يا لصلاح االله الذي لا يعبر عنه. إن االله لا يحبنا فقط بمحبته التي لا تحد بل يطلـب أيـضاً محبتنـا ويعتبرها جديرة بالتقدير ويفعل كل شيء لينالها. لماذا خلق السماء والأرض والشمس وكـل العـوالم المنظورة والجمال الذي لا يبارى في العالم غير المنظور بإشارة واحدة؟ لسبب بـسيط. لكـي نـرى وسط الخلائق حكمته الكلية فنحبه. يصير البشر أهلاً للمحبة عندما يظهرون صلاحاً وحكمة. تنـازل االله راضياً وصار إنساناً ليدلل لا عن محبته فقط بل لأنه يريد محبتنا. عمل كإله وإنسان واستعمل كل الطرق ليجذب إليه قلوبنا ويشعلها بنيران محبته الإلهية. ناموس االله ناموس صداقة ويعمـل ليجعلنـا أصدقاء شكورين. لذلك وجب أن يكون فكرنا في االله وهذا ليس بصعب. لا نحتاج إلى سكب العـرق ولا إلى تعب ولا إلى إنفاق المال ولا إلى المرور بخطر العار ولا إلى أي شيء يقود إلـى المـضرة. من الممكن أن نقوم بعملنا وان نفكر باالله. يمكن أن يقوم المرء بمهنته وان يحب االله في وقتٍ واحـد,، يستطيع القائد أن ينصرف إلى عمله دون أن يكون هناك يمنعه من التفكير باالله.
لكي يفكر الإنسان باالله لا يفرض أن يلتجئ إلى الصحراء، ولا أن يغّير غذاءه، ولا أن يستعمل ثيابـاً غير التي يستعملها، ولا أن يفرض علـى نفسه ناموس الحرمان فيؤثر في صحته ولا أن يقوم بأشياء اضطرارية. يستطيع أن يفكر باالله دون أن يخسر شيئاً، يستطيع ذلك في بيته. وعندما تفـرض محبـة االله التعب والكد فعلى الإنسان أن يتعب من أجل هذه المحبة. نحن بشر وقد أعطينا العقل لنفكر فلمـاذا لا نفكر دائماً بالأفضل أي باالله الذي أخذنا منه العقل؟ يفكر الكثيـرون بمـستقبلهم، يفكـرون بـالفن، بالثروة وبأمور جوهرية أخرى. فلنشغل عقلنا بأفكار صالحة فالنفس التي تهتم بالصلاح تحصن نفسها بسهولة ضد الشر وتحافظ على نقاوة وقداسة النعمة المعطاة لنا بالأسرار. والأفكار الـصالحة تمنـع دخول الأفكار الشريرة. ثم إن من يفكر بالصالحات فمن المسلم به انه لن يبقى في حالة من الفكر فقط بل يتعداها إلى العمل فيفعل الأفضل والأسمى في حياته وبالعكس فالشرور والأهواء تنمو بسهولة فـي نفس من تشغل عقله الخطيئة والشر.
إن الاهتمام بالأفكار الصالحة التي تدفع المسيحي إلى الحياة الروحية الفاضلة حري بكل تقدير. فالسيد الذي أظهر هذا القدر من الرحمة، وفعل كل شيء من أجل خلاصنا يغبط كل من يحيا حيـاة سـامية مرتبطة وثيقاً بالأفكار الصالحة. يغبط الفقراء بالروح والحزانى من أجل خطاياهم والودعاء والجيـاع والعطاش إلى البر والرحماء والأنقياء القلوب وصانعي السلام وكل الذين يـصيرون راغبـين فـي الاضطهادات من أجل المسيح والذين يهانون ويقرعون الأعـداء. كـل هـؤلاء سـيتمتعون بالحيـاة المغبوطة. فإذا كان بعث الإنسان الروحي الجديد يبتدئ بالأفكار السماوية المقدسة فالإكليـل الـذي لا يفنى يحاك في الوقت نفسه في السماء. إن الدرس العقلي للحقيقة سيكون الطريق الأمين والسلّم نحـو السماء، نحو الحياة الخالدة المغبوطة.
إن الدرس العقلي ضروري للتقدم الروحي. أولئك الذين يدرسون بعقولهم حياة الرب يحصلون علـى “المسكنة بالروح” على أن “لا يفكروا فوق ما ينبغي بـل يعقلـوا تعقـل الحكمـة” (روميـة 12: 3) يفكرون أن المسيح صار فقيراً من أجلنا. أخـذ صورة عبد وعاشر العبيد واتخذ جسداً وهـو الـسيد، وفضل الفقـر وهو الإله الذي لا حد له الواهب الخيرات الغنية واحتمل الإهانة وهـو ملـك المجـد، وطاف مقيداً وهو الذي حلّ عقالات الخطيئة واعتق الجنس البشري منها، وحـوكم مـن متجـاوزي الشريعة وهو واضع الشريعة ومتممها. لقد رأى من أعطاه الآب “كل سـلطة”(يوحنـا 5: 22)، رأى قضاة ظالمين وشعباً بكامله يثور حانقاً ضده ويصفح لسفاح ولص. فالمسيحي الذي يفكر بكـل هـذه الأمور لا يمكنه إلا وأن يحطم كبرياءه ويتضع. يفاخر المتكبر بما يقوم به لكنه عندما يفكـر ويـدري حياة المسيح وأعماله العظيمة فأنه يرى أن أعماله لا تساوي شيئاً ولا يمكن أن تكون مجـالاً للفخـار، يراها غير جديرة بتحريره من عبودية الخطيئة ويرى انه غير أهلٍ ليحافظ علـى الحريـة الروحيـة مستقلاً. إن المخلص قد اعتقنا من الخطيئة بدمه الكريم ووهب لنا هدية الحرية الكبرى.