كل شيء يؤكد ان قلبنا يجب إن يكون ملتهباً بمحبة المسيح، وان نتصرف تصرفاً مسيحياً وان نقترب من الرب بفكرنا ونيتنا لأنه هو الإله الحقيقي، لا بل الإنسان الكامل ومثالنا الأزلي. علينا أن نتبحر بفكرنا في حياة المخلّص وعمله. وإذا فكرنا أو أحببنا شيئاً في العالم أكثر من محبتنا للمسيح فأن ذلك يعتبر خطيئة ثقيلة وجرماً بحق ذواتنا. فالسيد يجب أن يكون غرض دراستنا الأول واهتمامنا واليه ينصرف عقلنا وقلبنا بفرح. وانه لمن السهل جداً أن نتصل بالمسيح بالصلاة. لا حاجة إلى معاملات خاصة ولا إلى الصراخ ليسمعنا. فاالله موجود في كل مكان ولا يصعب أن يكون قريباً منا وهو الذي يلبي نداء من يستدعونه ويطلبونه بإيمان فيقطن في قلبهم. علينا أن نؤمن أن المخلّص سيستمعنا وألاّ نخاف أو نتردد ظانين أن المسيح لا يستجيب إلى صلاتنا كوننا خطأة. يجب أن نبقي قلة الإيمان والتخاذل بعيدين عن النفس وان نقترب دائماً من الرب بجرأة لأنه “منعم على غير الشاكرين والأشرار” (لوقا 6: 35). أصلي احدنا ويطلب العون؟ لن يشرف على خطر احتقار السيد له. يكفي أن يلتجئ إلى الصلاة بانسحاق وتوبة. أيمكن أن يحتقر السيد أحداً وهو الكثير الرحمة والمحبة والصلاح وقد جاء بدون ان يستدعيه الخطأة؟ “أذهبوا وتعلموا إني أريد رحمة لا ذبيحة، لم آتِ لأدعو صديقين بل خطأة إلى التوبة” (متى 13: 9). اننا لا نطلبه بل هو الذي يفتش عنا. أي غنى سيسكبة، أي غنى من غنى محبته سيفيض عندما نطلبه ونرجوه بإيمان وحرارة؟ انه يحب حتى الذين يبغضونه فما قولك في المؤمنين الذين يحبونه؟ لقد أظهر الرسول بولس هذه الحقيقة: “إذ كنا أعداء وتصالحنا مع االله بموت ابنه فالأولى أن نخلص بحياته ونحن مصالحون” (رومية 5: 10)، ثم إننا نصلي كأناس يتضرعون لا كأناس يملكون هذا الحق. لا نظن بأننا أصدقاء االله بل نصلي على أساس شعورنا بأننا مذنبون خطأة وعبيد مجرمون لا نرجو من السيد أن يتوجنا بل نرجو أن يرحمنا. وإذا كان االله لا يقدم صفحه وغفرانه اللذين نطلبهما، ولا يهب للخطأة حلّ الدين الذي يطلبونه منه فلمن يهب؟ لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى (متى 9: 12). فإذا كان على الإنسان أن يستدعي االله ويطلب منه رحمة فهل يكون هذا الإنسان غير الإنسان الخاطىء الذي يشعر بجريرته وبضرورة الرحمة الإلهية؟ نستدعي االله بلساننا ونيتنا وفكرنا بطريقة تحمل كل الدواء لخطايانا، “ليس بأحد غيرة الخلاص لأنه ما من اسم آخر تحت السماء أُعطيه الناس نستطيع به أن ندرك الخلاص” (أعمال 4: 12).
إن الخبز السماوي الذي يشدد ويقوي قلب الإنسان سيعطينا الشجاعة والصبر والقوة وسيطرد الكسل من أرواحنا. جاء السيد ليحمل لنا هذا الخبز السماوي، وعلينا إن نطلب هذا الخبز، هذه المائدة الروحية، بكل الوسائل حتى لا نتعرض لخطر الجوع الروحي. فلا نبتعدن عن المائدة الروحية بحجة عدم استحقاقنا. هناك كهنة. فلنتقدمن من الروحانيين ونعترفن بانسحاق لنتمكن من أن نأكل جسد الرب الطاهر ونشرب دمه الكريم. وعندما نهتم بالأمور السامية ونحفظ قلوبنا نقية فلن نكون من المدانين بالخطايا الكبيرة التي تمنعنا من المناولة الإلهية. فكما أن المناولة لغير المستحق تعتبر جرماً مميتاً كذلك الامتناع عن المناولة يعتبر جرماً أيضاً بالنسبة للمسيحي اليقظ الحياة. أولئك الذين يملكون الأهواء في نفوسهم وخصوصاً هوى العداوة والغِلّ نحو الآخرين لا يجوز أن يتناولوا سر الشكر قبل أن ينقوا قلوبهم ويتصالحوا مع الأشخاص الذين أحزنوهم. أولئك الذين يملكون نفوساً نقية صالحة ويجاهدون ليبقوا أحراراً من الأهواء ويشعرون بنقائص روحية صغيرة وأمراض فليتناولوا الدواء، وليلجأوا إلى المدبر الإلهي للصحة الروحية “الذي اخذ أمراضنا وحمل أسقامنا” (متى 8: 17)، ولا يبقوا بعيدين عن الطبيب.
إن دم الرب، للمؤمن الذي يتناوله بعد استعداد، يصبح باباً مقفلاً للنفس يمنع دخول ما يوسخها ويلطخ الحياة الروحية، أو بالأحرى يقفل كل أبواب النفس بعد طرده للمدمر ليجعل من القلب هيكلا الله ينسكب فيه بالمناولة الإلهية. إن دم الذبائح لا يسمح بوجود الأصنام في هيكل سليمان. دم المخلص الكريم لا يسمح أن تبقى… “رجسة الخراب في الهيكل” (متى :24 15) بل يسند الروح بالروح السيدي كما يضرع النبي داود، ويهب الطمأنينة العميقة للإنسان. لا أرى ضرورة أن أقول عن السر أكثر مما قلت. إذا اتصلنا بالمسيح بسر الشكر والصلاة والمطالعة الروحية والأفكار السامية العالية فعندئذ نروض النفس على كل الفضائل ونحفظ الوديعة الصالحة التي يتكلم عنها الرسول بولس بالنعمة التي نلناها بواسطة الأسرار، بالإضافة إلى أن الرب هو المتمم لها والحافظ للنعمة في أرواحنا والمهيأ المؤمن لقبول النعمة، “بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً”.