Ein Blick auf die Lehre der katholischen Kirche

– 1 –
تعليم الكنيسة الكاثوليكية عن سر الثالوث الأقدس

1. العهد القديم والظهورات الإلهية:

الكنيسة الكاثوليكية ترفض أو على الأقل تخفف حقيقة الظهورات الثالوثية في العهد القديم. ولا شك بأن أصول هذا الموقف ترجع إلى آراء المغبوط أوغسطين والمدرسيين (سكولاستيكيين) الذين كانوا يسلّمون بأن ملاك يهوه في ظهورات الله في العهد القديم ما هو إلا ملاك مخلوق استخدمه الكلمة الإلهي. بالرغم من إقرارهم أن الآباء رأوا فيه الكلمة الإلهي ذاته، استناداً، بصورة خاصة إلى ما جاء في (أشعياء9: 6) “ملاك الرأي العظيم أو المشورة العظيمة μεγάλης βουλής Άγγελος ” الترجمة السبعينية (LXX) أو النص العبراني “عجيباً مشيراً” قارن مع (قضاة13: 18-33 وفي ملاخي3: 1) “ملاك العهد”.

2. صدور الروح القدس بطريقة الانبثاق من الآب والابن:

تتهم الكنيسة الغربية الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية بأنها تعلّم منذ القرن التاسع أن الروح القدس ينبثق من الآب وحده. وقد التأم مجمع في القسطنطينية (876) برئاسة بطريركها فوتيوس ورفض كلمة “والابن” التي عند اللاتين على أنها بدعة، على الرغم من اعتراف الكتب العقائدية الكاثوليكية بأن كلمة “والابن” المضافة إلى قانون نيقية-القسطنطينية قد وردت لأول مر في مجمع طليطلة (توليدو) الثالث (589).

وتدعم الكنيسة الكاثوليكية إيمانها بالفيليوكفي بالبراهين التالية (كتاب مختصر علم اللاهوت العقائدي “ترجمة المارديني”):

  1. الروح القدس ليس فقط، حسب تعليم الكتاب المقدس، روح الآب (متى10: 20) (يوحنا 15: 26) (1كور2: 11) بل أيضاً روح الابن (غلاطية 4: 6) وروح المسيح (رو8: 9) وروح يسوع (أع 16:7) وروح يسوع المسيح (فيليبي1: 11).
  2. أُرسل الروح القدس ليس فقط من قِبَل الآب بل أيضاً من قِبَل الابن (يوحنا15: 26) (يوحنا 16: 7) (لوقا 24: 49) (يوحنا 20: 22) فالإرسال إلى الخارج هو بنوع ما مواصلة الصدور الأزلي في الزمن. ومن هذا الإرسال نستطيع أن نستدل على الصدور الأزلي.
  3. الروح القدس يأخذ علمه من الابن (يوحنا 16: 13-14) “يتكلم بكل ما يسمع هو يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم”. ولا يمكن التكلم عن شخص إلهي أنه تعلّم وأخذ إلا بمعنى أنه أخذ العلم الإلهي. وبالتالي الجوهر الإلهي وهما في الله واحد منذ الأزل، في شخص إلهي أخر أشركه في جوهره.
    ولما كان الروح القدس يأخذ علمه من الابن وجب أن يصدر من الابن كما أنّ الابن يأخذ علمه من الآب (يوحنا8: 26) ويصدر من الآب.
  4. الروح القدس ينبثق من الآب والابن كمن مبدأ أوحد وبنفخ أوحد. هذا ما نستخلصه من (يوحنا16: 15) “جميع ما للآب هو لي” ولما كان الابن بسبب ولادته الأزلية يملك كل ما يملكه الآب إلا الأبوة وعدم الصدور. إذ لا يمكنه أن يشرك بهما غيره، وجب أن يملك الابن أيضاً القدرة على نفخ الروح وبالتالي على أن يكون له مع الروح القدس صلة الأصل والمصدر
  5. تستشهد كتب العقائد الكاثوليكية بأقوال بعض الآباء الغربيين والشرقيين لتؤكد على قبولهم لفكرة صدور الروح القدس من الآب والابن أو من الآب بواسطة الابن.

3. صدور الروح القدس من إرادة الآب والابن:

تشرح كتبت التعليم الغربية قضية صدور الابن من الآب والروح القدس من الآب والابن بطريقة نظرية. فتعلن أن الابن بسبب كونه كلمة فهو يصدر عن عقل الآب أو أنه يجب أن ولادة الابن من الآب على أنها ولادة محض عقلية أو على أنها فعل معرفة في حين تقول عن الروح القدس أنه يصدر عن إرادة الآب والابن أو عن محبتهما المتبادلة. وتستدل على ذلك من اسم الروح القدس نفسه فهو (الروح-الريح-نسمة-زفرة-مبدأ حياة-نفس) يدل على مبدأ حركة ونشاط وعلى صلة بالإرادة. والنعت (القدس) يدل أيضاً على الصدور والإرادة. لأن القداسة إنما تكون في الإرادة والكتاب والتقليد ينسبان إلى الروح القدس أفعال المحبة وإنما نسبت أفعل المحبة إلى الروح لأنها من خواصه الشخصية وتدل على أصله. ينتج من ذلك أن الروح يصدر عن فعل محبة.

وموضوع الإرادة الإلهية التي بها الآب والابن يصدران الروح القدس هو:

  • أولاً ما يريده الله ويحبّه بالضرورة: الذات الإلهية والأقانيم الإلهية.
  • ثانياًما يريده الله ويحبّه مختاراً: الأشياء المخلوقة، وعلى رأي بعض اللاهوتيين الأشياء الممكنة أيضاً.

وهنا لا بد أن نشير ولو بسرعة إلى النقطة الثالثة والأخيرة وهي صدور الروح القدس من إرادة الآب والابن، فنلاحظ بحسب تعليم الآباء خصوصاً الشرقيين منهم، أن صدور الروح القدس عن الآب هو كصدور الابن من الآب، أي بحسب الطبيعة، وليس بحسب إرادته، ولكن بالطبع ليس ضد هذه الإرادة، وبالنتيجة فلا يصدر إذاً عن إرادة الآب والابن أو عن محبتهما المتبادلة وكأنه أحد الخلائق أو فعل ما من أفعالهما، بل هو واحد في الجوهر معهما.

– 2 –
الموقف الأرثوذكسي من قضية انبثاق الروح القدس من الآب والابن

ختاماً لهذا البحث (سر الثالوث) لا بد من إظهار رأي الكنيسة الأرثوذكسية فيما يتعلق بالنقاط الخاصة التي وردت عن تعليم الكنيسة الكاثوليكية في سر الثالوث الأقدس، مكتفين بالإجابة على النقطيتين الأخيرتين (2/3) فبالنسبة للنقطة الثانية، أي قضية صدور الروح بالانبثاق من الآب والابن، فمن المعروف أنها كانت موضوع الخلاف الرئيسي بين الكنيستين الغربية والشرقية. لدرجة أنها أصبحت أهم العوامل التي باعدت بينهما وأدّت إلى انشقاقهما النهائي سنة 1054. ومن المؤكد تاريخياً أن الكنيسة الأرثوذكسية لم تعلّم منذ القرن التاسع فقط أن الروح القدس ينبثق من الآب وحده، بل هذا كان تعليمها منذ البدء. والذي تسلمته منذ القرن الأول من الرب يسوع نفسه، الذي علّم “ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي” (يوحنا15: 26). وبديهي أن السيّد لا يتلكم هنا بطريقة عامة تحتمل التأويل. بل هو يحدد بوضوح وبالتخصيص أن الإرسال في الزمن هو من الآب والابن، أو من الآب بواسطة الابن (أنظر لو 24: 49). في حين أن الانبثاق هو من الآب وحده. ولو كان الروح القدس ينبثق فعلاً من الآب والابن لكان الربّ يسوع قد ذكر كما فعل بالنسبة للإرسال ولكان من الطبيعي أن يقول: “ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عندنا ينبثق أو من عند الآب وعندي ينبثق”. ولو كانت الكنيسة الشرقية هي التي علّمت منذ القرن التاسع أن الروح القدس ينبثق من الآب وحده كما تدّعي الكتب الكاثوليكية لكانت هي التي حذفت من دستور إيمان الكنيسة الجامعة كلمة “والابن”، وليست الكنيسة الغربية هي التي أضافتها على هذا الدستور سنة 1014 بعد أخذ ورد طويلين وبضغط من الملوك الإفرنج والتوتونيين (الجرمانيين).

ولا يخفى تاريخياً على أحد الآن معارضة البابوات الطويلة لهذه الإضافة منذ القرن السادس، وحكاية البابا لاون الثالث الذي أمر بنقش دستور الإيمان الأصلي بدون إضافة “والابن” على لوحين من الفضة وتعليقهما على باب كنيسة القديس بطرس “من أجل الحفاظ على الإيمان الأرثوذكسي” صار معترفاً بها حتى من الكاثوليك أنفسهم.

وفيما يتعلّق بدعم الكنيسة الكاثوليكية لإيمانها “بالفليوكية” أو بإضافة “والابن” بآيات من الكتاب المقدس نجيب على الفقرات التي وردت بما يلي:

  1. لقد سمّي الروح القدس مرّة واحدة في الكتاب روح الابن: “ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً أيها الآب” (غلاطية 4: 6). وذلك انسجاماً مع فكرة البنوة لله بالمسيح والتي تسيطر على المقطع الذي أُخذت منه هذه الآية بأكمله.

يستنتج الكاثوليك بأنه كما سمّي الروح القدس بروح الآب (متى10: 20) لأنه ينبثق من الآب، كذلك سمّي هنا بروح الابن لأنه ينبثق من الابن، والواقع أن الروح القدس سمّي بروح الآب، ليس فقط لأنه ينبثق من الآب بل ولأنه واحد في الجوهر معه. ولهذا ليس من الضروري أن يُدعى الروح القدس “روح الابن” لأنه ينبثق منه كأقنوم بل لأنه واحد في الجوهر معه، وباقٍ في شركة كلّية ودائمة معه، ولأنه بالضبط يأخذ مما له ويخبركم (يوحنا16: 13-14) أي هنا يأخذ من واقع بنوته الحقيقية للآب ليجعل المفتدين متبنين له، وصارخين معه وفيه”يا أيها الآب” لا بل إن الرسول بولس في تأكيده على هذه الفكرة يذهب أبعد من ذلك فيسمّي الروح ذاته روح التبني: “إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أيها الآب” (رو8: 15)، فهل الروح منبثق من التبني أيضاً؟

أما من جهة تسمية الروح بروح المسيح أو روح يسوع أو روح يسوع المسيح، فواضح أيضاً من سياق النصوص المذكورة أن المقصود لا الإشارة إلى انبثاق الروح من الابن بل التشديد على مشاركة الرب يسوع المسيح الخاصة في عمل الروح المشار إليه، وذلك نظراً لوحدانية أفعال الثالوث الإلهية أي لاشتراك الأقانيم الثلاثة في العمل الواحد.

فمثلاً تعبير “ورح المسيح” الوارد في (رو8: 9) إنما يشير إلى حالة النعمة التي يعيشها المؤمن الذي لبس المسيح (غلاطية3: 27).

وفي الواقع فإن الآباء يفسّرون عامة تسمية الروح بروح الابن أو بروح المسيح إما بسبب تماثل أو وحدة الجوهر بين الروح والابن وبالتالي وحدة أفعالهما الإلهية. أو بسبب إرسال الروح القدس من الابن وليس انبثاقه منه. لأن الانبثاق هو صفة أقنومية تميّز الروح القدس. والبثق هو صفة أقنومية تميّز الآب. والآباء ينهون بصورة جازمة عن تعميم الصفات الأقنومية التي بحسب إجماعهم غير قابلة للاشتراك والتعميم (ακοινώτητα ακίνητα) إذ بها تقوم خصوصية وتميّز الأقانيم في الثالوث.

القديس باسيليوس بعد أن يؤكد على الخواص الأقنومية لكل من الآب والابن والروح القدس، وبأنه بها تتميز أقنوميتهم، يضيف، من أجل هذا لا نقول: “الروح من الابن بل نسمّي روح الابن، ونعترف أنه بالابن ظهر وأُعطي لنا”

هذه الملاحظة ذاتها تظهر عند القديس كيرلس الإسكندري لأنه “إذا كان الروح القدس يصدر من الآب لكنه من الابن يأتي وهو خاصته”. حتى أن القديس أثناثيوس الكبير يدعو مسحة الروح التي أُعطيت للمؤمنين نفخة الابن وختم يطبع المسيح في نفوس المؤمنين المختومين وهو يعني بهذه إعلانات الكلمة والروح نحو الخارج قاصداً بها إرسال الروح وتقبّله من المؤمنين. وليس الخصوصيات الداخلية لأقانيم الثالوث. ولهذا نخطئ إذا كنا نستنتج من الأفعال الخارجية للروح ونتائجها على البشر صلات الأشخاص-الأقانيم- الإلهيين بحسب حياتهم الداخلية.

  1. يعتبر الغربيون أن إرسال الروح القدس إلى الخارج والذي تمّ ليس فقط من قِبل الآب بل أيضاً من قِبل الابن هو بنوع ما مواصلة الصدور الأزلي في الزمان. ولهذا فعبارة (الذي من عند الآب ينبثق) لا تنفي في نظرهم الانبثاق من الابن بل تفترضه بسبب مساواة أو وحدة الابن مع الآب في الجوهر (يوحنا 16: 25). ولكن هذا الافتراض خاطئ بالأساس. صحيح أن وحدة جوهر الآب والابن تفترض وحدة الصفات الأزلية مثل الحضور في كل مكان، القدرة على كل شيء…. لكنها تفترض أيضاً أنهما أقنومان متميّزان وهذا التميز بحسب الآباء يقوم فقط بتميّز صفاتهما الأقنومية التي لا يجوز تعميمها كما رأينا لئلا يحصل التشوش ونصل إلى الصاباليوسية. فيبطل أن يكون هناك ثالوث.

السؤال: هل انبثاق الروح القدس صفة جوهرية أم صفة أقنومية؟

فإن كان صفة جوهرية يمكن أن نعممها فعندئذ يجب قبول انبثاق الروح القدس من الآب والابن. لكننا في هذه الحال نصل إلى نتائج لا حدود لتجديفها وغرابتها. فمثلاً إن كان الروح القدس ينبثق من الابن لأن الابن متحد مع الآب في الجوهر، وكل ما للآب هو للابن، فلماذا لا ينبثق الآب والابن من الروح أيضاً؟ – الابن يولد من الآب، فلماذا لا تكون للآب والروح صفة الولادة أيضاً طالما هو متحد في الجوهر معهما وكل ما هو لهما هو له؟ ولماذا لا تكون للابن والروح صفات عدم الصدور والإيلاد التي للآب…؟

ولكي لا يصل الكاثوليك إلى نتائج كهذه قالوا أن الابن بسبب ولادته الأزلية يملك كل ما يملكه الآب إلا الأبوة وعدم الصدور، إذ يمكنه أن يشرك غيره بالبثق ولكنه لا يستطيع أن يشرك غيره بالولادة. أليس هذا استثناءً اعتباطياً غير مبني على أساس؟

عند بعض اللاهوتيين الكاثوليك جواب آخر هو أن ترتيب الأقانيم الإلهيين هو الآب، الابن، الروح القدس. ولأن الروح القدس هو الثالث في الترتيب لذلك لا يستطيع أن يلد الابن أو أن يبثق من هو قبله، وبالطبع فهذا يقود في حال قبوله إلى نوع من المرتبية والأسبقية بين الأقانيم، على اعتبار أن الابن يولد من الآب قبل أن ينبثق الروح القدس منه.

ولعل الإدعاء الذي ورد في الفقرة (D) بأن الروح القدس ينبثق من الآب والابن، كمن مبدأ أوحد وبنفخ أوحد، هو محاولة للتهرّب من الوصول إلى هذه المرتبية والأسبقية الزمنية بين الأقانيم التي لا بد أن المغبوط أوغسطين قد لاحظها ولذا شدّد: “يجب أن لا نقبل (من مبدأين) لأن هذا بالكلية مختلق وأخرق. لا بل هرطقة وليس بحسب العقيدة الجامعة”. وفي الواقع فإن مجرّد الدفاع عن انبثاق الروح القدس من الآب والابن هو بحد ذاته القول بأن الروح القدس ينبثق من مبدأين أي مصدرين هما الآب والابن، وبالتالي إلى اعتبار الروح مركباً وليس بسيطاً، لأنه مأخوذ من مصدرين ولا تنفع في هذه الحالة إضافة كلمات (كمن مبدأ واحد وبنفخ واحد) إذ لا يمكنها أن تغيّر واقع الإدعاء الأول وفي هذا المجال يقول البطريرك فوتيوس: “مَنْ مِنَ المسيحيين يستطيع أن يسمح أن يُدخل علتان في الثالوث الأقدس للابن والروح القدس، فيجعل للروح أيضاً (الابن)… ولماذا ينبثق الروح (ومن الابن) فإن كان الانبثاق من الآب هو تام (وهو تام لأن الروح إله تام من إله تام) فلماذا إذاً الانبثاق من الابن؟ ولماذا؟”.

بناء على ما تقدّم، فبثق الروح القدس ليس هو صفة جوهرية يمكن تعميمها على الأقانيم بل هو صفة أقنومية شخصية تخص الآب وحده، وبها يتميّز عن الابن والروح القدس. وهي مختلفة جذرياً عن إرسال الروح القدس في الزمن، والمعني به إفاضة مواهبه وقواه على الخليقة التي افتداها الابن بتجسده وقيامته. ولعل هذا هو ما قصده السيد عندما جمع في عبارة واحدة بين الإرسال والانبثاق (يوحنا15: 26) لكي يميّز بوضوح بينهما وليس لكي يدل على أن الإرسال إلى الخارج يفترض بالضرورة مواصلة الصدور الأزلي كما تدعي كتب اللاهوت الكاثوليكية. وللبرهنة على خطأ هذا الادعاء يكفي أن نقول بأنه في حال تسليمنا به يجب أن نقبل بأن الابن يولد من الأزل من الروح القدس، لأن الكتاب المقدس يعلّمنا بأن الابن يُرسل في العالم الروح القدس “روح الرب عليّ لأنه مسحني لأبشر المساكين… أرسلني لأشفي المنكسري القلوب” (أشعياء61: 1 ولوقا 4: 18).

جواب الكاثوليك على هذا البرهان هو قولهم بأن الروح القدس يرسل هنا الابن كإنسان وليس بحسب طبيعته الإلهية التي هي حاضرة في كل مكان وليست قابلة للإرسال. وردنا نحن على جوابهم بأن الروح القدس هو أيضاً بحسب أقنومه الإلهي حاضر في كل مكان وليس قابلاً للإرسال، وإنما أُرسل بهيئة منظورة في الزمن، أي بشكل ألسنة نارية في العنصرة لكي يبقى مع الكنية، بحسب قواه المعزية والمرشدة والمقدسة.

الآباء القديسون: يفسرون إرسال الروح القدس في العالم بواسطة الابن، وإرسال الابن بواسطة الروح القدس من خلال وحدة الجوهر الإلهي التي يعبّر عنها بوحدة عملهما الخارجي. ولذلك حيث يعمل أحد الأقانيم يكون حاضراً وفاعلاً بشكل تلقائي الأقنومان الآخران. ولهذا يقول الآباء أن الابن أُرسل في العالم من الآب ومن الروح القدس لكي يظهر من خلال هذا أن الآب والروح ليسا غريبين عن العمل الخلاصي للابن بل يشاركان في هذا العمل، وكذلك الحال بالنسبة لإرسال الروح القدس في العالم من الآب والابن.

القديس امبروسيوس هو أحد الآباء الذين يؤكدون هذه الفكرة “الآب مع الروح يُرسلان الابن، أيضاً الآب والابن يُرسلان الروح… وبالنتيجة إذا كان الابن والروح يرسل كل منهما الآخر كما يرسلهما الآب فهذا يحدث ليس بسبب خضوع ما (من أحدهما للآخر) بل لأن عندهما قوة مشتركة”. يطبق هذا التفسير أيضاً على البراهين الكتابية الأخرى المشابهة التي يسوقها الكاثوليك لتأكيد رأيهم مثل نفخ السيد المسيح وقوله لتلاميذه: “اقبلوا الروح القدس”، فإن كان هذا الفعل يظهر لنا أن الروح القدس من الابن ينبثق، فعندئذ يجب أن نقول أيضاً بأن الروح القدس ينبثق أيضاً من الرسل القديسين وحتى من الأساقفة، لأن هؤلاء يعطون أيضاً الروح القدس بوضع الأيادي. والحقيقة أن السيّد هنا أعطى تلاميذه قوة أو نعمة الروح القدس من أجل مغفرة الخطايا، كما نتعلّم من الآباء القديسين وليس لارتباط ذلك بانبثاق الروح القدس أزلياً من الابن.

  1. “وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه بل مما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما هو للآب هو لي، لهذا قلت أنه يأخذ مما لي ويخبركم” (يو16: 13-14).

في هذه الآية يشدّد الغربيون بصورة خاصة على عبارة (لأنه يأخذ مما لي ويخبركم) ليستنتجوا أنه يأخذ علمه من الابن وبالتالي جوهره أو كيانه. ولهذا وجب أن يصدر من الابن. والحال أن هذه الآية بالذات توضح أكثر ما أشرنا إليه قبلاً في أجوبتنا السابقة بأن السيّد عندما تكلّم عن الروح القدس الموعود به، لم يكن يتكلّم عن أصله أو مصدره الأزلي بل عن مجيئه في الزمان. وأفعال (λήψεται-ακούση-λαλήσει) التي وضعت هنا في صيغة المستقبل تدل على ذلك بكل وضوح. فإلى جانب الحقائق التي كان المعلّم قد أخبرها لتلاميذه هنا أيضاً حقائق أخرى لم يخبرهم عنها بوضوح لأنهم لم يكونوا بعد يستطيعون اقتبالها. ولذا عندما سيأتي روح الحق الموعود به هذا سوف يكمل عمله، لأنه سيلهم ويقدّس ويعلّم كل الحقيقة. سوف لن يتكلّم عن نفسه لأنه ليس هناك من تعليم جديد بل هناك إنارة وتوضيح للحقائق ذاتها التي كانوا قد هيئوا لمعرفتها سابقاً من السيّد. ومن البديهي أن الربّ يسوع لم يرد أن يقول بأن الروح القدس سوف يقبل تعليماً لم يكن يعرفه من قبل، بل أراد أن يشدّد على وحدة الحق الذي أتى الإله المتجسد على الأرض ليعلنه. هذا الحق هو التعليم الإلهي أي تعليم الآب الذي علّمه الابن، والآن هذا التعليم ذاته هو في عهدة الروح القدس المكلّف بإنارة البشر لكي يستطيعوا قبوله. وللتأكيد على أن هذا هو مفهوم الآباء نعطي تفسير القديس يوحنا الذهبي الفم لهذا المقطع كمثال في هذا الصدد “قال الابن: مما هو لي سوف يأخذ أي أن ما تكلّمت به أنا سوف يتكلم به الروح القدس وعندما يتكلم عندئذ لن يقول أي شيء من نفسه أي لا شيء مضاد معاكس، لا شيء خاص به، بل فقط ما هو لي. وكما شهد عن نفسه (الابن) إذا أشار: “لا أتكلم من نفسي” (يوحنا16: 10) أي لا أتكلّم أي شيء خارج ما هو للآب أي لا شيء خاص بي، لا شيء غريب عنه، هكذا أيضاً يجب فهم ما يتعلق بالروح القدس فتعبير (سوف يأخذ مما هو لي) يعني مما أعرف أنا، من معرفتي لأن معرفتي ومعرفة الروح واحدة مما هو لي سوف يأخذ أي سوف يتلكم بالتوافق معي. كل ما هو للآب هو لي لأنها لي، ولأن الروح القدس سوف يتكلم مما هو للآب، وبالتالي سوف يتكلم مما هو لي”.

ويتابع القديس يوحنا الذهبي الفم ملخصاً: “مما هو لي سوف يأخذ، أي من المعرفة ذاتها التي عندي أنا، سوف يأخذ ليس كمن عنده نقص أو كمن سوف يتعلّم من آخر بل لأن عندنا المعرفة الواحدة ذاتها”.

وهكذا فكلمات (كل ما هو للآب هو لي) لا تدل على انبثاق الروح القدس من الابن بل على الخواص الجوهرية الإلهي والتي هي في هذه الحالة المعرفة الإلهية التي تخص الجوهر الإلهي الواحد للأقانيم الثلاثة.

  1. تستشهد كتب العقائد الكاثوليكية ببعض أقوال المجامع مثل موافقة المجمع المسكوني الثالث على الحروم الإثني عشر للقديس كيرلس الإسكندري ومنها الحرم التاسع الذي يسمّي فيه الروح القدس خاصة الابن. وفي الحقيقة إذا تعمقّنا في نص هذا الحرم لوجدنا أن التشديد ضد نسطوريوس هو أن يسوع صنع العجائب بواسطة الروح القدس، ليس كأنه قوة غريبة عنه بل بواسطته كقوة خاصة به لأن الروح القدس متحد معه في الجوهر. القديس كيرلس أوضح فيما بعد هذه الحقيقة في جوابه على بعض النقاط التي أثارها ثيودوريتس القورشي، ومن بينها هذه النقطة بالذات، فيقول بأنه سمّى الروح القدس خاصة الابن لأنه بالرغم من انبثاقه من الآب إلا أنه ليس غريباً عن الابن.

كذلك يستشهد الكتّاب الكاثوليك بأقوال بعض الآباء فيفسّرون بعض العبارات تفسيراً يتفق مع دعمهم للفيليوكفي، مثل: الروح القدس يستقر في الابن، يرتاح في الابن، هو أيقونة الابن، عنده المنبع في الابن، … ولكن إذا نظرنا أيضاً على هذه العبارات في مجمل النص الذي وجدت فيه وبعلاقته مع العقيدة العامة للآباء القديسين الذين استعملوها لوجدناها تتحدّث عن الإرسال الزمني للروح أو على وحدة الجوهر مع الابن، وليس البتة عن انبثاق الروح من الابن. فمثلاً القديس أثناثيوس الكبير يسمّي الابن: نبع الروح القدس لأن الابن هو من يرسل الروح القدس في العالم لكي يساعد البشر على اقتبال الخلاص.

والقديس يوحنا الدمشقي يستعمل عبارة: “الروح القدس يرتاح في الابن” لأنه واحد مع الآب في الجوهر، وهكذا….

ويضيف الكاثوليك أنه إلى جانب هذه العبارات الآبائية غير المباشرة، هناك من الآباء والكتّاب الكنسيين من يعلّم الانبثاق من الابن بصورة مباشرة. ويستنتجون من هذا قدم وعمومية هذه العقيدة في الكنيسة المسيحية. إلا أنه كما يلاحظ (B. Bartman) الكاثوليكي، تظهر الفيليوكفي لأول مرّة عند أوغسطين الذي أعلن “لا نستطيع أن نقول بأن الروح القدس لا ينبثق” “من الابن” لأنه ليس بدون هدف أن يقال عن الروح نفسه بأنه روح الآب أو روح الابن”. وتبعه في ذلك كتّاب غربيون كنسيون آخرون مثل البابا لاون الكبير وجناديوس المارسيلي وفيليكس دي لولا وفولجنتسيو دي روسيي. ومع ذلك فلم يكن رأي أوغسطين نفسه ثابتاً دائماً في هذه النقطة كما وأن رأي هؤلاء الكتّاب الكنسيين لا يشكّل البرهان بأن هذا هو اعتقاد الكنيسة الأولى بل هو مجرد رأي شخصي انحرف عن تعليم الكنيسة الجامعة.

يوجد بعض الآباء الذين استعملوا عبارة “الروح القدس ينبثق من الآب بالابن” (δι’ Υιού) (διά του Υιού) وقد استعملها بشكل خاص بعض الآباء الشرقيين. وبالطبع فاللاهوتيون الغربيون يعتبرون أن عبارة (δι’ Υιού) تعبّر عن فكرة (من الابن εξ (Υιού) أو (εκ του Υιού) ولا يوجد أي فرق بينهما.

أما بالنسبة للآباء فالبعض منهم استعمل عبارة (δι’ Υιού) للتعبير عن إظهار الروح القدس في العالم وليس انبثاقه. بينما البعض الآخر استعملها بالعلاقة مع أصله.

فمثلاً فيما يختص بالاستعمال الأول، نقرأ عن القديس غريغوريوس العجائبي: “إن الروح القدس عنده الكيان من الله وأُظهر للناس بواسطة الابن” وكذلك عند القديس كيرلس الاسكندري “يأتي الحق من الآب بالابن”. “يأتي منه بحسب الجوهر ويمنح للخليقة بواسطة الابن” أي أن هؤلاء الآباء يريدون القول أن الابن هو السبب الذي من أجله أرسل الآب الروح القدس. ولو لم يأتِ الابن في العالم لما كان أُرسل الروح القدس.

فيما يتعلق بالاستعمال الثاني لعبارة (δι’ Υιού) هناك بعض الآباء استخدموها عندما كانوا يتكلّمون عن أصل الروح القدس، لكنهم مع ذلك لم يكونوا يقصدون انبثاق الروح القدس (ومن الابن) أي لم يستعملوها بمعنى (εξ Υιού) بل كانوا يقرون معنى آخر مختلفاً جذرياً عنها، فمثلاً القديس غريغوريوس النيصصي يكتب بأن “الابن يصدر من الآب بدون واسطة لكن الروح القدس هو أيضاً من الآب إنما بالابن أي بالذي هو بلا واسطة”.

بهذه الكلمات لا يريد أن يقول بأن الروح القدس ينبثق (ومن الابن) بل وبحسب تعبيره هو: إننا نحن البشر نفتكر بأن الآب قبل الابن إنما بواسطة الابن ومعه الابن يعرف الروح متحداً، وهذا بدون أن يكون الروح القدس كوجود بعد الابن.

ولهذا يستعمل بعض اللاهوتيين عبارة (بالابن) بمعنى: “والابن”، “مع الابن”، أي “في نفس الوقت مع الابن”. إذاً يريدون أن يقولوا بأن الروح القدس عنده الوجود أو ينبثق من الأزل من الآب مع الابن (في نفس الوقت مع الابن).

Der Heilige Maximus der Bekenner (662+) أيضاً عنده تعبير (δι’ Υιού) ولكنه يستبعد هو نفسه إمكانية تفسير هذه العبارة بحسب المفهوم الغربي ففي رسالة وجهها إلى الكاهن مارين من قبرص يقول فيها مدافعاً عن غربيي ذلك الزمان: “عندما يقبل اللاتين بأن الروح القدس ينبثق من الآب بالابن لا يجعلون من الابن علة (مصدراً) للروح، وإنما يقولون هذا لكي يظهروا بأن الروح القدس يصدر بواسطة الابن ولكي يشيروا بهذا إلى وحدة وتماثل الجوهر”.

Der Heilige John Damascene استعمل عدّة مرّات عبارة بأن الروح القدس ينبثق من الآب بالابن، وبكلا المعنيين المذكورين أعلاه، بالنسبة للمعنى الأول يقول: “لا نقول الروح من الابن (εκ του Υιού) لكن نعترف أنه بالابن (δι’ Υιού) ظهر وأعلن لنا… روح قدس لله الآب منه منبثق، ولكن إذا قيل روح الابن فهذا يعني أنه بواسطته ظهر وأعلن للخليقة، وبدون أن يكون حاصلاً على وجوده منه”.

أما بالنسبة للمعنى الثاني فيقول: “الروح القدس ليس ابن الآب بل روح الآب لأنه ينبثق من الآب… وروح الابن ليس بمعنى أنه منه بل بمعنى أنه منبثق من الآب به، لأن الآب فقط هو المسبب”.

بالنتيجة نحن الأرثوذكس نشدد مع الآباء على كون الآب وحده هو سبب انبثاق الروح القدس، ولهذا لا يمكننا أن نقبل بتعبير “ومن الابن” (εκ του Υιού) الذي يجعل الابن كمصدر ثانٍ للروح القدس. كل ما يمكننا أن نقبل به هو تعبير “بواسطة الابن” (διά του Υιού) والذي ورد كرأي لاهوتي عند بعض الآباء. إذ لا يتعارض، كما فسروا، مع كون الآب هو المصدر الأوحد.

– 3 –

وختاماً نلفت النظر إلى خطورة النقطة الثالثة من التعليم الكاثوليكي الخاص عن الثالوث الأقدس، والتي تشكل بمجملها نموذجاً عن المقايسة والتفكير العقلاني المحض في اللاهوت الغربي. نكتفي هنا بالتوقف عند القول بأن الروح القدس يصدر عن إرادة الآب والابن أو عن محبتهما المتبادلة، فنلاحظ أن هذا تأكيد واضح على أن اللاهوتيين السكولاستيكيين لم يميزوا بين الأقنوم الإلهي وبين ما يصدر عنه من قوى وأفعال. ولهذا فهم يحدرون أقنوم الروح القدس ليس فقط إلى مستوى القوى الإلهية غير المخلوقة التي تصدر عن الثالوث الأقدس وبل وحتى إلى مستوى ما ينتج عن هذه القوى من أفعال مخلوقة، إذ يقررون أنه يصدر عن إرادة الآب والابن أو محبتهما المتبادلة أو يقولون أنه يصدر عن فعل محبة. لأن المخلوقات بحسب الآباء تصدر عن إرادة الأقانيم وبسبب محبتها، وهي بالضبط فعل محبتها. معنى هذا الإدعاء إذن، أنه يؤدي، من حيث لا يدرون، إلى درج أقنوم الروح القدس بين المخلوقات وبالتالي إلغاء مفهوم الثالوث القدوس أو على الأقل جعله مقتصراً على أقنومين فقط هما الآب والابن. لأن انبثاق الروح عن آباء الكنيسة، هو كولادة الابن، لا يصدر عن إرادة الآب أو عن محبته بل عن طبيعته الخاصة، لكنه بالطبع ليس ضد هذه الإرادة.

كما أن هذا التقسيم الغريب والمنصاع إلى تأملات المفكرين الإغريق في الألوهة الفلسفية المجردة، بين ما يحبه الله بالضرورة وما يحبه مختاراً، هو في نظرنا اتهام واضح للثالوث القدوس إله المحبة بالأنانية المجبرة، لأنه بحسب مفهومهم يحب ذاته بالضرورة!!!.

de_DEGerman
Nach oben scrollen