ينسب التاريخ الإسلاميّ إلى الخليفة عمر بن الخطّاب مسألة حظر تسمّي المسيحيّين بأسماء المسلمين أو التكنّي بكناهم، فنجد العينيّ، أحد مؤرّخي الإسلام يقول: “سنة 754 (1353م) رسم السلطان أن تقرّ أهل الذمّة على ما أقرّهم أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب من ترك تشبّههم بالمسلمين والتسمية بأسمائهم”. ولكنّ واقع الحال يدلّ على أن هذا الحظر قد فُرض بعد وقت طويل من عهد عمر، ولا علاقة لعمر بهذا، لا من قريب ولا من بعيد، ذلك أنّ استمرار المسيحيّين بالتسمّي بالأسماء ذاتها التي يطلقها المسلمون على أولادهم تجعلنا نقول إنّ هذا الحظر فرض نفسه في مرحلة متأخرّة، أي بعد حوالى عشرة قرون من حكم الإسلام.
شهدت الخلافة العبّاسيّة الكثير من المسيحيّين الذين عملوا في بلاط الخلفاء وكانت أسماؤهم لا تختلف عن أسماء المسلمين، مثل الحسين بن عمرو كاتب الخليفة المقتفي وعليّ بن الراهبة طبيبه، وعليّ بن إبراهيم بختيشوع (ابن العائلة المسيحيّة المرموقة التي اشتهرت بأطبّائها)، وعليّ بن سوار الذي بنى قبّة كنيسة القيامة بعد أن خرّبها المسلمون وأحرقوا أبوابها، وعثمان بن سعيد النسطوريّ صاحب بيت المال (ما يوازي اليوم وزير الماليّة)، واشتهر من الروم الأرثوذكس أبو الحسن سهلان بن عثمان بن كيسان الطبيب المصريّ، وسليمان بن الحسن أسقف غزّة، ومن النساء اشتهرت الشاعرة زينب بنت إسحق الراسينيّ. وقد تسمّى المسيحيّون أيضاً باسم أحمد ومحمود، ومنهم ماجد بن أحمد فخر الدين القبطيّ المعروف بابن زنبور (+1386م).
الظاهرة عينها نجدها في الأندلس (إسبانيا الحاليّة)، إذ يرد في لائحة أساقفة قرطبة اسم ربيع بن زيد، واشتهر وليد بن خيرون قاضي النصارى في قرطبة وعبيدالله بن قاسم مطران طُليطلة، وأيضاً سعيد المطران وهو نفسه خوان الإشبيليّ الذي ألّف تفسيراً بالعربيّة على التوراة وترجم الإنجيل إلى العربيّة. ومنهم مَن اتّخذ اسمين كسعيد المطران وخالد بن سليمان (المعروف بدومينغو بن سليمان) وصالح بن عمر (خوان بن عمر) وابن العزيز الحماميّ (كليمنص فيليوس يوانّس).
واتّخذ المسيحيّون الكنى (جمع كنية وهي للتعظيم كأن يقال أبو فلان) الإسلاميّة. وممَّن اشتهر بها أبو عليّ بن المسيحيّ رئيس الطبّ في بغداد، وأبو عليّ الحسن بن إبراهيم الشيرازيّ خازن الخليفة معزّ الدولة، وأبو الحسن المختار بن الحسن بن بطلان الطبيب، وأبو الحسن سعيد بن سنجلا كاتب الخليفة الراضي بالله، وأبو الحسين بن إبرهيم التستريّ الكاتب، وأبو عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقيّ الطبيب، وأبو الفضل بن داود الكاتب. ولم يقتصر هذا الصنف من الكنى على العلمانيّين، بل تكنّى بعض رجال الدين المسيحيّين من مختلف المراتب بالأسماء المشهورة بأنّها إسلاميّة، مثل الأرشيدياكن أبي الحسن هبة الله النسطوريّ، والشمّاس أبي الفتح بن زطينا النسطوريّ، والقسّ شمس الرئاسة أبي البركات بن كبر القبطيّ، والشمّاس الأرثوذكسيّ أبي الفتح عبدالله بن الفضل بن المطران، والمطران أبي الحسن اليعقوبيّ، و”الحبر الفاضل البارّ مار أبو عليّ سهل مولى قيس”.
كما اتّخذ المسيحيّون، كالمسلمين، ألقاباً مضافة إلى لفظ “الدين”، مثل جمال الدين علي بن أثردي النسطوريّ، وتاج الدين ماري بن صاعد توما، والشيخ موفّق الدين يعقوب بن إسحق الطبيب الأرثوذكسيّ (من الكرك في العراق)، وزملائه الأطباء الأرثوذكس علم الدين أبو النصر جرجس بن حُليقة، ومهذّب الدين أبو سعيد بن داود بن أبي المنى، ورشيد الدين أبو الوحش بن أبي حُليقة، وغيرهم. وقال القلقشنديّ، وهو من مؤرّخي الإسلام: “وللقبط ألقاب تخصّهم فيقولون في عبدالله “شمس الدين” وفي عبد الرزّاق “تاج الدين” وربّما قالوا “سعد الدين” وفي إبرهيم “علم الدين” وفي وهبه “تقي الدين”ونحو ذلك”. ومن غرائب الأسماء يرد اسم تاج الدولة سيف الإسلام بهرام الأرمنيّ وزير الخليفة الحافظ لدين الله. ومن ألقاب النصارى ما يضاف إليه لفظ “الملك” كالشيخ مصطفى الملك يعقوب بن جرجس الطبيب. وعلى هذا المنوال ما أضيف إلى ألفاظ “الخلافة” و”الإمام” و”الرئاسة” و”الرؤساء” كالقسّ شمس الرئاسة…
طبعاً، انتفض البعض ضدّ هذا النمط من الأسماء، فصموئيل رئيس دير القلمون (في مصر) الذي أدرك فتح المسلمين لبلاده انتقد أبناء دينه الذين يتشبّهون بالهَجَرة (نسبة إلى هاجَر امرأة إسماعيل) ويسمّون أولادهم بأسمائهم ويتركون أسماء الملائكة والأنبياء والرسل والشهداء”. ولكن ما نشاهده اليوم من انتشار أسماء غير مسيحيّة وغير عربيّة تُلفظ بلكنات أميركيّة وأوروبيّة بعيدة عن تراثنا وتاريخنا، وبعضها الآخر له دلالات وثنيّة مستمدّة من أسماء الآلهة اليونانيّة واللاتينيّة والبوذيّة والهندوسيّة وغيرها، يجعلنا بلا هويّة ولا تراث. أسماؤنا الكنسيّة والعربيّة تحمل معاني تصبغ حاملها وتساهم في تكوينه الفكريّ والإنسانيّ وتجعله في قلب هواجس كنيسته المجاهدة ووطنه. فلمَ البحث خارج هذا الإطار عن أسماء لأولادنا؟
Из моего приходского вестника 2001 г.