الدياتسارون

“الذياتسّارون” أو “الدياتسرون” Ù„ÙØ¸ يونانيّ يشير إلى الكتاب الذي يحتوي دمجاً لروايات الأناجيل الأربعة ÙÙŠ رواية واحدة. هو تألي٠لسيرة الربّ يسوع، إطارها الزمنيّ، لا سيّما ÙÙŠ البداية والنهاية، مستوحىً من إنجيل يوحنّا، وشبك جملها ومقاطعها ÙÙŠ الوسط مستوحىً من شبكة السرد ÙÙŠ إنجيل متّى، ومحتواها متأثّر بإنجيلَي مرقس ولوقا. ولا يتورّع مؤلّ٠الذياتسّارون عن استعمال نصوص من مصادر منحولة (غير معتر٠بقانونيّتها ÙÙŠ الكنيسة جمعاء). أمّا الهد٠من تألي٠هذا الكتاب Ùكان إيجاد كتاب مقدّس موحّد وسهل الاستعمال. وهذا ما ÙŠÙØ³Ù‘ر انتشاره الواسع، بحيث إنّ الكنائس الشرقيّة استعملت الذياتسّارون ÙÙŠ عباداتها حتّى القرن الخامس. وقد تأثّر بهذا النمط من Ø§Ù„Ù…Ø¤Ù„Ù‘ÙØ§Øª الكثيرون ممّن كتبوا “سيرة يسوع”ØŒ أو ممّن أخرجوا Ø£Ùلاماً عنه.

تاتيانس الذي عاش ÙÙŠ القرن الثاني للميلاد هو الذي وضع الذياتسّارون باللغة السريانيّة، على الرغم من أنّ عنوانه يوحي بأصل يونانيّ. وتاتيانس ولد من أبوين وثنيّين ÙÙŠ بلاد الأشوريّين، أي بلاد ما بين النهرين. درس الÙÙ„Ø³ÙØ© ÙˆØ§Ù„Ø«Ù‚Ø§ÙØ© اليونانيّة واطّلع على الكتاب المقدّس واهتدى إلى المسيحيّة. أمّا ما وصلنا من تاتيانس، Ø¨Ø§Ù„Ø¥Ø¶Ø§ÙØ© إلى الذياتسّارون، Ùمؤلّ٠واحد هو Ø¯ÙØ§Ø¹ عن المسيحيّة تحت عنوان “الخطاب إلى الأثينائيّين”.t;.

“أبو Ø§Ù„ÙØ±Ø¬ عبدالله بن الطيّب” هو أوّل من نقل الذياتسّارون إلى اللغة العربيّة. قال عنه ابن أبي أصيبعة (المؤرّخ الإسلاميّ) ÙÙŠ كتابه “عيون الأنباء”: “أبو Ø§Ù„ÙØ±Ø¬ بن الطيّب هو الÙيلسو٠الإمام العالم. كان كاتب الجاثليق (لقب بطريرك النساطرة ÙÙŠ بغداد) إلياس الأوّل، ومتميّزاً ÙÙŠ النصارى، ويقرئ (أي يعلّم) صناعة الطبّ. وكان عظيم الشأن، جليل القدر، واسع العلم، كثير التصني٠(أي التأليÙ)ØŒ خبيراً بالÙÙ„Ø³ÙØ© كثير الاشتغال بها”. وكان قسّاً وراهباً “مصرّاً على نصرانيّته، معظّماً لأمور رهبانيّته، ويتردّد إلى بÙيَعها ولا يعتريه ملل”ØŒ على ما جاء عنه ÙÙŠ كتاب “مسالك الأبصار” لشهاب الدّين العمريّ… كما يذكر صاحب “عيون الأنباء” أنّ ابن الطيّب وضع “مقالة ÙÙŠ المحبّة وشرح الإنجيل”.t;.

ثمّة مقالات أخرى مشهورة لأبي Ø§Ù„ÙØ±Ø¬ منها مقالة “ÙÙŠ العلم والمعجزة”ØŒ يقدّم Ùيها العلم على المعجزة قائلاً: “البرهان ÙÙŠ مذهب النصارى أشر٠من المعجز. ÙØ£Ù…ّا البرهان Ùمع الخواصّ والعلماء الذين لا ينقادون إلاّ به. وأمّا المعجز، Ùمع الجمهور الذين لا يصدّقون إلاّ بما تشهد الحواسّ. والدليل على أنّ العلم أشر٠من المعجز قول Ùولوس (بولس) الرسول المنتخَب السماويّ: رتّب الله ÙÙŠ البيعة الرسل أوّلاً، وبعدهم الأنبياء، وبعدهم العلماء، وبعدهم الذين يصنعون المعجز، وبعدهم الذين يشÙون المرضى، وبعدهم أصحاب اللغات”. وله أيضاً مقالة ÙÙŠ “التثليث والتوحيد” يميّز Ùيها بين الجوهر الإلهيّ والأقانيم الثلاثة بقوله: “Ùيكون الباري تعالى واحداً وكثيراً: واحداً من Ù‚ÙØ¨Ù„ الذات، وكثيراً من Ù‚ÙØ¨Ù„ الأقانيم”……

إنّ نصّ الذياتسّارون كما نقله أبو Ø§Ù„ÙØ±Ø¬ بن الطيّب غير متوÙّر إلاّ بطبعة قديمة صدرت ÙÙŠ العام 1935. وهو يبدأ بالمقدّمة التالية: “بسم الله الواحد، الآب والابن والروح القدس. له المجد دائماً. نبتدئ، بمعونة الله تعالى، بكتابة الإنجيل الطاهر، والبستان الزاهر، المدعو دياطاسرون ÙˆØªÙØ³ÙŠØ± هذه Ø§Ù„Ù„ÙØ¸Ø© الرباعيّ، وهو الذي جمعه طيطيانوس اليونانيّ من المبشّرين الأربعة: متّى المصطÙى، ومرقس المجتبى (أي المنتخَب)ØŒ ولوقا المرتضى، ويوحنّا الحبيب”. ÙˆÙÙŠ الخاتمة نقرأ: “تمّ الإنجيل الرباعيّ، المجموع من أربع بشائر الرسل الأطهار، الأربعة الإنجيليّين الأخيار، عليهم السلام. نقله القسّ، الخيّر، العالم، أبو Ø§Ù„ÙØ±Ø¬ عبدالله بن الطيّب، رضي الله عنه، من السريانيّ إلى العربيّ، من نسخة بخطّ عيسى بن عليّ المطيّب، تلميذ حنين بن إسحق، رحمهما الله. آمين”.

لقد أوردنا نصّي المقدّمة والخاتمة من الذياتسّارون لنشير إلى كثرة القواسم اللغويّة المشتركة بين المسيحيّين والمسلمين، على الرغم من Ø§Ø®ØªÙ„Ø§ÙØ§ØªÙ‡Ù… الدينيّة والعقائديّة الكثيرة أيضاً. ÙØ§Ù„قاب الإنجيليّين الأربعة (المصطÙى، المجتبى، المرتضى) ما عادت Ù…Ø£Ù„ÙˆÙØ© عند المسيحيّين، كذلك تعبير “عليكم السلام”ØŒ أو اسم الناسخ “عيسى بن عليّ”… مع العلم أنّها مجرّد تعابير لغويّة ليست حكراً لدين من دون آخر. هنا تجدر الإشارة إلى أنّ اسم يسوع ÙÙŠ ترجمة الذياتسّارون لابن الطيّب هو “إيسوع”ØŒ وهو الاسم الذي ساد عند النساطرة ÙÙŠ بلاد ما بين النهرين تأثّراً Ø¨Ø§Ù„Ù„ÙØ¸ السريانيّ ÙÙŠ تلك البلاد، بينما ساد اسم “يسوع” عند السريان “أصحاب الطبيعة الواحدة” ÙÙŠ بلاد الشام. المسألة، إذاً، مسألة Ø£Ù„ÙØ§Ø¸ لا دخل لعقيدة ولا لإيديولوجيا بها. المهمّ أنّ يسوع وإيسوع وعيسى أسماء لحقيقة واحدة اسمها “كلمة الله”.

ما ÙŠÙ„ÙØª القارئ ÙÙŠ هذه الطبعة العربيّة من الذياتسّارون، عدا التعابير الجميلة والبلاغيّة الرÙيعة، هو Ù…Ø¹Ø±ÙØ© المعرّب بعلوم عصره الدينيّة كاÙّة. Ùنراه يستعمل، مثلاً، Ù„ÙØ¸ “المعتزلة” ÙƒÙ…Ø±Ø§Ø¯Ù Ù„Ù„ÙØ¸ “Ø§Ù„ÙØ±Ù‘يسيّين” لأنّهم اعتزلوا عموم اليهود، كما اعتزل “المعتزلة” المسلمون باقي Ø§Ù„ÙØ±Ù‚ الإسلاميّة الأخرى. غير أنّ أهمّيّة الذياتسّارون الأساسيّة إنّما تكمن ÙÙŠ أنّها تتيح للقارئ أن يقرأ محتويات الأناجيل الأربعة كلّها ÙÙŠ إنجيل واحد، ولها أهمّيّة تربويّة وتبشيريّة قصوى تتمثّل ÙÙŠ إتاحة Ø§Ù„ÙØ±ØµØ© أمام الشباب المعتاد على نمط معيّن من الحياة، لكي يطّلعوا على الإنجيل ويتعرّÙوا على ربّ هذا الإنجيل، يسوع الناصريّ.

عن نشرة رعيتي 2004

Rul til toppen