☦︎
☦︎

المعمودية ولادة من نوع آخر. المسيح يلدنا ونحن الذين ولدنا. فمن يلد يعطي الحياة لمن ولده. واليـك ما يثير العجب لا يقوم فقط المعمدون بل الذين لم يتمكنوا أن يستعدوا للحياة الخالـدة بقـوة الأسـرار يقومون في الحياة الأخرى بأجسادهم غير الفانية. من العجيب أن يشترك في القيامة التي حملها مـوت المخلص إلى العالم الذين لم يقبلوا سر المعمودية التي بها نشترك بموته المحيي. إذا كانوا قـد هربـوا من الطبيب ورفضوا مساعدته وامتنعوا عـن الدواء الوحيد فما هو سبب خلودهم يا ترى؟ أعتقـد إن هناك اعتبارين، إما إن يتمتع الجميع بالتساوي بالخيرات التي أعطاها المسيح للبـشر بموتـه فنقـوم ونحيا ونملك معه ونحوز على الغبطة، هذا إذا كان لا يطلب منّا شيئاً، وإما لا يقوم إلاّ الذين يؤمنـون بالمخلص على أساس أن القيامة تفرض علينا مساهمة شخصية.

إليك الجواب. إن القيامة هي ترميم الطبيعة. إنها موهبة مجانية من االله، وكما أنه خلقنا بدون إرادتنـا فيقيمنا بدون مساهمتنا. أما ذلك الملكوت، إما رؤية االله وأن نكون مع المسيح، هذه المتعة للنفس للـذين يحبونه ويشتاقونه، فاالله يحتفظ بها للذين أرادوه واشتاقوه. أما الذين لم يشتاقوه ولـم يريـدوه فكيـف يمكنهم أن يروه أو يتحدوا به ويتمتعوا بجماله كما يقول السـيد: “لا يستطيع العالم أن يتلقـاه لأنـه لا يراه ولا يعرفه” (يوحنا 14: 17). في الواقع لقد ذهبوا إلى الحياة الأخرى عميـان النظـر والـروح محرومين مـن معرفة المخلص ومحبته ومن إرادة وقدرة الاتحاد به، فلا نعجبن إذا كان الكل خالدين وإذا كـان الكـل لا يتمتعون بالغبطة. الجميع يتمتعون بطبيعة العناية الإلهية ولكن المكافـأة لا تمـنح إلا للمؤمنين خدام االله، والسبب هو أن االله يريد خلاص الجميع ويتمنى الخيـر للكـل ويعطـي الكـل بالسواء ما يقوي الإرادة ويقوم الطبيعة ولا مجال لرفض خيرات االله التي يمنحها لنا ونقبلهـا بـالرغم عنا. أن االله يفعل الخير قسراً عنا مدفوعـاً بكثرة رحمته ويضغط برحمته الحنونـة علينـا حتـى لا نستطيع ولو أردنا أن نرفض خيراته. هذا ينطبق على ما تتميز به القيامة. ليس في استطاعتنا أن نولد وألا نولد، أن نقوم وألا نقوم بعد الموت. أما ما يتعلق بما هو ضمن الإرادة فمن المعروف أن اختيـار الصالح ومغفرة الخطايا واستقامة العادات ونقـاوة الروح والغبطة فهي مكافـأة لـلإرادة وبـالإرادة يتعلق تحقيق هذه الفضائل أو بعض أقسامها. المكافأة على قدر العمل. أما إذا كنا لا نريد، إذا كنـا لا نقبل بإرادتنا أية إيحاءات فهل نستطيع أن نطالب بالمكافأة.

أما الجواب الثاني أن المخلص بحد ذاته وبصيرورته بكر الخليقة بين الأموات اقتلع الطبيعة من الفساد، وبدخوله إلى قدس الأقداس كسابق لنا حرر النفس من الخطيئة بعد أن قضى عليها وصالح الإنسان مع االله وهدم الحائط الفاصل وقدس ذاته من أجلنا حتى نكون مقدسين فعلاً فمن الواضح إذا أن الذين يشتركون بطبيعته وإرادته هم الذين يخلّصون من الخطيئة والفساد كأناس اشتركوا بطبيعته وإرادته وأطاعوا أوامره بإرادتهم لما يريده. الجواب الأول ينطبق على غير المعمدين. الواقع أن الطبيعة البشرية واحدة عند المعمدين وغير المعمدين، وهذا لا يقال عن رجاء الخلاص بالمخلص ولا عن وحدة القلب والروح معه. وبالنتيجة يحرم غير المعمدين من مغفرة الخطايا ومن إكليل البر لأنهم بإرادتهم ابتعدوا عن المسيح، ولا تتعارض مع هذا قيامة هؤلاء بالجسد لأنهم يملكون طبيعة تشترك بطبيعة المسيح البشرية عدا حرماتهم من الحياة المغبوطة كما قيل. المعمودية بالفعل لا تهب غير الحياة السعيدة لا الحياة الحاضرة، وموت المسيح وقيامته لم يهبانا غير الحياة الخالدة لذلك تمنح القيامة الموهبة المجانية لكل البشر أما مغفرة الخطايا، الإكليل السماوي والملكوت، فهي من حق الذين يساهمون من هنا ويمتثلون لمتطلبات هذه الحياة، لمتطلبات الختن السماوي، من حق الذين يولدون من جديد، من أجل آدم الجديد والذين يشعون النعمة، بالشعاع الذي نشرته المعمودية فيهم، لأن المسيح “هو أجمل مواليد البشر” (مزمور :44 3)، أولئك الذين يرفعون جباههم عالية كظافرين في الألعاب الاولمبية لأن المسيح هو الإكليل ويصيحون بأسماعهم لأنه هو الكلمة، ويحدقون بأبصارهم إلى العلو لأنه الشمس، ويتنفسون لأنه الأريج” أريج متضوع” (نشيد:1 3)، ويلبسون لباساً بدون دنس بسبب أعراس هذا الختن.

من هذا البحث ننساق إلى بحث آخر لا نستطيع أن نمر به مروراً عابراً. إذا كان قبول المعمودية يتطلب منا بالفعل أن نريد وأن نؤمن بهذا السر لنحصل على النعم، وإذا كان إهمال هذا الواجب المثلث واجب المعمودية وواجب الإرادة للمعمودية وواجب الإيمان بها يعني الحرمان من الغبطة فما هو وضع المؤمن الذي تنكر للمعمودية بعد قبوله لها؟ تنكر لإيمانه الأول ونكر المسيح ثم عاد بالتوبة إلى الكنيسة.

من الطبيعي أن نقودهم إلى مجاري المعمودية، أن نجدد معموديتهم كأرواح مجردة من كل شيء أما الكنيسة فتطلب مسحهم تدبيراً بالزيت ولا تطلب أكثر من ذلك ثم تقبلهم في إعداد المؤمنين. ماذا يمكننا أن نستنتج من ذلك؟ أيستنتج غير الشرطين للدخول في علاقة مع االله؟ أن الشر يحقق هذين الشرطين. الجاحدين يخسرون الشرط الواحد، معرفة استعمال البصر، رؤية النور، ويحتفظون بالَشرط الآخر، إمكانية قابلية النظر والسبب هو أن استعمال العضو اختياري. يعود إلينا أمر التفتيش عن الشمس وأطباق عيوننا عن النور. أما أن نقلع هذه ونقضي على هذا العضو نهائياً، فهذا ليس من صلاحيتنا إطلاقاً.إذا كنا لا نستطيع أن نحذف عضواً من الأعضاء التي منحتنا إياه الطبيعة فإننا لا نستطيع على الأقل أن نفعل ذلك بالعضو الذي أعطانا إياه االله بذاته عندما خلقنا. وبما أن االله خلق قوة التفكير فينا وكل الأفكار الناتجة عن طبيعتنا الروحية، لا فرق إن سميت قوى روحية أو أي شيء تتأثر به النفس ويدفعها إلى المعمودية لينقيها فتنقاد إلى االله دون ضغط، ولا شيء يضغط على الإرادة البشرية حتى ولا االله، واالله لا يسحب مواهبه ” فلا رجعة في هبات االله ودعوته” (رومية 11: 29). ويريد خيرنا ككلي الصلاح، وصلاحه لا نهاية له، ويهبنا خيراته بدون أن يسلب إرادتنا حرية الحق في العمل. هذا فعل المعمودية وخيراتها.

إن فضيلة المعمودية لا تضغط على الإرادة ولا تستعبدها بل تكتفي بدورها كفضيلة ولا تمنع قـط أن يبقى الذين هم تحت تأثيرها أشراراً. العين الصحيحة تبقى في حالة النظر حتى ولو كانت بين أطبـاق الظلمات كذلك الشاهد المؤمن الذي يترك نفسه بين أيدي الكفر والغواية بعد إقتبالـه لـسر المعموديـة والنعم الإلهية. لذلك لا يعيد الكاهن معمودية الذين لا يحتاجون على أساس أنهم لم يطرحوا كل القـوى التي قبلوها بالخليقة الثانية. يلجأ الكاهن إلى مسحة بسيطة لينقل إلـيهم نعمـة الطاعـة وخـوف االله والمحبة التي تعيد إليهم أماناتهم السابقة. يكفي ما ذكرناه حول هذا الموضوع.

Facebook
Twitter
Telegramm
WhatsApp
PDF
☦︎

Information Über die Seite

Adressen Der Artikel

Inhalt Abschnitt

Schlagworte Seite

الأكثر قراءة

Nach oben scrollen