Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎
☦︎

كيف يهيئ الراهب نفسه:

الأساس الأول للذين يرغبون ويبتغون حياة الرهبنة هو أنهم لا يمتلكون شيئاً، وبعد ذلك لابد أن يبحثوا عن حياة العزلة، مرتدين لباساً بسيطاً، محافظين دائماً على أن تكون أصواتهم ونبراتهم في حدود الوقار، وهدوئهم يكون في تواضع، لابد أن يكونوا محافظين على السكوت التام في وجود من هم أكبر منهم، ويسمعون لمن هم أحكم منهم ويظهرون محبتهم لهم بتوقير واحترام، ويعطوا النصائح للذين هم أقل منهم بروح المحبة والوداعة.

لابد أن يتحاشوا الناس الذين يسببون لهم المتاعب، وعلى النقيض من ذلك يجلسون ويفكرون بتعمق ولا يتكلمون إلا قليلاً.

أثناء محادثتهم لابد أن يتحاشوا الغطرسة والثرثرة التافهة، والهزأ والضحك بل على الدوام يشعرون بإحساس الخجل، وأعينهم دائماً تكون ناظرة إلى الأرض، أما أرواحهم فتكون محلقة لأعلى، رافضين الجدال مع الذين يتشككون في طريقنا هذا. لابد أن يظهروا الطاعة لمدبريهم، وينشغلوا بأعمال يدوية ولا ينسوا أبداً هدف حياتهم الأساسي، متهللين بالرجاء، مظهرين طول الأناة في كل حين.

لابد أن يصلوا في كل حين معطين الشكر الدائم لله على كل شيء، متواضعين للكل ومتحاشين الكبرياء. لابد أن يكونوا جادين في كل شيء، محررين أنفسهم من الشرور، يبتغون كنزهم السمائي بحفظهم الوصايا، ويفحصون بدقة دائماً أفكارهم وأفعالهم، لابد إن يبتعدوا عن شهوات العالم والارتباطات الغير مفيدة لهذا العالم، ويمتنعوا عن الحياة المتهاونة، ويسعوا أن يقلدوا حياة الآباء القديسين. ويغبطون حياة الصديقين الذين يعيشون حياة الفضيلة ولا يحسدوهم على هذا، وعلى النقيض إذا قابلوا من هم في تجارب فليشاركوهم دموعهم وأحزانهم ولا يحاولوا أن يلوموهم على تقصيراتهم، ولا يعنفون أي أحد تراجع عن حياة الخطية ويريد أن يتوب، ولا يحاولوا أن يبرروا أنفسهم، ولكن يعترفوا دائماً أمام الله والناس أنهم أول الخطاة.

لا يلوموا المهمل بل يشجعون ضعاف النفوس والقلوب ويشددوا الضعفاء. لابد أن يغسلوا أقدام القديسين ويظهروا لهم حسن الضيافة والمحبة، ويوجدوا السلام في الجماعة الذين يشاركونهم الإيمان، ويتجنبوا الهرطقات، يقرأوا في كتب القوانين الكنسية، ولا يفتحوا أبداً الكتب الدينية المشكوك في صحتها، يتحاشوا المجادلة حول موضوع الآب والابن والروح القدس، ولكن يتكلموا دائماً ويفكروا بثقة وإيمان في الثالوث الغير مخلوق، إنه جوهر واحد، ولو سئلوا في هذا الموضوع لابد أن يجيبوا الإجابات المهمة فقط للعماد وتثبيت العقيدة، حتى يؤمنوا كما نحن أيضا تعمدنا، ويعبدوا الله كما نحن نؤمن به أيضاً.

لابد أن يكون وقتهم كله مشغول بالأعمال والكلام الجيد، ولا يحلفوا البتة ولا يقرضوا المال بالربا، ولا يحاولوا أن يأخذوا مكسباً أو ربحاً على القمح والنبيذ والزيت.

لابد أن يبتعدوا عن الأكل الكثير أو الشرب الكثير، وبعيدين عن التجارة، لا يكذبوا أو يشوهوا سمعة أحد، لا يسعوا أن يقللوا من شأن أحد، ولا يسروا بأي أحد يسمعون عنه أنه يفعل هذا، ولا يصدقوا الإشاعات. لا يسمحوا أن يصابوا باليأس أو السخط أو الكآبة، ولا يغضبوا سريعاً بل يهدأوا بسرعة. لا يردوا الشر بالشر، بل يكونوا مستعدين دائماً أن يقبلوا بسرور من يفترى عليهم أفضل من أن يفتروا هم على أحد ويقبلوا برضاء من يعتدي عليهم ولا يعتدوا على أحد، وكذلك من يخدعهم أما هم فلا يخدعوا أحداً.

فوق كل هذا يجب على كل راهب أن يبتعد عن أي علاقات مع النساء لأنهم يمكن أن يجعلوا الحكيم شارد الذهن.

يجب أن يتبعوا الوصايا بكل قدراتهم، ولا يستسلموا للفتور لكي ينتظروا مكافئتهم ومدحهم من الله، ويتشوقوا إلى تمتعهم بالحياة الأبدية، ولا ينسوا كلمات داود النبي ” جعلت الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني كي لا أتزعزع ” ( مز 16 )، لابد أن يحبوا الله من كل قلبهم وقدرتهم وفكرهم ونفسهم مثل الطفل، ومثل عبيد لابد أن يحترموا ويخافوا ويطيعوا الله، ويعملوا لخلاصهم بخوف ورعدة. لابد أن يظهروا قوة الروح، بنموهم دائماً بالروح القدس، متقدمين في الإيمان، ومحاربين لهدف واحد هو أن يقهروا عدوهم بإضعاف جسدهم ومسكنة روحهم، حاملين وصايا الله معترفين أمامه أنهم لا شيء. لابد أن يقدموا الشكر لله القدوس المرهوب، ولا يفعلوا شيئاً يؤدى إلى خلق نزاع أو مجد ذاتي، بل كل ما يفعلونه يؤدى إلى إرضاء الله.

لا يفتخرون ولا يتباهون بأنفسهم، أو يسرون عندما يسمعون مديحهم من أفواه الآخرين. لابد أن يتمموا كل شيء بسرية وبدون تباهى منتظرين فقط المديح من الله متذكرين مجيئه المهوب والمجيد، عندما يتركون هذا المكان ويتمتعون بالأشياء الجميلة المعدة لهم من قبل الله، أو يعاقبون في النار المعدة للشيطان وملائكته. لابد أن يتذكروا القول الرسولى: ” فأنى أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا ” ( رو 8: 18 )، لابد أن ينظروا للمستقبل ويقولون مع داود النبي ” طوبى للذين يحفظون وصاياه لأن لهم مكافأة عظيمة “: الجزاء العظيم، أكاليل الاستقامة، مسكن الأبدية، الحياة التي لا تنتهي، الفرح الغير موصوف، الحياة مع الآب والابن والروح القدس، الله الحقيقي في السماء سيظهر لك مباشرة مع مجموعة المرتلين، بمشاركة الملائكة والآباء والشيوخ والأنبياء والرسل والشهداء والمعترفين والذين أرضوا الرب منذ البدء.

ليتنا نجاهد حتى نوجد مشتركين معهم بنعمة إلهنا يسوع المسيح له المجد والعزة إلى الأبد آمين.

السكون

رسالة من القديس باسيليوس الكبير إلي صديقه القديس إغريغوريوس:

إن البعد عن العالم قدم لنا فرصة ممتازة لنهدئ نفوسنا، ونأخذ وقتاً كافياً لنطرد انفعالاتنا الرديئة من نفوسنا، لأنه كما يروض الحيوان المفترس بالعصا، كذلك أيضا يمكن بالبعد عن العالم، أن نهدّأ غضبنا، وخوفنا، وضغوطنا العصبية التي تسمم أجسادنا وتحطم نفوسنا، وبذلك نستطيع أن نعيش في جو من السلام الذي فيه نتحرر من الإضطرابات المستمرة، ونضمن لنفوسنا أن تخضع بسهولة للطريق السليم.

لابد أن نبحث عن مكان منفرد، نجعله بعيداً بعداً تاماً عن الاتصال بالآخرين، ولعلنا بذلك نستطيع أن نتقدم في خبراتنا الروحية، في طريق بلا عثرات، وتتغذى نفوسنا بفكر الله.

لا يوجد في هذا العالم أفضل من أن نتشبه بالملائكة المرتلين، فعند ابتداء اليوم نقدم الصلوات والتراتيل لكرامة الخالق، وبعد أن تظهر أشعة الشمس، نخرج إلى العمل ونمزجه بالصلاة والتراتيل، حتى يخفف أعبائنا، لأن ألحان التراتيل تجلب السرور، وترفع آلام نفوسنا.

الهدوء هو الخطوة الأولى لتنقية أرواحنا، فعندما لا تتكلم عن أمور البشر، توقف فوراً عن أن تنظر حولك، بحثاً وراء تقييم البشر. لا تبدد هدوء نفسك، بأن تنشغل بالأصوات العذبة، أو الألفاظ المنمقة، فكل هذه تسبب ضرراً عظيماً للنفس.

إن النفس التي هي ثابتة وغير مشتتة الفكر في العالميات، تستطيع بسهولة أن ترجع إلى ذاتها، وتبدو مسرعة في رحلة بعيدة، لتكون واحدة مع الله، ثم تنمو وتلمع وتتألق مع الجمال السمائي، وتبدأ في أن تنسى طبيعتها، فلا تفكر في الطعام أو الملبس الجسدان الذي يشغل النفس، ولكنها تترك جميع الأشياء الدنيوية، ومتطلبات الحياة الفانية، وتركز بكل قوتها، حتى تصل إلى الصلاح الأبدي.

بالتأكيد لا توجد طريقة أخرى أفضل من هذه التي تحدثنا عنها، حتى تصل بشجاعة إلى العدل والاعتدال في جميع أمورك، وتدرك كل الفضائل الأخرى بمختلف صفاتها، هذه التي حرص المتضعون لاقتنائها، فسلكوا سلوكاً حسناً في كل أيام حياتهم.

نصيحة إلى شاب يعيش حياة الوحدة:

حيث إنك تعيش حياة انفرادية مليئة بالإيمان والتقوى، لابد أن تتعلم كيف تعيش كما يحق لإنجيل يسوع المسيح.

درب نفسك بالتحكم في جسدك، واخضع أهوائك، و أسعى إلى نقاوة فكرك، وكيف تتحكم في غضبك.

إذا تجندت للمسيح له المجد، فضع أمامك هذه الأمور لخدمة الله:

لو سُرقت فلا تلجأ لمحاكم العالم.

اظهر محبتك تجاه الذين يكرهونك، وتحمل الذين يضطهدونك.

وإن افترى عليك أحد فتعامل معه برفق.

كن كميت للخطية، وأصلب نفسك لله.

ركّز كل طلباتك تجاه الله وأنت تصلى، حتى يمكنك أن تجد مكاناً وسط الأعداد التي لا تحصى للقديسين، وفى أماكن الأنبياء وبين عظمة الآباء، وأكاليل الشهداء، ومدح المستحقين، أنت أيضاً لابد أن تظهر كل اشتياق، وتتأكد من أنك ستصبح معدوداً مع المستحقين في المسيح يسوع إلهنا، له المجد إلى الأبد آمين.

” الكتاب المقدس ” هو المرشد الحقيقي:

إن أفضل مرشد إلى الطريق الصحيح، تستطيع أن تجده هو دراسة الكتاب المقدس بجدية، وفيه نجد الأساس الذي يبنى حياتنا، ففيه حياة الشخصيات العظيمة التي عاشت مع الله، وهى تشجعنا للإقتداء بها.

إن كل إنسان يمكنه أن يركز على الجزء الذي يشعر أنه ينقصه فيجده كمصحة، لنعالج فيها كل مشاكلنا الخاصة.

عندما تريد أن تهذب نفسك وتروضها، اقرأ وأعد قراءة قصة يوسف الصديق، ومنها تتعلم كيف تمارس ضبط نفسك، وتتعلم كيف كان يوسف قوياً وثابتاً أمام الشهوة، وكيف كان ثابتاً في الفضيلة.

كذلك انظر إلى أيوب البار وكيف كان شجاعاً أمام المحن، فقد عانى من انقلاب حياته، فبعدما كان رجلا غنياً وأباً لأولاد كثيرين، تحطم في ساعة واحدة إلى الفقر وفقد كل أولاده، ولكنه رغم كل هذا فقد استمر ثابتاً ولم يتغير أبداً، ولم يتحول عن ثباته، حتى إنه أظهر غضبه نحو أصدقائه الذين أتوا ليعيروه فأهانوه وزادوا من أحزانه.

 إذا أراد أحد أن يكون عطوفاً على الآخرين، وفى ذات الوقت حازماً تجاه الخطية، لابد له أن يتأمل مثال داود النبي، الذي كان قوياً في وسط الحروب، ولكنه كان رحيماً شفوقاً في رد فعله تجاه أعدائه.

موسى النبي أيضاً أظهر نفس المثل، عندما أعلن غضبه العظيم نحو الذين أخطأوا نحو الله، ولكنه كان يحتمل الذين افتروا عليه.

كن كمثل الرسام الذي يريد أن يرسم صورة لشيء ما، فأنه ينظر إليه ثم ينقل نظره إلى عمله الذي يعمله، محاولاً أن ينقل نفس الصفات إلى رسمه، كذلك كل الذين يريدون أن يكملوا نفوسهم في أي فضيلة، لابد أن ينظروا إلى حياة القديسين، ويقلدوا فضائلهم، ويحاولوا تطبيقها في كل نواحي حياتهم.

كيف نصلي:

عندما نعود للصلاة بعد قضاء وقت القراءة، نجد نفوسنا متجددة ومنتعشة بالروح القدس، وتتحرك بشوق إلى الله، لذلك فإن أفضل طريقة للصلاة هي أن نحاول أن نغرس في أذهاننا فكرة واضحة عن الله ( من خلال القراءة في أقواله المقدسة )، وبذلك نصنع مكاناً لوجود الله داخلنا، أننا نصبح هياكل لله عندما نتأمل فيه باستمرار، ولا نجعل الهموم الأرضية تعوق تأملنا، ولا ننزعج بالانفعالات الواردة إلينا.

وهكذا يلزم الهروب من هذه كلها، فإن النفوس التي تحب الله تستطيع أن تصل إلى الله، إلى هو قادر إن يقصى عنها كل الأمور التي تجذبها إلى الشر، ويقرب لها بثبات كل الأمور التي تقودها إلى الفضيلة.

آداب الحديث:

ينبغي أن نبذل قصارى جهدنا في اختيار طريقة أحاديثنا وألفاظنا، فلا نحتد عندما لا يروق لنا محدثنا، أو نجاوب بغرور أو اعتقاد في ذواتنا، أو نستعرض جهاداتنا، ولا نقاطع أي أحد عندما تكون لديه أشياء مفيدة يقولها، ونتلهف لنقاطعه لنشترك في الحديث، لنظهر حكمتنا ومعرفتنا، بل ينبغي أن نلاحظ متى نتدخل في الحديث ومتى ننصت.

يجب أن لا نكون مغرورين بعلومنا، ولا أيضاً نبخل في أن نشترك بالمعلومات التي لدينا.

لو تعلمنا شيئاً من شخصاً ما، فلا نحاول إخفاء مصدره الحقيقي، ونكون مثل الذين يحاولون بالكذب أن يسجلوا الأولاد كأولادهم الشرعيين وهم ليسوا كذلك.

يجب أن نتأكد من المعلومات التي تقال لنا بدون محاباة، نبرات أصواتنا يجب أن تكون متوسطة، فلا تكون خافتة جداً حتى لا تسمع، ولا تكون قوية جداً حتى تزعج الأسماع.

لنفكر جيداً، ونتأنى بدراسة دقيقة، عندما نجاوب أو نتكلم، ولابد أن نبذل قصارى جهدنا حتى لا نثير المتاعب لمن يتحدث إلينا، ونكون لطفاء في وسط الجماعة.

لا نحاول أن نمتع نفوسنا، بأن نكون أصحاب نكتة، ولكن لنصنع مشاركة وجدانية مقدسة بتشجيع طيب ودود.

رسالة إلى راهب سقط ويريد الرجوع:

إذا كان مازال لديك أمل في الخلاص، وإذا كنت لا تزال تحتفظ ولو بقدر ضئيل من ذكر الله، إذا كان لديك بعض الاشتياق لسعادة المستقبل، أو إذا كان لديك قليل من الإحساس بالرهبة من العذاب المؤبد الذي أعد لغير التائبين، فارجع إلى عقلك فوراً، وارفع نظرك إلى السماء، اترك هذا السلوك الشاذ، وتغلب على هذا الجنون الذي أحاط بك، واظهر رفضك لهذه القوة التي تجذبك إلى أسفل، ارفع ذاتك من الأرض، وتذكر الراعي الصالح الذي جاء ليبحث عنك ويعيدك، إذا كنت تملك قدمين فعد سريعاً، وإذا كنت تملك أذنين للسمع فاترك ما سبق، وتذكر مراحم الله، ولا تفقد الأمل في خلاصك، وتذكر ما كتب: ” الذين سقطوا سيقومون، الذين انصرفوا بعيداً سيرجعون، والذين هُزموا سيعتني بهم “.

الذين أحاطت بهم الحيوانات المفترسة سينقذون، والذين يعترفون ( بخطاياهم ) فلا يمكن أن يتخلى عنهم.

الله لا يريد موت الخطاة ولكن يريد أن يتوبوا ويعيشوا(6)

لا تشعر بصغر النفس واليأس، لأنك وقعت في أعماق الخطية، لأن هذا الوقت هو فرصة لأن تفكر بعمق، وتعود إلى نقاوتك وتسترجع صحتك.

إذ سقطت فقوم، وإذ أخطأت فتب، ولا تستمر في طريق الخطية ولكن ابتعد عنها.

عندما تؤدب وتئن من الألم، فإنك قد أنقذت، لأنك بالجهد وبالعرق سترجع إلى نقاوتك الأولى، وتجد الخلاص.

إذا كنت متحمساً لتحترم بعض العهود التي تصنعها مع الآخرين، فلا تهمل شرف العهد الذي صنعته مع الله في وجود شهود.

لا تتردد في أن ترسل الىّ خطابات مهما كانت العوائق، ولا تجعل نفسك تيأس، بل تذكر الأيام الأولى، فإن باب الخلاص والتوبة مازالا مفتوحين أمامك تشجع ولا تيأس، فلا يوجد قانون يسلمك إلى الموت بدون رحمة، ولكن هناك نهمة لتنقذك من العقاب وتعطيك الفرصة لتعود.

الباب مازال مفتوحاً ولم يغلق بعد، وإن العذراء القديسة مريم مازالت تسمع وتتشفع من أجلك.

ليست الخطية سيطرة عليك. إبدأ في الجهاد مرة أخرى، وأشفق على ذاتك، وعلينا جميعاً نحن الذين في المسيح يسوع إلهنا، الذي له القوة والمجد الآن وإلى الأبد آمين.

الثقة في مراحم الله:

من خطاب إلى أوربيكاس الراهب:

علمت أنك تود زيارتنا حتى تخفف عنا أتعابنا قليلا، ولكن خطايانا وقفت حائلا أمامك، ومنعتك من الوصول إلينا، ولذلك جاهدنا وتعبنا وحدنا ولم نحظى بمعونتك التي كنا في احتياج لها، وإني أشبّه ما حدث بأمواج البحر، التي ما تلبث واحدة أن تتكسّر لتعقبها الأخرى، وتهددنا بأن تبتلعنا في ظلامها، هذا أيضاً ما يحدث في تجاربنا، فإن اللحظة التي ظلامها، هذا أيضاً ما يحدث في تجاربنا، فإن اللحظة التي تنتهي فيها واحدة تلوح واحدة أخرى أمامنا، ومعظم الوقت لا نجد إلا إجابة واحدة وهى: ( دع الماضي يذهب، واهرب من تهديدات المستقبل ).

في بعض الأحيان يظهر لنا أنه لا شيء يعطينا العزاء أو النصيحة، أو يقدر أن يريحنا أو يشترك في مساعدتنا، فلا تيأس بل نضع أمام أعيننا أهم شيء وهو أن نصلى باستمرار، حتى لا نُقهر بأمواج الاضطراب العظيمة التي تهاجمنا.

ولكن نتذكر أيضاً نعمة الله ومراحمه، فإذا فعلنا هذا فسوف لا نُعد ضمن الخدام المتقلبين، الذين يؤمنون فقط عندما تسير الأمور الحسنة، ولكنهم يتمردون عندما يجربون بالمحن والتجارب.

ليتنا نستغل الصعوبات الحالية لأجل نفعنا، ونظهر إيماناً أعظم في الله، لأننا في حاجة شديدة إليه، له المجد إلى الأبد آمين.

رسالة عن مفهوم حياة الشركة:

أدعوكم يا أحبائي جميعاً أن تعيشوا حياة الشركة، كما عاشها الرسل القديسون، أنتم الذين تعيشونها بالحق، وينبغي أن تقدموا عليها الشكر لله، أما النصيحة التي أعطيها لكم فهي ليس لمنفعتكم فقط، بل لأجل سلامنا جميعا، لنمجد ونشكر الرب يسوع المسيح الذي باسمه دعينا.

لهذا الغرض أرسلت أخينا العزيز الذي سيشجع القائمين، ويساعد الذين تأخروا للوراء، وسيخبرنا إن كان أحدكم لا يفرح قلبنا، لأننا لدينا شوقاً عظيم أن نراكم متحدين، ونسمع عنكم إنكم تعيشوا حياة الشهادة الحقيقية، ونضمن أنكم دائماً ساهرين، وعاملين بثبات في هذه الحياة التي ستؤدى حتماً إلى الشهادة للفضيلة.

واحد منكم يفرح وينال المكافأة لأجل صبره، وآخر ينال أجره الحسن لأجل مساعدة أخيه من أجل أن يعيش حياة الاستقامة، ومن أجل هذا سنعمل معاً من أجل منفعتنا كلنا، ملاحظين أقوالنا وأعمالنا، وفقاً لتعاليمنا التي نرسلها إليكم.

قبل كل شيء أريد أن أذكركم بإيمان آبائنا، حتى لا تظهر الانشقاقات بدلاً من الهدوء، اتبعوا الإرشادات التي وردت في هذا الخطاب، ولكنها لن تفيد ما لم تكن مؤيدة بالإيمان الصحيح بالله، تماما لأن الإيمان بدون أعمال لا يقدر أن يضعك في حضرة الله، ولابد أن يتحد الاثنان معاً ” العمل الحسن والإيمان ” ويكونا واحداً، حتى لا تتلف حياتنا بالانقسام.

الإيمان الصحيح سيخلصنا، ولكن بشرط أن يكون كما قال معلمنا بولس الرسول: ” الإيمان العامل بالمحبة ” ( غلا 5: 6 ).

رسالة على كبح الشهوات:

من رسالة القديس باسيليوس الكبير إلى أوربيكيوس الراهب:

أنت على حق في تفكيرك، إننا لابد أن نعرف الحقيقة التي لا تتضمن فقط قمع الجسد، ولكن أيضاً التقدم نحو أثماره، لأن الثمار هي الشركة مع الله.

إن كبح النفس هو رفض ما هو للجسد، واقتناء ما هو لله، وهو أيضاً الابتعاد عن كل ما يؤدى إلى موتها، لأن الجسد هو هيكل الله، وهو الذي يستطيع أن يقربنا لله، بأن ننزع عنا كل حسد وكل غيرة ضارة، كل الذين يحبون أهواء أجسادهم إنما يرغبون في أشياء ليست لنفعهم، ولكنهم إذا استطاعوا أن ينزعوا فساد هذا المرض من قلوبهم، فإنهم سيجدوا أنفسهم أقوياء ضد كل أنزاع الأهواء التي تسبب موت أجسادهم وأرواحهم.

لو فهمت هذا الموضوع بطريقة صحيحة، فإننا نستطيع أن نقول إن من يعرف الله هو منضبط ( قامع لذاته ) لأنه لا يرغب في شيء، لأنه كامل في كل شيء، ولديه الاكتفاء الكلى في ذاته، فلا يرغب في ما يراه أو ما يسمعه، لأنه لا ينقصه شيئاً بل هو ممتلئ بكل شيء.

إكمال الشهوات يعنى أن النفس مريضة، ولكن قمع الأهواء يعنى أن النفس صحيحة، لا تعنى قمع النفس من جهة واحدة فقط أي الشهوات الجنسية، ولكننا نقصد كل الطرق التي تأتى منها الشهوات التي تحطم النفس وتجعلها في شدة الظمأ، فتوجد محبة المال، وغيرها من الشهوات التي تبعد النفس عن الاتحاد بالله، أيضاً لعلك تستطيع قمع نفسك بأن لا تعطيها ما تشتهيه من الشرب أو تناول بعض الأطعمة، فكل هذا يؤدى إلى تنقية نياتنا، والتحرر من العبودية.

تمرض نفوسنا إذا أخضعت للشهوات الفاسدة، والأفكار الرديئة التي تجعل قلوبنا منقسمة، أما قمع النفس فهو يعطينا حرية حقيقية في كل الطرق، ويحفظنا ويعطينا قوة.

إن قمع النفس لا يعنى العفة، ولكن العفة تنتج منه، وهي نعمة الله.

 

 


(6) ” حي أنا يقول الرب إني لا أسر بموت الشرير بل أن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا ” ( حزقيال 33: 11 ).

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
da_DKDanish
Rul til toppen