La couronne

من المتعارف عليه إطلاق تعبير “الإكليل” على صلاة سر الزواج، وذلك يعود ربما الى أن هذه الصلاة تبلغ الذروة لحظة وضع الإكليلين على رأسي الخطيبين. ما معنى الإكليل؟ ولماذا استعماله في خدمة الزواج؟ هذا ما سنحاول تبيانه في ما يلي.

الإكليل، وهو العلامة التقليدية للإشارة الى الفائزين في المباريات الرياضية، قد صار في العهد الجديد يشير الى انتصار الحياة على الموت: “أما تعلمون أن الذين يسابقون في الميدان كلهم يسابقون ولكن واحدا ينال السبق، فسابقوا انتم حتى تفوزوا. وكل من يجاهد يمسك نفسه عن كل شيء. أما أولئك فلينالوا إكليلا يفنى، وأما نحن فإكليلا لا يفنى” (1 كورنثوس 9: 24-25). وفي هذا السياق يرى القديس يوحنا الذهبي الفم في إكليلي الزواج انتصارا على “شهوات الجسد غير المضبوطة” التي تؤدي بأصحابها الى الموت والفساد. ولا ريب ايضا أن الإكليل يشير الى المجد، وفي العهد الجديد هو إشارة الى المجد الذي لا يفنى: “وحين يظهر رئيس الرعاة تحصلون على إكليل المجد الذي لا يذوي” (1 بطرس 5: 4) .

وبطبيعة الحال، فالمسيح المصلوب والقائم من بين الاموات هو الحائز بامتياز على إكليل الظفر. لأجل هذا تستعمل الكنيسة في خدمة سر الزواج الترنيمة التالية المستلّة من المزامير: “وَضَعْتَ على رأسيهما إكليلا من حجارة كريمة. حياة سألاك فأعطيتهما” (20: 4-5). الجدير ذكره أن نص الآيتين في المزمور وارد في صيغة المفرد لا المثنى، وهو يرمز الى المسيح الممجَّد، وثمة آية أخرى في المزمور المسيحاني ذاته تُستعمل في خدمة عيد الصعود وهي: “ارتفعْ يا رب بعزتك. نرنّم ونُشيد لجبروتك” (الآية 13). الفكرة عينها ترد ايضا عندما يكلِّل إمامُ الصلاة العروسين قائلا: “ايها الرب إلهنا بالمجد والكرامة كللهما”، هذه العبارة صدى لما ورد في المزمور الثامن “كلّلته (اي الانسان) بالمجد والكرامة”، وهو المزمور الذي يشيد بمركز الانسان كونه القائم على الخليقة بأسرها.بأسرها.

اما أفضل الذين يشهدون على انتصار المسيح على الموت فهم الشهداء، فها كاتب سفر الرؤيا يقول: “لا تخف شيئا مما سيصيبك من التألم… فكن أمينا حتى الموت فسأعطيك إكليل الحياة” (2: 10). الشهداء هم وحدهم الذين ينالون إكليل الحياة لانهم صبروا حتى المنتهى. ما الرابط اذاً بين إكليل الشهادة وإكليل الزواج، وبخاصة أن خدمة سر الزواج تتضمن نشيدا جميلا هو: “ايها الشهداء القديسون الذين جاهدتم حسنا وتكلّلتم تشفعوا الى الرب أن تُرحم نفوسُنا”؟ لا يعني التماهي بين إكليلي الشهادة والزواج أن على العروسين أن يكابدا العذاب والآلام، بل على العكس فخدمة الإكليل تطلب الى الله أن يباركهما ويمنحهما “حياة مديدة وحسن توليد ونجاحا في المعيشة والإيمان” وأن يملأهما “من كل خيرات الأرض”، كما تطلب اليه أن يؤهلهما “للتمتع بالخيرات الموعود بها”. ولكن بوضع الإكليلين على رأسي العروسين تريد الكنيسة أن تذكِّرهما بالميزة الأساسية للزواج المسيحي، وهي الاحتذاء بتعاليم الانجيل والقبول بحمل الصليب لكي يبلغا معا الى الفوز بالملكوت الإلهي والعيش الى حياة أبدية. هكذا يتحول الحب البشري الى حب أبدي ويصبح رابطا أبديا في سر المسيح وكنيسته.

من هنا ايضا ترمز دورة العروسين حول المائدة الى استمرارية الزواج وأبديته. والأناشيد الثلاثة المواكِبة للدورة تلخص كل التعليم الكتابي حول الزواج. اتحاد العروسين هو شهادة عن إعلان الملكوت الذي افتُتح بولادة المسيح من البتول، فالترنيمة المعروفة ب”رقصة إشعيا” والتي تقول “يا إشعيا اطرب متهلّلا لأن البتول قد حَمَلَتْ في أحشائها ووَلدتْ ابناً وهو عمّانوئيل إلهاً وإنسانا معا…” ترمز الى طول انتظار شعب الله لمجيء المخلّص. تستعيد الكنيسة هنا عادةَ الرقصِ المتبعة في العهد القديم، وهي عادة محترمة، “وكان داود يرقص بكل قوته امام الرب” (2 صموئيل 6: 14)، لتجعلها في خدمة سر الزواج. الإكليل، اذاً، هو فرح بالمجد الذي تم بيسوع المسيح عروس الكنيسة.

قديما، كان العروسان يحتفظان بالإكليلين على رأسيهما أسبوعا كاملا، ولكن العادة اليوم تجعل رفع الإكليلين في الخدمة ذاتها، فيقول المحتفل: “ارفَعْ (يا الله) إكليلهما في ملكوتك واحفظهما بغير دنس ولا عيب غير محتال عليهما على مدى الدهور”، وهذا إشارة واضحة الى أبدية ارتباطهما، وتاليا، الى انه مهما اعترى الزواج على الارض من انفصال او غيره، فإن الإكليلين يبقيان على رأسي العروسين الى أن يُرفعا في الملكوت.

لا يرمز الإكليل، اذا، الى مجدٍ أرضي واتحادٍ وقتي، بل هو قبل كل شيء شهادة يُقْدِمُ عليها المرء مرة واحدة، فالإنسان يُستشهد مرة واحدة لا اكثر. اذا كان الإكليل شهادة، وتاليا موت من اجل الآخر، فعلى القادمين عليه او الذين يحملونه من دون وعي أن يعوا مدى الالتزام الذي يتعهدونه. وهذا ما تقوله الرسالة التي تتلى في خلال الخدمة: “ايها الرجال أَحبّوا نساءكم كما أَحَبَّ المسيحُ الكنيسةَ وبَذَلَ نفسَهُ لأجلها”. الإكليل يفترض بذل النفس من اجل المحبوب، أن يُستشهد الواحد من اجل الآخر.

أن نجعل الإكليل إكليلا بالحقيقة، لا مجرد حفلة من هذا العالم يتخلّلها رقص وغناء وتصوير وتزيين وثياب فضفاضة وشرب أنخاب… ونصف ساعة صلاة لتكميل الواجب، هذا هو الرجاء.

Extrait de mon bulletin paroissial 1998

fr_FRFrench
Retour en haut