18. انتقاد إخوتكم!
1. “لا تدينوا. لكي لا تُدانوا” [مت 7: 1]
ماذا إذن؟ ألا نلوم من يرتكبون الخطيئة؟ لأن بولس أيضًا يقول نفس الشيء أو بالحري يتكلم المسيح أيضًا ببولس قائلاً: “وأما أنت، فلماذا تدين أخاك؟ أو أنت أيضًا لماذا تزدرى أخيك؟ ومن أنت الذي تدين عبد غيرك؟” (رو 14: 4، 10). وأيضًا: “إذن، لا تحكموا في شيء قبل الوقت، حتى يأتي الرب” (1 كو 4: 5).
فكيف يقول في موضع آخر “وبخ، انتهر، عظ” (2 تي 4: 2). و”الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع” (1 تي 5: 20). والمسيح أيضًا يقول لبطرس: “إن أخطأ إليك أخوك، فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما، وإن لم يسمع، فخذ معك أيضًا واحدًا أو اثنين… وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة” (مت 18: 15-17).
فكيف يعيِّن علينا كثيرين لتوبيخنا، وليس لتوبيخنا فقط، بل لعقابنا أيضًا. وبالنسبة لمن لا يسمع لأي من هذه كلها، فإن الرب يأمره أن يكون “كوثني أو كعشار” (مت 7: 3).
وكيف أعطاهم الرب المفاتيح أيضًا؟ وطالما أنهم لا يحكمون على أحد فلن يكون لهم سلطان في أيّ موضوع، وعبثًا يكون لهم سلطان الحل والربط، وإن كان ذلك سيعم، فسيطيع الجميع على حد سواء في الكنيسة، أم في الدولة أم في البيوت. لأنه إن لم يدن السيد خادمه، والسيدة خادمتها، والأب ابنه، والأصدقاء بعضهم بعضًا، سيزداد الشر. ولماذا أقول الأصدقاء، فإننا حتى إن لم نحكم على أعدائنا، لن نقدر أبدًا أن نضع نهاية لعداوتهم، وسوف ينقلب كل شيء رأسًا على عقب. فما معنى هذا القول إذن؟
فلننتبه جيدًا: وحتى لا يحسب أيّ أحد أن أدوية الخلاص وقوانين السلام هي قوانين تشويش وفوضى: أولاً: فبواسطة ما سيلي، أشار السيد إلى أولئك الذين فهموا سمو ذلك القانون بقوله: “لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك. وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها” (مت 7: 3).
ولكن إن كان الأمر يبدو غامضًا عند الكثير من غير المبالين، فإنني سأشرح الموضوع من بدايته، ففي هذا الموضع – كما يبدو لي – لم يأمرنا هكذا ببساطة أن ألا نحاكم أيّ أحد بسبب خطاياه، ولا هو يمنعنا أن نفعل ذلك، بل بالنسبة للذين تمتلئ حياتهم بأنواع أمراض كثيرة ويدرسون الناس بتفاهاتهم – واَعتقد أن المسيح يلمح إلى بعض اليهود هنا – فهم يتهمون جيرانهم بمرارة بسبب أخطاء صغيرة. لهذا يوبخهم الرب: “يحزمون أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم” (مت 23: 4). وأيضًا “تُعشُرون النعنع والشبث… وتركتم أثقل الناموس: الحق والرحمة والإيمان” (مت 23: 23).
حسنًا، فإنني أظن أن هذا الأمر مفهوم في توبيخه، إذ يفحصهم أولاً بخصوص هذه الأمور، وهم الذين اتهموا تلاميذه فيما بعد. ورغم أنهم لم يكونوا مذنبين، حسبوهم قد فعلوا إثمًا؛ في عدم حفظهم السبت، والأكل بأيد غير مغسولة، والجلوس مع العشارين، فقال عنهم الرب في موضع آخر “الذين يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل” (مت 23: 24) ويضع الرب هنا قانونه العام حول هذه الأمور وأيضًا بالنسبة لأهل كورنثوس (1 كو 4: 5). فإن بولس أيضًا لم يأمرهم على الإطلاق بعدم الحكم على الآخرين، بل ألا يحكموا على رؤسائهم على أسس غير مدروسة. وألا يحجموا أبدًا عن تقديم الذين يخطئون. ولم يكن يوبخ الجميع دون تمييز، بل كان موضع توبيخه التلاميذ الذين يفعلون ذلك بمعلمهم والمذنبون بخطايا بغير حصر، ويرددون تقريرًا شريرًا عن غير المذنبين. هذا ما كان المسيح يقصده هنا، بتوبيخه لا لمجرد التوبيخ، والذي أحاطه أيضًا بفزع رهيب، وبالعقوبة التي لا يمكن للصلاة أن تخلصهم منها.
2. إذ يقول الرب: “لأنكم بالدينونة التي بها تدينون، تُدانون” [ع2] وكأن المسيح يقول ما معناه، إنك لا تدين الآخر بل تدين نفسك، وتجعل كرسي الدينونة أمرًا مخيفًا لك وتجعل حسابك صارمًا. تمامًا مثلما يتم غُفران الخطايا حين نبدأ نحن في غفران خطايا الآخرين. هكذا في الدينونة أيضًا؛ أننا نضع معايير دينونتنا بأنفسنا. فلا يليق بنا أن ندهس الناس وندوس عليهم بل نوبخ ولا نلعن، بل ننصح دون أن نقهر في تعالي، ونعامل الآخرين بلطف لأنكم لا تُسلمون إلا أنفسكم إلى انتقام شديد، إذ أنكم لا تخلصون الآخر حين تحكمون على آثامه، وهاتان وصفتان سهلتان، تمنح الطائعين بركات جزيلة، مثلما هو الحال مع الشرور من جهة أخرى لدي غير المكترثين. لأن كل من يغفر لجاره، يحرر نفسه أولاً من أصول الشكوى ودون أية مشقة، ومن يتعامل مع آثام الآخرين برفق ودون تباطؤ يكون غفرانه عظيمًا. وما يحكم به يُحكم به عليه. ورُبّ قائل: وماذا بعد؟ هل إن ارتكب أحد الزنا لا نخبره أن الزنا أمر رديء، وهل لا نقومه وهو يمارس خطية مشينة كهذه؟ بلى، نقومه ولكن ليس كخصم ولا كمعاند لكم يستحق العقوبة. بل تعاملونه كطبيب كمريض وتعطونه الدواء اللازم. لأن السيد المسيح لم يقل “لا تمنع من يخطئ”، بل “لا تدينه” أيّ لا تحكم عليه حكمًا مرًا. وكما ذكرت قبلاً، ليس عن الأمور العظيمة ولا الممنوعة يقول ذلك، بل عن الأمور التي لا تحسب من بين الآثام. مثلما قال “لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك” [ع3].
أجل. لأن كثيرين الآن يفعلون ذلك، إذا رأوا راهبًا يرتدي ملابس لا لزوم لها، يطبقون عليه قانون الرب (مت 10: 10) “لا تقتنوا… لا مزودًا للطريق ولا ثوبين… “. بينما يتباهون هم أنفسهم بمظهرهم بغير حدود، وتعيرون الناس كل يوم. وإن رأوه ولو مرة واحدة يشارك في الطعام بنفس مفتوحة، يتهمونه بمرارة. بينما هم أنفسهم يشربون بشراهة ويتناولون الطعام بنهم شديد. غير عالمين أنهم بالإضافة إلى خطاياهم، يجمعون على أنفسهم شررًا مستطيرًا، ويحرمون أنفسهم من كل فرصة للتوسل. لأنه عند هذه المرحلة، لابد أن يسألكم بحزم عن أفعالكم الخاصة، فقد نفذتم أنتم القانون أولاً بأنفسكم، وتحكمون على جاركم فلا تتألموا إذا ما حكم عليكم أنتم أيضًا بذات الحكم.
“يا مرائي أخرج أولاً الخشبة من عينك” [ع5].
وهنا تظهر مشيئته في إظهار الغضب الكبير ضدهم، فهم يفعلون الشيء ذاته، وحين يكشف لهم عن جسامة الخطية وبشاعة العقاب وشدة الغضب الموفرة لهم، يبدأ بتوبيخهم إذ قال لمن كان يتاجر بالمئة دينار وهو غاضب: “أيها العبد الشرير، كل ذلك الدين تركته لك” (مت 18: 32). ويقول هنا أيضًا “أيها المرائي” لأن المرائي لا يحكم على الآخرين بغرض حمايتهم بل بسبب إرادة شريرة عنده، وبينما يضع قناعًا من الخير على وجهه، يمارس أبشع الشرور ويصدر توبيخات بغير أساس، واتهامات تسبب انشقاقه على جيرانه، متشحًا بوشاح المعلم، وهو لا يستحق حتى أن يكون تلميذًا – لهذا يدعوه الرب بالمرائي – لأنكم تبدون حرارة واضحة في انتقاد أفعال الآخرين، حتى أنكم ترصدون لهم كل شيء، فكيف تسامحون أنفسكم؟ حتى أنكم تتغاضون عن أفظع الأمور: “اَخرج أولاً القذى من عينك”
هل ترون أن الرب لا يمنع الحكم على الآخرين، بل يأمرنا أن نخرج أولاً الخشبة التي في عيوننا ثم نحكم على أفعال الآخرين، إن كانت خطأ أم صواب. لأن كل إنسان في الحقيقة يعرف أمور حياته أفضل من معرفته لأمور الآخرين، فيرى أموره الأكبر أكثر من الأقل، ويحب نفسه أكثر من جاره. لهذا إن كنتم تحكمون على الآخرين بدافع الوصاية والعناية، فإني أنصحكم أن تهتموا بأنفسكم أولاً. فإن الخطايا عندكم تكون أكثر وضوحًا وضخامة. لكنكم إن أهملتم نفوسكم لأصبح من المؤكد أنكم لا تنصحون أخوتكم على سبيل الرعاية بل بدافع الكراهية – والرغبة في التشهير بهم – لأنه ماذا لو كان من الواجب محاكمته، فكان من الأوجب أن يتم هذا بواسطة إنسان لا يرتكب هو هذه الحماقات، وليس بواسطتكم. ولأن السيد الرب قد أدخل تعاليم عظيمة وسامية عن إنكار الذات، ومثلاً يقول أحد إن من السهل ممارسة ذلك بالكلام، فإنه ورغبة منه أن يظهر ثقته الكاملة. وأنه لم يكن مثقلاً أبدًا بأيّ من الأمور المذكورة، بل أكمل كل برّ في حين حسن، قال هذا المثال، وأنه سيدين المسكونة كلها بالعدل فيما بعد، لهذا يقول “الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون” (مت 23: 1) فالرب لم تكن في عينه قذى ليخرجها، ولا كانت في عينه خشبة، بل ولأنه طاهر في كل شيء، يقوَّم أخطاء الجميع ويضبطها. لهذا يقول لنا لا يليق أن ندين الآخرين أبدًا (حين يكون المرء مثقلاً بنفس الخطايا).
ولماذا تتعجبون من تأسيسه هذا القانون، واللص نفسه قد عرفه وهو على الصليب. قائلاً للص الآخر: “ألا تخاف الله، إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه” (لو 23: 40-41) معبرًا عن نفس المشاعر تجاه المسيح.
لكنكم إذ تعجزون عن خلع الخشبة من عيونكم، لا ترون ذلك، بل حتى القذى في عين الآخر هي التي ترونها فقط – وتدينون أيضًا – وتحاولون أن تخلعوه وكأن شخصًا قد أصيب بداء الاستسقاء الخطير، أو بأيّ وهن آخر يصعب شفاؤه، فتهملون حالكم وتلتفتون لإنسان أصيب ولو بورم طفيف. ومن الشر أن يغفل الإنسان عن آثامه هو، ومن الأشر بالأكثر أن يدين الآخرين، بينما الدائنون أنفسهم يحملون في عيونهم أخشابًا – فما من خشبة أثقل من الخطية – لهذا حثهم الرب بهذه الكلمات فعلى المثقلين بذنوب بلا حصر ألا يدينون الآخرين في حرارة، خاصة حين تكون خطايا الآخرين تافهة.
ولا يمنع السيد الرب لا التوبيخ ولا التقويم، بل يمنع الناس من إهمال خطاياهم الشخصية ويرصدون خطايا الآخرين؛ لأن ذلك يسبب انزلاق الناس في رذائل كبار، جالبين على أنفسهم شرور عظيمة، مضاعفة. لأن كل من يحاول التهوين، شأن خطاياه الشخصية مهما كان عظمها، ويرصد ويفتش بمرارة عن آثام الآخرين مهما كانت قلتها وتفاهتها، ينزلق إلى طريقين:
En primer lugar: تهاونه في خطاياه الذاتية.
en segundo lugar: إقامته عداوة وخصومة مع كل الناس، متدربًا كل يوم على قساوة القلب والشعور بالآخرين.
3. وإذ يقصي كل هذه الرذائل بعيدًا، بتشريعه العظيم هذا، يضيف تهمة أخرى قائلاً: “ولا تُعطوا القُدس للكلاب، ولا تَطرحُوا دُرركم قُدَّام الخنازيرِ” (مت 7: 6).
وحتى لا يقال إن السيد الرب قد أوصى بأن “ما تسمعونه بالآذان، نادوا به على السطوح” (مت 10: 27). فإن هذه العبارة لا تناقض الآخرى لأن الرب أمر أن نخبر من يجب علينا إخبارهم، وأن نحدثهم بحرية (1 كو 2: 14). ويصف هنا بشكل رمزي أولئك الذين يحيون بعدم تقوى لا علاج لهم، ولا رجاء في إصلاحهم أو تغييرهم إلى الأفضل وذلك بكلمة “كلاب” أما كلمة “خنازير” فيصف بها الذين يداومون على الحياة النجسة. وهؤلاء يقول عنهم إنهم غير مستحقين أن يسمعوا تلك الأمور. وقد أعلن القديس بولس الرسول نفس الأمر بقوله “الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله، لأنه عنده جهالة” (1 كو 2: 14). ويقول السيد الرب في عدة مواضع أخرى إن فساد الحياة هو السبب في عدم نوال الناس لمزيد من التعاليم الكاملة. ولهذا يأمرنا ألا نفتح أبوابنا لهم، لأنهم في الحقيقة يكونون أكثر ضررًا بعد التعليم، أما صاحب الميول الطيبة والذكي فإن الأشياء تبدو وقورة جديرة بالاحترام إذا ما انكشفت أمامه. أما عديمو الإحساس فتبدو الأمور لهم مجهولة لأنهم بسبب طبيعتهم غير قادرين على تعلمها. ويقول السيد الرب “فلنُبق الأمور مخفية، حتى يوقرونها وذلك بسبب جهلهم”. لأنه لا الخنزير يعرف قيمة اللؤلؤة، ولما كان لا يقدِر قيمتها فدعونا لا نكشفها له، لئلا يدوسها بأقدامه. فالسالكون سلوكًا رديًا لا يميلون إلى سماع الأمور المقدسة، فهي بالنسبة لهم دنسة لأنهم يجهلون طبيعتها. وهم أكثر الناس اندفاعًا لمقاومتها والتعالي علينا، وهذا هو المقصود بعبارة “لئلا تدوسها بأرجلها، وتلتفت فتمزقكم”
ورُبّ قائل: “كلا بالتأكيد، عليها أن تكون قوية لتظل مسبقة بقدر كافٍ، بعد أن يتعلمها الناس، ولا تخضع لأناس ضدنا” لكن ما قولك في أن أولئك الناس كالخنازير مثلاً، فالدرة حتى وإن سقطت بين الأقدام لا يليق أن تداس هكذا، فهي ليست محتقرة لأنها وقعت، بل لأنها سقطت بين خنازير، ولهذا يقول الرب “لئلا تلتفت وتمزقكم” لأنها تفتقر إلى الرقة واللطف. وحتى إذا تعلمت، فإنها لا تتغير من حال إلى حال، بل تظل تزمجر وتدوسنا وتهاجمنا فهم أشخاص مخادعون. لهذا يقول بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس (2 تي 4: 15) “فاحترس منه أنت أيضًا، لأنه قاوم أقوالنا جدًا” ثم يقول في موضع آخر “أعرض عن هؤلاء” (2 تي 3: 5) و”الرجل المبتدع، بعد الإنذار مرة ومرتين، أعرض عنه” (تي 3: 10).
هكذا ترون أن الحقائق لا تمدهم بالقوة، بل يصيرون أغبياء، من تلقاء أنفسهم – ويزداد عنادهم – ويخسرون كثيرًا إذا ظلوا على جهلهم، إذ يظهرون احتقارهم الشديد، لكنهم إن تعلموا، فإن سوء التقدير من جهلتهم يكون أشد. لأنهم لا ينتفعون بل يتأذوا بالأكثر، ويسببون لكم العديد من المتاعب.
فليسمع كل الذين يشتركون مع الجميع في هذا السلوك بغير خجل، ويحتقرون الأشياء المرهوبة الجانب. لأننا نحتفل بالأسرار والأبواب مغلقة، ونُبعد غير المعتمدين، لا لأي ضعف في طقوسنا، بل لأن الكثيرين منهم غير مهيأين بالكامل لها. ولهذا السبب ذاته يتحدث السيد الرب إلى اليهود في أمثال “لأن لهم عيونًا، ولا يبصرون” ولهذا أيضًا يأمر القديس بولس “أن نعلم كيف يجب أن نجاوب كل أحد” (قابل كو 4: 6).
19. عظة عن الصلاة
4. “اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم” [ع7].
لأنه بقدر ما قال الرب أشياء عظيمة وعجيبة، وأمر الناس أن تكون شهواتهم سامية وقادهم إلى السماوات نفسها، وأمرهم بالجهاد لبلوغ المثال المطلوب لا تشبُهًا بالملائكة أو رؤساء الملائكة بل بقدر المستطاع برب الجميع نفسه. وأمر تلاميذه أن يفعلوا هذا في كل حين حسن، وأن يقوَّموا الآخرين أيضًا، وأن يميزوا بين الأشرار والأبرار. بين الكلاب وغير الكلاب، بالرغم من أن هناك أمورًا دفينة في الناس يصعب تمييزها. وألا يقولوا إن “هذه الأمور صعبة لا أحد يحتملها” لأن القديس بطرس كان قد قال ذات مرة في الحقيقة “من يستطيع أن يخلص؟” (مت 19: 10، 25) وقال أيضًا “إن كان هذا هو حال الإنسان، فجيد للرجل ألا يتزوج”.
ولئلا يقول أحد نفس الكلام فإن الرب يظهر سهولة الأمر واصفًا لنا السبب تلو الآخر لذلك، والقدرة على إقناع الناس. وبعد هذا كله، يضيف أيضًا الأساس المطلوب والسبيل الحق لتخفيف الحمل والتعب عنا، مؤكدًا أن المعونة إنما تأتينا من الصلوات التي تحفظنا.
هكذا يقول إننا لسنا نجاهد وحدنا، بل نطلب المعونة من فوق – وستأتي بالتأكيد – وتبقى معنا تعيننا في جهادنا، وتسهل علينا كل شيء. لهذا يأمرنا أن نسأل، وجعل نفسه في محل من يعطي، ولم يأمرنا فقط أن نسأل، بل أن نطلب بكل همة ونشاط – فهذا هو معنى كلمة “اطلبوا” – لأن من يطلب وقد صفى ذهنه من كل شيء، إنما ينشغل بما يطلبه فقط، دون أن يفكر فيمن حوله من أشخاص. فقد خسر كثيرون ذهنهم وخدامهم، وهم يطلبونهم بهمة. والرب يعلن عن هذا الأمر بكلمة “اطلبوا”، وبقوله “اقرعوا” يعني أن نقترب إلى الله في جدية وفكر متوهج دون تراخ، ودون أن نصل من غيرتنا للفضيلة مثلما نفعل طلبًا لشهوة الغنى لأن مثل هذه الأمور حين تطلبونها واثقين أنكم تجدونها، لهذا تسعون إليها بكل ما لديكم من همة ونشاط، لكنكم في أمور أخرى ورغم أنكم قد نلتم الوعد الصادق بنوالها، لا تظهرون أدنى جهد، فإن لم تأخذوا فورًا، لا يتأسوا لأنه لهذا الغرض قال “اطرقوا” ليدلل على مداومتنا للطلبة حتى لو لم يفتح لنا الباب على الفور.
5. وإن كنتم تشكون في تأكيدي هذا لكم، فآمنوا على الأقل بمثله، إذ يقول الرب: “أم أيّ إنسان منكم إذا سأله ابنه خبزًا يعطيه حجرًا” [ع9]. لأن من يداوم على الطلبة بإلحاح بين الناس قد يحسبونه إنسانًا مزعجًا ومثيرًا للاشمئزاز. لكن مع الله، إن لم تلحوا في الطلبة، فإنكم تزعجونه بالأكثر. فلو داومتم على السؤال، ولم تأخذوا على الفور، ثقوا أنكم حتمًا سوف تأخذون في وقت ما. لأنه لهذا الغرض أغلق الباب، ليحثكم على مزيد من الطرق عليه. ولهذه الغاية لا يلبي الطلبة فورًا حتى تعيدوا السؤال. فداوموا إذن على الطلبة، وستأخذون بالتأكيد.
ورُبّ قائل: “ماذا لو طلبتُ ولم آخذ؟” لقد أُغلق الباب على سعيكم لهذا الأمر، فهو بأسلوبه هذا يحثنا على الثقة فيه، ويشير علينا ألا نطلب فقط، بل أن نطلب ما يجب علينا أن نطلبه.
“لأنه أيّ إنسان منكم إذا سأله ابنه خبزًا يعطيه حجرًا”. لهذا إن لم تأخذوا، فلأنكم طلبتم حجرًا – وهذا هو السبب أنه لم يعطكم – لأنه رغم كونك ابنًا له، فإن هذا وحده لا يكفيك حتى تأخذ، بل هذا السبب عينه يعوقك عن الأخذ! فإنك وأنت ابن قد لا تطلب شيئًا ينفعك.
أيضًا لا تطلبوا شيئًا عالميًا، بل كل الأشياء الروحية، وستأخذون يقينًا. لأنه هكذا فعل سليمان (1 مل 3: 10-14، 2 أي 1: 11-12) إذ طلب ما ينبغي طلبه، فناله على الفور دون إبطاء.
هناك إذن أمران يلتزم بهما من يصلي، أن يطلب ويسأل بإلحاح، وأن يسأل ما ينبغي عليه أن يطلبه. إذ يقول السيد الرب: “إذ وأنتم آباء تنتظرون أن يطلب أولادكم منكم، وإن سألوكم شيئًا غير مألوف ترفضون أن تعطونهم إياه، وإن كان في مقدوركم ونافعًا تعطونه لهم”. وأنتم أيضًا إذ تفتكرون في هذه الأمور، لا تنصرفوا حتى تأخذوا. وحتى تجدوا لا تكُفوا عن السؤال، لا تتراجعوا ولا تقللوا همتكم في السؤال، حتى يفتح الباب، لأنكم إن اقتربتم بهذا الفكر وقلتم: “إن لم آخذ لن أرحل” فحتمًا ستأخذون بشرط أن تطلبوا ما يليق بالرب الذي تسألونه أن يعطيكم، والنافعة لكم كطالبين. فما هي هذه الأشياء اللائقة؟:
أن تطلبوا الروحيات، كل الروحيات، وأن تغفروا للمذنبين إليكم، فتنالون غفرانًا متى طلبتموه، رافعين أيادٍ طاهرة بلا غضب ولا دمدمة. (1 تي 2: 8). فإن طلبنا هكذا، سننال حتمًا، لأننا في حالتنا هذه تكون طلبتنا كشيء من السخرية، وكفعل رجل سكير لا فعل عاقل من العقلاء. ورُبّ قائل: أنا أطلب الروحيات، ولا آخذ؟ بالتأكيد أنت لا تطلبها بجدية أو تجعل نفسك غير مستحق للأخذ، أو أنك سرعان ما تكف عن السؤال، وقد يسأل نفس الشخص: “ولأي سبب لم يذكر السيد الرب الأشياء التي يجب علينا أن نطلبها؟” فالا بالحق، فقد ذكرها كلها فيما مضى، وأشار إلى الأمور التي يجب أن نقترب منها ونطلبها، فلا تقل إذن أنا اقترب ولا آخذ. لأن الله لا يمنع أبدًا في أيّ حال عن العطاء، الله الذي يحبنا كثيرًا جدًا، أكثر حتى من الآباء الجسديين، ويفوقهم كلهم صلاحًا. فإن طبيعة الآباء الأرضيين طبيعة شريرة. إذ يقول عنهم “فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري أبوكم الذي في السماوات” [ع11].
ويقول الرب هذا، لا لكي يصف البشر فإن طبيعتهم شريرة، ولا لكي يدين جنسنا البشري بأنه جنس سيئ، لكن محبته للإنسان فائقة وعظيمة بما لا يقاس. هل ترون حديثًا يفوق هذا الحديث هنا، عن قدرة الله التي تنير الآمال الصالحة حتى في قلب من أصبح يائسًا بأسًا لا يحتمل؟
ها هوذا يشير إلى صلاحه حقًا من طريق آبائنا؟ ومن قبل من خلال أعظم عطاياه. وهي “النفس” في داخل الجسد. وفي كل موضع لا يشير الرب إلى أعظم خيراته ولا إلى مجيئه في الجسد، لأن من بادر وقدم ابنه إلى الذبح، كيف لا يهبنا معه مجانًا كل شيء؟ وهذا وإن لم يحدث لنا بعد. لكن القديس بولس أشار إليه حقًا بقوله: “الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء؟” (رو 8: 32). لكن لا يزال حديثه إليهم يتناول الأمور الخاصة بالبشر الآن.
20. القاعدة الذهبية
6. وبعد هذا، وحتى يشير إلى أنه يجب علينا ألا نثق في صلواتنا بينما نهمل أداء واجباتنا الشخصية، وحين تحيط بنا الضيقات لا نثق في جهودنا الذاتية، بل نسعى في طلب العون من فوق من جهة، ومن جهة أخرى نؤدي واجبنا الشخصي. ويضع أمامنا علاقة الأمر بالآخر، لأنه بعد شرح مستفيض يعلمنا أيضًا كيف نصلي؟ وبعد أن علمنا كيفية الصلاة، يتقدم في حديثه بخصوص واجباتنا ثم ينتقل إلى ضرورة الصلاة بلا انقطاع قائلاً: “اسألوا تعطوا”، “اطلبوا”، “اقرعوا”. ثم مرة أخرى يحثنا على أن تكون دؤوبين في ذلك.
Él dice, "كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا أنتم هكذا أيضًا بهم” [ع12]. ملخصًا كل شيء بإيجاز، ومشيرًا إلى أن هذه الفضيلة سهلة ومعروفة تمامًا لكل الناس، ولم يقل هذا فقط، “كل ما تريدون” بل قال “فكل ما تريدون” فإن حرف الفاء لم يضعه هكذا دونا سبب، بل ليكون له معنى محدد وخاص، بمعنى: إن كنتم تريدون أن تكونوا متشددين حتى بعد ما قلته لكم، افعلوا هذه الأمور أيضًا. فما هي هذه الأمور؟
“كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم”
ألا ترون أنه مع الصلاة نحن في حاجة إلى نُسُق الحياة الصحيحة. وهو لم يقل كل ما تريدون أن يفعله الله بكم، افعلوه مع جاركم، لئلا يقول أحد كيف يمكن هذا؟ إنه الله وأنا إنسان. لكنه قال كل ما تريدون أن يفعله الناس بكم هذا افعلوه أنتم أيضًا بهم. فأي شيء أخف من ذلك؟ وأي عدل أعظم من هذا؟ والمدح أيضًا معروف من قِبَل المكافأة، لذلك فهو مدح عظيم. لأن هذا هو الناموس والأنبياء. حيث يتضح أن هذه الفضيلة تتفق وطبيعتنا ذاتنا جميعنا، فنعرف واجباتنا من ذواتنا. وأنه من المستحيل أن نجد ملجأ لنا في الجهل.
21. الطريقان
7. “ادخلوا من الباب الضيق، لأنه واسع الباب ورحب الطريقُ الذي يُؤدي إلى الهلاكِ، وكثيرون هم الذين يدخُلُون منه. وما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة، وقليلون هم الذين يجدونهُ” [ع13-14]
ورغم ذلك، قال بعدها “نيري هين وحملي خفيف” (مت 11: 30) وما قاله فعله، فكيف يقول هنا إن طريقه ضيق وكرب؟
aولاً: إن انتبهتم، فإن الرب هنا يشير أيضًا إلى أن الطريق خفيف جدًا وسهل، ومن الممكن بلوغه. ورُبّ قائل: ولكن كيف؟ كيف يكون الطريق الضيق والكرب سهلاً؟. لأنه طريق ولأنه باب، تمامًا مثلما هو الحال مع أيّ طريق وأيّ باب. فمهما كان واسعًا أو ذا مسافة كافية، فهو في النهاية طريق وباب، ولا شيء يدوم فيهما، فكل شيء يزول- الألم وكذلك خير الحياة- وليست الفضيلة فقط هي الهينة بل إنها في النهاية تصبح سهلة، لأن الذي يعزي الذين في الطينة ليس زوال الأعمال والأتعاب في ظهورها في النهاية- لأنها حتمًا تنتهي من حياتنا- لهذا تكون أتعابنا مؤقتة أما أكاليلنا فهي دائمة: فالأتعاب تأتي أولاً، ثم تليها الأكاليل، الأمر الذي يمنحنا ارتياحًا كبيرًا في أتعابنا. لهذا فإن بولس الرسول يدعو الأتعاب بأنها خفيفة، لا بسبب طبيعة الأحداث، بل بسبب فكر الخصوم الذين ينافسوننا، وبسبب رجائنا المستقبل. إذ يقول: “لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدي، ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُري بل التي لا تُري” (2 كو 4: 17-18) لأنه إن كانت الأمواج والتي تُعد خفيفة ومحتملة بالنسبة للبحارة، وكذا الضربات القاضية للملاكمين، والصقيع بالنسبة للكرَّامين، والمذابح والجراح بالنسبة للجنود في المعارك، فإن كل هذه هي بمثابة الرجاء بالمكافآت المُجزية المؤقتة والزائلة، فكم بالأكثر السماء المُنتظرة والبركات التي لا يُنطق بها، والمكافآت الآبدية. فكلها لا تجعلنا نستصعب المتاعب في هذا الزمان الحاضر. فلماذا نهتم بها ولا نهملها؟ فإن الرب يجعلها هينة وخفيفة. لذا يأمرنا ألا نتحدث إلى الكلاب وألا نقترب من الخنازير وأن نحترس من الأنبياء الكذبة. ففي كل هذه الأحوال، لا نشعر وكأننا نواجه ضيقات فعلاً، وحقيقة أن الباب ضيق إنما تسهل علينا الأمور بشكل كبير، إذ يتحتم علينا أن نكون ساهرين. وحين يقول القديس بولس:
” فإن مصادقتنا ليست مع لحم ودم” (أف 6: 12) فإنه يفعل ذلك لا لكي يثبط من عزائمنا بل ليرفع من أرواحنا كمقاتلين أشداء، وهكذا يفعل السيد الرب لكي يوقظ المسافرين من غفلتهم ونومهم، فيدعو الطريق بالكرب. وبهذا لا يجعل الناس ساهرين وحسب، بل يؤكد لهم أن هناك أمورًا أخرى تسندهم وتشدد من أزرهم، وأن آخرين قد لا يهاجمونهم هكذا علنُا بل هم يخفون أنفسهم، فهذه هي طبيعة الأنبياء الكذبة. ولهذا يقول: “لا تهتموا، حتى لو كان الباب ضيقًا، والطريق كربًا، بل اهتموا كيف ينتهي؛ إذ ينتهي إلى الرحابة والاتساع”. لهذا اهتموا أن تكونوا يقيظين منتبهين مستعدين، مثلما يقول في موضع آخر:
“إن الغاصبين يختطفون الملكوت” (مت 11: 12) هكذا حين يعلم من يجاهد ويصارع ويتألم أنه في النهاية يظفر بالربح وترتفع معنوياته وتسمو روحه بالأكثر.
لهذا لا نتحير إذا ما اعترضتنا ضيقات كثيرة قد تربكنا، لأن الطريق والباب ضيقان لكن المدينة واسعة ورحبة. لهذا لا يتوقع المرء راحة هنا، ولا ينتظر تعبًا هناك.
22. كيف نميز الأنبياء الكذبة
7. ففي قوله “قليلون هم الذين يجدونه” [ع14]
يكشف عن إهمال الغالبية ويرشد سامعيه إلى عدم الانتباه لآثام الأكثرية بل إلى أتعاب الأقلية. ويقول الرب أن معظم الطريق إذا ساروا فيه- ليس هو باختيارهم والأمر يشكل جرمًا شديدًا- ولكننا يجب أن نهتم بالأغلبية فلا تزعجنا تهديداتهم، بل أن نقتدي بالأقلية وأن نستعد بكل وسيلة إذا ما أردنا الخوض في الطريق الضيقة، لأنه بجانب أنها ضيقة، فإن هناك الكثيرين الذين يريدون إلقاءنا في الطريق الأخرى لهذا يضيف الرب قائلاً:
8. “احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة” [ع15]
فهناك بجوار الكلاب والخنازير فخ آخر منصوب لنا بمؤامرة أشد خطرًا من غيرها – لأن أولئك معرفون وعلى الملأ، أما هؤلاء فهم مخفون لهذا يحذرنا منهم – وكيف للجميع أن يحترسوا باهتمام بالغ، فإنه من الصعب علينا أن نراهم عند أول اقتراب لنا منهم، ولهذا السبب أيضًا يقول: “احترسوا أو احترزوا” ليرشدنا أن نميزهم. عندئذ ولئلا يفرقوا في كمٍ من ارتباكات حين يسمعون أن الطريق كرب وضيق، وأن عليهم السير في طريق معاكس لطرق الكثيرين، حافظين أنفسهم من الخنازير والكلاب ومن النوع الأكثر وحشية من الذئاب. فإنه يذكرهم بما تم في أيام آبائهم حتى لا يدركهم القلق – نستخدم تعبير “الأنبياء الكذبة” إذ لم يحدث آنذاك أمور أقل من هذه – هكذا يقول السيد الرب: أرجوكم ألا تضطربوا، فلن يصيبكم شيء جديد أو غريب. لأن الشيطان دائمًا يبدل الحقيقة كلها سريًا بخداعاته المناسبة. وبتشبيه “الأنبياء الكذبة” هنا، لا أظن أن السيد الرب يشير إلى الهراطقة، بل إلى الذين يعيشون حياة فاسدة، ومع ذلك يضعون أقنعة الفضيلة، وهم الذين يسمونهم الغالبية باسم الدجالين لهذا يقول: “من ثمارهم تعرفونهم” [ع16]. فقد يجد الإنسان صلاحًا فعليًا بين الهراطقة، أما بين أولئك الفاسدين فلا يجد صلاحًا أبدًا. ورُبّ قائل: “ماذا إن كانوا يخدعون في هذه الأمور أيضًا؟ كلا، بل سيتم كشفهم بسهولة. إذ هكذا هي طبيعة هذا الطريق، مؤلمة ومضايقة، ولن يختار المرائي احتمال الآلام بل أن يتباهى فقط. لهذا تسهل إدانته. هكذا وبقدر ما قال السيد الرب “وقليلون هم الذين يجدونه” فإنه يكشف عن الذين لا يجدونه، ومع ذلك أولئك الذين يتظاهرون أنهم وجدوه – وذلك بأمره لنا ألا ننظر إلى الذين يضعون الأقنعة فقط، بل إلى الذين يسعون في الحقيقة وراء هذا الطريق – وقد يقول قائل: ولكن لأي سبب لا يجعلهم الرب ظاهرين لنا بل يحثنا على البحث عنهم؟ حتى نبقى ساهرين ومستعدين دائمًا للقتال، محترزين من أعدائنا المتنكرين وكذا العلنيين أيضًا. وهذا ما كان يشير إليه بولس الرسول قائلاً: “بالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب البسطاء” (رو 16: 18). فلا نضطرب حين نرى الكثيرين منهم الآن، كلا، لأنه لهذا أيضًا سبق المسيح وتنبأ منذ البدء. وتأملوا رقته: كيف أنه لم يقل “عاقبوهم” بل “لا يلحقكم منهم ضرر” ولا تقفوا بينهم غير محترسين أو منتبهين”. وحتى لا تقولوا أنه من المستحيل تمييز هذا النوع من الناس، يوصي السيد الرب ثانية مثالاً بشريًا بقوله: “هل يجني الناس من الشوك عنبًا أو من الحسكِ تينًا؟ “هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة. وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارًا ردية. لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارًا ردية، ولا شجرة ردية أن تصنع أثمارًا جيدة” [ع16-18].
وما يقوله هو هكذا: ليس عندهم شيء لطيف أو حلو، إنهم حملان فقط عند طبقة الجلد ولهذا يسهل تمييزهم، ولئلا يكون عندكم أدنى شك، فإنه يقارنه بضروريات طبيعية معينة، بأمور لا تحتمل إلا نتيجة واحدة. فبأي معنى قال الرسول بولس أيضًا: “الاهتمام الجسدي هو موت، إذ ليس هو خاضعًا لناموس الله، لأنه أيضًا لا يستطيع” (رو 8: 6-7). وهو لا يكرر الأمر مرتين على سبيل الحشو، بل لئلا يقول قائل “رغم أن الشجرة الرديئة تحمل ثمرًا رديًا، فهي قد تحمل الجيد أيضًا، ومن الصعب التمييز. فالمحصول طيب ورؤى في آن واحد. ويقول السيد الرب: كلا ليس الأمر كذلك، فالشجرة لا تحمل إلا الثمر الرديء فقط، ولا يمكنها أن تحمل ثمرًا طيبًا مثلما هو الحال مع الشجرة الطيبة. فلماذا إذن؟ ألا يمكن للصالح أن يصبح شريرًا؟ والعكس صحيح. والحياة حولنا تزفر بهذه الأمثلة. لكن السيد المسيح لا يقول هذا، لأنه ما من سبيل للتغيير عند الشرير، والصالح من الصعب انحرافه أو سقوطه. لأن الشرير ببقائه في الشر لا يعطي ثمرًا طيبًا، ماذا إذن؟ ألم يحمل داود وهو الرجل الصالح أثمارًا ردية؟ بلى إن داود لم يستمر صالحًا لكنه تبدل من الخير إلى الشر، لأنه ودون شك قد ظل على حاله الرديء لهذا لم يثمر ثمرًا طيبًا، أما لو بقى في الفضيلة لما اقترف ما اقترفه. بهذه الكلمات يسد الرب أفواه الذين يتكلمون بالشر عشوائيًا فيضع لجامًا على كل المفترين بكلام فارغ، بينما يرتاب كثيرون في الخير بسبب الشر، فإن السيد الرب يحرمهم من أيّ عذر، لأنك لا يمكن أن تقول لقد خُدعت وضُلِّلت، فقد أعطانا السيد طريقة التميز بينهم من أعمالهم. فالوصية تخصهم هم ولا تخص الجميع هكذا بشكل عشوائي.
9. وإذ لم يأمر بالعقاب، بل أن يكونوا على دراية به، ولكي ينذر المتحيرين ويغيرهم وضع أمامهم العقاب كمانع لهم قائلاً: “كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا، تُقطع وتُلقي في النار” [ع19].
وحتى يقلل من شدة كلماته أضاف “فإذن من ثمارهم تعرفونهم” [ع20] حتى لا يبدو وقد أظهر التهديد كموضوع أساسي في حديثه، بل حتى يثير ذهنهم بطريقة النصح والإرشاد. ويبدو لي هنا أنه يلمح لليهود الذين كانوا يُظهرون مثل تلك الأثمار. ولهذا السبب أيضًا يذكرهم بأقوال يوحنا وبنفس الألفاظ يؤسس عقيدتهم، لأنه هو أيضًا قال نفس الشيء، إذ ذكر لهم “الفأس” و”الشجرة التي قُطعت” و”النار التي لا تُطفأ” ورغم أن الأمر يبدو كدينونة واحدة. وإذ تم حرق الشجرة، لكن إذا أوجز المرء الأمر بشيء من الدقة، فإن هناك عقوبتين:
من جهة، حرق الشجرة قد تم وهذا معناه طبعًا أن يُطرح الشرير من جهة أخرى من ملكوت الله. وهي عقوبة أكثر شدة من الأخرى. وأعرف أن كثيرين الآن يرتعدون من ذكر الجحيم فقط، لكنني أؤكد أن فقدان المجد لهو أشد صعوبة من الجحيم ذاته. وليس عجيبًا أن الكلمات تعجز عن إظهار هذا الأمر.
لأننا لا نعرف بركات هذه الأمور الصالحة، حتى ندرك من جهة أخرى تعاسة حرماننا منها. وإذ كان بولس الرسول يدرك هذه الأمور جيدًا، فقد وعيَّ أن الحرمان من مجد المسيح هو أبشع الأمور كلها. وهذا ما ينبغي إدراكه في ذلك الزمان حينما نقف أمام الحكم الفعلي. لكن نتوسل ألا يكون هذا هو حالنا أبدًا يا ابن الله الوحيد ولا تدعنا نختبر أبدًا هذا العقاب الذي لا علاج له، لأنه ما أعظمه من شر أن نسقط عن هذه الأمور الجيدة التي لا يمكننا وصفها بركة.
ومع هذا، وبقدر استطاعتي. سأحاول أن أوضح الأمر لكم، وإن كان بدرجة غير كاملة تمامًا؛ فلنتخيل إذن طفلاً عجيبًا، لديه بجانب فضيلته السيادة على العالم كله، وهو صالح في كل شيء، حتى أنه قادر أن يضع كل الناس في دائرة محبة الآب، فماذا تظنون في والد هذا الطفل، وما يمكنه أن يعانيه في مرة، هل يتخلى عن شعبه؟ وأيّ شر مهما كان قليلاً أو كبيرًا، هل يرحب به؛ بشرط أن يري ابنه ويتمتع به – فلنفكر في الأمر بخصوص مجده أيضًا – لأنه ما من طفل حتى لو لم يكن صالحًا، لا يمكن لأب أن يكرهه ولا يشتاق إليه. هكذا هو الحال في نصيبنا من تلك الخيرات وأن ننطلق ونكون مع المسيح” (في 1: 23).
وما من شك أن الجحيم والعقاب ليست من الأمور التي يمكن احتمالها. ولو افترض المرء عشرة آلاف جحيم، فلن يقدر على وصف ما سيكون عليه الحرمان من ذلك المجد الطوباوي أو أن يكون مكروهًا من المسيح، مثل سماعه “أنا لا أعرفكم” (مت 25: 12) أو أن يتهمه بأنه لم يطعمه حينما رآه جائعًا (مت 25: 42). أجل، فإنه من الأفضل أن يُصعق بمائة ألف صاعقة عن أن يري ذلك الوجه الرقيق يبتعد عنا، وعينه السلامية لا تحتمل النظر إلينا. فإن كنت وأنا عدو وأكرهه، قد تبعني ولم يتركني بل ولم يشفق حتى على نفسه، بل بذلها لأجلى حتى الموت، أبعد هذا كله لا أعطيه رغيفًا في جوعه، فبأي عينين أقدر بعد ذلك أن أنظر إليه؟
لكن انتبهوا هنا إلى لطفه ورقته في أنه لم يتحدث أبدًا عن خيراته، ولا قال “لقد اضجرت أيها الإنسان كثيرًا من فَعل لك الخير الكثير”. ولا حتى قال “أنا الذي أتى بك من العدم. الذي نفخ فيك نفْسًا حية، وجعلتك تتسلط على كل كائنات الأرض، الذي لأجلك خلق الأرض والسماء، والبحر والهواء، وكل الموجودات. لقد احتقروه لأجلك، بل حسبته مستحقًا لكرامة أقل من الشيطان!. ولم ينسحب هو من كل ذلك، بل كانت لديه عدة أفكار من أجلك. الذي اختار أن يصير عبدًا، الذي ضُرب بالقصبة وبُصق عليه، الذي قُتل، والذي مات أكثر الميتات خزيًا، الذي يشفع أيضًا في الأعالي لأجلك، الذي يهبك روحه القدوس مجانًا، الذي يمنحك الملكوت، الذي يقطع وعودًا كهذه لك، الذي يشاء أن يكون لك رأسًا وعريسًا وثوبًا وبيتًا وخدرًا وطعامًا وشرابًا وراعيًا وملكًا. الذي أُخذت لتصير معه وريثًا وشريكًا، الذي أخرجك من الظلمة إلى سلطان النور”. أقول إن هذه الأشياء وأكثر منها، يمكن أن يتكلم الرب عنها لكنه لا يذكر أيًا منها، إنه يتحدث عن الخطيئة فقط.
وحتى في هذا المجال، يظهر محبته، وأنينه لأجلنا فلا يقول: ادخلوا إلى النار المعدة لكم، بل استعدوا لمواجهة الشيطان، وهو يقصد أن يخبرهم بما هو خطأ في أفعالهم ولم يذكرها كلها بل بعضًا منها. وقبلها تحدث عن الذين يفعلون الصلاح مشيرًا إلى أنه يلومهم بعدل، فأي عقاب أشد من هذه الكلمات؟
فإن أيّ فرد لن يهمل إنسانًا جائعًا كان يومًا ينفعه، وحتى لو أهمله لن يتحرر من عذاب الضمير، بل إذا رأى صديقين أو ثلاثة على علم بما فعل تمنى لو أنه غاص في باطن الأرض، فماذا يكون شعورنا لو حدث هذا على مسمع من العالم كله وأمام الرب، الذي يحكم على أعمالنا، فمهما حاول الدفاع عن نفسه، فإنه لن يُخفي تباهيه بالأمر. ولهذا يسمع الرب يقول “اذهبوا عني” والمسيح هنا يلومنا لمنفعتنا حتى ننتبه.
10. لهذا أيها الأحباء، فلنرتعد حتى لا نسمع هذه الكلمات المخيفة، فالحياة ليست لهوًا، وحياتنا الحاضرة ليست عبثًا، والأمور العتيدة ليست كذلك. ولا تحسبوا حياتنا لهوًا وحسب، بل هي أسوأ من ذلك، لأنها لا تنتهي بالضحك، بل تجلب دمارًا شديدًا على الذين لا يفكرون في تقويم طرقهم بشكل حاسم. أرجوكم أن تعرفوا الفارق بيننا وبين أطفال يلعبون في بيوت تحت الإنشاء، حينما نبني بيوتنا الغالية الثمن. والفارق بينهم وهم يعدون طعام غذائهم وبيننا نحن في ارتحالنا الثمين؟ لا شيء، سوى أننا نفعل ذلك لأننا تحت العقاب، وينتهي بنا الحال دون أن ندرك إلى فقر كامل. فلا عجب أننا لم نعد بعد رجالاً، لكن حين نصبح كذلك، سندرك أن كل هذه الأمور صبيانية. وحين نبلغ مرحلة الرجولة والنضج سوف نحتقر ما كنا نحياه. بينما لما كنا أطفالاً حسبنا هذه الأمور شيئًا مميزًا يستحق منا القلق لأجله. وحينما كنا نجمع معًا كسر الخزف المكسور والطين، لابد أن نحسب أنفسنا أقل من الذين يشيدون الأسوار العظيمة، فهي حتمًا زائلة سريعًا. وحتى وهي قائمة لا جدوى منها لنا، مثلما هو الحال مع تلك البيوت الفخمة. لأن المواطن السماوي لا يقبلها ولا يريد أن يبقى فيها؛ لأن له موطنًا علويًا. لكننا حين ندوسها بأقدامنا، هكذا سيفعل هو أيضًا بالبروج الشاهقة. ومثلما نضحك على الأطفال الذين يبكون إذا انسكب منهم شيء، هكذا أولئك أيضًا، حينما ننوح على كل شيء، لا يضحكون فقط، بل يبكون أيضًا، لأن أحشائهم أحشاء رأفة. ولأن خاتمة أفعالهم ردية. لهذا فلنصر رجالاً، وحتى متى نزحف على الأرض ونتباهى بالأحجار والمباني والأرصدة، حتى متى نلهو ونلعب؟
وهل سنظل نلعب فقط؟ بل إننا نعبث بخلاصنا ونخونه الآن، وكأطفال يهملون تعليمهم ويجدون أنفسهم يلهون في أوقات فراغهم، يعانون من ضربات قاصمة متلاحقة، هكذا نحن أيضًا، ننفق كل حماسنا هنا، ونهمل دروسنا الروحية المطلوبة في أعمالنا، فلا نقوى على أدائها، فنستحق حينئذٍ لعقوبة قاسية، ولا أحد يقدر أن يخلصنا، لا أب ولا أخ ولا أيّ إنسان آخر.
لكن حينما تزول كل هذه الأشياء يظل عذابها إلى الأبد، بلا توقف، وهو نفس ما يحدث مع الأطفال حين يحطم أبوهم لعبهم الطفولية، بسبب تكاسلهم فيبكون بلا توقف.
11. وحتى نقنعكم بهذه الأمور، فلنتأمل حال الثروة والغنى، والتي تبدو من أكثر الأمور إيلامًا لنا، ولنضع في مقابلها فضيلة النفس، والتي ينبغي أن نطلبها مهما كان الأمر، وسترون مدى تفاهة الثروة. أقول:
لنفترض أن هناك رجلين – ولست أتكلم عن الضرر الناجم عن الغنى الفادح، بل عن الغنى المتوسط – وليجمع أحد الرجلين مالاً وفيرًا، ويسافر بحرًا. ويفلح الأرض، ويختبر طرقًا أخرى عديدة في التجارة – مع أنني لا اعرف تمامًا إن كان سيجني من عمله هذا أرباحً نظيفة، ومع هذا فليكن ما يكون- ويفترض أن أرباحه قد حصل عليها بأمانة واستقامة، وأنه اشترى حقولاً، واقتنى عبيدًا، وكل ما شابه، وأنه لم يمارس ظلمًا في معاملاته. لكن دع الرجل الآخر، يملك أموالاً طائلة ويبيع حقولاً وبيوتًا وآنية ذهبية وأخرى فضية، ويعطي المساكين صدقة، ويطعم المحتاجين، ويشفي مرضى، ويحرر المكروبين، ويطلق سراح المقيدين ويسرح العاملين في المناجم في السخرة، ويخلص الذين وقعوا في الشراك، ويحرر الأسرى، ويخلصهم من العقاب، فإلي أيّ من الرجلين نقف؟
ونحن هنا لم نتحدث عن المستقبل بعد، بل عن الأمور الحاضرة، فإلى أيّ جانب ستقف؟ هل إلى جانب الرجل الذي يجمع الذهب أم إلى جانب الذي يخلص الناس من ضيقاتهم! مع ذاك الذي يشتري حقولاً. أم مع الذي يجعل نفسه ملجأً وحصنًا آمنًا للجنس البشري؟ مع الذي يتسربل بكل هذا الذهب، أم مع ذاك الذي يكلل ببركات لا تحصى؟ ألا يشبه هذا الشخص ملاكًا هبط من السماء لتغيير الجنس البشري؟ بينما الآخر ليس كذلك أبدًا، بل إنه ليس إنسان، بل كطفل صغير يجمع ما تصل إليه يداه ليحتضنه هكذا عشوائيًا. ومثل هذا الإنسان والذي يجمع المال قد صار أمره سخيفًا، وبلغ حد الجنون المطبق. حيث لا أمانة مع المال ويصبح من أتعس الناس. وأقول إن كانت السخافة بهذا الحد فإن النواح يكون أعظم عليه حيًا أو ميتًا؛ لأنه ذاهب إلى الجحيم وخسران الملكوت.
12. أو هل تحبون أن نقبض على جزء آخر من الفضيلة. فلنذكر لكم رجلاً آخر، رجلاً ذا سلطة يأمر الجميع، تحوطه كرامة عظيمة، له حاشية ضخمة، وحراس ونواب وصحبة عظيمة من العاملين لديه، ألا يبدو هذا الإنسان عظيمًا؟ ويستحق أن يكون سعيدًا؟ حسن إذن؟
فلنضع مقابل هذا الرجل رجلاً آخر أيضًا، صبور على الآلام، وديع، متواضع، طويل الأناة، ولنجعل هذا الأخير محتقرًا من الناس يضربونه. ولنجعله يحتمل كل هذا، ويبارك الذين يضايقونه. فأي واحد منهما يستحق المجانبا. أرجوكم: هل ذلك المنتفخ والمتعجرف. أم ذاك المتواضع النفس؟ ألا يشبه هذا الأخير واحد من القوات العلوية. العديمي الفساد والهوى. بينما يشبه الأول بقِربة منتفخة، أو رجلاً يعاني من الاستسقاء والتهاب شديد. أحدهما كطبيب روحاني، والآخر كطفل سخيف ينتفخ ويتورم خداه؟
لأنه بماذا تفتخر أيها الإنسان، أبميلادك العالمي ووجودك في عربة محطمة؟ الآن جيادًا تحركك. ألا تعرف أن ما تراه أمامك هو مجرد قطع من الحجر والخشب؟، هل لأنك متسربل بثياب جميلة؟، ألا تنظر إلى المتشح بالصلاح كثوب؟. وسوف ترى بنفسك أن كل شيء يشبه قشًا سرعان ما يزول. لكن يبقى الآخر كشجرة تحمل أثمارًا عجيبة تُدخل الفرح المفرط على الناظرين، وأنت تحمل في جسدك طعامًا لدود الأرض وللعت؛ الذي إذ حط عليك جرَّدك من هذه الزينة الخارجية سريعًا. فالحقيقة أن الثياب والذهب والفضة كلها تغزلها الديدان، والأرض والتراب لتصير ترابًا من جديد.
ولا شيء أكثر من هذا. لكن من يتسربل بالصلاح يتشح بثوب لا يقدر الدود أن يؤذيه، ولا يقدر أن يضره. ومن الطبيعي جدًا أن هذه الفضائل الصالحة للنفس لا يعود أصلها إلى الأرض، بل هي ثمر الروح القدس. ولهذا السبب لا تتأثر بأفواه الديدان، لأنها ثياب منسوجة في السماء حيث لا يفسد عت ولا دود ولا أيّ شيء من ذلك. قولوا لي إذن من الأفضل؟
أن تكون غنيًا أم فقيرًا؟ أن تكون صاحب سلطان أم أن تكون بلا كرامة؟ في غنى وثروة أم في فقر واحتياج وجوع؟.
الأمر في غاية الوضوح، أن نكون في كرامة وبهجة وثروة. لهذا إن كانت لديكم الأشياء لا الأسماء، فاتركوا الأرض وما عليها هنا، وأوجدوا لأنفسكم مكانًا ترسون فيه في السماوات. لأن ما على الأرض ظل، لكن كل شيء هناك راسخ لا يهتز، ثابت لا يتزعزع.
فلنختر هذه الأمور إذن بكل همة ونشاط لنخلص من ضيقات الأرضيات هنا. حتى إذا ما أبحرنا إلى ذلك الميناء الهادئ، نوجد مع خيرنا الوفير. الذي لا يُنطق به، الذي يمنحه لنا الله بنعمة ومحبة ربنا يسوع المسيح الإنسان. له المجد والقدرة إلى أبد الآبدين Amén.