من يحيا الحياة السامية ويتبع في حياته الفلسفة الحقيقية، أي الفلسفة المسيحية، فانه يعرف جيداً ما هو الشر الذي يجب أن يبغض ويتجنب بكل ما فيه من قوة. ما هو الشر إذاً؟ الشرور كثيرة في نظر الإنسان مع أن الشر في الواقع واحد. انه خبث النفس النابع من نية الإنسان المريضة الشريرة. يسمي الإنسان الطقس المتقلب شراً وكذلك الجفاف وقحط الأرض والزلازل والوباء وحرمان الخيرات الأرضية والمرض والجراح والسجن وأشياء كثيرة مماثلة، كل هذه الأمور تصيب الجسد الإنساني وثروته. ليس الإنسان جسداً ولا ثروة حتى نقول أن الإنسان إذا فقد الثروة وتهدم الجسد فقد أشرف على خطر الهلاك. كذلك لا يصير الإنسان شريراً وشقياً بناء على الرأي الذي يكونه عنه الآخرون.
يدين البشر بسهولة ويحكمون ويتهمون. يتهمون بالشر من ليس بالشرير ويقولون عن هذا أو ذاك بأنه غير صالح وغير بار. الأحكام البشرية صالحة كانت أم طالحة لا تضيف على الفضيلة فضيلة ولا على الشر شراً. إن سعادتنا وشقاءنا لا يتعلقان برأي الآخرين. فهما كالصحة والمرض، كالفاقة والغنى. ما هو المقياس الصالح للتمييز بين الخير والشر؟ ليست الأحكام البشرية الصادرة عن أناس يعيشون بعيدين عن االله هي المقياس بل حكم االله المعبر عن الصلاح الحقيقي والخير. كل ما هو خارج عن حكم االله، ويدينه حكم االله هو الشر والفساد، ما يطلب أن نعرفه ونريده هو النافع والمحقق لسعادتنا وكل ما هو مخالف لكلام االله مليء بالخداع.
إن الحقيقة التي تقود إلى الحياة الروحية سطرها رجال ملهمون من االله كالأنبياء والرسل. أما الحقيقة الكاملة الكلية فقد بشر بها نبع الحق. ذاك اتخذ صوت الإنسان من أجل هذه الغاية. أين يجد الإنسان الحقيقة النقية الخالصة الكلية؟ أيجدها في غير كلام االله؟ أليس االله الحقيقة الوحيدة والصلاح الوحيد؟ إننا سنجد الصلاح بتعليم المسيح لا بآراء المبشرين الذين يجهلون الحقيقة، وبجهلهم لها يسببون الشقاء للإنسان. عندما نرى الشر في ذواتنا والآخرين يجب أن نعاني الآلام وان نصلي من أجل نفوسنا ومن أجل الآخرين لاستئصال الشر حتى يسيطر الخير. عندما نملك مثل هذا الشوق السامي نستعين بالرحمة الإلهية ونرغب أن نرى مجد االله مشعاً وساطعاً في كل مكان.
إن الخطيئة هي الشيء الذي يزعج الذين يعيشون في المسيح أولاً، لان الخطيئة خبث والمسيحيون يريدون الصلاح، ثانياً لان الخطيئة محاربة للناموس الإلهي فمن يحزن من أجل الخطيئة ينال فائدة روحية كبرى. أمريض أنت جسدياً فتحزن وتبكي لمرضك؟ المرض لا يتراجع ولا يهرب بالحزن والدموع بل يزداد. أما الخطيئة، هذا المرض لا يتراجع ولا يهرب بالحزن والدموع بل يزداد. أما الخطيئة، هذا المرض النفسي، فالحزن دواؤها يرافقه الشعور بالتوبة ويحفظ الإنسان في مثل هذه الحالة من خطيئة جديدة، ويساعده على أن يترك حياة الخطيئة ويعتقه من كل مسؤولية الجرم الذي يثقله بالخطايا. أن الألم لا يخدم هدفاً غير هذا الهدف في الحياة الإنسانية.
أننا نجسر على اقتراف الخطيئة من أجل اللذة والمتعة اللتين تعد بهما. نبذّل صحة النفس بالخطيئة، بهذا المرض العضال القتّال، من أجل لذة خيالية. لو عرفنا إلى أي هلاك وضياع تقودنا الخطيئة لما أقدمنا على عمل كهذا، ولكن عندما نعرف هذه المعرفة المخلصة ونتوب ونحزن فمن الواضح أننا سنمقت الخطيئة وسنطرحها جانباً ونعتاض عنها بالصحة التي فقدناها بواسطة الخطيئة.