الرسالة الأولى الى تيموثاوس

تيموثاوس، ويعني اسمه: مَن يخاف الله، هو أحد تلاميذ بولس ورفيقه في الخدمة. وُلد تيموثاوس في لِسْترة في ولاية غلاطية الرومانية (قرب قونية في تركيا الحالية)، من أب يوناني (وثني) وأم يهودية مؤمنة كان لها -ولجدّته- فضل كبير في تربيته الدينية (2 تيموثاوس 1: 5). عرفه الرسول حين أتى الى لسترة في بدء رحلاته التبشيرية، ولاحظ نشاطه في العمل… ولما زار لسترة ثانية طلب منه مرافقته (حوالى العام 50). ختنه بولس ليتجنب المتاعب التي يثيرها المسيحيون المتعلقون بالعادات اليهودية (أعمال 16: 3)، ولقد “وضع جماعة الشيوخ أيديهم عليه” في وقت لا نعرفه (1 تيموثاوس 4: 14). كان تيموثاوس يميل، في تصرفه، الى الحياء والانقباض، وكان نحيفا وغالبا متوعك الصحة، غير أن هذا لم يمنع الرسول من أن يثق به ثقة كبيرة وأن يصطحبه معه في رحلاته التبشيرية (اعمال الرسل 17: 14-15، 18: 5، 2. :4؛ 2كورنثوس 1: 19)، وتاليا أن يعهد اليه بمهمّات خاصة وصعبة (1 تسالونيكي 3: 2 و6؛ 1كورنثوس 4: 17و 16: 10). وحين كتب بولس اليه (خصّه برسالتين) كان تيموثاوس يشرف على عمل الجماعات المسيحية في أفسس ويتحمل مسؤولية اختيار القادة للكنيسة وتدريبهم.

يبدأ بولس هذه الرسالة -لعلّه كتبها من رومية بعد العام 63 (الرسائل الرعائية)- بتقديم ذاته، فهو “رسول المسيح يسوع…”، وهو يكتب الى تيموثاوس ابنه “المخلِص في الايمان” (والى الكنيسة التي أُقيمَ مسؤولا عنها)، ويدعو له أن ينال “النعمة والرحمة والسلام…” (1: 1و2). ثم يسأله البقاء “في أفسس”، لأن الجماعة التي استجابت يوما لوعظ الرسول (أعمال 19) تتعرض لتعاليم خاطئة يروّجها بعض الذين ينصرفون “الى خرافات وأنساب ليس لها نهاية” (لعلها مجادلات في شأن آباء العهد القديم وأبطاله). ويطلب اليه أن يجهد ضدّ هذه الانحرافات لأنها لا تعمل “للتدبير الإلهي الذي يتمّ بالإيمان…” والمحبة، ويبيّن أنها مقاربة مغلوطة لشريعة العهد القديم (3-11). ثم يتذكر الرسول، بعد سنوات اهتدائه وخدمته الطويلة، أنه بقوة الرب يقوم بعمله، هو الذي كان في الماضي يضطهد الكنيسة بعنفٍ،   لكن الله رحمه لانه فعل ذلك عن جهالة، وبات، وهو اول الخطأة، مثالا للذين خلصوا بمجيء يسوع الى العالم. ويورد مَجْدَلةً “لملِك الدهور الإله الواحد…”. ويوصي تلميذه أن يجاهد حسنا “بالايمان والضمير السليم” (18-20) .20) .

في بدء الإصحاح الثاني يطلب الرسول من الجماعة أن تصلي من اجل جميع الناس (الملوك وسائر ذوي السلطة…)، فإنه يريد خلاصهم وأن “يبلغوا الى معرفة الحق” (1-4). ويورد شهادة ايمان كانت الكنيسة قديما تتلوها بخاصة في عيد الفصح، ومضمونها ان الله واحد وان الوسيط بين الله والناس هو يسوع المسيح الذي “جاد بنفسه فدًى لجميع الناس” (5-8). ثم يوصي النساء المسيحيات بأن يلتفتن الى سلوكهن، فلا تبهرهن الملابس الفاخرة والحلي، ويحذرهن من الثرثرة والتسلط “على الرجال”، ويرى أن خلاصهن يأتيهن “من الأمومة” (يقاوم بولس، في هذا القول، كل مَن يحرّم الزواج)، ولا يقصد أن الإنجاب، بحد ذاته، يخلّص المرأة، وإنما أن تثبت “على الإيمان والمحبة والقداسة مع الرزانة” (9-15) .

يعدد بولس، في بدء الإصحاح الثالث (1-13)، بعض المؤهلات التي تختص بقادة الكنيسة: الاساقفة والشمامسة (هي درجات في حالة التكوّن). ثم يعبّر عن رغبته في رؤية تيموثاوس عن قريب، ويورد نشيدا طقسيا يُرفَع لمجد المسيح الذي “أُظهر في الجسد…” (14-16). ثم يكشف لقرائه أن الروح يقول صريحا بأن مصدر كل تعليم كاذب هو الشيطان، وهذا ينشره “قوم كذابون… ينهون عن الزواج وعن أطعمة خلقها الله ليتناولها ويشكر عليها الذين آمنوا فعرفوا الحق…”. ويوصي تلميذه أن يوجّه رعيته بكل تعليم صالح تغذّى به وتبعه، وأن يتجنب “الخرافات الدنيوية” ويروّض “نفسه على التقوى…” (4: 1-11). ويشجعه، رغم فتوّته، على أن يكون “قدوة للمؤمنين بالكلام والسيرة والمحبة والإيمان والعفاف”، وأن يواظب “على القراءة والوعظ والتعليم”، ويكون تقدّمه ظاهرا “لجميع الناس”، ليَخْلُص هو “والذين يستمعون اليه” (12-16) .

ثم يرشده الى ما يجب أن يعمله مع بعض افراد جماعته (الشيوخ والشبان والعجائز والشابات)، ويحثّه على وعظهم كأهل بيته (5: 1-2). ويقدّم قانونا خاصا بإعانة الأرامل (3-16)، وتوصيات تتعلق بالشيوخ (الكهنة)، فيسأله أن يكرّم “الذين يحسنون الرعاية… ويتعبون في خدمة الكلمة”، وأن يوبخ المذنبين “بمحضر من الجماعة”، وفي كل حال، أن يختارهم بكل رويّة لئلا يكون “شريكا في خطايا غيره” (17-22). وينصحه نصيحة خاصة، بقوله: “لا تقتصر بعد اليوم على شرب الماء، وتناول قليلا من الخمر (وهي نصيحة طبية صالحة في زمنه، اذ إن الخمر يعمل ضد بعض الجراثيم المضرة في الماء) من اجل معدتك وامراضك الملازمة” (23) .

يبدأ الإصحاح الأخير بحثّ العبيد المسيحيين على أن يكرّموا سادتهم و “يزيدوهم خدمة…” (1و2). ويعود الكلام ثانية على “التمسك… بأقوال ربنا يسوع المسيح…” التي لا يمكن أن تكون “وسيلة للكسب”، فمَن حاز القناعة يعرف “اننا لم نأتِ العالم ومعنا شيء، ولا نستطيع أن نخرج منه ومعنا شيء”. ويبيّن أن المسيحية ليست طريقا الى جني المال الذي حبُّهُ “أصل كل شرور”، والمسيحيون الحقيقيون يغتنون بتوزيعه على المحتاجين، وهذا يقيهم من الضلال “وأوجاع كثيرة” (3-10). ثم يحضّ بولس تلميذه على أن يصرف عمره جاهدا في سبيل تحقيق الفضائل المسيحية (البر والتقوى والايمان والمحبة…)، وأن يثبت “بريئا من العيب واللوم” الى يوم ظهور “ربنا يسوع المسيح” (11-16). ويطلب منه اخيرا أن يوصي “أغنياء هذه الدنيا” أن لا “يتعجرفوا” ويجعلوا رجاءهم “في الله”، ويعملوا الخير بسخاء “ويُشركوا غيرهم في خيراتهم… لينالوا الحياة الحقيقية”. ويوصيه أن يحفظ “الوديعة” ويتجنب كل تعليم فارغ كاذب، ويودعه “النعمة” التي تكمّل كل نقص وتساعد المسيحيين على أن يعيشوا بنور الحقيقة (17-21) .

تقدم هذه الرسالة قواعد في الحياة المسيحية والخدمة، وتدلّنا، بتوصياتها ونداءاتها المتعددة، على أن ما طلبه الله في التاريخ يخص كل مسيحي، وأن الأمانة لفكر الرب وجماعته تبعد الأتقياء عن كل انحراف وشر وتكشف لهم خلاص الله حقا.

Mon bulletin paroissial
الأحد 11 تشرين الاول 1998
Numéro 41

fr_FRFrench
Retour en haut