أنحب االله محبة لاهبة؟ يجب أن نضحي بالجسد والروح من أجله. لنكن دائماً على استعداد للتضحية بالجسد في كل لحظة حتى تصبح روحنا بكليتها ملكاً له. فإذا نقينا كل حركة وكل رغبة في النفس وأرجعناها الله فسنحقق رغبتنا. إذا طلبنا أن تكون النفس سعيدة فإننا نطلب ذلك على أساس محبتنا الله وذلك بإتمام إرادته وحفظ وصاياه الأزلية. التفكير الآتي يوضح ذلك بصورة جلية. لماذا نهتم من أجل نفوسنا ولماذا نحبها هكذا؟ لأننا لا نريد أن تحيا فقط بل أن تحيا سعيدة. من يريد أن يحيا شقياً؟ لا أحد. ماذا قال المخلص ليهوذا ذي النفس المخيفة؟ “كان من الأفضل ألا يولد هذا الإنسان” (متى 26: 24). بما ان حياة النفس السعيدة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمحبة االله فمن الواضح انه عندما نحب االله نحب أنفسنا ونبتغي سعادتنا. يجهل الكثيرون، لسوء الحظ، بأن سعادة النفس الحقيقية تقوم على محبة االله. فهم لذلك يوجهون محبتهم للأمور الأخرى وكثيراً ما يفضلون هذه الأمور التي تحزن نفوسهم فينتهون إلى الشقاء لأنهم لا يحترمون نفوسهم. أما المسيحيون أصحاب القيم الحقيقية فيكرسون ذواتهم الله لأنهم يعرفون أنهم سيحظون بالقرب منه بالسعادة الحقيقية. أنهم يحبون االله بكل قوتهم. ومحبة االله تنظم كل محبة أخرى، محبة نفوسهم، محبة كل الأشياء التي تعتبر جديرة بالمحبة.
ان المخلص بالنسبة لنا نحن المسيحيين هو أكثر من نفوسنا ألفة لذواتنا، والذين يهتمون حتى تكون كل حياتهم محبة للمسيح يعرفون الرباط الذي يربطهم به. يسرع المسيحي إلى المخلص ولا سلام فيه وعندما يجده ويحيا فيه يشعر بالسعادة الحقيقية الوحيدة. انه يحب المسيح بكل قواه لان الوصية الكبرى تفرض ذلك “أحبب الرب إلهك من كل قلبك وفكرك ومن كل قدرتك” (مرقص 12: 30)، وبما أن المسيحي يعطي كل محبته الله فأنه لا يترك شيئاً، لا لنفسه ولا لأي شيء آخر. في كل مكان يصبح الحب رباطاً قوياً والذين يحبون االله يعيشون من أجل المسيح ويفرحون باالله فقط.
الذين يحبون االله يفرحون بخيراته لاشتراكهم بها ويحوزون على الغنى الروحي ويباهون ويفاخرون بمجد االله. عندما يسجد الله ويعبد يتكلل هؤلاء ويتشرفون. أما أولئك الذين لا يعيشون الله بل لنفوسهم فأنهم لا يملكون فرحاً خلواً من ظلال الألم حتى ولو فرحوا بالخيرات الحقيقية. وهم إذا فرحوا فإنما يفرحون من أجل الخيرات الحاضرة ولكنهم يتألمون لان الخيرات المستقبلة تنقصهم ولا يستطيعون أن يملكوها لارتباطهم بالخيرات الحاضرة التي تعذبهم وان كانوا يملكونها. والذين يشعرون بالفرح الكامل هم الذين يعيشون بالرب. أنهم لا يعانون الألم لان كل شيء يبعث فيهم الفرح ولا شيء يسبب انزعاجهم. لا شيء محزن في االله الذي نعيش من أجله. إن الأمور التي يعتبرها المسيحي خاصة به لا تثير حزنه. لماذا؟ لسبب بسيط. لا يعيش المسيحي الذي يملك محبة كاملة الله لما له. “المحبة لا تطلب ما لها” (1 كورنثوس :13 5) والمسيحي يحب االله لأنه مغبط. المحبة فائقة الطبيعة، المحبة تجترح العجائب والإنسان هذا الغبار والرماد يترك ما له أو بالأحرى يعتاض عنه بما الله ويصبح شبيهاً به. يحدث له ما يحدث للفقراء والحزانى الذين يدخلون البيت الملوكي فيطرحون فجأة فقرهم ويرتدون البهاء.
أهناك فرح أسمى وأمتن من الفرح الذي يعانيه المرء في االله؟ عندما يستهدف الإنسان الفرح بعيداً عن االله فمن السهل خسرانه. ليس في الكون خير ثابت. الغني يفرح قليلاً بغناه ويرتعد جزعاً من فقده. أما كنز الصالحات فلا يتغير. الفرح الآتي من هذا الكنز معتق من الخوف وحزن. خيرات االله ثابتة وأكيدة وخالدة. أولئك الذين يملكون فرح العالم يكونون في خوف وشك دائمين من أن يفقدوه. أما المسيحي الذي يتمتع بفرح االله فلا يعكر صفوه معكر لأنه يصبح قوياً في االله، به يعتز ويتمتع بالفرح الإلهي الفائق الطبيعة. يفرح الإنسان فرحاً عظيماً عندما يستبدل بيتاً عتيقاً بيت جديد أنيق. ترى أي فرح يشعر به من تمكن أن يحيا في االله، من تمكن أن يشعر باالله أكثر من شعوره بالبيت والجسد والأصدقاء والأقارب. انه يفرح بالمسيح وبما يفرح له المسيح. لقد وضع السيد ناموس المحبة وكلماته شاهد. أوصى تلاميذه ما أوصاهم به. “هذا ما أوصيكم به” أن تحبوني وتجعلوني صديقاً لكم ” حتى يكون فرحي فيكم ويتم فرحكم” (يوحنا 15: 11) لان هذه الصداقة الإلهية ستجعل ما لي لكم وعند ذلك ستشعرون بالفرح الذي أفرحه. “إن متم فحياتكم مختبئة بالمسيح الرب” (كولوسي 3: 3).
لم تتقدس حياتنا فقط بل تقدس كل شيء فينا وتثبت في المسيح. لم يبق شيء بشرياً ” ألا تعرفون أن جسدكم هيكل للروح القدس الذي فيكم أعطيتموه من االله وليس لكم لأنكم قد اشتريتم بثمن كريم” (1كورنثوس 6: 9). من اشترى لا يملك ذاته، تتعلق ذاته بالشاري. ويعيش وفقاً لإرادة الشاري ورأيه. كان العبيد قديماً عبيداً بالجسد أحراراً في الرأي والتفكير. أما المسيحي الذي اشتراه المسيح فهو بجسده وروحه ملك للمسيح. كان البشر يشترون أجساد البشر أما المسيح فقد اشترى كل إنسان. كان البشر يدفعون ثمن الإنسان مالاً. أما المسيح فقد ضحى بحياته من اجل تحريرنا من عبودية الخطيئة. تألم وقاسى العذابات وقبل التضحية، “إن نفسي حزينة حتى الموت” (مرقس 14: 34). لقد أعطي كل ذاته ليشتري كل الإنسان وهكذا اشترى إرادتنا وقبل إرادتنا قبل كل شيء لأنها هي التي استعبدت للخطيئة. فعل المخلص كل شيء ليجذبنا ويجعلنا من خاصته. لم يستعمل طريقة العنف فقد أراد فكرنا وعقلنا. لم يغتصب بل اشترى وما دمنا قد اشترينا بدم المخلص فلا يمكن أن نستعمل إرادتنا من أجل الخطيئة وان نتركها أرجوحة بيدِ الأهواء. إن إرادتنا ملك للشاري.