هذا ما يتعلق بالحزن. ماذا بالفرح. أننا نفرح عندما نملك الخيرات الأرضية التي نحبها. ونفرح حتى عندما نأمل أن نحصل عليها. “نفرح على الرجاء” كما يقول الرسول. يفرح المسيحي الحقيقي عندما يعرف بأنه يقوم بما هو صالح. يفرح بنفسه وبالآخرين عندما يرى هؤلاء يستهدفون الصالح ويعملون من أجله. الرجل الصالح يشعر دائماً بالفرح ويشتهي سعادة الآخرين. هذا هو الفرح السامي النقي.
عندما يشعر المسيحي بفرح الآخرين ويعتبره فرحاً خاصاً به، عندما لا يطلب منفعته الخاصة ونجاحه فقط بل نجاح الغير ومنفعتهم مبتهجاً بالإكليل الذي يناله هو يكون قد تجاوز الطبيعة البشرية وشابه االله. أنفرح عندما نرى الفضيلة في الآخرين؟ أننا نسمو كرجال، ومحبة الفضيلة أصبحت عندما محبة لهل دوافع نقية مجردة.
من الواضح أن من يرغب ويفرح بنمو الآخرين الروحي لن يكون غريباً لا عن الحياة الروحية ولا عن الفضيلة عموماً. أكان يفرح ويهتم من أجل نمو الحياة الروحية عند الآخرين لو كانت نفسه فارغة من كل فضيلة، لو كان يفتقر إلى الحياة الروحية؟ هناك أناس غرباء عن الحياة الروحية يلبسون وشاحاً ظاهرياً ويتقنعون بقناع المسيحية ويحبون أن يتقدموا الآخرين في الأمور الروحية وفي عمل الفضيلة. من الواضح أن هؤلاء يفعلون ذلك بدافع الاسم والشهرة والمجد الكاذب، لا حباً بالفضيلة والصلاح. مثل هؤلاء تدفعهم حياتهم الكاذبة لحقيقة يتوهمونها حقيقة. يستحيل على مثل هؤلاء أن يكونوا رجالاً روحيين أفاضل. المسيحيون المعتقون من روح الحسد هم الذين يشعرون بالمحبة الصادقة الكاملة نحو الآخرين ويملكون الفلسفة الحقيقية الكاملة السامية. طبيعي أيضاً أن يشعروا بمثل هذا الفرح النقي. يظهر الرجل الصالح من محبته للآخرين باعطائهم ما يملكه. انه ينفق كل قواه لا في سبيل نفسه بل في سبيل الآخرين. ينزعج للحالة المزعجة التي يمر بها الآخرين. ويفرح للفرح الذي يغمرهم فكأنه هو مكانهم. محبة االله تولد في نفسه الفرح النقي البريء. انه لا يفرح بالشخص الذي يحبه بل يفرح بكل ما يفرح له الشخص المحبوب.
هناك فرح لا يعادله فرح ونقاوة وكمال. بما أن المسيحي يحب االله فوق كل شيء وأكثر من أي شيء فأنه يعيش في االله ويفرح الفرح الذي من ثمار المحبة. ما هو هذا الفرح؟ المسيحي لا يجعل نفسه غرض هذا الفرح. انه يفرح من اجل االله وفي االله. فاالله هو المحسن العظيم لنا، فإذا كنا نحب المحسن إلينا فكيف نظهر شاكرين؟ كيف نكون عادلين إذا كنا لا نحب من وهبنا محبته التي لا تحد؟ كيف نكون حكماء إذا كنا لا نجعل االله محور في حياتنا؟ وبما أن المسيحي هو شكور بالطبع وعادل فمن الضروري أن يحب االله ويفرح في االله بطريقة مثلى وان يكون فرحة مستمراً، أكيداً، فائقاً الطبيعة، عجيباً. ويكون الفرح مستمراً لأنه يتحد باالله الذي يشعر نحوه شعور الشوق اللاهب. عندما يلتقي بالغير، عندما يعمل، ويفكر ويفعل ويستعمل شيئاً ما يرى كل شيء كأنه من فعل االله. كل شيء يحتفظ بالشعلة المتقدة بالمحبة الله. كل شيء يولد في القلب نشوة وفرحاً روحياً، لا شيء يستطيع أن يقلله أو يوقف مجراه.
االله يعطينا فرح النفس وحياتها. فالنفس خالدة والفرح الذي يهبه االله لا حدود له. يفرح من اجل الصلاح الإلهي الذي لا حد له ويطلب من االله الصالح أن يحقق رغبتنا في الفرح غير المحدود. أنى لنا أن نصف الفرح من أجل االله؟ اننا لا نفرح من اجل الأمور التي حصلنا عليها. لو كان فرحنا من أجل هذه الأمور فقط لكان فرحنا محدوداً، وخصوصاً وأمور كثيرة لما تزل تنقصنا وما تمكنا أن نحصل عليها. كل ما يريده االله يولد فينا الفرح المسيحي ولا يريد المسيحي أن يكون ملك نفسه بل ملكاً الله الذي يشتاقه. يفرح المسيحي من اجل الخيرات التي لا حد لها في االله، لا من اجل الخيرات التي يتمتع بها. ينسى فقره الخاص ويسر بغنى االله اللامحدود. يعتبر الفقر شيئاً غريباً والغنى الروحي هو عناه الخاص. لا يعتبر نفسه شقياً بسبب الحرمان المادي بل مغبطاً وسعيداً بالغنى الروحي.