L'emanazione dello Spirito Santo

هذه الدراسة تتطلب من القارئ سلاماً روحياً ونقاوةً قلبية ويقظة ذهنية ليستطيع بالصلاة والتأمل أن يصل إلى أفكارها العميقة.

introduzione:

إله الوحي المسيحي إله شخصاني. هو ليس إله الفلاسفة (مُجرد جوهر بسيط أو طبيعة إلهية متعالية). إنه إله شخصاني يُخاطب الناس كأشخاص بأسمائهم ويخاطبه الناس باسمه. هذا الإله الشخص كان هكذا حتى في العهد القديم. لكن العهد الجديد كشف ملء الوحي الإلهي فعرفنا أن إله إبراهيم واسحق ويعقوب هو نفسه إله بطرس ويوحنا ويعقوب، وهو نفسه الآب والابن والروح القدس.

نؤمن بالثالوث القدوس لأنه هكذا أظهر نفسه للإنسان، كما مثلاً في معمودية الرب في نهر الأردن. يومها تُرتِّل الكنيسة المقدسة: “باعتمادك يا رب في نهر الأردن، أظهرت السجدة للثالوث” أو “السجود للثالوث”. نؤمن بالثالوث لأنه هكذا علّم الكتاب والآباء. نؤمن بإله واحد، لأنه توجد طبيعة (جوهر) إلهية واحدة. ونؤمن بالآب والابن والروح القدس، لأن الله ثلاثة أقانيم أو أشخاص ممتلك هذه الطبيعة الواحدة نفسها. يقول القديس باسيليوس الكبير: “موطننا وحياتنا هو الثالوث القدوس الواحد في الجوهر وغير المنقسم، الإله الوحيد”. إذاً: في الله نُميّز بين الطبيعة الإلهية الواحدة البسيطة من جهة وبين الأقانيم (الأشخاص) الإلهية من جهة أخرى والتي لها الطبيعة الإلهية الواحدة التي تكون واحدة للأقانيم بدون انفصال أو تجزئة أو انقسام فيما بينها. أيضاً يوجد تمييز آخر في الله هو بين الطبيعة (أو الجوهر) الإلهية من جهة والقوى الإلهية أو النعمة الإلهية غير المخلوقة من جهة أخرى وهي تصدر عن الجوهر الإلهي[1].

مسألة انبثاق الروح القدس له المجد ذات علاقة مباشرة بالتمييز الأول (بين الجوهر والأقانيم)، وعلاقة غير مباشرة بالتمييز الثاني (بين الطبيعة الإلهية والقوى الإلهية غير المخلوقة) كما سنرى.

لهذا فأي لاهوت يؤدي إلى إرجاع إله الوحي المسيح الشخصاني إلى مجرد جوهر أو طبيعة إلهية غير شخصانية أو يخلّ بالتوازن بين الجوهر (الطبيعة) الإلهي والأقانيم الإلهية ويُضعف التمايز الأقنومي لصالح الجوهر إنما هو لاهوت مرفوض أرثوذكسياً لأنه يُخالف وحي الكتاب المقدس وتقليد الكنيسة وتعليم الآباء القديسين. هذا بالضبط ما تصنعه عقيدة الانبثاق من الآب والابن.

بالنسبة لعقيدة الثالوث القدوس، يأخذ الغرب الطبيعة الإلهية الواحدة كنقطة بداية، ومنها ينطلق إلى الأقانيم (الأشخاص)؛ أما الشرق فيأخذ الاتجاه المعاكس بادئاً من الأشخاص ومنها ينطلق إلى الطبيعة الإلهي. القديس غريغوريوس اللاهوتي يُفضّل الطريقة الأخيرة (الشرقية) لأنها متوافقة أكثر مع الكتاب المقدس ومع صيغة المعمودية والتي تُسمّي الآب والابن والروح القدس. والفكر البشري لا يتعرض لخطر الضلال إذا ما انطلق من الأقانيم إلى الطبيعة الإلهية الواحدة. مع ذلك، فالطريقتان مقبولتان طالما الطريق الأولى لا تعزو للجوهر (الطبيعة) تفوقاً على الأقانيم، ولا تعزو الطريقة الثانية تفوقاً للأقانيم على الجوهر المشترك.

الآباء استعملوا لفظتين (الجوهر Ousia والأقنوم Hypostatsis) ليثبتوا التميّز بين الطبيعة والأشخاص، بدون المبالغة أو المغالاة في أحد الطرفين. فعندما تتكلم عن الأشخاص تتكلم عن الطبيعة والعكس بالعكس. فلا يمكن تصوّر الطبيعة بدون الأشخاص. إذا تمّ الإخلال بهذا التوازن التضادي antinomy بين الطبيعة والأشخاص، لوجد خطر الوقوع إما في ضلال جعل الله مجرد طبيعة واحدة ذات وجوه متعددة وأسماء عديدة (أو ما ندعوه موحود سابيليوس: وهو الله-الجوهر الخاص بالفلاسفة) أو في تعدد الآلهة.

إن إدخال الانبثاق من الابن كان عاملاً حاسماً ساعد في الانشقاق الأرثوذكسي الكاثوليكي. حتى اليوم لا يستطيع الكثير من المسيحيين أن يفهموا لماذا كان لهذا العامل تلك الأهمية. فإذا كان كل من الأرثوذكس والكاثوليك يؤمنون بالآب والابن والروح القدس، فأي فرق كبير يوجد بين الانبثاق من الآب وحده أو من الآب والابن[2]؟

الجواب يمكن في أن كلا الطرفين يؤمنان إيماناً مختلفاً بالثالوث القدوس؛ هذا الإيمان المختلف تعبّر عنه عقيدة الانبثاق من الآب والابن. فاستعمال الكنيستين للفظة “ثالوث” لا تعني أن لهما الإيمان الواحد عينه. لنبدأ بالخلفية التاريخية هنا فهي مهمّة لفهم هذا الموضوع.

التحدي الفلسفي:

منذ البدايات كان على المسيحية أن تصوغ إيمانها وتعبّر عنه بألفاظ وطريقة مفهومة لعالم نشأ وتغذّى من الثقافة اليهودية واستعمل الفلسفة اليونانية في طرق تفكيره.

في القرن الثاني ظهر تأثير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية. فَلِقرون عديدة كانت الإسكندرية مركزاً للثقافة الهيللينية. وهنا ظهر المؤرخ اليهودي المشهور فيلون الذي جانس بين اليهودية والفكر اليوناني. وهنا تأسست أول مدرسة مسيحية رسمية هي المدرسة الإسكندرية.

وفي القرن الثالث يقف العملاقان كلمندس الإسكندري وأوريجنس. لكن محاولاتهما لمجانسة الفكر المسيحي مع اليوناني لم تكن ناجحة مع الأسف. ما يهمنا هنا هو أوريجنس بشكل خاص لأنه ساعد في وضع مرحلة من مراحل المناظرة حول عقيدة الثالوث، وهو ما سيساعد في صياغة هذه العقيدة في القرن الرابع. قال أوريجنس إنه إذا كان الله غير متبدل وإذا دُعي عن حق آباً، لهذا يجب دائماً أن يكون له ابن، وإلا لكان قد بدأ بالصيرورة آبا في نقطة من الزمان، مما يعني تبدلاً في الألوهية. حتى الآن الكلام معقول. ولكن أوريجنس واصل التفكير: بما أن الله يُدعى دائماً خالقاً، لهذا يجب على العالم دائماً أن يكون موجوداً، وإلا لكان الله قد خلق في لحظة معينة من الزمان، مما يعني تبدلاً في الألوهية. هذا المأزق الفلسفي الذي وضع أوريجنس نفسه فيه سيحلّه بطل الأرثوذكسية القديس أثناسيوس الإسكندري.

أثناسيوس ميّ. بين ما هو الله في ذاته، وبين ما يفعله الله. فالله آب لأنه هذا ما هو عليه. من جهة أخرى، خلق اللهُ العالم بمشيئته في لحظة من الزمان. كان ممكناً له أن يخلق أو لا يخلق. فليس العالم أزلياً ولا ضرورة. فالله خالق فقط لأنه يشاء أن يخلق.

هذا التمييز بين حياة الله الداخلية والطريقة التي بها يتصرّف خارج نفسه ad extra، تسمح لنا أن نتأمل في كيان الله في ذاته (اللاهوت بالخاصة)، وفي أفعاله (التدبير) بصورة منفصلة (في الجوهر والقوى)[3]. لا شك أن تمييزاً كهذا إنما هو ثورة في طرق التفكير اليوناني التقليدية وتحدٍ للبساطة الإلهية. مع ذلك كان أثناسيوس يُدرك أنه كان يتكلم عن الإله المسيحي وليس إله الفلاسفة؛ عن الله الذي خلق العالم من عدمٍ؛ عن الله الذي اتخذ جسداً وصار إنساناً.

هذا التمييز كان حاسماً لحل الجدل الذي يلي والمتعلق بعقيدة الثالوث. من المثير للاهتمام أن نعرف أن هذا التمييز بين حياة الله الداخلية وبين نشاطه (أو ما دُعي لاحقاً بين جوهره وقواه) قد تم نكرانه من قبل اللاهوتيين اللاتين في القرون الوسطى وحتى يومنا الحالي. إذاً: حلّ القديس أثناسيوس مأزق أوريجنس بالتمييز بين حياة الله الداخلية أو كيانه (جوهره) وبين نشاطه وأفعاله (أو قواه)[4].

الجدل الآريوسي:

أتى آريوس بالافتراضات الفلسفية نفسها التي أتى بها أوريجنس، ولكنه انتهى إلى نتيجة مغايرة تماماً. فبينما علّم أوريجنس أن العالم كان أزلياً، علّم آريوس أن ابن الله كان مخلوقاً. لم يكن أي منهما مستعداً لقبول التمييز بين الجوهر والقوى في الله.

كان آريوس مثل أوريجنس يدافع عن مفهوم فلسفي يوناني لله. فإذا كان لله ابنٌ أزلي، فإن هذا سيقضي على البساطة الإلهية بمفهوم آريوس، مما يؤدي إلى تعدد الآلهة. لهذا يجب أن يكون الابن مخلوقاً بحسب آريوس.

بسبب انتشار هرطقة آريوس ووجود مؤيدين لها، اضطرت الكنيسة إلى عقد مجمع مسكوني في نيقية العام 325 وحضر 118 أسقفاً و37 مندوباً. في هذا المجمع تمّ وضع دستور الإيمان النيقاوي الذي يقول بأن الابن “مولود غير مخلوق”، مما كان أيضاً انتصاراً لما قاله القديس أثناسيوس سابقاً في التمييز بين كيان الله وعمله[5].

لكن آباء المجمع النيقاوي استعملوا لفظة يونانية كانت مثار جدل لفترة طويلة. لقد رأوا هذه اللفظة تعبّر عن الإيمان الأرثوذكسي في الثالوث، وتؤكد على وحدة الآب والابن في الطبيعة (أو الجوهر) الإلهية الواحدة. هذه اللفظة هي homoousious (لهما أو لهم الطبيعة الواحدة نفسها). هنا برزت عبقرية القديسين باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي وغريغوريوس النيصصي في التأكيد على لاهوت المجمع النيقاوي.

الآباء الكبادوكيون:

كثيرون رفضوا تعليم آريوس واستعمال لفظة homoousious، وذلك لأنها لم ترد في الكتاب المقدس ولأنها ذات معنى مغاير في الفلسفة اليونانية. فهذه اللفظة اليونانية كانت تعني لآباء مجمع نيقية أن للآب والابن الجوهر الإلهي عينه. الذين رفضوا استعمالها كانوا يخشون، في سياق التأكيد على وحدة الطبيعة بين الآب والابن، أن يضيع التمايز بين أقنومي الآب والابن. وبما أن اللفظة “شخص” اليونانية آنذاك كانت تحمل معنى “وجه” أو “قناع”، فقد خشي الذين رفضوا استعمال لفظة homoousious اليونانية أن يسقطوا في هرطقة سابيليوس.

سابيليوس (في بداية القرن الثالث) كان يعتبر أشخاص أو أقانيم الثالوث القدوس مجرّد أوجه لله. وأن الله أخذ دور الآب في فترة معينة من التاريخ (قبل التجسد)، وأخذ دور الابن في التجسد. لهذا فاستعمال لفظة homoousious بمعنى مسيحي جديد بالكلية، كان يدعو للخشية أن تختفي أشخاص الثالوث في الطبيعة الإلهية؛ أي أن يتم التأكيد على الطبيعة على حساب الأشخاص. هذا ما تؤدي إليه مع الأسف بدعة الانبثاق من الآب والابن كما سنرى، وإن كان المدافعون عنها لا يقصدون هذا[6].

الوجه الآخر للمشكلة هو أن لفظة “شخص” اليونانية لم تكن تحمل معنى مسيحياً سابقاً، بينما في المسيحية صار “الشخص” هو الحاوي، والأساس، والمصدر والمبدأ والأصل[7] (يوحنا الدمشقي: الإيمان الأرثوذكسي 1: 18). النقطة الجوهرية بالنسبة للآباء الكبادوكيين كانت إعطاء تعبير كافٍ لله الذي كشف عن نفسه للأنبياء والرسل. هذا الإله هو ليس إله الفلاسفة (مُجرد جوهر بسيط مطلق)، بل هو إله شخصاني هو إله إبراهيم واسحق ويعقوب.

الآباء الكبادوكيون لم “يخترعوا” عقيدة الثالوث. بل كانوا يحاولون الإجابة على التحدي الذي فرضته الهرطقات المتتابعة التي ابتلت بها الكنيسة. فكل هذه الهرطقات (هرطقة سابيليوس وآريوس وأوريجنس وسواهم) كانت تُخضع إله الأناجيل لمفهوم فلسفي عما يُفترض أن يكون الله عليه. فالرؤية الإنجيلية لإله شخصاني كانت ضحية لحساب جوهر إلهي بسيط وثابت بصورة مطلقة.

لاهوت الآباء الكبادوكيين صالح الأساقفة الذين رفضوا استعمال لفظة homoousious خشية من هرطقة سابيليوس. حدث هذا في المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية العام 381. عندئذ تم قبول إيمان نيقية ضمن الإطار الذي وضعه الكبادوكيون.

عندما قام اللاتين بإدخال عبارة “والابن” إلى دستور الإيمان النيقاوي، فإنهم لم ينحرّفوا النص فقط، بل قاموا بوطء لاهوت الدستور ذاته. لهذا السبب كانت ردة فعل الكنيسة الأرثوذكسية تجاه هذا التغيير كبيراً وحاداً.

لاهوت الثالوث القدوس:

الأشخاص والطبيعة بين الأرثوذكس والكاثوليك:

اللاهوتيون الشرقيون الأرثوذكس يبدأون بأشخاص الثالوث ومن ثم ينتقلون إلى وحدة الطبيعة الإلهية. بينما يبدأ اللاهوتيون الغربيون عادةً بالطبيعة الإلهية الواحدة وينتقلون إلى تعدد الأشخاص الإلهية. السؤال هنا هو: لماذا هذا الفرق في المعالجة بين الطريقتين؟ فإذا كان تأكيد الأرثوذكس على البدء بأشخاص الثالوث هو انعكاس لهمّهم بالمحافظة على وجهة نظر كتابية أساسية لله الشخصي (إله إبراهيم واسحق ويعقوب، إله بطرس وبولس ويوحنا)، فإن إصرار اللاتين على البدء بالطبيعة الإلهية يعكس اقتراباً فلسفياً أساسياً من اللاهوت وتأثّراً واضحاً بإله الفلاسفة الذي هو مجرد جوهر إلهي بسيط. الأمر نفسه ينطبق على نسطوريوس الذي بدأ بطبيعتين في المسيح وانتقل منهما إلى وحدة الفرد في المسيح، بينما بدأت الأرثوذكسية من وحدة الفرد وانتقلت منها إلى الطبيعتين. أيضاً السؤال هو لماذا؟ الجواب هو أن نسطوريوس كان يطبق تعليماً فلسفياً عن المسيح بينما كان الأرثوذكس يستعملون وجهة نظر كتابية أصيلة والتي أكّدت على أن المولود والمصلوب والقائم من الأموات لم يكن أقل من ابن الله نفسه.

فالأرثوذكسية لا تعرف الله الثالوثي إلا كما كشف نفسه للإنسان: إله أشخاص (إله إبراهيم واسحق ويعقوب، إله بطرس وبولس ويوحنا، إله مكسيموس وغريغوريوس وسيرافيم)، إلهاً شخصانياً، إلهاً ثالوثياً: هو آبٌ وابنٌ وروحٌ قدس. هذا الثالوث نختبره في حياتنا وصلاتنا وفي جهاداتنا كآبٍ خالق ومدبر، وكابنٍ مخلصٍ وفادٍ، وكروحٍ قدسٍ مُقَدِس ومُجدِّد الخليقة. هذا الثالوث هو إله واحد في ثلاثة أشخاص. نعرف أشخاص الثالوث أولاً ومن ثم نؤمن وندرك بأن هذا الثالوث له جوهر إلهي واحد مشترك. وبما أننا لا نستطيع إدراك الجوهر الإلهي بدون معرفة الأقانيم الإلهية، لهذا لا يمكن أن نعرف الله إلا عبر أشخاص الثالوث المجيدة. وإن قلنا بأننا لا نستطيع الوصول إلى الجوهر الإلهي بل نعرف الله من خلال قواه ونعمه غير المخلوقة، فهذه القوى والنعم الإلهية هي “شخصانية” وليس قوى مجرّدة نظرية.

اللاهوت الغربي العقلاني المتأثر بالأرسطوية يحاول معرفة الله بالكفر، بالمنطق العقلاني والتأمل الفلسفي. يؤمن بعض أقطاب هذا اللاهوت بان الفلاسفة القدامى قد عرفوا (نوعاً ما) الثالوث حتى ولو كان خارج الوحي الإلهي المسيحي[8]. الفلسفة عرفت إذاً إلهاً بسيطاً واحداً هو موضوع تأمل عقلي. المسيحية الغربية أضافت على هذه الصورة أشخاص الثالوث. لم تكن هذه الإضافة موفقة بل سطحية وهامشية لأن مفهوم “الشخصانية” الأرثوذكسي لم يكن معروفاً في الغرب بصورة صحيحة، مما أدى إلى اعتبار أشخاص الثالوث “مجرد علاقات” على ما سنرى.

المدافعون عن عقيدة الانبثاق من الابن كانوا، مثل آريوس وأوريجنس، عاجزين عن تصوّر تمييزات حقيقية شخصاينة (كالأقانيم) ضمن الألوهة بسبب مغالاتهم في التأكيد على البساطة الإلهية. وبالفعل كان أوغسطينوس واضحاً جداً بخصوص بساطة الطبيعة الإلهية: “الله… بسيط، بحيث أن حكمته ومعرفته، صلاحه وقوته، هي جوهره”[9]، الذي بدون أعراض accidents[10].[11]

وبصورة مشابهة، فإن التأكيد الموضوع على البساطة المطلقة للطبيعة الإلهية من قبل المدافعين عن الانبثاق من الابن يمكن أن يؤدي إلى الحطّ والإنقاص من الأشخاص. وللإجابة على هذا النقد، فإن بعض اللاهوتيين اللاتين قد “حاولوا أن يموضعوا الانبثاق لا في الجوهر Ousia، الذي هو واحد مشترك [لكل الأشخاص]، ولا في الشخص، الذي تم الكلام عنه بحد ذاته، بل في العلاقة بين الأشخاص.[12]“. هكذا، إن الحياة الشخصية للثالوث تُنقص إلى صنف العلاقات. وبالفعل، من الشائع حتى اليوم بالنسبة للاهوتيين الكاثوليك أن ينكروا وجود فرق حقيقي (بالمقارنة مع الفرق اللفظي المجرد) بين الشخص والطبيعة.

هكذا، من وقت أوغسطينوس وحتى اليوم، فإن اللاهوتيين الغربيين قد تبنّوا اقتراباً فلسفياً بصورة أساسية من لاهوت الثالوث القدوس، فيه ساد التنظير حول الجوهر الإلهي. إن “الانبثاق من الابن” هي ثمرة هذا الأسلوب، وبالطبع فإن القديس أوغسطينوس لم تكن له نيّة أن يكون أكثر من ابن مخلص للكنيسة. ففي كتابه “اعترافات”، نرى إنساناً ذا إيمان وتقوى حقيقيين. لكن في كتابه “الثالوث” De Trinitate، فإن أوغسطينوس اللاهوتي المنظّر يأتي تحت الأنظار[13]. على كل حال، فإن ما نتعامل معه هنا هو بصورة رئيسية تركة أوغسطينوس (أو ما ينسب إليه)، بالحري أكثر من أوغسطينوس نفسه[14]. فلو تم البرهان على أن أُغسطينوس هو فعلاً كاتب كل المقولات اللاهوتية المنسوبة إليه، لكان موقف آباء الكنيسة الذين أعلنوا قداسته معاكساً تماماً، وهم الذين اعتمدوا على ما تُرجم من كتاباته إلى اليونانية للتعرف عليه وبالتالي تطويبه.

مصدر الوحدة في الثالوث:

اللاهوت الأرثوذكسي:

دائماً كان الأرثوذكس يؤكدون على أن مصدر الوحدة في الثالوث القدوس هو شخص الآب. فالآب، كمصدر لشخص الابن وشخص الروح القدس، هو بالوقت نفسه أيضاً مصدر العلاقات التي منها تتخذ الأقانيم خصائصها المميّزة. فهو يتسبب بصدور شخص الابن منه بالولادة وبصدور شخص الروح القدس منه بالانبثاق، مما يضع أساس علاقتهما الخاصة بصدورهما (الولادة والانبثاق) بالنسبة لأساس الألوهة الفريد. لهذا السبب كان الشرق دائماً يعارض عقيدة “الانبثاق من الابن” والتي تبدو وأنها تعيق أحدية الأصل أي الآب (كون شخصه هو أساس وحدة الثالوث ومصدر شخصي الابن والروح القدس): فإما يضطر المرء لتقويضة الوحدة وذلك باعترافه بوجود مصدري للألوهة (الآب والابن)، وإما أن يعتبر الطبيعة المشتركة هي مصدر الوحدة مما يعتم على أشخاص الثالوث ويحولهم إلى مجرد علاقات ضمن وحدة الجوهر. بالنسبة للغرب، العلاقات نوّعت (شكّلت) الوحدة الأساسية. بالنسبة للشرق، إن العلاقات تمثل بالوقت نفسه التنوع والوحدة، لأنها تعود إلى الآب كمصدر لها والذي هو أساس الثالوث. النبرة الشخصانية سدى الأرثوذكسية ولحمتها.

إذاً بالنسبة للشرق يوجد إله واحد لأنه يوجد آب واحد. أما الأقانيم والطبيعة المشتركة فهي مُعطاة في الوقت نفسه وبدون أسبقية أحدهما على الآخر[15]. فالآب مصدر كل اللاهوت في الثالوث، يُصدر الابن والروح القدس بمنحهما طبيعته الواحدة، والتي تبقى فيهما طبيعة واحدة غير منقسمة وهي هي نفسها في الآب والابن والروح القدس. بالنسبة للأرثوذكس، إن الاعتراف بوحدة الطبيعة يعني الاعتراف بالآب كمصدر فريد للأشخاص التي تنال من الآب هذه الطبيعة نفسها. يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: “برأيي، إن المرء يحرص على إلهٍ واحد فقط بإرجاع الابن والروح إلى مصدرٍ وحيد، بدون تركيبهما أو خلطهما؛… بالنسبة لنا يوجد إله واحد، لأن الألوهة واحدة، وكل ما يصدر منه إنما يشير إلى الوحد، ولو أننا نؤمن بثلاثة أشخاص… إذاً، عندما ننظر إلى الألوهة، أو إلى العلة الأولى، أو إلى الأوحد، هذا الذي ندركه هو واحد؛ ولكن عندما ننظر إلى الأشخاص التي فيها تسكن الألوهة، وإلى تلك التي سرمداً وبمجدٍ متساوٍ يكون كيانها من العلة الأولى، فإنه يوجد ثلاثة وهي ما نعبد”[16]. لا توجد وحدة في الطبيعة الواحدة نفسها في الثالوث فقط، ولكن توجد وحدة في الأقانيم الثلاثة ذات الطبيعة الواحدة نفسها. يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: “كل واحد مُعتبر بحد ذاته الله الكلي، كما هو الآب هكذا الابن، كما هو الابن هكذا الروح القدس، لكن كل واحد يحتفظ بخصائصه؛ وإذا أُخذ الثلاثة معاً فإنهم الله؛ كل (مُعتبر بحد نفسه) إلهاً بسبب الجوهر الواحد المشترك، الثلاثة (مُعتبرون) الله بسبب الأحدية Monad”. بحسب القديس مكسيموس إن الله هو “أحديّة وثالوث”. هذا لا يعني أن مجرد 1=3 و3=1.

القديس يوحنا الدمشقي يقول: “نؤمن بآب واحد، مبدأ الجميع وعلتهم. لم يلده أحدٌ، وهو وحده أيضاً غير معلولٍ ولا مولودٍ. صانع الكل وأبٌ بالطبيعة للوحيد الجنس وحده، ابنه ربنا يسوع المسيح إلهنا ومخلصنا. وهو مصدر الروح القدس. ونؤمن بابن الله الواحد والوحيد الجنس، ربنا يسوع المسيح، المولود من الآب قبل كل الدهور”. ويقول أيضاً: “أما الروح القدس فينبثق من الآب لا بالولادة بل بالانبثاق”. “وإذا قلنا بأن الآب مبدأ الابن وأعظم منه، فلسنا نعني أنه يفوق الابن زمناً وطبيعةً،… ولا أنه يفوقه بشيء آخر سوى العلة، أي أن الابن مولود من الآب، لا الآب من الابن، وأن الآب علّة الابن بحسب الطبيعة”. “وبالمثل نؤمن أيضاً بالروح القدس الواحد، الرب المحيي، المنبثق من الآب والمستريح في الابن والمسجود له والممجد مع الآب والابن”. “واعلم أننا لا نقول بأن الآب من أحد، بل نقول إنه أبو ابنه، ولا نقول أن الابن علّةً أو آب، بل نقول إنه من الآب وإنه ابن الآب. ونقول أيضاً إن الروح القدس من الآب ونسميه روح الآب. ولا نقول إن الروح القدس من الابن، ونسميه روح الابن”.[17]

بحسب القديس مكسيموس المعترف، إن الآب هو الذي يُميّز أقنومي الابن والورح القدس “بحركة أبدية من المحبة”. إنه يمنح طبيعته للابن وللروح القدس على حد سواء، والتي تبقى فيهما واحدة غير منقسمة وغير موزعة.

بالإصرار على أحدية الآب –المصدر الفريد للألوهة ومبدأ وحدة أقانيم الثالوث- فإن اللاهوتيين الأرثوذكس كانوا يدافعون عن مفهوم الثالوث الذي اعتبروه أكثر متانة وشخصانية وأقرب إلى اللاهوت الكتابي. فأشخاص الثالوث تكشف بظهورها في الكتاب المقدس لاهوتاً أقرب إلى اللاهوت الثالوثي الأرثوذكسي الشخصاني حيث فيه الأقانيم الثلاثة إله واحد (1 يو 5: 7)، رأسه الآب وهو مصدر الابن بالولادة (عبر 1: 5) والروح القدس بالانبثاق (يو 15: 26). الآب يُدعى أعظم من الابن (يو 14: 28) وبالوقت نفسه هو والابن واحد (يو 10: 30). فالابن خرج من الآب وإليه يعود (يو 16: 27-28). الآب أرسل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به (يو 3: 16). الآب، وباسم الابن (يو 14: 26) يرسل الروحق القدس بالانبثاق (يو 15: 26). الابن يرسل إلى المؤمنين الروح القدس الصادر من الآب (يو 14: 16)، الآب والابن والروح القدس يظهرون معاً عند معمودية الرب (متى 3: 16-17)، لكن الآب هو الذي يتكلم ويشهد للابن ومنه ينزل الروح القدس ليستقر في الابن. الابن يشهد للآب ويأخذ مما للآب. الروح القدس يعلّم تعليم الآب والابن ويشهد لهما.

هكذا نرى أن اللاهوت الثالوثي الأرثوذكسي هو لاهوت شخصاني لا لاهوت ماهية أو ماهيات. فنحن لا نعرف الله ولن نعرفه كجوهر، كماهية، أو طبيعة، لا الآن ولا إلى أبد الآبدين؛ لا نحن ولا الملائكة. إلهنا إله شخصاني خلقنا على صورته أشخاصاً لنقيم شركة معه.

إن تكلم المرء عن الله في اللاهوت الأرثوذكسي، فهو دائماً يتكلم عن إله شخصاني، عن إله إبراهيم واسحق ويعقوب، أو إله بطرس يوحنا ويعقوب، عن الثالوث القدوس؛ الآب والابن والروح القدس. وعلى العكس، عندما تتصدّر الطبيعة المشتركة المكانة الأولى في مفهومنا للعقيدة الثالوثية فإن حقيقة الله الشخصانية في الثالوث تُحجب حتماً بمقدارٍ ما وتفسح المجال لفلسفة معينة من الجوهر. لا يوجد مكان في الكنيسة الأرثوذكسية للهوت الماهيات الأفلاطونية أو الأرسطوية، أي الجوهر المجرّد. في اللاهوت الأرثوذكسي الجوهر موجود فعلياً في الأقانيم. لكننا لا نستطيع معرفة أو فهم أو إدراك هذا الجوهر إلا عبر أشخاص الثالوث المجيدة وبمقدار ما يكشفه الله لنا. اللاهوت الأرثوذكسي واقعي: الأقانيم هي الله الموجود في الواقع. والجوهر هو مضمونها الموجود في الواقع، واقعها الحي. الله لم يكشف لنا ذاته في العهد اتلقديم أو الجديد إلا كإله شخصاني، وليس كمجرد فكرة أو ماهية أو ألوهة ضبابية. هدف الروحانية الأرثوذكسية، غبطة ملكوت السموات، هو ليس معاينة الجوهر الذي لا يُعاين، بل قبل كل شيء، مشاركة في الحياة الإلهية للثالوث القدوس؛ هو الحالة المتألِّهة لشركاء الطبيعة الإلهية (بتعبير بطرس الرسول)، أي للقديسين أو للآلهة المخلوقة على صورة الله غير المخلوق، والذين يملكون بالنعمة غير المخلوقة ما يملك الله بالطبيعة. الكنيسة نفسها صورة الثالوث: كنيسة واحدة أفرادها عديدون. الشخص البشري صورة الثالوث القدوس. علاقة المسيحيين ببعضهم بعضاً إن كملت صارت ثالوثية، فيصير الكثيرون بالمحبة واحداً. يصير الرجل والمرأة واحداً، واحداً في اثنين. كل عبادتنا ثالوثية: بالروح القدس ينطبع الابن الإلهي فينا. وبما أنه صورة الآب فنرى صورة الآب فيه. الأرثوذكسية شخصانية ثالوثية. اليهودية ضيقة مختنقة في مفهوم الإله الواحد البعيد المنال.

لهذا فالثالوث القدوس هو، بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية، الأساس الراسخ لكل فكر ديني، لكل تقوى، لكل الحياة الروحية، لكل خبرة. فالثالوث (لا الطبيعة الإلهية) هو من نتوق إلى معاينته في سعينا نحو الله.

قد يوحي المفهوم الثالوثي الأرثوذكسي بأن الآب، كمصدر فريد أوحد للألوهة، نوعاً ما من الأسبقية والتفوق والأولوية. القديس غريغوريوس اللاهوتي سبق ورأى هذه الصعوبة فقال: “أودّ أن أدعو الآب الأعظم، إذ منه تنبع (تفيض) مساواة المتساويين وكيانها… لكني أخشى استعمال كلمة مصدر، لئلا أجعله مصدر الأدنى، وبالتالي أُهينه بأسبقيات الكرامة، لأن إحدار مَن هما منه ليس مجداً للمصدر”[18].

هكذا، في صياغة عقيدة الثالوث القدوس، فإن الصفة التنزيهية (السلبية) للفكر الآبائي الأرثوذكسي كانت قادرة على حفظ المساواة العجيبة بين الأقانيم مع التمييز بين الطبيعة والأقانيم في الوقت نفسه. وبكلمات القديس مكسيموس: “الله هو أحدية Monad وثالوث في الوقت نفسه”.

اللاهوت الكاثوليكي:

إن الابن الكلمة والروح القدس هما شعاعان صادران من الشمس الواحدة، من الآب، بدون انفصال ومع ذلك متميّزان كشخصين صادرين من الآب نفسه. الصيغة اللاتينية تُدخل هنا علاقة منشأ جديدة، جاعلة الروح القدس منبثقاً من الآب ومن الابن، وبدلاً من أن يكون لدينا أُحدية الآب، أي شخصه الذي هو مصدر الله الواحد ومصدر الثالوث، يصير لدينا مفهوم آخر، هو مفهوم الجوهر الواحد الذي فيه تتدخل العلاقات لتوطِّد تميّز الأشخاص، والذي فيه (في هذا المفهوم) فإن أقنوم الروح القدس لا يكون أكثر من مجرد علاقة تبادلية بين الآب والابن. المفهوم الغربي للثالوث يضع الطبيعة الجامعة لله فوق الأقانيم، مما يُضعف من الأقانيم ويخلط شخصي الآب والابن ويجعل الروح القدس مجرد علاقة أو صلة وصل بين الاثنين.

L'emanazione dello Spirito Santo

مسألة انبثاق الروح القدس هي أهم مسألة لاهوتية تُفرِّق بين الشرق والغرب، بين الأرثوذكس والكاثوليك، بين اليونان واللاتين.

يتفق الأرثوذكس والكاثوليك في أنه يوجد نوع من الغموض بخصوص الشخص الثالث من الأقانيم. تعبيرا “آب” و”ابن” يُشيران بكل وضوح إلى تميّز شخصي، ولا يمكن استبدالهما، ولا يشيران إلى الطبيعة الإلهية المشتركة الواحدة التي للثالوث. أما تعبير “الروح القدس” فلا يشير بالضرورة إلى شخص مميّز معيّن، بل قد يشيبر إلى الطبيعة الإلهية الواحدة التي هي طبيعة روحية وقدوسة. وبالفعل، فنحن نقول بصورة عامة: “الله روح” ونقول “الله قدوس”، مشيرين إلى الطبيعة المشتركة وإلى كل واحد من الثالوث القدوس على حدة. لهذا فتعبير “الروح القدس” يمكن أن ينطبق لا على تميّز شخصي فقط (أي لا على أقنوم مُعين)، بل على الطبيعة المشتركة للأقانيم الثلاثة أيضاً. بهذا المعنى، توما الأكويني على حق في قوله بأن الشخص الثالث من الثالوث ليس له اسم خاص به وإن اسم “الروح القدس” قد أُعطي له على أساس استعمال كتابي.

نواجه الصعوبة نفسها عندما نحاول تعريف وتحديد مصدر الروح القدس، مقارنين “الولادة” بـ “الانبثاق”. وحتى تعبير “الانبثاق”ىلا يمكن أن يُعتبر بحد ذاته تعبيراً يصف الروح القدس حصراً. إنه تعبير عام غير شخصاني. لهذا فتعبير “الانبثاق” لا يعطي مفهوماً خاصاً دقيقاً مثل تعبير “الولادة”. فتعبير “الولادة” يحافظ على الصفة السرية للأبوة والبنوّة الإلهيتين، ويصف بالوقت نفسه علاقة محددة ما بين شخصي الآب والابن. لكن ليست هذه هي حالة “الانبثاق”، وهو تعبير غير محدَّد عن شخص الروح القدس الغامض بالنسبة لنا، والذي مصدره الأقنومي مقدَّم لنا بصورة سلبية (تنزيهية): إنه ليسى الولادة، وليس هو نفسه مصدر أقنوم الابن.

في القرن التاسع مسألة الروح القدس بين اللاتين والأرثوذكس أثارت مسألة الثالوث بالعلاقة مع أقنوم الروح القدس. فاللاتين جاهدوا لتأسيس تنوع شخصي على أساس تعبير homoousious بادئين من هوية الطبيعة. أما اليونان، وهم أكثر وعياً للتضاد الثالوثي بين الجوهر (ousia) والأقنوم (Hypostasis)، وآخذين بعين الاعتبار الجوهر المشترك، فقد أكدوا على أحدية Monarchy [19] الآب، كضمانة ضد كل أشاكال السابليانية الجديدة كما أشرنا سابقاً.

الانبثاق: اللاهوت اللاتيني:

إذا بدءنا من حقيقة أن الصفة الأقنومية للروح القدس تبقى غير معرّفة و”مستورة”، فإن اللاهوت اللاتيني يسعى إلى رسم استنتاج إيجابي لنمط مصدر الروح القدس. وبما أن تعبير “الروح القدس” هو، بمعنى ما، مشترك بين الآب والابن (كلاهما روحٍ وقدوسٍ)، فإن تعبير “الروح القدس” يجب أن يشير إلى شخص يتعلق بالآب والابن معاً بما لديهما من شيء مشترك. حتى لو كان موضوع بحثنا هنا هو الانبثاق، الذي يعالج نمط مصدر الشخص الثالث، فإن تعبير “الانبثاق” –والذي بحد ذاته لا يدل على نمط مصدر متميّز عن الولادة- يجب أن يشير إلى علاقة مع الآب ومع الابن معاً، ليخدم اساساً لشخص ثالث، متميز عن الشخصين الأولين. بما أن “علاقة التضاد” يمكن لها أن تتوطد فقط بين طرفين، فيجب على الروح القدس أن ينبثق من الآب والابن، بمقدار ما يمثلان وحدة. هذا هو معنى الصيغة اللاتينية التي بحسبها قيل إن الروح القدس ينبثق من الآب والابن كما من مبدأ واحد.

لا يمكن للمرء أن ينكر منطق هذا النمط من التفكير، والذي يسعى إلى تنوعٍ أقنومي على مبدأ علاقات التضاد بحسب تعبير لوسكي. هذا الأساس الثالوثي، الذي صاغه توما الأكويني، يصير لا مفر منه في اللحظة التي يتم بها الاعتراف بعقيدة انبثاق الروح القدس من الآب والابن كمصدر واحد. هذه العقيدة تفترض ما يلي:

  1. 1.علاقات التضاد بين الأقانيم هي أساس هذه الأقانيم [20] والتي تعرّف نفسها بتضادها المتبادل، الأول تجاه الثاني، والأول والثاني تجاه الثالث؛
  2. 2.إن شخصين يمثلان وحدة غير شخصانية، في أنهما يفسحان المجال لبزوغ علاقة تضاد أُخرى؛
  3. 3.إن مصدر أشخاص الثالوث القدوس بشكل عام هو بالتالي غير شخصاني، إذ له أساسه الحقيقي في الجوهر الواحد. إن السمة العامة للاهوت الثالوث الغربي هذا هي أسبقية وحدة الطبيعة على الثالوث الشخصاني، أو أولوية وجودية (أونتولوجية) للجوهر على الأقانيم.

التوازن بين الأقانيم والجوهر في اللاهوت الأرثوذكسي:

إذا كان التنوع الشخصي في الله يمثل حقيقة أولوية لا يجب استنباطها من أي مبدأ آخر ولا هي مؤسسة على أية فكرة أُخرى، فهذا لا يعني بأن التطابق الجوهري للأقانيم الثلاثة هو وجودياً (أنتولوجياً) أدنى من تنوعهم الأقنومي. فاللاهوت الثالوثي الأرثوذكسي ليس ردة فعل على عقيدة “الانبثاق من الابن”؛ إنه لا يسير نحو التطرف الأقصى المعاكس (كأن يبلغ مثلاً في التنوع الأقنومي على حساب الوحدة في الجوهر). فكما قلنا إن علاقات المصدر[21] تدل على التنوع الشخصي للثلاثة، لكنها تدل أيضاً على التطابق الجوهري (في الجوهر). فالابن والروح القدس يُميَّزان عن الآب، لكننا نعبد الأشخاص الثلاثة؛ هما واحد معه، ونعترف بجوهرهم المشترك. هكذا فإن أحدية الآب تحافظ على التوازن التام بين الطبيعة والأشخاص، بدون الانحياز نحو أحد الطرفين. فلا يوجد جوهر غير شخصاني ولا أشخاص بدون جوهر واحد مشترك لهم. الطبيعة الواحدة والأقانيم الثلاثة تُقدَّم لفهمنا في الوقت نفسه، بدون أسبقية أحدهما على الآخر. إن أصل الأقانيم ليس أصلاً غير شخصاني، لأنه يعاد إلى شخص الآب؛ لكن ليس من الممكن التفكير بمعزل عن ملكيتهم المشتركة للجوهر الواحد نفسه. وإلا لكان لدينا ثلاثة أفراد إلهية، ثلاثة آلهة مرتطبة ببعضها بعضاً بفكرة مجردة من الألوهة[22]. ومن جهة أُخرى، بما أن وحدة الجوهر هي التطابق (المساواة) غير الأقنومي للثلاثة، في أنهم يملكون جوهراً مشتركاً، هكذا فإن وحدة الأقانيم الثلاثة لا يمكن تصوّرها بمعزل عن أحديّة الآب، الذي هو أساس الملكية المشتركة لجوهر واحد بعينه. لكننا نتعامل مع جوهر بسيط متميّز بعلاقات.

نقطة الضعف في اللاهوت الغربي هي القول إنّ الأقانيم هي تميّزات ضمن الجوهر. فالجوهر واحد للثلاثة يملكه بتمامه كل من الأقانيم دون انقسام بينهم. فكيف تكون الأقانيم تميّزات في الجوهر والجوهر مملوك برمته لكل منهم وللثلاثة؟ الجوهر لهم فلا يمكن أن يكون مصدر وجودهم. هو موجود فيهم. لا يمكن تمييع الأقانيم في الجوهر لجعله مصدرهم. الآب مصدر الابن والروح القدس. من جهة أُخرى، لماذا كل هذا التحايل على الآية 15: 26 من يوحنا[23]؟ في أشعيا 48: 16 الروح أرسل الابن. في الإنجيل الآب أرسل الابن والابن أرسل الروح. فمعنى كلمة أرسل مختلف إذاً عن معنى كلمة “انبثق”. دبجت الكثلكة مكتبات للدفاع عن رأيهما بينما نص يوحنا (15: 26) واضح[24].

في الدفاع عن الانبثاق الأقنومي للروح القدس من الآب وحده فإن الأرثوذكسية تعترف بإيمانها بالثالوث البسيط، بينما تشير علاقات المصدر إلى التنوّع المطلق للثلاثة، وبالوقت نفسه إلى وحدتهم كما هو ممثلٌ بالآب، الذي ليس هو أحديّة فقط –في أنه الآب- ولكن بكونه أيضاً مصدر الوحدة الثالوثية. هذا يعني أنه إذا كان الله إله الوحي الحي وليس جوهر الفلاسفة البسيط، فإنه فقط عندئذ يمكن أن يكون الله الثالوث القدوس. هذه حقيقة أولوية لا يمكن لها أن تكون مبنية على أية حدثية من التفكير مهما تكن. كل أنواع المنطق والتفكير تبرهن على أنها خلفية أو أدنى بالنسبة للثالوث أساس كل الكيان وكل المعرفة.

الانبثاق الأزلي والتدبير الزمني للروح:

بسبب هذا الإصرار على البساطة الإلهية، نادراً ما ميّز اللاهوتيون اللاتين بين الانبثاق الأزلي الوجودي (الانتولوجي) للروح القدس من الآب وبين ظهوره الزمني (التدبيري) بواسطة الابن. المدافعون عن الانبثاق من االابن يقتبسون آيات مثل يوحنا 20: 22 (ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس). ويقولون إن هذا هو برهان على أن الروح قد انبثق أزلياً من الابن ومن الآب أيضاً. لكن اللاهوتيون الأرثوذكس أشاروا إلى أنه في الإنجيل نفسه فإن المسيح نفسه يميّز بين مهمة الروح الزمنية وبين انبثاقه الأزلي: “ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق، الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي” (يو 15: 26).

لم ينكر الأرثوذكس قط أن الابن قد أرسل الروح إلى العالم أو أن الروح ينبثق بفضل الابن (بالإشارة إلى مهمته الزمنية). لكن المدافعون عن الانبثاق من الابن قد خلطوا بين المهمة الزمنية للروح وانبثاقه الأزلي. اللاهوتيون الغربيون مغرمون بالاقبتاس من أوغسطينوس لدعم موقفهم. فأوغسطينوس استعمل الآية 20: 22 من يوحنا للقول بالانبثاق المزدوج للروح القدس من الآب والابن. أحياناً يقول إن الروح القدس ينبثق منهما “كما من مصدر وحيد”[25]. هذا التعليم الخالف صراحة لتعليم الكنيسة الأرثوذكسية دفع بالكثيرين من الأرثوذكس –من بينهم القديس مرقس الأفسسي- إلى اعتبار أن هذا التعليم مُدخَل على كتابات أوغسطينوس من قبل كتبة لاحقين. وفي الواقع، إن الكثير من الكتابات الآبائية تعرضت للتحوير عند نسخها أو ترجمتها في أوروبا العصور الوسطى عن جهلٍ أو عمداً، وكانت عبارة “والابن” filoque تُزاد. أدّى هذا إلى تضليل الكثير من اللاهوتيين الغربيين الذين اعتمدوا هذه الكتابات في دفاعهم عن هذه العقيدة من أمثال توما الأكويني في كتابه “ضد أخطاء اليونانيين”. كشف هذه التحويرات وجمعها في كتاب واحد لوثري غيور من القرن السابع عشر (اسمه Adam Zernikaw)، اهتدى إلى الأرثوذكسية بعد أن أمضى سنوات باحثاً في مكتبات أوروبا في الكتابات الآبائية الأصلية، مقارناً إياها مع المخطوطات المعاصرة، كاشفاً كل التحويرات التي تعرّضت لها والمختصة بانبثاق الروح القدس. نُذر آدم راهباً أرثوذكسياً في موسكو وقبل وفاته وضع هذا الكتاب عن انبثاق الابن[26].

نتائج عقيدة “الانبثاق من الآب والابن”:

1- الروح القدس غير مساوٍ للآب والابن (عدم مساواة)

من المهم معرفة أن الأرثوذكس لم يرفضوا عبارة “والابن” لأنهم رفضوا سلطة البابا المزعومة على دستور الإيمان[27]. فبينما لعب سلطان البابا المزعوم دوراً في المسألة، إلا أنه لم يكن السبب الرئيسي. لقد رفض الأرثوذكس هذا التغيير في دستور الإيمان لأن عبارة “والابن” كانت هرطوقية.

المجمع الثاني في ليون (العام 1274)، والذي يعتبره الكاثوليك المجمع المسكوني الرابع عشر، يُعرِّف “والابن” كما يلي:

“نعترف بإيمان وإخلاص بأن الروح القدس ينبثق أزلياً من الآب والابن، ليس كما من مبدأين، بل كما من مبدأ واحد”[28]. عقيدة “والابن” تم إعادة التأكيد عليها في مجمع فلورنس (1483). هكذا أعلنت الكنيسة الكاثوليكية رسمياً أن الروح القدس ينبثق من الآب والابن كما من مصدر واحد ab utroque.

بحسب اللاتين فإن الروح القدس ينبثق من الآب والابن. إن عزو خصائص كالولادة والانبثاق يجب أن يكون إما للطبيعة الإلهية، التي هي مشتركة بين الأشخاص (الأقانيم) الثلاثة، أو لأحد الأشخاص. لكن من غير المعقول أن تُعزى صفة معينة إلى شخصين من الأقانيم الثلاثة ولا تُعزى إلى الثالث، وإلا سيوجد عدم مساواة بينهم. هذا يعني أن صفة “إصدار” الروح القدس يجب أن تنتمي إما إلى الطبيعة الإلهية الواحدة أو إلى شخص واحد من الثالوث. لكن لا يمكنها أن تنتمي إلى شخصين إلا إذا كان الشخص الثالث غير مساوٍ لهما. فإذا كانت صفة إصدار الروح القدس خاصة بشخصيّ الآب والابن حصراً، فهذا يعني أن شخص الروح القدس أدنى منهما. هذا ما ذكره أول دحض منهجي أرثوذكسي لهذه العقيدة والذي كتبه القديس فوتيوس الكبير، بطريرك القسطنطينية خلال القرن التاسع كما ورد في كتابه Mystagogy.

فهما أدرت الموقف يكون الروح القدس أدنى من أقنوم إلهي كامل. فإذا أكد المرء أن الولادة والانبثاق هما صادران عن الطبيعة، عندئذ يجب أن يؤكد المرء أنهما ناجمان عن كل الأقانيم الإلهية[29] (لأن للأقانيم الثلاثة الطبيعة الإلهية الواحدة نفسها). هكذا تقوم الأقانيم جميعاً بالولادة والانبثاق، كل واحد من الأقنومين الآخرين. أيضاً، إذا كان الروح القدس مماثلاً في الجوهر للآب والابن، فإنه يجب بالضرورة أن يُنتج شخصاً آخر (أو يُنتج الآب والابن).

“إذا كان الابن مولوداً من الآب والروح القدس ينبثق من الابن، فبأي منطق لا تمنح الروح الذي يوجد في الجوهر المماثل نفسه، كرامة انبثاق آخر منه في الوقت نفسه؟ وإلا فإنك تحط من قدره وهو الذي يستحق كرامة مساوية”[30].

من جهة أُخرى، إن كان الانبثاق هو خاصية للشخص، وليس للطبيعة، فكيف يمكن عندها أن يشرح المرء أن اثنين فقط من الأقانيم (الآب والابن) يشاركان الخاصية نفسها؟ هل يحتاج الآب إلى الابن لإنتاج الروح؟

لكن الجوهر ليس هو علّة (سبب) الكلمة؛ إن الآب هو العلّة الشخصية لشخص الكلمة. لكن إذا كان الابن هو أيضاً علّة الروح كما تؤكد هذه العقيدة غير الصالحة، عندئذ فإن الصفة الشخصية للآب هي موزّعة على الابن. وبالنهاية فإنك مجبر على قول هذا، أو أن تقول إن الابن يكمّل شخص الآب، وأن الآبن يتخذ دور الابن ولقبه. إن إنقاص سرّ الثالوث الهائل إلى مجرد ثنائي (زوج) لهو الأمر نفسه[31].

يجب أن نلاحظ أن أحد أسباب إدخال عبارة “والابن” كان لمحاربة هرطقة آريوس. فمعظم القبائل البربرية قد قبلت الآريوسية. ورغم أنها تحوّلت في النهاية إلى الكثلكة، فإن الآريوسية صارت تتغلغل في الغرب عبر هيئات متنوعة. كانت اسبانيا إحدى بقع الهرطقات الساخنة. فاللاهوتيون، مثل Paulinus of Aquileia، استعملوا عبارة “والابن” ضد الذي حاجّوا بأن ناسوت المسيح قد تم “تبنّيه”، مؤكدين بالتالي على المساواة الكاملة للابن مع الآب.

للوهلة الأولى، تبدو المحاجّة منطقية. فإذا كان المسيح إلهاً كاملاً مثل أبيه، إذاً يجب على الروح القدس أن ينبثق منه ومن الآب أيضاً. بينما يبدوا هذا أنه قد “يساعد” على التأكيد على ألوهية الابن الكاملة، فإنه يترك الروح القدس خارجاً في العراء. فإذا كان الابن يحتاج إلى إنتاج الروح (مع الآب) لكي يكون مساوياً للآب، عندئذ يحتاج الروح أيضاً أن يُنتج شخصاً لكي يكون مساوياً للآب والابن! لهذا لا توجد طريقة للتأكيد على عبارة “والابن” بدون الحطّ من الروح القدس.

أيضاً، إذا كان الابن مولوداً من الآب، والروح (بحسب هذه البدعة) ينبثق من الآب والابن، عندئذ للسبب نفسه يجب على شخص آخر أن ينبثق من الروح، وهكذا لا يكون لدينا ثلاثة بل أربعة أشخاص! وإذا كان الانبثاق الرابع ممكناً، عندئذ فإن انبثاقاً آخر ممكناً من ذلك، وهكذا دواليك إلى عدد غير محدود من الانبثاقات والأشخاص، حتى يتحول هذا التعليم في النهاية إلى تعدد يوناني للآلهة[32].

لكن تعليم “والابن” لم يُستنبط لمحاربة الآريوسية، لأنه كان موجوداً بشكل ما منذ القرن الخامس على الأقل. وقبوله من قبل اللاهوتيين الناطقين باللاتينية لم يكن نتيجة لضرورته اللاهوتية (في محاربة الآريوسية)، بل نتيجة لسلطة أغسطينوس في اللاهوت اللاتيني وللطريقة اللاهوتية التي ستصير العملة الشائعة للمسيحية الغربية. يقول Pelikan[33]:

“إن أكثر الأمثلة البارزة والمميتة مسكونياً لسلطة أوغسطينوس في اللاهوت الثالوثي اللاتيني كانت الطريقة الآلية تقريباً التي بها قبل اللاهوتيون الغربيون فكرة الانبثاق من الابن”[34].

2- الأشخاص (الأقانيم) هي العلاقات التي تُميّزها:

كما وجدنا، رأى تراثنا الأرثوذكسي في صيغة انبثاق الروح القدس من الآب والابن ميلاً للتأكيد على وحدة الطبيعة على حساب إضعاف التميّز الحقيقي بين الأشخاص وجعله نسبياً، وعلى حساب الطعن بمفهوم الأقنوم. وبالفعل، فبحسب الفكر الغربي، إن الآب والابن يسببان انبثاق الروح القدس، بمقدار ما يُمثلان الطبيعة الواحدة؛ بينما الروح القدس، والذي بالنسبة للاهوت الغربي، يصير “الرباط بين الآب والابن”، فإنما يمثل وحدة طبيعية بين الآب والابن. وبحسب أوغسطينوس والأكويني فإن البنوّة والابن هما الأمر الواحد نفسه: فالابن هو علاقة مع واحد هو الآب، والروح القدس هو علاقة مع اثنين هما الآب والابن. وبما أن الأقانيم (أو الأشخاص) ما هي إلا مجرّد علاقات ضمن الألوهة، فإن الروح القدس يجب أن ينبثق من الآب والابن لكي يكون متميّزاً عن الابن.

إن الخصائص الأقنومية (الأبوة، الولادة، الانبثاق) تُبتلع تقريباً في الطبيعة أو الجوهر. وهكذا، فبدلاً من كون العلاقات خصائص للأقانيم، تصير متساوية ومتطابقة معهم. كما كتب توما الأكويني (الشخص هو العلاقة)، هو علاقة داخلية للجوهر الذي ينوّعه. هكذا فاللاتين يفكّرون في الشخصانية كنمط للطبيعة، بينما اليونان يفكّرون في الطبيعة كمحتوى للشخص.

الاقتراب الغربي من الطبيعة والشخص هو اقتراب خاطئ. فطبيعة أي كائن –مخلوقاً أو غير مخلوق- لا يمكن أن توجد خارج الشخص. فالشخص هو الحاوي والطبيعة هي المحتوى. لا توجد الطبيعة كطبيعة مجرّدة أو “هيولية” بدون شخص يحويها ويقدّمها إلى الآخر. فكما أنه لا يمكننا أن نعرف طبيعة بشرة مجردة هكذا لا يمكننا أن نعرف طبيعة إلهية مجرّدة. الطبيعة البشرية تُقدرم ذاتها لي من خلال الشخص الذي يحويها: بطرس، بولس، يوحنا، إلخ. هكذا الطبيعة الإلهية توجد في أشخاص الآب والابن والروح القدس وتجعل ذاتها معروفة، بحدود إمكانياتنا كبشر، من خلال أشخاص الثالوث المجيد. فعندما يقول توما الأكويني إن الشخص علاقة، ينسف هذا مفهوم الشخص ومعناه ويذوّب أونتولوجيته (وجوديته) لأن “العلاقة” لا تملك كياناً وجودياً خاصاً بها. أيضاً، عندما يقول اللاهوت اللاتيني إن الشخصانية نمط للطبيعة، يفضي هذا إلى النتيجة نفسها، لأن لاهوتاً كهذا يطعن في لاهوت الثالوث ويطيح به تماماً. فاللاهوت الغربي يرى طبيعة إلهية مجردة أولاً. بعد هذا يضيف على هذه الطبيعة علاقات تأخذ أسماء وصفات شخصية هي الآب والابن والروح القدس. لهذا في هذه الطبيعة الإلهية كل شيء مشترك بين هذه الثلاثة بدون أن يكون لأي منها خصائص شخصانية تميّز الآب عن الابن عن الروح القدس. هذا يشبه تماماً هرطقة سابيليوس إن لم يكن أخطر منها، سواء قصد ذلك اللاتين أم لا.

في القرن الرابع عشر قام هدوئي أرثوذكسي ولاهوتي كبير وهو Gallistos Angelikoudis بكتابة شرح لأعمال الأكويني، يرى فيها إن الأكويني زاد على هرطقة سابيليوس شيئاً أخطر وهو تحليلات الأكويني العقلية التي أضافها على الحياة الداخلية للجوهر الإلهي والتي، بحسب آباء الكنيسة، غير مدركة أو معروفة لأي مخلوق. سبب ضلالات الأكويني هو أنه بدأ من العالم المحسوس ونتيجة تحليلاته الفلسفية وتأملاته العقلية حاول الوصول إلى الجوهر الإلهي بأن طبّق نواميس العالم المخلوق على الجوهر الإلهي غير المخلوق. وبدلاً من أن ينال الإنسان الوحي الإلهي الذي يُلهمه لمعرفة الله، وبدلاً من الروح القدس الذي علّم الآباء وأرشد المجامع المسكونية، استعمل الأكويني الإمكانيات العقلية البشرية للوصول إلى جوهر إلهي مجرّد، إلى إله لا يتصل بالإنسان بقوى إلهية غير مخلوقة.

من هنا نفهم علاقة هذا اللاهوت الثالوثي الغربي بعقيدة النعمة المخلوقة لدى الغرب. فهذا الإلهي المجرّد يحتاج إلى خلق “وسائط” هي نعمته لكي يتصل به الإنسان.

3- الأشخاص (الأقانيم) تصير مجرد علاقات تضاد (تعارض) في اللاهوت الغربي:

يرفض اللاهوت الأرثوذكس، من جهة أُخرى، أن يعترف بعلاقة مصدر تصنع الروح القدس في تعارض مع الآب والابن، ومأخوذة كمبدأ وحيد. او تمّ الاعتراف بأن علاقات التضاد بين الأقانيم هي أساسها (كما في اللاهوت الغربي)، فإن التنوع الشخصاني في الثالوث سيصير نسبياً: بمقدار ما الروح هو أقنوم واحد، فالروح القدس يمثل وحدة الاثنين في طبيعتهما المتماثلة (وبالتالي يضيع تمايزه الاقنومي وهويته الأقنومية). لهذا يرى اللاهوت الأرثوذكسي استحالة منطقية لأي علاقات تضاد بين الأطراف الثلاثة. بالحقيقة، إن التمايز المطلق[35] للثلاثة لا يمكن أن يُبنى على علاقات من التضاد بدون الاعتراف ضمناً أو علناً بأولوية الجوره على الأقانيم، وبدون خلط الأقانيم الثلاثة بطريقة أو بأُخرى مع الجوهر. هذا يفترض أساساً نسبياً (وبالتالي ثانوياً) للتنوع الشخصاني بالمقارنة مع التطابق في الطبيعة. لكن هذا بالضبط ما لا يمكن للاهوت الأرثوذكسي أن يعترف به.

الأرثوذكس أكّدوا بأن الروح القدس ينبثق من الآب وحده. هذه الصيغة تمثّل بنبرتها العقائدية تأكيداً بسيطاً جداً للتعليم التقليدي عن “أصل الآب”، المصدر الفريد للأقانيم الإلهية. يمكن الاعتراض بأن هذه الصيغة لانبثاق الروح القدس من الآب وحده لا تفسح المجال لأي علاقة تضاد بين الشخص الثاني والشخص الثالث من الثالوث القدوس. لكن مبدأ علاقات التضاد بالذات هو غير مقبول للاهوت الثالوثي الأرثوذكسي: لأن تعبير “علاقات المصدر” ذات معنى مختلف في اللاهوت الأرثوذكسي عنها بين المدافعين عن الانبثاق من الآب والابن.

عندما يقول اللاهوت الأرثوذكسي إن الانبثاق الأزلي للروح القدس من الآب هو متميّز بصورة غير موصوفة عن الولادة الأزلية للابن المولود من الآب، فإنه لا توجد محاولة لتأسيس علاقة تضاد بين الابن والروح القدس. ليس هذا فقط لأن الانبثاق هو غير موصوف (فالولادة أيضاً غير موصوفة)، بل أيضاً لأن علاقات المصدر في الثالوث –البنوة والانبثاق- لا يمكن أن تُعتبر كأساس للأقانيم، بحيث تقرّر تنوّعها المطلق. فالأقنوم يأتي أولاً ووجوديته (أونتولوجيته) مستقلة عن أية علاقة له (سواء علاقة مصدره أو سواها). عندما نقول بأن انبثاق الروح القدس هو علاقة تختلف بصورة مطلقة عن ولادة الابن، فإننا نشير إلى الاختلاف بينهما بالنسبة لنمط علاقة كل منهما مع ذلك المصدر الجامع (المشترك ألا وهو الآب) لكي نؤكد بأن جامعية (وحدة) المصدر لا تؤثّر بأي شكل من الأشكال على التنوع المطلق بين الابن والروح.

يمكن القول هنا بأن العلاقات بين أشخاص الثالوث تخدم فقط لتعبّر عن التنوّع الأقنومي لأشخاص الثالوث؛ فهي ليست أساس الثالوث. إن التنوع المطلق للأقانيم الثلاثة هو الذي يقرّر علاقاتهم المختلفة الواحد بالآخر، وليس العكس بالعكس. هنا من المستحيل أن نعرّف وجوداً شخصانياً في اختلافه المطلق الواحد عن الآخر، لهذا لا بد من تبني مقاربة سلبية (تنزيهية) لفهم سرّ الثالوث المجيد وللإعلان بأن الآب –الذي بدون بداية- هو ليس الابن أو الروح القدس، وبأن الابن المولود هو ليس الروح القدس ولا الآب، وبأن الروح القدس “المنبثق من الآب” هو ليس الآب ولا الابن[36]. هنا لا يمكننا أن نتكلم عن علاقات تضاد بل فقط عن علاقات تنوّع. عندما يعرّف اللاهوت الغربي الأقانيم الإلهية بعلاقات تضاد فيما بينها فإنه يتبنى المقاربة الإيجابية لسرّ الثالوث. هذه المقاربة تثبّط الصفة الطلقة للتنوّع الشخصاني للأقانيم وتجعل الثالوث نسبياً وبمعنى ما تنزع شخصانيته[37].

المقاربة الإيجابية التي تطرحها عقيدة “الانبثاق من الابن” تُدخل نوعاً من النسبية في عقيدة الثالوث، لأن هذه الطريقة تجعل التضاد الأساسي بين الجوهر والأقانيم أمراً نسبياً، لأن مفهوم الأقنوم صار مفهوماً نسبياً في هذه الطريقة. وكما ذكرنا في الحاشية السابقة، إن فهمنا لله بالطريقة الإيجابية هو فهم محدود جداً وتدخل فيه الملكات العقلية والمحاجّات الفلسفية. هذا ما حدث للاهوت الغربي عندما بدأ بالعقل (على الطريقة الأرسطوية) لفهم طبيعة إلهية مجرّدة، ومن ثم أضاف على هذه الطبيعة أقانيم إلهية عرّفهم بعلاقات مصدرها وبعلاقات التضاد فيما بنيها. هذه الطريقة تعطي المرء الانطباع بأن قمم اللاهوت قد هُجرت لكي تنزل إلى مستوى الفلسفة الدينية. من جهة أُخرى، إن المقاربة السلبية، والتي تضعنا وجهاً لوجه مع التضاد المبدئي للتطابق الملطق ومع التنوع المطلق في الله، لا تسعى أن تحجب هذا التضاد بل أن تعبر عنه بصورة أكثر ملائمة، بحيث يجعلنا سر الثالوث نتجاوز النمط الفلسفي للتفكير ويحرّرنا من محدوديتنا العقلية البشرية بتغيير وسائل فهمنا وباستلهام الوحي الإلهي بالروح القدس الذي يعلّمنا أسرار الله بمقدار ما نستطيع كبشر. فالإيمان في المقاربة الأولى (الإيجابية) هو الذي يطلب فهماً لكي ينقل الوحي إلى مستوى الفلسفة. أما في المقاربة الأخيرة (النزيهية أو السلبية) فإن الفهم هو الذي يطلب حقائق الإيمان، لكي يتقدّس بالصيرورة أكثر انفتاحاً على حقائق الوحي. هكذا، في صياغة عقيدة الثالوث، فإن الصفة التنزيهية (السلبية) للفكر الآبائي الأرثوذكسي كانت قادرة على حفظ المساواة العجيبة بين الأقانيم مع التمييز بين الطبيعة والأقانيم في الوقت نفسه. وبما أن عقيدة الثالوث هي حجر الزاوية في الفكر اللاهوتي كله وتنتمي إلى عالم يدعوه آباء تراثنا “اللاهوت Theologia” بالخاصة، فمن المفهوم بأن أي انحراف عن اللاهوت الثالوثي الشخصاني الأرثوذكسي يمثّل أهمية حاسمة. فالفرق بين مفهومي الثالوث بين الشرق والغرب يقرّر السمة الكاملة للفكر اللاهوتي في كلتا الجهتين وما ينجم عن ذلك الفرق من نتائج على مستوى الخلاص.

4- الروح القدس هو “رباط المحبة” بين الآب والابن:

بحسب أوغسطينوس وتوما الأكويني يُعرّف الروح القدس بأنه “المحبة المشتركة” بين الآب والابن، وهو رباط الوحدة بينهما. هذا التعليم يطابق أقنوم الروح القدس بالمحبة الإلهية. فالروح القدس هو المحبة.

Ma l'amore divino, secondo i Padri della Chiesa, sono forze divine increate condivise tra le tre ipostasi. Pertanto questo insegnamento è assolutamente respinto perché confonde l'ipostasi con l'amore, tra un'entità personale contenente una natura divina, e una potenza divina increata. Dire che lo Spirito Santo è amore significa trasformare l'ipostasi dello Spirito Santo in una forza attraverso la quale il Padre e il Figlio si amano. Ciò porta alla confusione assoluta tra le ipostasi della Santissima Trinità perché l'ipostasi dello Spirito Santo in essa non ha più un'esistenza personale indipendente, ma diventa piuttosto una forza impersonale condivisa tra il Padre e il Figlio.

Inoltre, trasformare lo Spirito Santo in mero amore tra il Padre e il Figlio rende lo Spirito la base della Trinità, mentre la base e l'origine della Trinità nella teologia patristica ortodossa è il Padre.

Alcuni potrebbero non vedere nulla di sbagliato nel dire che lo Spirito Santo è l’amore reciproco tra il Padre e il Figlio. La teologia ortodossa accetta questa affermazione solo se la alleghiamo all'affermazione che il Figlio è anche l'amore reciproco tra il Padre e lo Spirito Santo e che il Padre è l'amore reciproco tra il Figlio e lo Spirito Santo. L'amore divino, come abbiamo detto, è condiviso tra le tre ipostasi. Ma non è questo ciò che intendevano Agostino (o i suoi scritti) e Tommaso d’Aquino. Ecco perché la Chiesa ortodossa ha respinto questo insegnamento nel Concilio di Costantinopoli del 1722, che ha affermato esplicitamente che l'amore è condiviso tra le tre Persone della Santissima Trinità e che questo amore non è affatto una proprietà esclusiva dello Spirito Santo. Dice il Patriarca Gennadios Scholarios: “Dove è scritto chiaramente nelle divine Scritture che lo Spirito Santo è l’amore vicendevole tra il Padre e il Figlio? In quale tesoro è nascosta questa dottrina? Come sei riuscito a sfuggire al resto dei padri che però esaminano attentamente tutto?

Ogni nome diverso dal nome del Padre, del Figlio e dello Spirito Santo è inappropriato per descrivere le proprietà speciali delle Persone nell'esistenza dell'irraggiungibile Trinità, anche se quel nome è il Verbo o il Consolatore, e qualsiasi nome che non si riferisce all'aspetto esteriore di Dio, alla Sua apparizione o alla Sua amministrazione. La dottrina della Trinità è l'apice della teologia, dove i nostri pensieri restano silenziosi e immobili davanti al mistero primario dell'esistenza personale di Dio. Oltre ai nomi che si riferiscono alle tre Persone e alla natura onnicomprensiva della Trinità, gli innumerevoli altri nomi che usiamo per Dio (cioè i nomi divini) si riferiscono a Dio, non nella Sua entità irraggiungibile, ma piuttosto a “ciò che circonda l’essenza” secondo san Gregorio il Teologo, cioè a ciò che si può conoscere di Dio e riguardo a Dio.

Quindi: la dottrina della “procedura dal Figlio” non è un gioco di parole. Questa dottrina è un'aggiunta illegale al Credo niceno. Papa Giovanni VIII la condannò nell'anno 879. Questa dottrina mostra una visione diversa della Trinità e un approccio diverso ad essa rispetto ai Padri della Cappadocia, la cui teologia è all'origine dell'approvazione definitiva della Costituzione nell'anno 381.

Papa Giovanni Paolo II, in due occasioni, ha recitato il Credo senza “procedere dal Figlio”. Ciò non soddisfa le obiezioni degli ortodossi se la Chiesa cattolica accetta di eliminare “e dal Figlio” dal Credo niceno. La Chiesa cattolica ha dichiarato ufficialmente che l'emanazione del Figlio è una dottrina e non può essere semplicemente eliminata dalla Costituzione della fede come se non esistesse. La dottrina del “procedere dal Padre e dal Figlio” dovrebbe essere dichiarata eretica e formalmente ripudiata. Risolvere questo problema richiede vero pentimento ed espressione nella mente e nel cuore. Cristo appartiene alla Santissima Trinità, che è indivisibile e partecipa di un'unica essenza in ogni momento e nei secoli dei secoli. Amen.

 

Dott.. Adnan Trabelsi
Citato da: Mi hai chiesto e ti ho risposto, studi allegati
pp. 575-602
Prima edizione 2005


[1] Vedi la domanda 182 riguardante la grazia increata nel capitolo sei, e lo studio su questo argomento nella sezione Appendici.

[2] La semplice fede nel Padre, nel Figlio e nello Spirito Santo da sola non è sufficiente. I mormoni credono nel Padre, nel Figlio e nello Spirito Santo, ma in una forma blasfema e pagana, contaminata dall'errore del politeismo. I Testimoni di Geova usano la stessa formulazione, ma in un senso ebraico infedele.

[3] Vedi la domanda 182 nel capitolo sei sulla Grazia Divina, che è correlata all'Essenza Divina e ai Poteri Divini. Anche lo studio allegato su questo argomento.

[4] Origene è un platonico. Condannato dal V Concilio Ecumenico. Ma è un grande interprete. A parte le sue eresie, è bravo.

[5] Vedi Padre Espero Jabour, “Il segreto della gestione divina”.

[6] Paolo di Samosio usò la parola homoeosius. Tuttavia, i padri intendevano un altro significato. L’Occidente usava la parola Personne, che corrisponde al greco Prosopon, che non significa “ipostasi”. L'Occidente e l'Oriente arrivarono a comprenderne il contenuto, così i Cappadoci accettarono la sinonimia delle parole persona e ipostasi (Espiro Jabbour).

[7] Vedi Espero Djabour: “Il segreto della gestione divina” e “Dio nella teologia cristiana” e il Dr. Adnan Trabelsi: “La visione ortodossa dell’uomo”.

[8] Questa idea viene attribuita ad Agostino, e lui ne viene accusato, nella misura in cui si ritiene che Agostino credesse che gli antichi platonici avessero in qualche modo conosciuto la Trinità. Da qui l'origine del libro medievale “Il mito dell'angelo”, in cui un angelo (travestito da bambino) dice ad Agostino: “Ti è più facile fare questo (versare tutta l'acqua del mare in un buchetto) che esaurirti nel mistero profondo della Trinità con le sole risorse della mente umana”.

[9] Questo pensiero agostiniano è contrario alla teologia ortodossa e all'insegnamento dei Padri. La saggezza, la conoscenza, la bontà, la potenza di Dio, ecc., sono i Suoi poteri divini increati e non l'essenza divina. Naturalmente Agostino non distingueva tra essenza divina e poteri divini e, a causa sua (più o meno), la teologia occidentale ha rifiutato questa distinzione e l'ha preferita.

[10] Caratteristiche non essenziali.

[11] Fredrick Copleston, S.J., Storia della filosofia, vol. 2, Pt 1, Filosofia medievale: da Agostino a Bonaventura (Garden City, NY; Image Books, 1962) p, 87.

[12] Pelikan, Spirito, pag. 195. Il riferimento è ad Anselmo di Havellberg, Dialoghi a Costantinopoli con Niceta di Nicomedia, 2,10.

[13] Per una rassegna dello stato d'animo di Agostino tra la filosofia di Aristotele e il neoplatonismo nel suo libro La Trinità, e per una rassegna delle contraddizioni inerenti a quella miscela, vedere:

A. C. Lioyd, “Sul concetto di persona di Agostino” in Augustine: A Collection of Critical Essays, Ed. Di R. A. Markus (Garden City, NY: Achor Books, 1972), pp. 191-205.

[14] La ragione dell'errore di Agostino è la traduzione del Nuovo Testamento di Girolamo in Giovanni 15:26, dove Girolamo tradusse con una sola parola: emanare e inviare. In Romani 5:12, Girolamo commise un errore, quindi Agostino capì che gli esseri umani sono responsabili del peccato personale di Adamo. Oggi le traduzioni cattoliche sono diminuite. In francese BJ e tradotto da Dar Al-Mashreq. Romani 5:12 è diventato come l'Ortodossia. Nel loro commento a Giovanni 15,26 distinguono tra l'invio temporale nel giorno di Pentecoste e l'emanazione eterna. I tedeschi invasero la Francia, la Spagna e il Nord Africa e seguirono la dottrina ariana. Nell'859 si invoca in Spagna l'emanazione dello Spirito Santo dal Figlio, contro l'arianesimo, per elevare il livello del Figlio all'uguaglianza con il Padre. Nel 794 il Concilio Chalmaniano di Francoforte adottò l'eresia perché Carlo Magno voleva staccarsi da Costantinopoli.

Nel settimo Concilio i suoi capi, Tarasio e Giovanni, fecero appello esplicitamente contro l'emanazione dello Spirito dal Padre. Nell'809 al Concilio di Aix en Provence, in Francia, i monaci orientali si opposero. Si trasferirono a Roma e furono denunciati da papa Leone III. Era limitato ai tedeschi. Durante un periodo di tumulti in Italia, un membro del Senato incline ai tedeschi vinse il papato, così andò a ricevere il re tedesco vincitore. Questo re l'ha imposto a Roma a causa della disgrazia del Papa e del suo successore, suo fratello (vedi il mio articolo sulla rivista Al-Nour Al-Ghara 1974 sul famoso Dizionario di Teologia Cattolica). La sventura è tutta la sventura della razza germanica, che prima sprofondò nell'arianesimo, poi soffocò il cattolicesimo nello scisma, e poi lo afflisse con la divisione protestante.

Uno dei pericoli della questione è che il cattolicesimo ha trascurato lo Spirito Santo nelle sue preghiere e nella vita spirituale finché non è stato recentemente pubblicato un libro cattolico francese che dice: Il più grande assente in Occidente è lo Spirito Santo, e la sua attenzione all’unico Dio mi terrorizza. nonostante tutto il mio amore. Siamo innanzitutto trinitari, non limitati a soffocare l’unità come gli ebrei. (Espiro Jabour)

[15] La filosofia scolastica occidentale non dice che l'essenza esiste prima delle ipostasi. Per Dio l'essenza e le ipostasi sono eterne. Riguardo alla creazione si propone la priorità dell'essenza sull'esistenza o dell'esistenza sull'essenza. Nella loro ricerca i latini mettono l'accento sull'essenza invece che sulle ipostasi. (Espiro Jabour)

[16] Oratio XXXI (Thelogica V), 14, PG., XXXVI, 148D-149A

[17] Fede ortodossa 1:8, pp. 65-73, tradotto da Adrianos Shakur.

[18] Rendere cioè il Padre più grande del Figlio e dello Spirito è denigrare il Figlio e lo Spirito ed è quindi un insulto al Padre perché i tre sono persone uguali in tutto, salvo che ciascuno di essi ha la propria distinta ipostasi. proprietà.

[19] Nome da chiunque. Preferiamo questa traduzione della parola Monarchia, difficile da tradurre, che è composta da due radici “uno” e “origine”. Basilio Magno si concentrò molto su questo.

[20] Tommaso d'Aquino va oltre, dicendo: Le persone della Trinità sono relazioni: "Persona est relatio, I, qu. 40, a. 2".

[21] Paternità e non causa (del Padre), nascita e causa (del Figlio) ed emanazione e causa (dello Spirito Santo).

[22] Basilio diceva che Dio è uno perché l'essenza è una.

[23] Anche se nutro una grande ammirazione per il geniale studioso cattolico della Bibbia, Raymond Brown, e la mia grande ammirazione per la sua accuratezza biblica e obiettività (quando non si tratta degli insegnamenti dottrinali papali), non posso fare a meno di ammirare anche la sua lealtà agli insegnamenti cattolici papali. , anche se contraddicono la Bibbia (come l’emanazionismo, per esempio) o non hanno alcun supporto scritto (l’assunzione della Vergine al cielo senza la sua morte, l’Immacolata Concezione, il papato, ecc.). Quando impareranno gli ortodossi questa fedeltà assoluta agli insegnamenti della loro Chiesa e dei loro santi padri? Solo quando il vescovo ortodosso “pronuncia giustamente la parola della verità” e non la parola della menzogna! (P.T.)

[24] Adnan non ha guardato i volumi di padre De Règnon per vederlo presentare onestamente il punto di vista dei nostri padri. Non ha letto il libro contemporaneo di Monet, Personalismo francese, Le Personnalisme, p. 12 vederlo riconoscere che l'individualismo è ispirato dalla nostra eredità greca. Clemente ha dimostrato che Meunier è stato influenzato dal suo amico russo Berdyaev, con il quale ha collaborato alla rivista Esprit (Espiro Jabbour).

[25] De Trim, XV, 17,29

[26] Questo è ciò che dice la fonte e pensiamo che sia un errore di battitura. L'espressione corretta può essere “l'emanazione del Figlio” oppure “l'emanazione dello Spirito Santo”... e così via Collegamento Troverai una spiegazione più dettagliata sullo scrittore e sul libro... (Al-Shabaka)

[27] Questo aumento entrò prima in Spagna e poi si diffuse fino a raggiungere Roma, dove esso e il Papa furono gli ultimi a saperlo. Tuttavia, la sua accettazione nella Costituzione della Fede da parte della Santa Sede ne fa un insegnamento cattolico ufficiale che è stato approvato dal Papa di Roma e ne è quindi pienamente responsabile.

[28] Costituzione II: I. (1274) Secondo Concilio di Lione.

[29] Tra i tanti, Paolino d'Aquileia, Ratrammus e Pietro Danian sostengono che l'emanazione dello Spirito Santo provenisse dalla natura divina, non dall'ipostasi.

[30] Mistagogia, 8, pp. 62-63

[31] Mistagogia, 15, pp. 65

[32] Mistagogia, 37, p. 77

[33] Un famoso e contemporaneo storico della chiesa e professore alla Yale University negli Stati Uniti. Si è recentemente convertito all'Ortodossia.

[34] Pelikan, Corvo, pagina 21

[35] L'assoluta differenziazione (o diversità) di ciascuna ipostasi è l'identità dell'ipostasi e della personalità che non può essere sostituita o duplicata. Il concetto di ipostasi è diverso tra la teologia ortodossa e quella cattolica. Ecco perché troviamo una differenza nell’affrontare questo problema. L'ipostasi nella teologia ortodossa esiste in sé, è assoluta e tutto. Pertanto, l'ipostasi non può essere definita dalla sua fonte o dalla sua relazione con la fonte. Al contrario, è la sua identità personale che definisce il suo rapporto con le altre ipostasi. Questo è ciò che la teologia occidentale non può comprendere perché il suo concetto di ipostasi è diverso e relativo. Ecco perché le parole dell’Aquinate (la persona è la relazione) vengono ortodossalmente respinte.

[36] Dice san Gregorio il Teologo: "Non essere generato, essere generato ed essere emanato. Queste sono le caratteristiche che caratterizzano il Padre e il Figlio, che chiamiamo Spirito Santo, in modo da conservare la distinzione dei tre ipostasi in un'unica natura e lo splendore della divinità. Poiché il Figlio non è il Padre, perché il Padre è uno solo, ma è quello che è il Padre, lo Spirito è santificato, anche se emana da Dio, allora non è il Padre, perché c'è un solo Figlio generato, ma è ciò che è il Figlio. Il terzo è uno nella divinità, e il terzo è tre nelle persone. Evitiamo così l’unità di Sabellio e l’odiosa trilogia dell’eresia contemporanea”. O. 30, 9; PAG. 36 col. 141D-144A

[37] L'ipostasi non può essere definita perché è assoluta. Allo stesso modo, Dio non può essere definito perché è assoluto. La sua definizione positiva (buono, giusto, ecc.) è una definizione incompleta e relativa. La definizione negativa (negativa) di Dio è più perfetta (infinito, invisibile, ecc.). Lo stesso vale per la definizione di ipostasi. La definizione positiva di ipostasi la rende relativa, il che non è. Pertanto, la definizione positiva (come nella teologia occidentale) è una definizione errata. Il concetto di ipostasi non può essere limitato e definito dallo sviluppo del rapporto tra la sua fonte. Confinare l'assoluto in una bottiglia lo rende relativo. La definizione dichiarativa è più completa (come nella teologia ortodossa).

it_ITItalian
Torna in alto