من أعمق معاني الزواج، في المسيحيّة، هو العهد. والعهد التزام الآخر في كلّ تفاصيل حياته، والتزامه دائماً في نور الله المقيم في المحبّة. هو، في جوهره، يأخذُ معناه من الأصالة، ولا يغيّرُهُ طارئٌ ولا يقبل انهزاماً. فالحياة حلوة ومرة يواجهُها الزوجان معاً بفرح عارم وصدق كبير، وخلاصة وعي أنَّ ما يجمعهما أقوى من أن يتحكّم فيه شرٌّ أو تتلاعب به الظروف.
والزواج، في عمقه ومداه، ليس رؤية إلى الآخر، وإنّما هو رؤية مشتركة إلى الله الذي هو هدف كلّ لقاء بشريّ طاهر، والذي معه وحده تُكتشف المحبّة ومتطلّباتها وديمومتها. وذلك أنّ الله هو الذي أحبّنا أولا، ورسمَ للعالم ما هو معنى المحبّة الحقيقيّة ودلالاتها. فقد قال الرب يسوع، فيما كان يخاطب أحد معلّمي اليهود عن الحياة الجديدة: “هكذا أحبّ الله العالمَ حتّى إنَّه بذل ابنَه الوحيد …” (يوحنا 3: 16). المحبّة فارغة، متكلّفة، باردة، إن كانت من دون بذل. والبذل، كما نستشفّه من كلام الربّ هنا، نوع من أنواع الموت. أن يحبّ المسيحيّ زوجه (الزوج او الزوجة) يعني أنّه مستعدّ لأن يموت من أجله. ومن يستعدّ للموت من أجل الذي يحبُّهُ لا يهمّه أمر سوى أن يحيا الآخر ويعظم ويتقدّس. وهذا تفسيره عمليّا أنه يبذل من أجله كلّ “عتيق وجديد”، ويحبّه في كلّ حال، ويأخذه، باستمرار، بالرأفة واللطف، ويحترمُ خصوصيّتهُ، ويُُبعد عنه كلّ تصلّب بلين ووداعة ويساهم في تقدّمه على غير صعيد… فالآخر، في الزواج، هو أيضاً هدف. ومن امتدّ إلى زوجه وأراده جميلا وعظيماً وحيّاً يبعد عنه كلّ عدوّ يتربص به، أو بهما. وأخطر عدوّ يريد أن يفتك بالمتحابّين ويشوّه لقاءهما ويسطّحه ويجعلهما أشلاء مبعثرة غير قادرين على المخاطبة أو المواجهة أو البذل… هو الأنانية. وهذه ليست قادرة على زرع الفوضى في الذات فحسب، وإنّما أيضاً على جعل الآخر شيئاً لا قيمة حقيقيّة له ويمكن استبداله. تلغي الأنانية وجه الحبيب، وليس من انسان كامل بلا وجه.
الإنسان وجه، أي حضور، نقابله ويقابلنا، نخاطبه ويخاطبنا، نتعهده إيماناً منّا بأننا من دونه ناقصون، وأنّه يكمّلنا، والكمال، في الحياة الزوجية، يفترض فهماً واقعياً لمكانة يسوع في حياة كل زوج. لقد قال الرسول إنّ يسوع هو “رأس الجسد”، اي الكنيسة. ومن يكون رأس الجماعة كلّها، في سياق فهم العضوية في الكنيسة، هو، بالضرورة، رأس المتزوجين، او هكذا يجب أن يكون. وهذا يفهمه بعمقه الذين ربطوا حياتهم بالجماعة المفتداة واستمدّوها من التزامهم فيها. ومن يكون يسوع رأسه يستمرّ حبّه، يستمرّ وفاؤه لعهده. وحده يسوع إن أدركناه قائداً لحياتنا،إن نصّبناه ملكاً علينا، لا يقدر علينا شيء. هو إيّاه المنقذ الذي ينجّينا في ساعات الفوضى ويردّنا الى الطمأنينة ويجعلنا ثابتين، واثقين وراجين كلّ خير ومتذوّقينه فرحاً موصولا.
فليس مِن زواج يكون ثابتاً او كاملا ما لم نسكن إلى ربنا يسوع وفيه، ونرتضِ مشيئته بالطاعة الحق. والطاعة ليسوع لا تعني انتقاء كلمات قالها ترضينا وإبعاد ما لا يناسبنا، وإنّما هي إقرار كامل بأن يسوع وحده الحق وأنّ كل ما يخالفه خطأ وشرّ. وهذا غير ممكن من دون معرفة حقيقية لما قاله السيد في إنجيله وامتداده في برّ التاريخ. من غابت عن حياته كلمات يسوع تسوده كلماته هو وقناعته هو. وهذا باب رحب يودي بنا إلى الهلاك. وما نجده، هنا وثمّة، من خراب ودمار في حياة بعض العائلات المسيحيّة، خير برهان عن أنّها – من دون إدانة – لا تعرف كلمات السيد وتتخبّط بكلماتها هي. مَن لا يكون يسوع ملهمه (رأس حياته) يدمّر نفسه، ولو بدا لنا في بعض الأحيان أنّ أحوالنا من دونه حسنة، فهذه أوهام من الشرير الذي يريدنا أن نهجر الربّ وكلمته لنتبعه، ونفشل، ونيأس ونموت.
مختصر الكلام أنّ الزواج فرصة ليعمق حبّنا لمن أحبّنا أولاً. معه وحده نفهم كلّ شيء. ونعرف ما هو النافع، وما هو الجديد. من يحبّ الرب لا تعرف العتاقة إليه سبيلا. يبقى في الجدّة مهما أثقلته السنوات، ويحيا في عرس دائم.
كيف يكون العرس فرحاً دائماً، عرس كلّ يوم؟ هذا هو تحدّي يسوع لكلّ من أرادوا أن يقولوا إنّهم قد اختاروا المحبة نهجاً لحياة دائمة، وتعهّدوا بعضهم البعض ليتمتموا قرباه.
نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد 27 أيار 2001 العدد 21