manifestación de Su perfección en el futuro y Sus ofrendas para nosotros de ahora en adelante, que el hombre puede saborear. Le basta tener ojos para ver”.
San Ireneo dice en su descripción del último día: “Ni desaparece la hipóstasis ni la esencia de la creación, sino que pasa la dimensión de este mundo, es decir, lo que fue causa de la desobediencia y por la cual el hombre quedó obsoleto”. Al atravesar esta forma y el hombre renovándose y creciendo en incorrupción, no puede envejecer, “y habrá un cielo nuevo y una tierra nueva, y en el hombre nuevo permanecerá nuevo, hablando con Dios y hablándole”.
Un manuscrito hebreo dice: “Uno de los reyes entró en su jardín para dirigirse al jardinero, pero el jardinero se escondió, y el rey le dijo: ¿Por qué te escondes de mí? ¿No soy yo como tú?” Así caminará Dios con los justos en el paraíso terrenal, y ellos lo verán y temblarán ante él, y entonces les dirá: “No temáis, yo soy uno de vosotros”. Esta es la manifestación que estábamos esperando.
6 - Juicio
A - La justicia y la sabiduría de Dios:
Dios es sufrido, compasivo, ama a la humanidad y es igualmente justo. Así como Su amor y compasión por la humanidad son infinitos, también lo es Su justicia. Si bien enfatiza que Dios es misericordioso y perdonador, abre su corazón al que viene a Él arrepentido, como el hijo pródigo, y lo perdona y lo salva, y también es un Juez que condena con la misma fuerza al que no lo hace. No se arrepiente y rechaza la salvación. Por lo tanto, era necesario hablar del castigo eterno después de haber hablado de la vida eterna. El autor de la Epístola a los Hebreos (10:30, 31) nos recuerda esto, cuando dice: “Porque conocemos al que dijo: Mía es la venganza, yo pagaré, dice el Señor”. Y también: {El Señor juzgará a su pueblo}. ¡Es terrible caer en manos del Dios vivo!
B - Cristo es el juez:
Reflexionemos detenidamente en este texto que nos dio Juan: “Y también a él (es decir, al Hijo) le dio juicio, por cuanto es Hijo del Hombre. No te sorprendas de esto. Llegará la hora en que todos los que están en los sepulcros oirán su voz, y los que han hecho el bien saldrán de ellos a la vida y los que han hecho el mal a la perdición. Nada puedo hacer por mi propia voluntad. Juzgo según oigo al Padre. Mi juicio es justo, porque no busco mi voluntad, sino la voluntad del que me envió” (Juan 5:27-30) .
Volvamos a lo que mencionó San Mateo (25:34-36) sobre la lengua del Señor en el Día del Juicio: “...el Rey dirá a los de su derecha: Venid, benditos de mi Padre, heredad el reino preparado para vosotros desde la fundación del mundo”. Porque tuve hambre y me disteis de comer. Tuve sed y me diste de beber. Fui forastero y me acogisteis. Estaba desnudo y me vestisteis. Estuve enfermo y me visitaste. "Estaba en prisión y tú viniste a mí".
C - La condición del juicio:
Concluimos de lo anterior que:
- El gobernante y juez será el mismo Cristo.
- Este Gobernante y Juez nos ama y murió por nosotros: “Y cuando éramos débiles, Cristo murió por los pecadores... Rara vez alguno muere por un justo... Pero Dios demostró su amor por nosotros en que Cristo murió por nosotros mientras todavía éramos pecadores” (Romanos 5:6-8).
- Este mismo gobernante dijo a través de su profeta: [No me deleito en la muerte del impío, sino en que el impío se aparte de su camino y viva] [Ezequiel 33:11]. El apóstol Pablo confirmó este dicho: [El cual desea que todos sean salvos y lleguen al conocimiento de la verdad] [1 Timoteo 2:4]. El apóstol Pedro nos lo recordó: [El Señor no retarda su promesa, según algunos la tienen por tardanza, sino que es paciente con nosotros, no queriendo que los hombres perezcan, sino recibir para que todos se arrepientan [2 Pedro 3:9 ].
- Así como este gobernante y juez es amoroso y misericordioso, también es justo.
- El Señor tratará con nosotros según nuestras acciones y nuestras intenciones al mismo tiempo: “Porque el actuar conforme a las disposiciones de la ley no justifica a nadie ante Dios, porque la ley es para conocer el pecado” (Romanos 3:20). Cuando dijo: [...No juzguéis, y no seréis juzgados. No elimines a nadie, o no serás eliminado. Perdona y te será perdonado] [Lucas 6:36, 37].
- Por lo tanto, nuestro ajuste de cuentas será difícil y estará estrechamente vinculado a actitudes internas que reflejen el amor y la entrega que se evidencian en nuestra relación con los enfermos, los extraños, los prisioneros y los torturados en la tierra, porque en ellos reside el Señor. Así, la prueba, al final, será la medida de nuestro amor y dedicación para servirle a Él y a los que fueron creados a su imagen y semejanza: “Sabemos que hemos pasado de la muerte a la vida, porque amamos a nuestros hermanos. .. El que no ama, permanece en la muerte” (1 Juan 3:14).
- Este es el camino que debemos tomar para tener vida eterna. Ha quedado completamente claro. Lo único que tenemos que hacer es pasar del odio al amor, porque tal cruce nos hace pasar de la muerte a Dios, es decir, a la vida. Así, anticipamos, en cierto modo, el juicio. Como dice Crisóstomo: “El cielo en la tierra se encuentra en la Eucaristía y en el amor al prójimo”.
- El conocimiento y la fe nacen del amor: [Amados, amémonos unos a otros: porque el amor viene de Dios. Por tanto, todo el que ama es nacido de Dios y conoce a Dios. En cuanto al que no ama, ¡nunca ha conocido a Dios porque Dios es amor! Dios mostró su amor por nosotros al enviar a su único Hijo al mundo para que vivamos por medio de él. ] [1 Juan 4:7-9].
- Dios es amor, por eso quien no ama no tiene comunión con Dios, y por lo tanto no tiene conexión con la vida que proviene de Dios. Su destino es la muerte y la extinción. Su destino es el infierno, donde “Dios no existe” y su voz no se escucha. ¿No es tormento eterno el pecador sabiendo que vivirá para siempre lejos de la presencia de Dios, sin escuchar Su voz y sin disfrutar del reino que “Dios preparó desde la fundación del mundo” (Mateo 25:34)?
7 – Orar por los muertos
A - La oración de los justos y la comunión de los santos:
El apóstol Santiago nos aconseja diciendo: [Y orad unos por otros para que seáis sanados. La oración del justo tiene gran poder para lograrlo” (Santiago 5:16). En el Libro de los Macabeos encontramos que la oración del justo es capaz de perdonar al pecador incluso después de su muerte: [Porque si no hubiera esperado la resurrección de los que habían caído, su oración por los muertos habría sido en vano y en vano. Considerando que se ha preparado una hermosa recompensa para quienes durmieron con piedad. Es una opinión santa y piadosa, por lo que se hacía expiación por los muertos, para que fueran absueltos del pecado (2 Macabeos 12:44-46).
En cuanto a Juan Evangelista, invierte el versículo y nos dice que también los muertos pueden orar por los vivos: [Y cuando tomó el libro, los cuatro seres vivientes y los veinticuatro ancianos se postraron delante del Cordero, y cada una Arpas y copas de oro llenas de incienso, que son las oraciones de los santos. Y vino otro ángel y se puso en pie junto al altar, teniendo un incensario de oro, y le fue dado mucho incienso para ofrecerlo con las oraciones de todos los santos. El altar de oro que está delante del trono] [Apocalipsis 5:8 y 8:3 ]. Compara “las oraciones de los santos” ante el trono del Cordero con “copas de oro llenas de incienso”.
La muerte, entonces, no rompe la unidad del cuerpo de Cristo. Los que viven en este mundo y los que han seguido adelante con la esperanza de la resurrección son siempre un solo cuerpo. Esto es lo que llamamos "la comunión de los santos".
Esta comunión, de la que hablamos anteriormente en el Capítulo Ocho, se demuestra mejor en la vida litúrgica de la Iglesia. Toda la iglesia ora, no sólo los vivos. Porque también participan de nuestra alabanza los difuntos que están con nosotros en la iglesia y que están representados por los iconos de los santos colocados en la iglesia. Otra cosa importante sucede en la Divina Misa, ya que el sacerdote se acuerda de los vivos y coloca en la bandeja los pedazos del pan de la ofrenda, luego se acuerda de los muertos y coloca en la misma bandeja los pedazos del pan de la ofrenda, luego coloca lo recogido en la bandeja en la copa, para que vivos y muertos sean un solo cuerpo en Cristo. Por lo tanto, el único lugar donde se encuentran los vivos y los muertos en todo el sentido de la palabra es la iglesia, específicamente en la Santa Copa, es decir, en Cristo Jesús. Por eso, estamos llamados a llevar a nuestros muertos en nuestras oraciones al Señor, y ellos también se unan a nosotros en alabarlos, para que sea glorificado en ellos y en nosotros el nombre del Señor, y el cuerpo que nos reúne, que es la Iglesia, Cuerpo de Cristo, crece.
B - Sobre la oración fúnebre - sermón de Su Beatitud el Patriarca Ignacio IV de Antioquía - cuando era Metropolitano de Latakia:
En el nombre del Padre, del Hijo y del Espíritu Santo, el único Dios. Amén.
Amados, parece importante que la gente sepa cuándo oramos realmente por nuestros muertos. Creo que muchos en esta santa Iglesia y muchos de nuestro pueblo piensan que la oración por los doscientos es la oración que hacemos al final de la Misa.
Amados, no vinimos a esta iglesia para esta oración (la oración fúnebre). Venimos a la iglesia para enfrentar a nuestros muertos. Esta oración que rezamos al final de la Divina Misa es una oración que se puede realizar en casa, en cualquier lugar y muchas veces. Es una oración muy, muy ordinaria. Es sólo una mención y nada más. La realidad, amados, es que aquí enfrentamos a nuestros muertos, y oramos por ellos y con ellos, y celebramos la Divina Misa con ellos. Este es el punto importante: celebramos la Divina Misa para que nosotros y ellos podamos estar en el Servicio Divino. No se mencionan al final de la oración, pero sí cuando decimos: “Acuérdate, Señor, primero “Padre Nuestro” y...” Luego mencionamos estos nombres en la mesa divina después de que el Señor ha traído entre nosotros el pan y el vino transformados en Su cuerpo y sangre.
Por eso es muy natural que nuestros pensamientos no se conviertan en un recuerdo vacío sino en una presencia total, en una presencia casi tangible como la presencia de Cristo entre nosotros, como la presencia de Cristo cuerpo y espíritu, cuerpo y sangre, cuerpo. y alma. Cuando Cristo está presente con nosotros en particular, cuando los muertos son colocados en esta bandeja bendita, están presentes como los vivos. Cuando la gracia divina desciende sobre el honorable cuerpo, sobre el honorable cordero y sobre la honorable sangre, entonces ellos cobran vida, así como Cristo está vivo.
Amados, espero que espiritualmente recurramos a esa circunstancia particular en nuestras oraciones. Por tanto, los que vienen a la iglesia son santificados por sus muertos. Quienes no asisten a la Divina Misa e incluso a esta breve oración no han cumplido con sus deberes hacia sus difuntos. El que cumple con su deber para con sus muertos es el que viene a verlo. Orar con él y recibir también con él el precioso cuerpo y la sangre del Señor.
Les pido primero que vengamos al comienzo de la Misa, porque la Misa es la oración por los difuntos, no esta oración. En segundo lugar, nosotros y nuestros muertos compartimos la vida con ellos en el Señor Jesús. Este es nuestro verdadero consuelo, amados.
En cuanto al pésame externo, como visitar el domicilio y dar el pésame como de costumbre, ya no está disponible para todas las personas. Las personas en el mundo ya no pueden tolerar el acoso en sus pequeños hogares o la privación de su tiempo limitado, y más que eso, sus almas cansadas pueden no tolerar que el tema de la tristeza surja en ellos muchas veces. La gente ya no puede tolerar las costumbres en las que vivimos hoy. Por lo tanto, las condolencias se realizaban con mayor frecuencia en la iglesia o en su entrada. La persona triste entonces va a su casa para sentirse libre allí, si quiere llorar, puede hacerlo en su casa, y si quiere orar, puede orar en su casa también.
Esto es lo que quería anunciar, y deseo en todas las circunstancias que toda persona que pierde a un ser querido tenga el consuelo sincero, el consuelo profundo que viene del Señor Jesús. El consuelo que proviene del Señor Jesús reside en el corazón de cada creyente.
8 - La Dormición de Nuestra Señora, Madre de Dios:
En el capítulo quinto hablamos de la Madre de Dios y volvemos a ella ahora porque ofrece la mejor imagen de la transición de la muerte a la vida. Su sueño -o mejor dicho, su transición- es un símbolo vivo de cómo podría ser el fin de nuestra vida en la tierra: “De cierto, de cierto os digo, que el que oye mis palabras y cree en el que me envió, tiene vida eterna y no asistirá al juicio, porque ha pasado de muerte a vida” (Juan 5): 24).
La Dormición de la Madre de Dios no se menciona en los Libros Sagrados, pero la tradición de la iglesia nos transmitió este evento. La iglesia lo celebra el quince de agosto.
¿Qué aprendemos del ícono de Eid y de las oraciones y súplicas que ofrecemos durante el servicio de Eid?
a- En el icono vemos a María en su lecho de muerte rodeada de los apóstoles, y el alma fue reunida de todo el mundo. También vemos a los obispos angelicales de la Iglesia inclinándose ante ella. En el centro del icono vemos al Maestro llevando en brazos a un niño, que representa el espíritu de su madre. Así, de forma sencilla y profunda, el icono nos enseña que María, que dio a luz al Señor siendo niña, ahora nace en el cielo y es llevada por las manos de su Hijo y Maestro. Y aquel a quien ella dio su naturaleza humana para nacer en la tierra, recibió a su vez su gracia para nacer en el cielo. Así, en la Dormición de la Virgen se alcanzó la gloria del siglo venidero y el hombre alcanzó el objetivo último para el que fue creado, es decir, la deificación. En Cristo, Dios se encarnó, y la Virgen, en su transición, fue divinizada y alcanzó por primera vez la meta de la encarnación divina, que los Padres expresaron cuando dijeron: “El Hijo de Dios se hizo hombre para que el hombre fuera divinizado”. .”
B- “En tu nacimiento conservaste y mantuviste la virginidad, y en tu sueño no descuidaste ni abandonaste el mundo, oh Madre de Dios, porque pasaste a la vida, siendo madre de la vida, así por tus intercesiones, salva nuestra almas de la muerte”.
Este troparion nos enseña que la Virgen pasó de la muerte a la vida y que tuvo vida eterna sin estar sujeta a juicio. (Juan 5:24) Porque la Madre de Dios no puede permanecer en corrupción. El quince de agosto, aniversario de la muerte de la Virgen, celebramos un servicio algo similar al de Pascua porque nos remonta a la Asunción de la Virgen y es también una celebración de su resurrección y su unión con su Hijo, saltándose el día. del Juicio y de la resurrección general.
“La Madre de Dios, que no descuida las intercesiones y la esperanza de ayuda no correspondida, no se dejó contener por la tumba ni por la muerte, sino que como es Madre de la vida, la transfirió a la vida, que residía en su eterno depósito de la virginidad”. (Qandaq en magia).
“Cuando los ángeles vieron el sueño de la virgen purísima, quedaron asombrados de cómo ascendía de la tierra a lo más alto” (El Noveno Valle).
C- Lo que le pasó a María no es una coincidencia, sino que es parte del plan de salvación de Dios para cada uno de nosotros. Después del juicio, es decir, al final de los tiempos, estaremos vivos con nuestros cuerpos ante el rostro de Dios, como dice el apóstol Pablo: “Así es en la resurrección de los muertos: el cuerpo es sepultado en corrupción. y resucita en incorrupción. Es sepultado sin honor y resucita en gloria. Es sepultado en debilidad y resucita en poder. Entierra un cuerpo humano y resucita un cuerpo espiritual. Y si hay cuerpo humano, también lo hay cuerpo espiritual” (1 Corintios 15:42-44).
Y este es el propósito final del juicio: llevarnos a la vida eterna con Dios como entró en ella la Virgen, y entrar al Reino de los Cielos o Jerusalén Celestial, como lo llama el libro, este mundo completamente nuevo que Dios nos prometió y que está en “devenir” de ahora en adelante y al mismo tiempo “en”. Se realizará plenamente cuando Dios llegue a ser “todo en todos” (1 Corintios 15:28).