☦︎
☦︎

القسم الأول، الله والإنسان

يقول أحد الكتّاب المسيحيّين: “لا أحد لا يحبّ الله إلاّ لأنّه يجهله”.

لا يوجد عقل بشريّ يستطيع إنكار وجود الله. إنّ حقيقة وجود الله هي بديهيّة لاشكّ Ùيها على مستوى المنطق. إن التشكيك بوجود الله هو مسألة لا منطقية. كون الإنسان يعر٠أنّه لاحقٌ ÙÙŠ الخليقة وليس سابقاً لها، هذا الأمر يجعله يعتر٠بأنّ للخليقة علّةَ وجود٠وليست هي الإنسان ذاته. الخليقة تبقى لكنّ الإنسان يأتي ويرحل. إذن هناك خالق غير الإنسان! وهذا ما يسمّيه الناس “الله”. لكنّ السؤال العميق هو ليس إذا ما كان الله موجوداً أم لا. وإنّما الأسئلة الحقيقيّة هي: من هو هذا الإله؟ ما هي ØµÙØ§ØªÙ‡ØŸ ما هي غاياته من خلقنا وخلق العالم؟ وهل بالنهاية هو يتدخل ÙÙŠ حياتنا، وهل يتدخل لصالحنا أم لصالحه؟ وأخيراً، هل هذا “الله” يستحقّ أن نحسب له حساباً ÙÙŠ حياتنا؟ هذه هي الأسئلة الجوهريّة التي تخصّ أهمّ موضوع ÙÙŠ حياة الناس، أي الله.

من هو الله؟ هناك إجابات عديدة جدّاً على هذا السؤال، منها المتقارب ومنها المتباعد. كلّ الأديان عبر التاريخ البشريّ هي محاولات بشريّة ÙÙŠ ØªÙØ³ÙŠØ± هذا السؤال: من هو الله؟ ÙÙŠ الوثنيّة، أعطت هذه المحاولات البشريّة كلّها لله ØµÙØªÙŽÙŠ Ø§Ù„ÙƒÙ…Ø§Ù„ والقوّة، وذلك كحاجة طبيعيّة أمام شعور الإنسان بنقصه وضعÙÙ‡. ÙØ§Ù„له Ùيه مالا نقدر عليه نحن البشر. إنّ إله الجمال يحمل مالا يستطيع الإنسان جمعه ÙÙŠ ذاته من جمال… وبالنهاية “الإله” ÙÙŠ الوثنيّة هو “الرجاء”ØŒ أي أنّ Ø§Ù„Ù…ÙØ«ÙÙ„ÙŽ البشريّة (منها الصالح ومنها غير الصالح) هي Ù…ÙØ«ÙÙ„ÙŒ موجودةٌ ويمكن تحقيقها، ولكن إن لم يكنْ ذلك عند البشر Ùهناك آلهةٌ لها تحملها ÙÙŠ كمالها. الله هو القويّ والكامل يلجأ إليه الإنسان، الذي يعر٠شوقاً لهذه Ø§Ù„ØµÙØ§Øª الإلهية ويعر٠بالوقت ذاته ÙØ´Ù„Ù‡ النسبي بذلك. ÙÙÙŠ الوثنيّة الله هو أشبه بÙكرة أو قدرة أو قوّة تضمن أنّ المثل البشريّة ممكنة ولو ÙÙŠ عالم الآلهة، وبالتالي أوّلاً يمكن السعي للتشبّه بها، وثانياً يمكننا الالتجاء إلى الآلهة لتساعدنا ÙÙŠ تحقيقها أو امتلاكها ولو جزئياً. لهذا كانت ذبائح Ø§Ù„ØºÙØ±Ø§Ù† والاسترضاء ÙÙŠ الوثنيّة هي العناصر الأساسيّة للعبادة.

إله الكتاب المقدّس يظهر بشكل مغاير، إنّه الإله “الشخص” وليس الÙكرة أو المثل. إنه الله الذي يأتي هو ويكش٠ذاته لنا وليس نحن Ù…ÙŽÙ† يخترعه بسبب من شعورنا بوجوده. إنّه “هو” يدخل إلى حياتنا ÙˆÙÙŠ لحظات وأشكال لا نعرÙها ولا ننتظرها أحياناً عديدة. هكذا تبدو قصة الإيمان الأولى مع أبي المؤمنين “إبراهيم”Ø› تبدو على أنّها تدخّل إلهيّ ÙÙŠ حياة إبراهيم بحيث يطلب الله٠إبراهيمَ قبل أن يطلبه إبراهيمÙ. ويأمر الله٠إبراهيمَ ويغيّر له حياته كلّها وكل مجراها، ÙØ¢Ù…Ù† إبراهيم بالله، أي آمن بطلباته ومواعيده وسار ÙÙŠ سبيل تحقيق وصايا الله. لا يبدو أبداً أنّ إبراهيم أعطى Ø£ÙˆØµØ§ÙØ§Ù‹ عن إله يؤمن بأنّه موجود. وإنّما العكس، يبدو أنّ الله كلّمه وسار به إلى أرض وحياة جديدتَين. إذا كان “الله” ÙÙŠ الوثنيّة هو اكتشاÙÙŒ أو “اختراعٌ” إنساني، ÙØ§Ù„له ÙÙŠ الكتاب المقدّس هو “كش٠الهي”. لذلك إذا كان الله ÙÙŠ الوثنيّة هو قوّة أو Ù…ÙØ«ÙÙ„ÙŒ نريدها نحن، أي أنّ الله هو “ما نرغبه نحن”ØŒ ÙØ¥Ù†Ù‘ إله الكتاب المقدّس “هو هو”. وقد جاء والعديد منّا ومن السابقين لم يقبلوه كما هو، لقد جاء ليس كما يرغبون “بل كما هو”. ÙØ¥Ø°Ø§ كان للآلهة ÙÙŠ الوثنيّة أسماء عديدة تعبّر عن المثل والقوى التي تنقصنا، ÙØ¥Ù† الله أعطى لموسى اسمه قائلاً أنا “هو الكائن”ØŒ أي لم يقبل أن يحمل اسماً من صنع البشر بل سعى ليكش٠حقيقته لنا كما هو ÙØ¹Ù„اً، وليس كما نتصوّر نحن كمالاته بسبب من ضعÙنا. ÙØ§Ù„إنسان منْ هو على صورة الله وشبهه وليس الله منْ هو على شبهنا ومثالنا.

إذن الله شخص وليس Ùكرة. ولهذه الحقيقة ÙÙŠ المسيحيّة نتائج وتوابع تتصل بحياتنا اليوميّة بعمق. ÙØ§Ù„له بالنسبة لنا ليس كما بالنسبة للأبيقوريين، الذين قالوا إنّ الله موجود لكنّه لا يريد شيئاً منّا وليست هناك حياة ثانية وبالتالي لا علاقة لوجودنا بوجوده ولا يهمّ إن كان موجوداً أو غير موجود. لذلك كانت عبارتهم الشهيرة: كلوا اشربوا اليوم نحيا غداً نموت.

إنّ وجود الله الشخص بالنسبة لنا هي مسألة لا تقبل “الحياد” ÙØ¥Ù…ّا الإيمان أو الإلحاد. إمّا أن نجيب على وجوده بالقبول أو أن نتحداّه. الله موجود يعني لنا أنه يسعى إلينا، ينادينا ويريد شيئاً منّا، وله غاية محدّدة من خلقه لنا. الله موجود هي مسألة ØªÙØ®Ø±Ø¬Ù†Ø§ من ستاتيكيّتنا، إنّها حقيقة تبدّل حياتنا وحياتنا كلّها ÙÙŠ ألوانها وغايتها. وهذا التبديل عميق جدّاً حتّى أنّ الله – كما يعبّر عنه بولس الرسول- يصير٠معنى حياتنا وسببَها وقوامَها، إذ يقول: “به نوجد ونحيا ونتحرّك”. الله موجود يعني ذلك حدثاً ÙÙŠ الحياة له من القوّة والأهميّة بحيث يصير الله محورَ حياتي، لا بل هو حركتها وموجّهها ووجهتها.

لكنّ هذه الكلمات بحدّ ذاتها قد لا ØªÙØ·Ù…ئن. Ùقد يكون هذا الحضور “المالئ الكلّ” مزعجاً ومربكاً للبعض! لكن يا ÙØ±Ø­ÙŠØŒ كما يقول القدّيسون، إنّ الله هنا ومعنا ولكن أيضاً “لأجلنا”. “لأجلنا” هي الكلمة التي نردّدها ÙÙŠ كلّ صلواتنا ونختم بها كلّ الطقوس. لقد ولد لأجلنا وتألّم كذلك وقام أيضاً. هذا الإله الذي يملأ محيطنا ويوّجه ويحرّك حياتنا يمتاز بأمرَين: الأمر الأوّل أنّه Ø¨ØµÙØ§ØªÙ‡ هذه لا يعني أبداً أنّه يلغي حريّتنا، والأمر الثاني أنّه الأكبر بمعنى الخادم وليس المتسلّط:”سادة الأمم يتسلّطون عليهم، ولكن لا يكنْ بينكم كذلك، بل الأكبر Ùيكم ليكنْ للكلّ خادماً”. إنّه “Ø§Ù„ÙØ§Ø¯ÙŠ” وليس “القاضي”. إنّ حضرة الله هذه ليست تدخّلاً سلبيّاً ÙÙŠ حياة الإنسان ولكنّها ÙØ±ØµØ© إيجابيّة، ليست ثقلاً بل تحرير، ليست حكماً بل سعادة.

أساءت كثيراً بعض٠الأديان والÙÙ„Ø³ÙØ§Øª إلى الله حين شيّعت عنه صورةَ القويّ العادل. وبالتالي بالمقابل، ÙŠÙ†ØµÙ‘ÙØ¨ ضعÙ٠الإنسان اللهَ Ù…ÙØ¬Ø§Ø²ÙŠØ§Ù‹ وديّاناً، وتصوّره لنا أخطاء٠الإنسان Ù…Ø¹Ø§Ù‚ÙØ¨Ø§Ù‹Ø› والله ليس كذلك. إنه من “حمل آلامنا وأخذ عنّا أوجاعنا، وبآلامه Ø´Ùينا”. ØµÙØ§Øª إله الكتاب أنّه: “الأب”ØŒ لذلك عندما سأل التلاميذ المعلّم قائلين علّمْنا أن نصلي، أجاب:”أبانا الذي ÙÙŠ السماوات…”ØŒ ولطالما قال: “لا أدعوكم بعد عبيداً… بل إخوةً”ØŒ أي أبناءً مثله، كما هو ابن لله الآب. وبولس الرسول أصلح الشائعات القديمة عن الله كقاض٠بشرحه المسهب عن لاهوت التبني، Ùنحن أبناء لا بل أكثر من ذلك، نحن “أعضاء جسده”! يرى بولس الكنيسة (نحن) جسماً رأسه يسوع، لذلك يتكلّم بولس عن Ø±ÙØ¹ العداوة القديمة، وعن المصالحة، وعن عهد جديد.

 Ù„يس أجمل من صورة الآب- Ø§Ù„ÙØ§Ø¯ÙŠ ÙˆØ§Ù„Ø®Ø§Ø¯Ù… ÙÙŠ ذهن البشر. ولكن حتّى هذه الصورة ليست كاÙية للكتاب المقدّس لوص٠الله؛ لذلك احتار اللسان البشريّ Ùلم يستطع أن يص٠الله بالنهاية إلا على لسان يوحنا الحبيب: “الله محبّة”. لو كان الله غير ذلك لكانت حياتنا جحيماً، لأنّ الله ÙÙŠ كلّ مكان، مالئ الكلّ. ولكن يا بشرانا “الله محبّة”ØŒ ليت الله يكون الكلّ ÙÙŠ الكلّ، والكلّ للكلّ! يا ليت هذه الأمنية المسيحيّة تتحقّق. هكذا نصلّي دائماً “ليأت٠ملكوتك، لتكنْ مشيئتك”ØŒ ولتصرْ الأرض كالسماء، لا يكون Ùيها إلا إرادتك كما ÙÙŠ السماء كذلك على الأرض. هذا هو Ø§Ù„ÙØ±Ø¯ÙˆØ³ مسيحيّاً، إنه الحضرة الإلهيّة بغياب ما هو سواها. الحضرة الإلهيّة هي السعادة، وكل ما نراه ÙÙŠ دنيانا عكس ذلك هو دخيل عليها بسبب من حريّتنا وجهلنا وضعÙنا، إنّه شغب (parasite) على الهرمونيّة الأصليّة، إنّه غريب عن الأصل الحقيقيّ. ما أبشع ذلك المشهد حين صار Ùيه الدخيل٠مسيطراً وصاحب٠الدار يعامَل كالغريب. ما أغرب ذلك الواقع الذي عاملْنا Ùيه الدخيلَ كالسيد والسيدَ نحّيناه جانباً كالغريب! ألم يقل الشيطان (وهو الغريب) ليسوع (وهو الخالق والسيد) اسجدْ لي ÙØ£Ø¹Ø·ÙŠÙƒ كلّ ممالك الأمم؟ لقد ظهر السارق سيدا،ً والسيد دخيلاً!

“الله محبّة”ØŒ هذا يعني أنّ ملكوت الله “سعادة”ØŒ وأنّ صلاتنا ليأت٠ملكوتك تعني ليذهبْ كلّ بغض وكل ألم، وكما يقول الأدب النسكيّ بجملة مختصرة: “ليذهب العالم (بصورته الحاليّة المشوّهة) وليأت٠ملكوتك (العالم بصورته المنتظرة)”. كي٠يأتي هذا الملكوت؟ وكي٠يتحقّق هذا Ø§Ù„Ù‡Ø¯ÙØŸ وكي٠تصل المسيحيّة بالعالم إلى غايته هذه الحقيقيّة؟ يوضح الكتاب المقدّس والتاريخ البشريّ أنّ المحاولة الإنسانيّة لم تكن دائماً صادقة، ولم تكن أيضاً على الدوام ناجحة! وما يوضحه الكتاب أيضاً أنّ الله لم يترك هذه التجارب تتوه، لذلك دخل هو إلى التاريخ بجانبنا، لا ليلغيَ إرادتنا لكنّه ليسندَ ضعÙنا ويحيطنا بوصاياه، ÙˆÙŠØ­ÙØ¸Ù†Ø§ مساهماً بشكل جذريّ ÙÙŠ إعانة خياراتنا، وتقوية إرادتنا الخيرة. “لم يأنÙÙ’” حتّى من حمل بشرتنا ÙÙŠ تجسّده، ليشاركنا طبيعتنا البشريّة، ليدخل ÙÙŠ النهاية إلى تاريخنا ويثبت طريقنا ÙÙŠ دروب السّلام “بعد أن ضللنا”. لقد شاء إلهنا حين عاديناه أن يحبّنا أكثر ويأتي إلينا. إله لا يجازي ضعÙنا وخطايانا، لا بل “حيثما تكثر الخطيئة تكثر النعمة” وحين نضلّ يأتي، وحين نعادي ÙŠÙØ¯ÙŠØŒ إنّه صاحب مبدأ “الابن الضالّ” Ùˆ”الخرو٠الشارد ÙÙŠ الجبال” Ùˆ”الراعي الصالح” الذي يبذل Ù†ÙØ³Ù‡ عن الخراÙ.

 Ø§Ù„كلمة الأولى بالأهميّة بعد “الله محبّة” هي “العناية الإلهيّة”. وهذا طبيعيّ لأن كلمة “الله محبّة” هي ÙØ¹Ù„ وليس مجرّد ØµÙØ© Ùقط جامدة ÙÙŠ الله، Ùمحبّة الله تعني على الÙور “عنايته”. حضرة الله جميلة، لذلك حين يبتغي الإنسان ÙÙŠ النسك “الصلاة الدائمة”ØŒ كما أوصى بولس الرسول “صلّوا بلا انقطاع”ØŒ يعني ذلك أنّ الإنسان يريد أن ÙŠØ³Ø§ÙØ± ÙÙŠ زمن حياته، ولكن بصحبة الله دائما،ً وبرÙقة هذا الأب والخادم. يا ÙØ±Ø­ÙŠ Ø§Ù„Ù„Ù‡ موجود! يا ÙØ±Ø­ÙŠ Ø§Ù„Ù„Ù‡ يعتني بنا! يا ÙØ±Ø­ÙŠ Ø§Ù„Ù„Ù‡ يسند ضعÙنا لكنّه لا يلغي حريّتنا! يا ÙØ±Ø­ÙŠ Ù‡Ø°Ù‡ هي مشيئته أن يعود الخاطئ ويحيا وليس أن يحاكمنا! يا ÙØ±Ø­ÙŠ Ø§Ù„Ù„Ù‡ يطلبنا حين نكون ضالّين ولا يتركنا! يا ÙØ±Ø­ÙŠ Ù„Ø³Ù†Ø§ وحدنا! يا ÙØ±Ø­ÙŠ Ø§Ù„Ù„Ù‡ معنا! هذه كلّها ÙØ±Ø­Ø© واحدة ومعنى واحد، إنّ الله موجود والله محبّة. الله معنا، وعمانوئيل اسمه.

آمين

Facebook
Twitter
Telegramma
WhatsApp
PDF
☦︎

informazioni Informazioni sulla pagina

Indirizzi L'articolo

contenuto Sezione

Tag Pagina

الأكثر قراءة

Torna in alto