☦︎
☦︎

عندما نفكر بما فعله المخلص ليخلصنا وأي تنازل تنازله لا نـستطيع إلا وأن نحـزن ونبكـي علـى التواني والنوم الروحي اللذين يستوليان علينا. عندما نخسر كنزاً أرضياً نشعر بالحزن العظيم وتصبح ذكرى الخيرات التي فقدناها سبباً لتسكاب الدموع من مآقينا. فلماذا لا نحـزن عنـدما نفكـر بـالغنى العظيم الذي فقدناه وطرحناه ونحن نستطيع أن نملك هذا الكنز كاملاً وبكل تأكيد؟ إن ظهورنا عـاقين نحو من أحسن إلينا يثير الحزن في داخلنا. كم يجب أن يهزنا شهورنا أننا ظهرنا عـاقين كـسالى، لا نحو إنسان بل نحو الرب ذاته الذي قابلنا بهذا القدر من الرحمة والمحبة؟

محبه االله! إن الرب نزل من السماء إلى الأرض مدفوعاً بهذه المحبة وطلب أرواحنـا. عـاش بيننـا وعاشرنا متخذاً شكلنا وصورتنا. صار شبيهاً بنا ليحرك ويدفئ محبتنا. ظهر كانسان وإله ليوحي لنـا بالمحبة ويساعدنا لنعيش بالمحبة. جاء السيد وفتش عنّا فوجدنا. لا يريد أن يبقى مكان فارغ في قلبنـا دون أن يملأه بحضوره. جاء كمحسن وأخ،ٍ جاء ودفع ما كان يجب أن ندفعه نحن. فعل كـل هـذا لا بإشارة بسيطة كما فعل من قبل في خليقة العالم بل احتاج إلى أن يتألم ويسكب العرق. لم يكـن للألـم أي حق على السيد البريء من الخطأ، ومع ذلك نراه قائماً وسط العذاب، وسط الإهانة، وسط العـار مليئاً بالجراحات يلفظ أنفاسه ويموت أفظع الميتات. ماذا نفعل نحن؟ أنشعر بالإحسان العظـيم؟ مـن المؤسف أننا لا نفكر بالنعمة السامية للرب ولا بمحبته التي يعبر عنها في كل مكـان إننـا لا نطلـب الأمور التي نغّير بها حياتنا بل نميل إلى البطل الذي يمقته الرب. نملك ما يمنعه الرب. نتهـرب مـن الأمور السامية التي ينصحنا أن نتبعها وننميها في حياتنا. إن تصرفنا ليس تصرفاً عاقاً فحـسب بـل خبث. أعاقون وخبثاء! أي جديرون بالرثاء والدموع. يا للاهتمام بالأمور البطالة الخاطئـة! أنعتبرهـا جديرة بكل اهتمامنا لدرجة نحتقر الرب من أجلها وكل الأمور الكبرى السامية والأزلية التي يـدعونا إليها الرب الجزيل التحنن. إذا كنا نحن لا نهتم بالأمور الخالدة التي كشفها لنا وكـشف فيهـا حقيقتـه وأظهر عنايته ومحبته العزيزة فمن يهتم؟

إننا نهتم بالأمور المادية وبما هو ضروري للحفاظ على قوتنا. وننهمك بـالكلام والأعمـال والمهـن.

نصبح فلاحين ويصبح البعض جنوداً، وآخرون تجذبهم السياسة، ومنهم من يمتهن مهناً أخرى. إننا لا نضيع الوقت فنمدح أصدقاء العمل. كل هذا الاهتمام، وهذه الرغبة وهذه المحبـة للعمـل، يـستهدف الحياة المادية. أما الحياة من أجل الأمور الروحية الصالحة فقلما تستهوينا. وهكذا نكـون دون أولئـك الذين يعملون من أجل الحياة المادية، الذين يعتبرونها فوق الحياة الروحية. أننا دون أولئـك لأننـا لا نهتم بالأمور السامية غير الفانية الأزلية كما يهتم أولئك بما يرونه فوق المثل السامية، ولكـي نلتفـت إلى هذه الأمور السامية نزل السيد من السماء فاستحالت الأرض بحضوره سماء وصار طاغي العالم، صار الشيطان أسيراً يدوس رأسه أولئك الذين كانوا أسراه. لقد اتخذ السيد جسداً من أجل تحقيق هـذه الغلبة ضد العاتي وقبل جسده الجراح، وسكب الدم فوق الصليب وهز أساسيات الأرض وهـو ميـت ووهب الحياة للأموات. كل هذه الأمور حدثت لكي نعرف الرب ونتحـرر مـن التـصاقنا بـالأرض ونوجه أنظارنا نحو السماء. ومع ذلك فإننا لما نزل نغط من نومنا ولما نـزل كتماثيـل الحجريـة لا توقظنا العواصف القاصفة. أهناك من هو أشقى منا إذا كنا كذلك؟ ألسنا أشقى مـن أي شـقي، ألـسنا بحاجة إلى الرثاء؟ ومن غيرنا يحتاج هذا الرثاء؟

أية مصائب تستحق فيض دموعنا؟ المرض. ليس الجسد مريضاً هنا. المريض هو أشـرف مـا فـي الإنسان. أنها النفس. أنذرف الدموع لفاقتنا وفقرنا؟ إننا بإهمالنا أكثر فقراً من أولئك الذين يفتقــرون إلى كل شيء. ما هو الغنى المادي بالنسبة للغنى الروحي الذي نفقده عندما لا تنجـذب قلوبنـا نحـو السماء؟ الفاقة تنتهي ساعة الموت، أما الفاقة الروحية والعرى فلا ينتهيان بل يستمران بعد الموت فـي الحياة الأخرى ليغذيا فيها حزننا وعرينا. ماذا إذاً؟ أنقـف موقف اللامبالاة ونترك الـشيطان الخبيـث يسيطر علينا، على إرادتنا وفكرنا؟ من يلق بنفسه فوق نصل السيف لينتحر أو في الهاويـة لينـسحق ويتهرب من أصدقائه ويقترب من الأعداء المجرمين يعطِ أدلة حسية على مسٍ في عقلـه. والإنـسان الذي يستسلم لعدو نفسه الشيطان ويتهرب من المسيح لا يبرهن إلاّ عن جنونه.

لو كانت لنا معرفة واعية بهذا الشر العظيم والخطر الذي نتعرض له لكنا ذرفنا الدمع بسهولة ولرافقنا الحزن طوال حياتنا. إن هذا الجرح بليغ على قلوبنا. ومع أننا كنا نـستطيع أن نكـون سـعداء فإننـا اخترنا الشقاء واخترنا أن نغرق في الظلمة مع أننا كنا نستطيع أن نحيا فـي النـور. إن مثـل هـذه الحالات المفجعة تحتاج إلى استنزاف دموع الجميع وعلى الأخص أولئـك الـذين يـشعرون بعظـم المصيبة. يكفي أن نفكر بأن السيد قد ذبح عرياناً على الصليب ليخلصنا من الحالة التـي نحـن فيهـا حتى نذرف الدموع. إن من تخضع له كلّ الأشياء وتخدمه يرانا متمردين ضد إرادة من صار إنـساناً وهو الإله ليجعلنا نحن البشر آلهة. إن مهندس السماء اتشح الأرض ليحولها إلى سماء والـسيد اتخـذ صورة عبدٍ ليهب المجد الحقيقي للعبيد. لأن ملك المجد “تحمل الصليب مستخفاً بالعار”(عبـرانيين 12: 2).

Facebook
Twitter
Télégramme
WhatsApp
PDF
☦︎

information À propos de la page

Adresses L'article

contenu Section

Balises Page

الأكثر قراءة

Retour en haut