☦︎
☦︎

” ..وصُلِبَ عَنّا عَلَى عَهْدِ بِيلاطُس اَلْبُنْطِى وتَأَلّمَ وقُبِرَ وَقَامَ مِنْ بَيْن الأمْوَاتِ في اَلْيَوْمِ اَلثَالِثِ كَمَا هُوَّ في اَلْكُتُبِ. وَصَعَدَ إِِلَى اَلسَمَوَاتِ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اَلآبِ. وَأَيْضاً يَأْتِى في مَجْدِهِ لِيَدِينَ اَلأحْيَاءَ واَلأمْوَاتِ. الذي لَيْسَ لِمُلْكِهِ إِنْقِضَاء.”

1. الصلب

إن الفداء إمتداد وتكملة لعمل التجسّد. هذا الفداء الذي بلغ بالصليب قمته يمكن أن يُنظر إليه من ثلاث وجهات نظر:

  • بالصليب حطم المسيح حواجز أنانيتنا.
  • بالصليب أخذ المسيح على ذاته خطيئتنا.
  • بالصليب انتصر المسيح على الألم والموت بدخوله فيهما.

* بالصليب حطم المسيح حواجز أنانيتنا :

بالتجسّد أصبح الله حاضراً في الإنسان ليجدّده ويشفيه ويشركه في حياته الإلهية. ولكن بقى أن يُزال الحاجز الذي أقامته الخطيئة في صميم الإنسان بينه وبين خالقه. هذا الحاجز هو كما رأينا إنغلاق الإنسان وإنطواؤه على نفسه دون الله، هو عبادة الأنا التي حكمت على الإنسان بعزلة مميتة. كان ينبغي إذاً تحطيم هذا الحاجز لتتدفق في الإنسان حياة الله، لأن الإنسان الممتلئ من ذاته لم يعد لله مكان فيه. لذلك عندما اتخذ ابن الله طبيعة الإنسان، داوى أنانيتها بالانفتاح الكامل والعطاء الكامل اللذين حققهما في إنسانيته.

فإنه طيلة حياته علي الأرض، لم يرد أن يتمتع بالمجد الإلهي الذي كان كامنا فيه. فإنه : [ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ اَلنَّاسِ ] [ فيليبي 2: 7 ].أخلى ذاته من التمتع بالمجد الإلهي وقبل طوعا بوضع “العبد”. فضّل العطاء على التمتع، ومع أن كل شيء كان في متناول يده، أراد أن يبذل لا أن يأخذ: [ كَمَا أَنَّ اِبْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ ] [ متى 20: 28 ]. إنه : [ اَلْمَسِيحَ أَيْضاً لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ ] [ رومية 15: 3 ]. ولكن حياته كلها كانت قربانا لله الآب وللبشر الذين صار أخا لهم. فقد وُلد فقيراً في مذود البهائم وتشرّد عند إضطهاد هيرودس له، وعاش معظم حياته عاملاً مجهولاً: [ أَلَيْسَ هَذَا هُوَ اَلنَّجَّارَ اِبْنَ مَرْيَمَ ] [ مرقس 6 : 3 ]. وطاف يبشّر فيما [ لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ ] [ متى 8: 20 ]. ورفض أن يصنع آية في السماء ليبهر بها البشر [ وَجَاءَ إِلَيْهِ اَلْفَرِّيسِيُّونَ وَاَلصَّدُّوقِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ فَسَأَلُوهُ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً مِنَ اَلسَّمَاءِ.. جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ اَلنَّبِيِّ ] [ متى 16: 1، 4 ]. ولكنه كان يصنع العجائب رأفة بالمعذبين و[ َأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ اَلسُّقَمَاءِ الْمُصَابِينَ بِأَمْرَاضٍ وَأَوْجَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْمَجَانِينَ وَالْمَصْرُوعِينَ وَالْمَفْلُوجِينَ فَشَفَاهُمْ ] [ متى 4 : 23 ]. وقد احتمل عدم إيمان الكثيرين، حتى أقاربه الذين كانوا ينعتونه بالجنون وتلاميذه الذين لم يفهموا رسالته حق الفهم والذين تركوه كلهم وفرّوا حين تسليمه، وباعه أحدهم وأنكره آخر. وصبر على كل إهانات وشتائم وإضطهادات أعدائه الذين كانوا ينعتونه [ فَقَالَ اَلْيَهُودُ : أَلَسْنَا نَقُولُ حَسَناً إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَبِكَ شَيْطَانٌ؟ ] [ يوحنا 8: 48 ]. ولم يرد أن ينتقم منهم بل إنتهر يعقوب ويوحنا عندما طلبا إنزال نار من السماء لإحراق قرية رفضت أن تستقبله: [ وَحِينَ تَمَّتِ اَلأَيَّامُ لاِرْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَأَرْسَلَ أَمَامَ وَجْهِهِ رُسُلاً فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَرْيَةً لِلسَّامِرِيِّينَ حَتَّى يُعِدُّوا لَهُ. فَلَمْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهاً نَحْوَ أُورُشَلِيمَ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا قَالاَ: { يَا رَبُّ أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ اَلسَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضاً؟ } فَالْتَفَتَ وَاِنْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: { لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا! لأَنَّ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ اَلنَّاسِ بَلْ لِيُخَلِّصَ }. فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى ] [ لوقا 9: 51 – 59 ]. وزجر بطرس عندما أراد أن يدافع عنه بالسيف: [ رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ اَلَّذِينَ يَأْخُذُونَ اَلسَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ ] [ متى 26: 52 ]. وصلّى من أجل قاتليه: [ يَاأَبَتَاهُ اِغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ ] [ لوقا 23: 34 ]. وأراد، وهو المعلّم والسيّد، أن يكون وسط تلاميذه كالخادم: [ لأَنْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ؟ أَلَّذِي يَتَّكِئُ أَمِ اَلَّذِي يَخْدِمُ؟ أَلَيْسَ اَلَّذِي يَتَّكِئُ؟ وَلَكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدِمُ ] [ لوقا 22: 27 ]. وأن يغسل أرجلهم: [ قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ وَخَلَعَ ثِيَابَهُ وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَلٍ وَاِبْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ اَلَّتِي كَانَ مُتَّزِراً بِهَا ] [ يوحنا 13: 4، 5 ].

هذا العطاء الذي به أراد المسيح أن يستأصل أنانيتنا، بلغ ذروته في الصليب. كان في وسع المسيح أن لا يموت بالنظر لللاهوت الكامن فيه. ولكنه ذهب في تخليه عن ” الأنا” إلى أقصى الحدود، باذلاً ذاته للموت. وهكذا قدّم حياته على الصليب قربان محبة للآب، وتعبيراً عن تخلّيه التام عن مشيئته الذاتية، كما قال بنفسه في بستان جسيمانى: [ يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ اَلْكَأْسُ وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ.. يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ اَلْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ ] [ متى 26: 39، 42 ]. وكما ورد عن لسانه في الرسالة للعبرانيين، مخاطباً الآب: [ ذَبِيحَةً وَقُرْبَاناً لَمْ تُرِدْ، وَلَكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَداً. بِمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ لَمْ تُسَرَّ. ثُمَّ قُلْتُ: هَئَنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي، لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ ] [ عبرانيين 10: 5 – 7 ].

هكذا تمرّد آدم، وأطاع المسيح. تكبّر آدم، فتواضع المسيح. اكتفي آدم بذاته، فتخلّى المسيح عن ذاته: [ وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى اَلْمَوْتَ مَوْتَ اَلصَّلِيبِ ] [ فيليبى 2: 8 ]. وهكذا بإنسانيته المبذولة، المعطاة، أعطى البشرية الدواء الشفي لداء الأنانية الذي فصلها عن الله.

* بالصليب أخذ المسيح على ذاته خطيئتنا :

ومن وجهة نظر أخرى، نرى أن الرب يسوع المسيح، لكى ينقذنا من الخطيئة التي أصبحنا نئن تحت وطأتها، شاء أن يأخذها على نفسه، لا أن يأخذها هي بلّ أن يحتمل في ذاته نتائجها المريعة حباً بنا. إن المحب يود لو أنه يستطيع أن يأخذ على نفسه مرض المحبوب ليخلصه من وطأته. ولكن ما لا يستطيع أن يفعله الحب البشرى، استطاع أن الرب يسوع المسيح أن يتممه إذ أنه، لأجل محبته لنا، أخذ على نفسه مرضنا لينقذنا منه: [ لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا0 وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً ‏مَضْرُوباً مِنَ اَلْلَّهِ وَمَذْلُولا ] [ أشعياء 53: 4 ]. و [ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا ] [ متى 8: 17 ].

فإنه وهو البريء من كل خطيئة، أخذ على نفسه كل الشقاء الذي جرّته الخطيئة على الجنس البشري: [ نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ ‏فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا0 تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا ‏عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا ] [ أشعياء 53: 2، 5 ]. وكانه متروك من الله نفسه: [ إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ ] [ متى 27: 46 ]، حاصلاً في ظلمة وحزن مميتين: [ نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى اَلْمَوْتِ ] [ متى 26: 38 ].

هكذا تجسّمت في المسيح – وهو لم يعرف خطيئة – كل مأساة خطيئة البشر: [ كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ ‏جَمِيعِنَا ] [ أشعياء 53: 6 ]. وكأنه صار هو “خطيئة” على حد تعبير الرسول بولس: [ لأَنَّهُ جَعَلَ اَلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا ] [ 2 كورونثوس 5: 21 ].

وهكذا فإن يسوع المسيح على الصليب ظهر لله الآب مجسماً في جسده الجريح، الممزّق، المختنق، وفي نفسه المنسحقة، بشاعة كل خطيئة البشر التي أخذها على نفسه فصار شفيعا للخطأة أجمعين عندما وحد ذاته معهم: [ لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ اَلأَعِزَّاءِ وَمَعَ اَلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ ‏سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ ‏وَشَفَعَ فِي اَلْمُذْنِبِينَ ] [ أشعياء 53: 12 ]. ذلك أن الآب لم يعد ينظر إلى الخطأة إلا من خلال هذه الصورة، صورة ابنه الوحيد الحبيب المصلوب الذي جعل نفسه كواحد منهم. وبهذا المعنى يتابع الرسول بولس: [ لأَنَّهُ جَعَلَ اَلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اَلْلَّهِ فِيهِ ] [2 كورونثوس 5: 21 ]. أى أن الله تصالح مع البشر الخطأة وغفر خطاياهم وبرّرهم وضمهم إليه من خلال شخص الابن الوحيد الحبيب الذي وحّد ذاته معهم.

هكذا كان الحمل الذي كان يُذبح في الهيكل صباحا ومساءً تكفيراً عن خطايا الشعب رمزاً وإشارة إلى المسيح الذي قال عنه يوحنا المعمدان: [ هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ اَلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ ] [ يوحنا 1: 29 ].

* بالصليب انتصر المسيح على الألم والموت بدخوله فيهما:

وهناك أخيراً، معنى ثالث بالغ الأهمية يتجلّى في الصليب. لقد دخل البشر بالخطيئة في مملكة الموت ( وبلغة الكتاب والآباء تُدعى ” الجحيم” ). وساد عليهم الحزن والألم والضعف والفناء. لقد أصبحوا كمن اُغلَّق عليهم في سجن مظلم رهيب. لقد كان بإمكان الله أن يحرّرهم من الخارج، بكلمة منه فقط، بإرادته الفائقة. ولكن محبته دفعته أن يشارك البشر أولاً مصيرهم لكى يوحّد ذاته معهم. المحبة تدفع المحبّ إلى مشاركة المحبوب في آلامه. هكذا محبة الله “الجنونية” للإنسان، كما نعتها كاباسيلاس، لم تدفعه إلى إجتياز الهوة الفاصلة بين الخالق والمخلوق وحسب – وهذا هو التجسّد – بل إلى مشاركته أيضاً في جحيم بؤسه.

فالإله بتجسّده: [ فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَ. ] [ عبرانيين 2: 14 ]. شاء أن يصير شبيها في كلّ شيء بالبشر الذين إتخذهم إخوة له: [ مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيماً، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِيناً فِي مَا لِلَّهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ ] [ عبرانيين 2: 17 ]. أن يشاركهم أيضاً بكلّ ما تعرّض له هذا اللحم والدم، من جرّاء الخطيئة، من حزن وضيق وآلام وموت. هكذا إكتمل التجسّد ودخل ابن الله إلى صميم الطبيعة الإنسانية، مختبراً إياها بكلّ شقائه، حتى يشعر الإنسان في حزنه وبؤسه، في آلامه الجسدية والمعنوية، في نزاعه وموته، إنه محبوب، وأن الله نفسه شاركه في ذلك كلّه. لقد جعل الله نفسه طريح الألم لكى لا يشعر الإنسان أنه يعانيه وحده بلّ برفقة الإله المتجسّد الذي عاش آلام الإنسان في نفسه وجسده، بمعيّة ذاك الذي كُتب عنه: [ لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّباً يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ ] [ عبرانيين 2: 18 ].

هكذا دخل يسوع المسيح، حباً بالإنسان، مملكة الموت التي كان غريباً عنها إطلاقاً، ليس فقط من حيث إلوهيته التي هي ينبوع الحياة، بلّ من حيث إنسانيته أيضاً. فإنسانية يسوع المسيح لم تعرف الخطيئة البتة ولذلك فقد كانت بالكليّه غريبة عن مملكة الموت، ذلك الموت الذي إنجرف إليه الإنسان بالخطيئة. مملكة الموت هي مملكة الشيطان الذي قتل الناس بالخطيئة، ولم يكن للشيطان شيء في إنسانية يسوع المسيح البريئة من كل عيب، ولذا قال يسوع لتلاميذه قبل تسليمه بقليل: [ لأَنَّ رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ ( أي الشيطان الذي تسلّط على العالم بالخطيئة ) يَأْتِي ( أي أن يسوع سوف يدخل بالموت إلى مملكته ) وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ ] [ يوحنا 14: 30 ]. في تلك المملكة التي كان غريباً عنها بالكلّية، مملكة الموت والشيطان الذي له [ سُلْطَان اَلْمَوْتِ ] [ عبرانيين 2: 14 ]. دخل يسوع حباً بالإنسان سجين ذلك العالم الرهيب.

ولكن مملكة الموت لم يكن بوسعها أن تضبط سيد الحياة والقدّوس البريء من الخط. لذا كان دخول يسوع فيها مقدمة لتحطيمها وتحرير الإنسان منها. هكذا لما شاركنا الرب في الآلام والموت أعتقنا من الموت والآلام، ولمّا أسلم ذاته لذلك العالم الرهيب الذي أوجدته الخطيئة ضرب قوى الخطيئة الكامنة فينا ضربة قاضية. عندما طرح نفسه في ظلمتنا، أضاءها بنوره، وعندما شاركنا في موتنا أعطانا حياته. هكذا تحققت نبؤة أشعياء التي ردّدها الإنجيل مطبقا إيّاها على يسوع: [ اَلْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ اَلْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ ] [ أشعياء 9 : 2 ]. و[ الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ ] [ متى 4: 16 ]. هذا ما عبّرت عنه الرسالة إلى العبرانيين: [ فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ ] [ عبرانيين 2: 14 ].

* أسئلة

  1. كيف كان الصليب واسطة لتحطيم حواجز الأنانية التي تفصل الإنسان عن الله؟ أليست قيمة الصليب هي في البذل الكامل الذي يعبر عنه؟ (أنظر متى 26: 25، فيليبي 2: 28، عبرانيين 10: 5-7).
  2. ألم يكن بإمكان المسيح أن يتمتع بالمجد الإلهي الكامن فيه؟ هل قبل بهذا التمتمع أم اتبع طريق “أفراغ الذات”؟ (أنظر فيليبي 2: 6 و7 ورومية 15: 3). بيِّن أنه اتبع هذه الطريق في كل مراحل حياته (أنظر على سبيل المثال مرقس 6: 3 ومتى 8: 20 ويوحنا 8: 48 ولوقا 22: 27 ويوحنا 13: 4 و5 ويوحنا 18: 11…).
  3. ألا يشاء المحب أن يأخذ على نفسه مرض المحبوب ليخلصه من وطأته؟ ألم يفعل المسيح ذلك بالنسبة لنا، نحن البشر الخطأة؟ (أنظر أشعياء 53: 4 و6 ومتى 8: 17). كيف تم ذلك على الصليب؟ ألم يكن المسيح عند ذاك -وهو لم يعرف خطيئة- مجسماً في ذاته كل مأساة الخطيئة (أنظر أشعياء 53 ومتى 27: 46)؟
  4. ألم يصبح المسيح هكذا شفيعاً للخطأة؟ (أنظر أشعياء 53: 12 و2كورنثوس 5: 21). أليس ذلك لأن الله لم يعد ينظر إلى الخطأة إلا من خلال ابنه المصلوب الذي وحّد نفسه معهم؟ كيف تفهم على ضوء ذلك عبارة يوحنا المعمدان عن يسوع الواردة في يوحنا 1: 29؟
  5. لقد دخل الإنسان بالخطيئة مملكة الشقاء والموت. ألم يكن يسوع غريباً عن هذه المملكة؟ لماذا قبل إذاً أن يدخل فيها بالصليب؟ ألا يدفع الحب إلى مشاركة المحبوب في آلامه؟ ألم يكن دخول يسوع مملكة الموت قضاء مبرماً عليها؟ (أنظر عبرانيين 2: 11-18 وأشعياء 9: 2 ومتى 4: 16).

* ملحق :

1 – القديس مكسيموس المعترف هو أحد كبار معلمى الكنيسة، عاش راهباً في القرن السابع ودافع عن استقامة الرأي بكتاباته بجرأة دفعت الأمبراطور البيزنطي الذي كان يرعى بدعة المشيئة الواحدة أن يأمر بقطع يده ولسانه، فلقب هكذا بالمعترف، لأنه تألم من أجل الإيمان. في المقطع الذي نثبته فيما يلي، يصف القديس مكسيموس، مستخدماً صوراً رمزية، كيف أنقذنا المسيح من عبودية الشيطان بدخوله في مملكته بالموت.

” لقد عَلّق السيد جسده الإنساني كطعم بصنارة ألوهيته، كأنه يريد بذلك أن يجتذب الشيطان. وبالفعل هذا التنين العقلي، النهم إلى جسد الإنسان فغر فاه حول هذا الطعم، حاسباً إيّاه، من جرّاء طبيعته الإنسانية، سهل المنال. وهكذا علق بصنارة الألوهة. بعد ذلك أرغمه جسد الكلمة المقدّس أن يلفظ كلياً الطبيعة الإنسانية التي كان سبق فابتلعها. وهكذا فالذي كان قد أغوى الإنسان مؤملاً إيّاه بالتأليه وابتلعه على هذا المنوال، أُجْتذِبَ بدوره بجسد الإنسان ذاته وأُرْغِم على لفظ ما كان قد ابتلعه. هكذا تجلّت القدرة الإلهية بشكل ساطع: فقد انتصرت على قوة الغالب مستخدمة بمثابة سلاح ضعف الطبيعة المغلوبة. منذ ذلك الحين أصبح الله الظافر بطبيعته الإنسانية وليس الشيطان بوعده الإنسان بالطبيعة الإلهية”.

2 – يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، وحّد ذاته مع البشر العصاة إذ احتمل بالصليب كل لعنة الخطيئة، و”أحصي مع الأثمة”. لذلك أصبح للبشر الخطاة الدالة أن ينادوا الآب ” أبانا” من خلال الابن الوحيد الذي صار واحداً منهم. هذا ما عبّر عنه الشاعر باغي Charles Péguy بالسطور التالية:

  • ” أبانا الذي في السموات، لقد علمهم ابني هذه الصلاة…
  • ” أبانا الذي في السموات، لقد كان يعرف ماذا يصنع، في ذلك اليوم، ابني الذي كان يحبهم بهذا المقدار.
  • ” الذي عاش بينهم، الذي كان واحداً مثلهم.
  • ” الذي كان يسير مثلهم، ويتكلّم مثلهم، ويعيش مثلهم.
  • ” الذي كان يتألم.
  • الذي تألم مثلهم، الذي مات مثلهم…
  • ” ابنى الذي أحبهم بهذا المقدار، الذي يحبهم أبدياً في السماء.
  • ” أبانا الذي في السموات، تلك الثلاث وألأربع كلمات…
  • ” تلك الكلمات التي تسير أمام كل صلاة كما تسير يدا المتوسّل أمام وجهه.
  • ” كما أن يديّ المتوسّل المضمومتين تتقدّمان أمام وجهه و دموع وجهه.
  • ” هذا ما أخبرهم ابني عنه، لقد سلم إليهم ابني.
  • ” سرّ الدينونة نفسها.
  • ” والآن هكذا يبدون لي، هكذا أراهم.
  • ” هكذا أنا مرغم أن أراهم.
  • ” كما أن أثر سفينة جميلة لا يزال يتسع حتى يتلاشى.
  • ” ولكنه يبدأ برأس، وهو رأس السفينة ذاته.
  • ” هكذا موكب الخطأة الهائل لا يزال يتسع حتى يتلاشى.
  • ” ولكنه يبدأ برأس، وهذا الرأس يأتي إليّ، متجهاً نحوي.
  • ” يبدأ برأس هو رأس السفينة ذاته.
  • ” والسفينة هي ابني نفسه، حاملاً كل خطتايا العالم.
  • ” ورأس السفينة هو يدا ابني المضمومتان.
  • ” وأمام نظرة غضبى وأمام عدالتي.
  • ” اختفوا كلهم وراءه…
  • ” أبانا الذي في السموات، لقد اخترع ذلك.
  • ” لقد كان معهم، لقد كان مثلهم، لقد كان واحداً منهم.
  • ” أبانا، كمثل رجل يلقى معطفا كبيراً على كتفيه.
  • ” ارتدى، متجها نحوي.
  • ” معطف خطايا العالم..”.

Charles Péguy: Le Mystère des Saints Innocents

2 – القيامة

القيامة إنفجار قوة الفداء المحيية. ويمكننا لجلاء معانيها أن نتأملها من وجهتى النظر التاليتين:

* القيامة فيض الحياة الإلهية في إنسانية يسوع المنفتحة إلى الله بعطاء كامل :

إن الرب يسوع بالصليب بلغ قمّة التخلّي عن إرادته الذاتية وقدّم ذاته بكلّيته إلى الله الآب. تقدمة محبة كاملة وعطاء لا تحفظ فيه. هكذا أصبحت إنسانية يسوع منفتحة كل الانفتاح على الله الآب في شركة حب كاملة معه، لذا تدفقت فيها الحياة الإلهية كلها وتحولت بالمجد الإلهي. لقد كان مجد الألوهة بالطبع حالاً في المسيح منذ تجسّده، إذ لم يزل إلها بعد أن إتّخذ جسدنا، إلا أن هذا المجد كان مستتراً، محجوباً وراء الطبيعة البشرية التي إتّخذها ابن الله بحدودها وشقائه. لذا جاع المسيح وعطش وبكى وتألّم. لقد كانت الألوهة مستقرة في قلب كيانه ولكنه كان يبدو في الظاهر إنسانا كبقية الناس. ولكن عندما اكتمل عطاء يسوع المصلوب إجتاح المجد الإلهي الكامن فيه والمحتجب وراء طبيعته الإنسانية هذا الناسوت كله وملأه بقوة الله وحياته وجماله.

عند الفجر تكون الشمس أولاً متخفية وراء الأفق، يتراءى نورها خفيفً، ناعمً، لا يُبهر الأنظار، ثمّ ينفجر النهار ويغمر النور الكون كله ويضفي على الأشياء كلها بهاءاً ساطع. هكذا ألوهة الرب يسوع المسيح المستمدّة أزلياً من الله الآب فاضت بالصليب في ناسوته المنفتح كلياً إلى الآب، فتمجّد هذا الناسوت وانتصر على الموت.

لقد كانت حادثة التجلّى (أنظر مثلاً متى 17: 1 – 9 ولوقا 9: 28 – 36) مقدمة وصورة للقيامة كما يتّضح من توصية يسوع بعد الحادثة (أنظر مثلاً متى 17: 9). فعلى جبل التجلّي فاض نور الألوهة المستقرّ في الرب يسوع المسيح، في جسده، فتغيّر منظره وصار وجهه مضيئاً كالشمس وثيابه بيضاء كالثلج، لامعة كالنور. وقد حدث هذا التحوّل عندما كان موسى وإيليا، اللذان ظهر، يتحدّثان مع يسوع: “عن خروجه (أي عن موته) الذي كان مزمعاً أن يتممه في أورشليم” (لوقا 9:31). لقد تجلّى يسوع عندما كان يتحدّث عن موته، وفي ذلك إشارة إلى أن إنسانية يسوع كانت سوف تتمجّد بالموت.

تلك العلاقة الوثيقة بين الصليب وتمجيد يسوع، قد أوضحها الكتاب المقدّس في مواضع مختلفة. ففي إنجيل يوحنا نرى يسوع يقول لتلاميذه قبل آلامه بفترة وجيزة: [ وَأَمَّا يَسُوعُ فَأَجَابَهُمَا: قَدْ أَتَتِ اَلسَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ اِبْنُ الإِنْسَانِ ] [ يوحنا 12: 23 ]. وأضاف موضحا كيف يتم التمجيد:[ اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ اَلْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ] [ يوحنا 12: 24 ]. تمجيد يسوع هذا، إذاً، في موته. كذلك في الصلاة التي تفوّه بها يسوع قبل خروجه مع تلاميذه إلى بستان جسيماني حيث أسلم ذاته، قال: [ أَيُّهَا الآبُ قَدْ أَتَتِ اَلسَّاعَةُ. مَجِّدِ اِبْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ اِبْنُكَ أَيْضاً ] [ يوحنا 17: 1 ]. ” الساعة” التي أتت هي ساعة الصليب والموت كما يتضح من مكان آخر: [ فَطَلَبُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ وَلَمْ يُلْقِ أَحَدٌ يَداً عَلَيْهِ لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ ] [ يوحنا 7: 30 ]. ” أتت الساعة، فمجد ابنك” يعني، إذً، أن ساعة الموت كانت بالنسبة للرب يسوع المسيح هي ساعة المجد.

الصليب، إذً، كان يحمل كلّ طاقة القيامة: لقد دخل يسوع المجد ( الذي له منذ الأزل وهو في حضن الآب ) عندما قبل بإجتياز الموت ولم يبق بعد ذلك إلا أن يظهر هذا المجد بنهوضه من بين الأموات. بالصليب، إذً، تحققت القيامة، لذلك فقد كانت آلة العار هذه بالنسبة ليسوع عرش المجد والظفر. لذا، شبهها الرسول بولس بتلك المركبة التي يقف عليها قادة روما الظافرون ويدخلون بها إلى المدينة جارين وراءهم رؤساء الأعداء مقيدين. هكذا إعتلى المسيح الصليب كمركبة ظفر وربط بها الأرواح الشريرة مقيّدة ذليلة: [ إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدّاً لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّراً إيَّاهُ بِالصَّلِيبِ، إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أشْهَرَهُمْ جِهَاراً، ظَافِراً بِهِمْ فِيه] [ كولوسى 2: 14، 15 ]. لذا نرى الفن البيزنطي يرسم أحياناً المصلوب متوجاً. وللسبب عينه كان المسيحيون قديماً في آسيا الصغرى، تبعاً لتقليد أخذوه عن يوحنا الحبيب، يعيّدون للقيامة يوم الجمعة العظيمة، وفي أيامنا هذه، عندما تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بحزن وخشوع في سحر الجمعة العظيمة بذكرى الصلب منشدة ذاك النشيد المؤث: “اليوم عُلِّقَ على خشبة الذي عَلَّقَ الأرض على المياه…”، تهتف في آخره: “نسجد لآلامك أيها المسيح، فأرنا قيامتك المجيدة”، مظهرة هكذا أنه حينما بلغت الظلمة أشدها بموت المسيح، انفجر النور في صميمها ولم يبقَ لنا إلا انتظار ظهوره في صباح الفصح. كذلك  في خدمة “جناز المسيح”، التي يُحتفل بها بتذكار دفن المسيح، تنشد مع المراثي ترانيم القيامة.

* القيامة تفجير لمملكة الموت بدخول سيد الحياة فيها:

ومن جهة أخرى فقد رأينا أن الرب يسوع المسيح دخل في مملكة الموت ( وبعبارة أخرى في الجحيم ) لكى يشارك الإنسان بؤسه وشقاؤه. ولكن الموت لم يكن بإمكانه أن يضبط من هو بلاهوته سيد الحياة ومصدرها. لذلك فقد كان دخول المسيح في الموت حكماً مبرماً على الموت بالزوال. والموت نتيجة الخطيئة، ثمرتها السامة، لذا تحطيم مملكة الموت يعني أيضاً تقويض سلطة الخطيئة. لقد دخل الرب يسوع المسيح بموته في السجن الذي كنّا مقيّدين، مستعبدين، نئن تحت نير الشر والبؤس والموت، فدكّ هذا السجن الرهيب وحطمه من أساسه. فأطلق الموت يسوع وأطلق معه البشرية جمعاء التي وحد يسوع ذاته بها. لذا تنشد الكنيسة معبّرة عن الخلاص بصورة شعرية: ” أيها الرب، أيها الرب، أن أبواب الموت قد انفتحت لك من الخوف، ولما أبصرك بوابو الجحيم ارتعدو، لأنك حطمت أبوابه النحاسية وسحقت أقفاله الحديدية وأنقذتنا من ظلمة الموت وإدلهمامه وقطعت قيودنا”. وأيضاً: “جمع الملائكة انذهل متحيراً لمشاهدتهم إياك محسوباً بين الأموات أيها المخلص وساحقاً قدرة الموت ومنهضاً آدم معك ومعتقاً إيّانا من الجحيم كافة”.

هكذا تحققت بقيامة المسيح النبوة التي كان قد تفوّه بها هوشع النبى: [ مِنْ يَدِ الْهَاوِيَةِ أَفْدِيهِمْ. مِنَ الْمَوْتِ أُخَلِّصُهُمْ. أَيْنَ أَوْبَاؤُكَ يَا مَوْتُ؟ ‏أَيْنَ شَوْكَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ تَخْتَفِي النَّدَامَةُ عَنْ عَيْنَيَّ ] [ هوشع 13: 14 ]. تلك النبوة ردّد الرسول بولس صداها بعدما تحققت بالمسيح منشداً بنشوة الظفر الذي جعلنا يسوع مساهمين فيه: [ وَمَتَى لَبِسَ هَذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ وَلَبِسَ هَذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: { ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ }. أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ ] [ 1 كورونثوس 15: 54، 55 ]. وأضاف: [ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. ][ 1 كورونثوس 15: 56، 57 ].  معلناً أن إنتصار المسيح على الموت هو في الآن نفسه إبادة للخطيئة فينا، تلك الخطيئة التي تُنتِج الموت.

هكذا صار المسيح القائم من بين الأموات محرّر الإنسانية الحقيقي الأوحد لأنه لم يكتف بمعالجة بعض مظاهر مأساة الإنسان لكنه جابه المأساة في أعماقها وأصولها وجعل فينا طاقة تجاوزها. إنه جابه قوى الموت الكامنة في الإنسان ( أي قوى التفكك التي مزّقت الإنسان نفساً وجسماً ) ومن ورائها تلك القوة الرهيبة التي استخدمتها لاستعباد الإنسان أعني بها قوة الشيطان. لقد جابه يسوع الشيطان في عقر داره، إذا صحّ التعبير، وضع نفسه بين براثنه ليحطمه ويخلّص منه البشر. دخل إلى مملكته المظلمة ليقيّده ويُبطل قوته. وقد علّمْنا الرب يسوع نفسه هذه الحقيقة بمثل عندما قال: [ حِينَمَا يَحْفَظُ اَلْقَوِيُّ دَارَهُ مُتَسَلِّحاً تَكُونُ أَمْوَالُهُ فِي أَمَانٍ. وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْلِبُهُ وَيَنْزِعُ سِلاَحَهُ اَلْكَامِلَ اَلَّذِي اِتَّكَلَ عَلَيْهِ وَيُوَزِّعُ غَنَائِمَهُ] [ لوقا 11: 21. 22 ].

هكذا انتصر المسيح على الموت لما إجتاز ظلمته، لقد “وطئ الموت بالموت” كما تنشد الكنيسة. لقد فتح باب النور والحياة بيديه الداميتين. ولكنه أحرز هذا الظفر من أجلنا نحن، ليجعلنا مساهمين فيه: نحن ظافرون إذاً على قدر إتحادنا بالمسيح الظافر. نعم، إننا لا نزال نخطئ ونتألّم ونموت، ولكن طاقة الحياة الظافرة قد زُرِعَتْ في أعماقنا. من يمرّ على حقل بعد أن زُرعت فيه البذور يخاله جامدً، ميتً، ولكن الحياة كامنة في أعماقه تتحفز للوثوب وسوف تنتصب بعد فترة تحت السماء سنابل ذهبية تتماوج في النور. عندما كان يسوع موضوعاً في القبر، كان يبدو ميتا كبقية الموتى ولكن الحياة كلها كامنة في هذا الجسد الساكن، كقنبلة مؤقتة كان لابد لها أن تفجّر الموت وتدحْرج حجر الضريح. هكذ، فالمتحدون بيسوع يحملون في أجسادهم المائتة ونفوسهم التي لم تتحرّر بعد كلياً من ضعفه، طاقة قيامة ربهم التي سوف تحوّلهم في اليوم الأخير على صورة السيد الناهض من بين الأموات. [ لأَنَّ هَذَا الْفَاسِدَ لاَ بُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ وَهَذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ ] [ 1 كورونثوس 15: 53 ]. وقد كتب الرسول يوحنا بهذا المعنى، مظهراً كيف أننا في آن حاصلون على التجدّد ومنتظرون إعلانه الكامل فينا: [ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، نَحْنُ الآنَ أَوْلاَدُ اللهِ. وَلاَ نَعْلَمُ حَتَّى الآنَ مَاذَا سَنَكُونُ، لَكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ، سَنَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ عِنْدَئِذٍ كَمَا هُوَ! ] [ 1 يوحنا 3: 2 ].

بالقيامة تحقق الخلاص الذي شاء الرب أن يتممه بتجسّده وصلبه. القيامة، إذاً، علامة نجاح خطة الله لإنقاذ الإنسان. إنها برهان خلاصنا. ولذلك، فهي الركيزة الأساسية للبشارة المسيحية. فقد كان الرسل قبل كل شيء شهوداً لقيامة الرب يسوع المسيح: [ فَيَنْبَغِي أَنَّ اَلرِّجَالَ اَلَّذِينَ اِجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ اَلزَّمَانِ اَلَّذِي فِيهِ دَخَلَ ‏إِلَيْنَا اَلرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ. مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى اَلْيَوْمِ اَلَّذِي ‏اِرْتَفَعَ فِيهِ عَنَّا يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِداً مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ‏ ] [ أعمال الرسل 1: 21، 22 ]. وكتب الرسول بولس إلى أهل كورونثوس: [ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضاً إِيمَانُكُمْ ] [ 1 كورونثوس 15: 14 ]. القيامة قلب الإيمان المسيحي والحياة الروحية. إنها أيضا محور الترتيب الطقسي، فكل يوم أحد تذكار للقيامة، وكل قدّاس إلهي هو إستمرار له، والصوم الكبير إستعداد للفصح، والفصح “عيد الأعياد وموسم المواسم” كما تسميه الطقوس، و”قلب الأرثوذكسية” كما دعاه اللاهوتي الأرثوذكسي المعاصر الأب بولغاكوف، فيه تنشد الكنيسة متهللة بفرح يفوق الأرض: “اليوم يوم القيامة، فسبيلنا أن نتهلل أيها الشعوب، لأن الفصح هو فصح الرب، وذلك لأن المسيح إلهنا قد أجازنا (كلمة فصح معناها: اجتياز، عبور) من الموت إلى الحياة ومن الأرض إلى السماء، نحن المنشدين لنه نشيد النصر والظفر” (قانون سحر الفصح).

* أسئلة:

  1. إذا كان الموت قد نتج عن إنغلاق الإنسان على ذاته دون الله، فكيف كانت قيامة المسيح مرتبطة بإنفتاحه الكلي بالصليب إلى الآب؟
  2. ألم تكن حادثة التجلي (إقرأها في متى 17: 1-9 ولوقا 9: 28-36) مقدمة وصورة للقيامة؟ (أنظر متى 17: ). كيف يظهر ذلك؟ ألا يظهر ارتباط بين هذه الحادثة وموت المسيح؟ (أنظر لوقا 9: 31). إلى ما يشير هذا الإرتباط؟
  3. تمجيد يسوع، وإن أُعلن بعد الصليب بنهوض السيد من بين الأموت، إلا أنه تم بالصليب الذي صار بالنسبة ليسوع مرادفاً للمجد. كيف يظهر هذا الترادف في الإنجيل (أنظر يوحنا 12: 23 و24، ويوحنا 17: 1) وفي طقوس أسبوع الآلام (تأمل مثلاً في ترتيمة: “اليوم عُلِّقَ على خشبة…”) وفي حدمة “جناز المسيح”؟
  4. إذا كان رب الحياة قد دخل طوعاً بموته إلى مملكة الموت، فهل كان بإمكان تلك المملكة أن تضبطه؟ (أنظر هوشع 13: 4 و1كورنثوس 15: 54 و55). ماذا نتج إذاً عن دخوله فيها بالنسبة له ولنا؟
  5. تحطيم الموت ألا يعني أيضاً تحطيم قوى الخطيئة التي هي أصل الموت؟ (أنظر 1كورثنوس 15: 56 و57).
  6. ألا يعني أيضاً القضاء على قدرة الشيطان الذي كان يستعبدنا بالخطيئة والموت؟ (أنظر لوقا 11: 21 و22).
  7. هل ظفر يسوع من أجل نفسه أم من أجلنا؟ كيف التوفيق بين كوننا مساهمين في ظفره وكوننا لا نزال نشقى ونخطئ ونموت؟ (تأمل في وضع المسيح عندما كان طريح القبر وفكّر، على سبيل الصورة، بحقل طُمرت فيه البذور).
  8. ماهي القيامة بالنسبة للإيمان المسيحي؟ (أنظر أعمال الرسل 1: 21 و22 و1كور 15: 14). ما هي أهميتها في الترتيب الطقسي؟

* ملحق – عظة للقدّيس يوحنا ذهبى الفم بمناسبة أحد الفصح المجيد:

من كان حسن العبادة ومحباً لله فليتمتع بحسن هذا الموسم البهيج. من كان عبداً شكوراً فليدخل إلى فرح ربه مسروراً. من تعب صائماً فليأخذ الآن أجرته ديناراً. من عمل من الساعة الأولى فلينل اليوم حقه بعدل. من قدِم بعد الساعة الثالثة فليعيّد شاكراً. من وفي بعد الساعة السادسة فلا يشك فإنه لا يخسر شيئاً. من تأخّر إلى الساعة التسعة فليتقدّم غير مرتاب. من وصل الساعة الحادية عشرة فلا يخف الإبطاء فإن السيد كريم جوّاد، يقبل الأخير مثل الأول، ويربح العامل من الساعة الحادية عشرة مثل العامل من الساعة الأولى. يرحم الأخير ويرضى الأول. يعطي ذاك ويهب هذا. يقبل الأعمال ويسر بالنية. يُكرم الفعل ويمدح العزم. فإدخلوا إذاً كلكم إلى فرح ربكم. أيها الأولون والأخيرون خذوا أجوركم. أيها الأغنياء والفقراء أطربوا معا فرحين. أمسكتم وتوانيتم أكرموا هذا النهار. صمتم ولم تصوموا أفرحوا اليوم. المائدة ملآنة فتمتعوا كلكم. العجل سمين وافٍ فلا يخرجن أحداً جائعا. تمتعوا كلكم بوليمة الإيمان. تمتعوا كلكم بوليمة الصلاح. لا ينوحنّ أحد عَن فقر فإن المملكة العامة قد ظهرت. لا يندبنّ أحد على إثم فإن الصفح قد بزغ من القبر. لا يخف أحد الموت فإن موت المخلص قد حرّرنا. فإنه قد أخمد الموت حين قبض الموت عليه، وسبى الجحيم بنزوله إليه. مرمره لما ذاق جسده. هذا ما سبق أشعياء ونادى به قائلاً: تمرمر لما إلتقاك أسفل. تمرمر لأنه بطل. تمرمر لأنه هُزئ به. تمرمر لأنه قد أميت. تمرمر لأنه قد أبيد. تمرمر لأنه قد رُبط. تناول جسداً فصادف إله. تناول أرضاً فألفاها سماءاً. تناول ما نظر، فسقط من حيث لم ينظر. أين شوكتك ياموت؟. أين غلبتك يا جحيم؟. قام المسيح وأنت صرعت. قام المسيح والشياطين تساقطت. قام المسيح والملائكة جذلو. قام المسيح والحياة انبعثت. قام المسيح ولا أحد ميت في القبر. قام المسيح من الأموات فصار باكورة الراقدين. فله كلّ المجد والعزّة إلى دهر الداهرين. آمين.

3 – إشتراكنا في صليب الرب وقيامته

* إن ما فعله الرب بإجتيازه الموت الذي قاده إلى القيامة، إنما فعله من أجلنا.

ذلك أن الإنسان كان عليه، كي يُخلّص من شقائه وتفككه،أن يقبل بالتخلّي عن تعبده للأنا، فيلاقي الله من جديد وينعم بحياته. ولكن الإنسان الساقط لم يعد قادراً على هذا التخلّي لأن في ممارسته شعوراً بالإنسلاخ والفراغ وضياع الذات. وبعبارة أخرى، إذا شاء الإنسان أن يعرض عن إتخاذ الأنا محوراً لكل شيء، شعر وكأنه يموت، كأن حياته تفلت منه. لذا يتمسّك الإنسان بأنانيته مخافة من الموت. ولكنه بذلك يبقى بعيداً عن الله، ينبوع الحياة، وبالتالي يبقى أسير الموت (بمعناه العام، أي بمعنى التفكك الكياني الذي ليس الموت الجسدي سوى مظهر من مظاهره). إذً، الإنسان يبقى أسير الموت بداعي خوفه من الموت. تلك هي المفارقة الكبرى التي هي في صميم مأساة الإنسان والتي يمكن لكلّ واحد منا أن يختبره.

فلنتساءل: لماذا نخطئ، فنجعل حاجزاً بين الله وبيننا؟. الجواب العميق عن هذا السؤال هو أننا نخطئ مخافة من الموت. لماذا يسرق الإنسان؟. لأنه مثلاً يخاف من الحرمان، والحرمان نوع من الموت. لماذا يكذب؟ لأنه مثلاً يخاف من العقاب، والعقاب نوع من الموت. لماذا يزني؟ لأنه في كثير من الأحيان يخاف من العزلة، والعزلة نوع من الموت. لماذا يتباهى؟. لأنه يخاف أن لا يعجب به الناس، أن يهملوه، وإهمال الناس له نوع من الموت. مجمل الكلام أننا نستعبد أنفسنا للخطيئة، وبالتالي للموت، الذي هو على حدّ تعبير الرسول بولس: [ أَجْرُ اَلْخَطِيْئَةِ ] [ رومية 6: 32 ]. (لأن الخطيئة تفصل عن الله مصدر الحياة)، بسبب خوفنا من الموت. هذا ما عبّر عنه الكتاب المقدّس في الرسالة إلى العبرانيين بقوله: [ وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ ] [ عبرانيين 2: 15 ].

ولنا نموذج لذلك في علاقتنا البشرية. كل إنسان يحلم بأن يعيش صداقة كاملة وحباً كاملاً، لأن قلبه يتوق إلى شركة إنسانية كهذه يروى بها عطشه إلى حياة كاملة. ولكن الصداقة الكاملة والحب الكامل أمران يسعى إليهما الإنسان دون أن يتمكّن من إدراكهما كلياً. إنه في أحسن الإحتمالات يقترب من تحقيقهما ولكنه، حتى في هذه الحال، يبقى على شيء كثير من العطش والعزلة. إن إتحاده بمن يحب لا يمكن أن يكون كامل. لماذا؟ لأن إتحاد الإنسان بمن يحبه لا يتم إلا إذا قبل الإنسان بأن لا يكون أناه محوراً لوجوده، بأن يتخلّى عن تملّك ذاته، بعبارة أخرى إذا قبل الإنسان بأن يمر بخبرة الموت. ولكن الإنسان في وضعه الساقط، وأن قبل جزئياً بتلك الخبرة، لا يستطيع أن يقبلها كلياً وفي الصميم. أنه يخاف الموت ولذا يبقى أسير العزلة وبالتالي أسير الموت.

* يسوع المسيح وحده تمم بناسوته ما لم يكن بوسع أى إنسان أن يتممه.

الإنسان يسوع المسيح استطاع وحده أن يتخلّى بالحقيقة عن تملّك ذاته، وبعبارة أخرى استطاع وحده أن يقبل الموت بالكلية وفي الصميم. ولذ، استطاع وحده أن يلج بإنسانيته إلى مجد الله.لقد كان رئيس الكهنة عند اليهود يدخل مرة في السنة إلى قدس الأقداس ( الذي كان يمثل السماء ) حاملاً دم الذبائح. الرسالة إلى العبرانيين تقول لنا أن ذلك كان رمزاً للمسيح الذي كان في الآن نفسه الكاهن والذبيحة، وقد دخل بدمه المسفوك إلى مجد الله: [ وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْخَلِيقَةِ. وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً ] [ عبرانيين 9: 11، 12 ]. هذا الدخول إلى مجد الله إنما ظهر بالقيامة.

* ولكن يسوع المسيح قد أتمّ هذا العطاء الكامل لا من أجل نفسه بلّ بالنيابة عن البشر أجمعين.

عندما قبل الموت كلياً إنما قبله كممثل عن البشر الذين لا يستطيعون هم قبوله. هذا ما عبّر عنه الرسول بولس بقوله: [ لأَنَّ مَحَبَّةَ اَلْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ اَلْجَمِيعِ. فَالْجَمِيعُ إِذاً مَاتُوا ] [ 2 كورونثوس 5: 14 ]. عطاؤنا ناقص لا يمكن أن نبلغ به إلى الله، إنه مشوب بالأنانية المستحكمة فينا بسبب خوفنا من الموت.  ولكننا نستطيع أن نلج إلى الله من خلال عطاء يسوع المسيح الكامل. يسوع، بما أنه قربان كامل لله، يشفع بضعفنا وعجزنا ويقرّبنا من الله، كأننا طيور مكسورة الأجنحة يحملها نسر قوي ويحلّق بها إلى أقصى الفضاء: [ لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هَذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ ] [ عبرانين 7: 25 ]. بذبيحة الرب يسوع إذاً، تلك الذبيحة التي تبلغ وحدها السماوات، ننال القيامة التي هي تدفق الحياة الإلهية في كياننا المتفكك، المائت.

* ولكن الفداء لا يفعل فينا بشكل سحري.

الله لا يُخلّص الإنسان بالاستقلال عن إرادة الإنسان لأنه يحترم حريته. لذا لا ينال القيامة من يرفض الإشتراك في صليب المسيح، أي من لا يقبل أن يدخل في طريق الموت عن الذات سلكها يسوع حتى النهاية. لقد علّمنا الرب صراحة أنه لا يسعنا الإشتراك معه في الحياة الإلهية ( أي في قيامته ) إن لم نسلك في أثره طريق الموت:

[ إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا ] [ متى 16: 24، 25 ]. وقد علّمنا الرسول بولس أن إشتراكنا في الصليب ضروري إذا شئنا أن نكون منتمين إلى المسيح وبالتالي أبناء القيامة: [ وَلَكِنَّ اَلَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا اَلْجَسَدَ ( أى الخطيئة، أى عبادة الذات ) مَعَ اَلأَهْوَاءِ وَاَلشَّهَوَاتِ ] [ غلاطية 5: 24 ]. و[ فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ اَلْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ ] [ رومية 6: 8 ]. و[ حَامِلِينَ فِي الْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لِكَيْ تُظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضاً فِي جَسَدِنَا ] [ 2 كورونثوس 4: 10 ]. و[ لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهاً بِمَوْتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ اَلأَمْوَاتِ ] [ فيليبى 3: 10، 11 ].

* إننا في وضعنا الساقط لا نستطيع بالطبع أن نقدّم ذواتنا بالكلية، ولكن المطلوب منا أن نجتهد في هذا السبيل.

أن ننوى بصدق السير في طريق نكران الذات وراء المعلم. تلك هي التوبة في الأساس. إنها سير في طريق إسلام الذات لله. وهذا السير يدوم الحياة كلها لأن عطاءنا يبقى ناقصا ما حيين. لذا فالكنيسة ليست كنيسة الصديقين بلّ كنيسة التائبين أي العائدين من عبادة ذواتهم إلى عبادة ربهم. ولنا في هذا السير دافعان يشددان عزمنا:

أ. محبة المسيح لنا:

لقد تجلّت محبة المسيح لنا بشكل باهر في بذله ذاته من أجلنا. وقد قال هو عن نفسه: [ لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ ] [ يوحنا 15: 13 ]. وأيضا: [ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي، كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ اَلْخِرَافِ ] [ يوحنا 10: 14، 15 ]. هذا الحب المبذول يثير حبنا ويدفعنا إلى أن نحيا فيما بعد لا لذواتنا بل للذى مات عنّا حباً. بهذا المعنى كتب بولس الرسول: [ لأَنَّ مَحَبَّةَ اَلْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ اَلْجَمِيعِ. فَالْجَمِيعُ إِذاً مَاتُوا. وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ اَلْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ اَلأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَام ] [ 2 كورونثوس 5: 14، 15 ]. وفي مكان آخر كتب: [ مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي ] [ غلاطية 2: 20 ]. أي أنني أسلّم ذاتي ( هذا هو المعنى العميق للإيمان ) لذلك الذي أسلَم ذاته لأجلي. هكذا فالحب الذي تثيره فينا محبة المسيح المبذولة لنا حتى الموت يساعدنا على التغلّب على الخوف من الموت، ذلك الخوف الذي يحول دون تقدمة ذواتنا. هذا ما تنشده الكنيسة عن الشهداء: { لأن المحبة قد غلبت الطبيعة ( أى مخافة الموت المتأصلة في طبيعتنا ) وجعلت العاشق أن يتّحد بواسطة الموت بالمعشوق } ( خدمة عيد القديس جورجيوس ).

ب. ثقتنا بانتصار المسيح على الموت:

ومن جهة أخرى فإن حدّة الخوف من الموت تخف فينا لمعرفتنا أن المسيح قهره بمروره فيه. فيما كان يتحدّث عن قيامة السيد، هتف الرسول بولس بلهجة الانتصار: “أين شوكتك ياموت؟” (1 كورونثوس 15: 55). ونحن إذا شئنا التخلّي عن أنانيتنا ومررنا من جراء ذلك في خبرة الموت يهدأ جزعنا لعلمنا أننا لسنا نجتاز هذه الخبرة وحدنا، بل بمعيّة ذاك الذي إجتاز الموت قبلنا وقهره: [ أَيْضاً إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ اَلْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرّاً لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي ] [ مزمور 23: 4 ].

* إننا نتمرّس، إذاً، على تقدمة ذواتنا مدفوعين بالحب الذي تثيره فينا محبّة الرب لنا وبثقتنا بانتصاره على الموت. ولكن الرب أيضاً يعين ضعفنا.

ذلك أننا إذا قبلنا أن نشترك في صليبه، فإن تقدمتنا هذه، وإن كانت لا تزال ناقصة، مشوبة بالأنانية، تبلغ إلى الله محمولة على أجنحة تقدمته هو، كما رأينا. وبعبارة أخرى فإن قبولنا الإشتراك في صليب المسيح يجعلنا مشتركين في قيامته أيضاً، أي في الحياة الإلهية التي إحتاجت إنسانيته المقرّبة إلى الله. وإذا تدفقت الحياة الإلهية فينا، أصبحنا أكثر قدرة على المحبّة والعطاء. تلك هي النعمة الإلهية التي تجدّدنا باستمرار بفعل صليب الرب وقيامته.

* هذا ما يجرى خاصة عند إقتبالنا الأسرار الإلهية.

فعند إقامة سر الشكر مثلاً، في القدّاس الإلهي، يأتي المؤمنون إلى الله بتوبتهم ( أي بعزمهم على إسلام ذواتهم لله ) ولكن هذه التقدمة لا تبلغ إلى الله إلا لكونها تندمج في التقدمة الكاملة الوحيدة، تقدمة المسيح المصلوب التي يشكّل كل قداس إمتداداً له. إستحالة الخبز والخمر ( اللذين يمثلان تقدمة البشر ) إلى جسد ودم المسيح معناها أن المسيح إتخذ توبة البشر الناقصة ودمجها بتقدمته هو ليوصلها إلى الآب. هكذا يبلغ المؤمنون بالمسيح إلى الله وينالون بتناول القرابين الحياة الإلهية فيصيرون مشاركي القيامة التي تجدّدهم وتؤهلهم لأن يكونوا بدورهم قرابين.

* هكذا بالتوبة التي هي عملية تستمر العمر كلّه – لأن طاعتنا لله ناقصة ما حيينا –

وبالأسرار، نشترك أكثر بصليب المسيح وقيامته. بالتوبة والأسرار يتصور المسيح أكثر فأكثر فينا على حدّ تعبير الرسول، أي نصبح أكر فأكثر مساهمين في انفتاحه التام للآب وفي تدفّق الحياة الإلهية فيه. وهكذا شيئاً فشيئاً نصبح على حد تعبير الرسول: “أمواتاً للخطيئة” (رومية 6: 11). وشيئاً فشيئاً نستطيع أن نتبنى قول الرسول:  “أني قد صلبت مع المسيح، فلست أنا حياً بعد بل المسيح يحيا فيّ” (غلاطية 2: 19، 20).

أسئلة:

  1. هل بإمكان الإنسان لو ترك نفسه، أن يتخلى عن عبادة الأنا ليعيد الاتصال بالله ويستعيد الحياة الإلهية؟ ما الذي يحول بينه وبين هذا التخلي؟
  2. أليست إذاً التقدمة الوحيدة الكاملة التي تبلغ وحدها إلى الله هي تقدمة المسيح؟ (أنظر عبرانيين 10: 5 و7 و9: 11 و12).
  3. ولكن هل تمم المسيح العطاء من أجله هو أم بالنيابة عن البشر أجمعين؟ (أنظر كورنثوس 5: 14).
  4. ألا يعني ذلك أن تقدمتنا الناقصة تبلغ إلى الله محمولة على جناحي تقدمة المسيح الكاملة؟ (أنظر عبرانيين 7: 25).
  5. ولكن هل يمكننا أن نستفيد من الفداء إن لم نكن مزمعين على الاشتراك في تقدمة المسيح؟ (أنظر متى 16: 24 و 25، غلاطية 5: 24، 2 كورنثوس 4: 10 و11 ورومية 6: 8).
  6. أليست التوبة (وهي تعني في العربية: عودة) إذاً هي في الاساس هذا السير في طريق تسليم الذت لله مع المسيح؟ هل ينتهي هذا السير طالما نحن على قيد الحياة؟
  7. كيف تدفعنا محبة المسيح الذي بذل ذاته لأجلنا (أنظر يوحنا 15: 13، يوحنا 10: 14 و15) إلى السير في هذا الطريق؟ (أنظر 2 كورنثوس 5: 14 و15 وغلاطية 2: 20).
  8. في طريق نكران الذات، الذي فيه شيء من خبرة الموت، ألا تشدد ثقتنا بإنتصار المسيح على الموت عزائمنا؟ (أنظر مزمور 22: 4 و 1كورنثوس 15: 55).
  9. إذا كانت التوبة تفتح لنا باب القيامة لأنها تشركنا بصليب المسيح، أليس صحيحاً من جهة أخرى أن قوة القيامة إذ تسربت إلينا تجعل توبتنا أكمل؟
  10. أليست الأسرار -التي لا تفعل فينا إلا بالتوبة- إشتراكاً في صليب المسيح وقيامته؟ كيف يتم ذلك في المعمودية؟ (انظر رومية 6: 3-11). كيف يتم ذلك في سر الشكر؟

4 – الفداء ومحبة القريب

* محبة الفادي لنا تلهم محبتنا للناس:

محبة الفادي التي تجلّت في بذله ذاته عنّا هي بمثابة النار التي لا بدّ أن تُلْهب ما حولها. إنها حَرِيّة بأن تُضرم فينا بدورنا نار المحبة. لقد قال الرب بهذا المعنى: [ جِئْتُ لأُلْقِيَ نَاراً عَلَى اَلأَرْضِ فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ اِضْطَرَمَتْ؟ ] [ لوقا 12: 49 ]. الحب يستدعي الحب. لقد بيّن علم النفس الحديث أن الطفل يستمد من محبة والديه له المقدرة على أن يحب بدوره الناس، وبعبارة أخرى إن حب والديه له يوقظه إلى الحب، يفجّر فيه طاقة الحبّ. هكذا المحبة الفائقة التي أبداها الرب نحونا تنتزعنا من إكتفائيتنا لتلقى بنا بدورنا في مجازفة الحب. هذا الجواب الحي على محبّة السيّد يتّخذ، كما رأينا، شكل الحب لشخصه، ولكنه يتّخذ أيضاً شكل محبّة البشر. ذلك لأنه لا يسعنا، إذا كنّا مؤمنين، إلا أن نرى في كل إنسان، أيّاً كان: [ فَيَهْلِكَ بِسَبَبِ عِلْمِكَ اَلأَخُ اَلضَّعِيفُ اَلَّذِي مَاتَ اَلْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِ ] [ 1كورونثوس 8: 11 ]. عند ذاك يصبح كل إنسان، في نظرنا، ذا قيمة لا تقدّر، قيمة الدم الإلهي الذي سكب من أجله.

* إن محبة الفادي لنا تعين نوعية محبيتنا للناس:

محبّة الفادي لا تُلْهِم محبتنا للناس وحَسْب، ولكنها أيضا تعين نوعيته. ذلك أنه ينبغي لنا أن نحبّ الناس بالمحبّة التي أحبهم بها المسيح. تلك هي وصية السيد في خطابه الوداعي: [ هَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ ] [ يوحنا 15: 12 ]. هذا يعنى أنه ينبغي أن تكون لمحبتنا للناس الصفات التالية:

أ – مبنية على بذل الذات:

يُكْثر الناس من استعمال كلمة ” أحبّ”، ولكنها هيهات أن يكون الحب الذي يتحدّثون عنه في كثير من الأحيان هو الحب الأصيل الذي عاشه السيّد. ” أحب التفاح” يعني أننى أتلف التفاح من أجل لذتي. ” أحبّ” إنسانا يعنى في كثير من الأحيان، إذا شئت أن أواجه حقيقتي، أنني أريد تسخيره وإستغلاله لشهوتي ومصلحتي. أمّا المسيح فقد أحبّنا من أجل أنفسنا وعوض أن يُسَخّرنا له سَخّرَ نفسه لأجلنا. لقد إعتبر أن لنا من الأهمية ما يُبرّر سفك دمه الإلهي عنّا. فأتاح لنا هكذا أن نكتشف المحبّة الحقة التي تقوم على العطاء. ولذا نرى الرسل يحثونا على إقتفاء آثتار السيّد في محبتنا للناس، فقد قال الرسول يوحنا: [ وَمِقِيَاسُ الْمَحَبَّةِ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي قَامَ بِهِ الْمَسِيحُ إِذْ بَذَلَ حَيَاتَهُ لأَجْلِنَا. فَعَلَيْنَا نَحْنُ أَيْضاً أَنْ نَبْذُلَ حَيَاتَنَا لأَجْلِ إِخْوَتِنَا ] [ 1 يوحنا 3: 16 ]. “أن نبذل نفوسنا”: يسوع لم يعطِ فقط أشياء مما له، إنما أعطى ذاته للناس، طيلة حياته أولاً، التي كانت مسخّرة لخدمتهم، ثم في تقدمته الكبرى على الصليب. ما يُطلب منّا أن لا نكتفي نحن أيضاً بإعطاء بعض الوقت والمال للغير، بلّ أن يكون الغير شغلنا الشاغل وموضوع إهتمامنا الدائم. المطلوب أن لا نعود نحن مركز إهتمام ذواتنا بلّ أن يصبح الغير هم مركز الإهتمام، كما كتب الرسول بولس: [ فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ اَلضُّعَفَاءِ وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا. فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ لأَجْلِ اَلْبُنْيَانِ. لأَنَّ اَلْمَسِيحَ أَيْضاً لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ ] [ رومية 15: 1 – 3 ].

B - Se manifiesta por la participación:

Cristo, amándonos, compartió nuestra vida, nuestro dolor y nuestra muerte. Nuestro amor también debe ser compartido. La compasión puede exaltar a los demás y, por lo tanto, puede herir a las personas y añadir nuevo dolor y amargura a su dolor. Pero la participación cura las heridas porque a través de ella estamos con el que sufre y no por encima de él. Por eso el libro manda: [Gozosos con los que se alegran y llorando con los que lloran] [Romanos 12:15]. Y también: [Acordaos de los que están encadenados como si vosotros estuvierais encadenados con ellos, y de los maltratados como si también estuvierais en el cuerpo] [Hebreos 13:3]. El apóstol Pablo vivió el amor hasta el punto de participar profundamente en las tragedias que sintió: [¿Quién es débil y yo no soy débil? ¿Quién tropieza y yo no me enciendo? ] [2 Corintios 11:29].

C - Dirección de la voluntad y de la acción:

Pero esta participación no sirve de nada si no va más allá del nivel de la emoción. Podemos tranquilizar nuestra conciencia por poco dinero, contentándonos con “sentir” con la gente. Pero nuestros sentimientos no le importan mucho a Dios. Que lo que importa es nuestra voluntad. Cristo no se entretendría con expresiones líricas de amor, sino que lo vivió a base de sudor y lucha, y al final entregándose a la muerte. Por lo tanto, lo importante no es que “sienta” hacia las personas con cariño, sino que realmente dirija mi voluntad hacia servirles. Esto es lo que nos enseñó el apóstol Juan cuando dijo: [Oh hijitos, nuestro amor no debe ser simplemente una simulación en palabras y lengua, sino que debe ser un verdadero amor práctico.] 1 Juan 3:18].

D - Gratis, incondicional:

Dios fue el iniciador del amor, ya que el Dios encarnado se entregó por nosotros a pesar de nuestra hostilidad hacia Él, a pesar de nuestro rechazo hacia Él. Él nos amó gratuitamente, incondicionalmente, sin otra razón que su amor gratuito. De esto nos habló el apóstol Pablo cuando dijo: [Porque cuando aún éramos débiles, en el tiempo señalado Cristo murió por los impíos. Porque difícilmente alguien morirá por un justo. Quizás por el bien del bien alguien también se atrevería a morir. Pero Dios demuestra su amor por nosotros en que siendo aún pecadores, Cristo murió por nosotros. ] [Romanos 5:6-8]. En el mismo sentido, el apóstol Juan escribió: [Y en esto vemos el verdadero amor, no nuestro amor a Dios, sino Su amor por nosotros. Por su amor, envió a su Hijo para ser expiación por nuestros pecados (1 Juan 4:10). Así nuestro amor por las personas debe ser tan libre como el amor de Jesús por nosotros. Debemos amarlos, cualesquiera que sean sus características, cualquiera que sea su armonía o desarmonía con nosotros, cualesquiera que sean sus relaciones con nosotros y su comportamiento hacia nosotros: [Y si amáis a los que os aman, ¿qué mérito tenéis? Porque también los pecadores aman a quienes los aman. Y si hacéis el bien a los que os hacen el bien, ¿qué crédito tenéis? Porque los pecadores también hacen lo mismo. Y si prestas a aquellos de quienes esperas recibir algo a cambio, ¿qué crédito tienes? Porque también los pecadores prestan a los pecadores para recibir de ellos lo mismo. Más bien, amad a vuestros enemigos, haced el bien y prestad, sin esperar nada, y vuestra recompensa será grande, y seréis hijos del Altísimo, porque él es misericordioso. Ingratos y malvados] [Lucas 6:32-35].

El cristiano es siempre el iniciador del amor, así como Cristo es el iniciador del amor hacia nosotros. Éramos extraños para Él, perdidos en los laberintos de la adoración propia, pero Él vino a nosotros - y continúa viniendo - y nos acercó abundándonos con Su abundante amor. Así nos enseñó quién está cerca. Los judíos creían que el prójimo a quien estaban obligados a amar era aquel que compartía su raza y religión. Un día, uno de los maestros de la ley le preguntó a Jesús: "¿Quién es mi prójimo?" Él no le respondió directamente, sino que le contó una parábola: el buen samaritano, aquel hombre judío que fue herido por ladrones entre Jerusalén y Jericó y lo dejó medio muerto. Luego pasaron un sacerdote judío y un levita (es decir, los asistentes de los sacerdotes). Por él y lo descuidó, pero un samaritano lo cuidó, a pesar de que era un extraño para él por raza y religión. Entonces Jesús preguntó al maestro de la ley: “¿A cuál de estos tres tienes por pariente del ¿Uno que cayó en manos de ladrones? Él respondió: “El que tuvo misericordia de él”. Entonces Jesús le dijo: “Ve y haz lo mismo” (ver Lucas 10:25-37). Aquí Jesús hizo estallar el mandamiento del amor que existía en el Antiguo Testamento, dándole enormes dimensiones y haciéndolo trascender todas las fronteras. Aprendimos que el pariente no es aquel que es mi pariente, es decir, aquel con quien estoy unido por lazos de carne y sangre, lazos de afecto e interés, lazos de una opinión y una comunidad. Mi prójimo es aquel a quien me acerco a través de mi amor por él. Un prójimo es alguien a quien me acerco en amor. Me vuelvo cercano a cada persona - y cada persona se convierte en mi pariente - si la amo, incluso si no existe una conexión humana entre esa persona y yo. Más aún, si una persona es mi enemiga, mi amor incondicional por ella la hace cercana, así como Cristo se hizo cercano a mí, y yo fui su enemigo, como él se entregó por mí.

E - Dirigido específicamente a quienes sufren:

Ese amor al prójimo debe incluir, en particular, a los seres humanos que sufren, que tienen una necesidad especial de él. Si amamos a Cristo, entonces podremos ver en todos los verdugos de la tierra su rostro ensangrentado coronado de espinas, su cuerpo desgarrado, su dignidad pisoteada por los hombres y su alma triste hasta la muerte. Esto se debe a que el Señor mismo hizo esta conformidad entre el pueblo que sufría y Él mismo, por lo que estableció la unidad entre Él y los hambrientos, los sedientos, los desnudos, los forasteros, los enfermos y los encarcelados: [Porque tuve hambre, y vosotros me dio comida. Tuve sed y me diste de beber. Fui forastero y me acogisteis. Estaba desnudo y me vestisteis. Estuve enfermo y me visitaste. Yo estaba en la cárcel y ustedes vinieron a mí] [Mateo 25:35, 36]. Esto dirá el Señor a los justos en el último día, añadiendo: [Entonces el Rey responderá: De cierto os digo, que como lo hicisteis a uno de estos mis hermanos más pequeños, a Mí lo hicisteis. .] [Mateo 25: 40]. Estos pequeños son los miserables y débiles, que son en particular los hermanos de Jesús, ya que el Señor no compartió con los humanos sus glorias y riquezas, sino que se agradó de compartir con ellos su miseria y pobreza. Los que sufren son una extensión del Cristo sufriente. Por eso, uno de los padres espirituales solía decir: “Si quieres tocar hoy las llagas de Cristo como las tocó Tomás, basta con entrar en contacto con una persona miserable”.

Por tanto, nuestra actitud hacia los miserables no puede ser en modo alguno una actitud de superioridad y favor, sino que es una actitud de profundo respeto hacia quienes, aunque no lo sepan, y aunque blasfemen, están, en la fealdad. de su miseria, una imagen de Aquel que aceptó convertirse: Ninguna imagen Él no tiene ninguna belleza que podamos contemplar ni ninguna vista que podamos desear. Despreciado y desechado de los hombres, varón de dolores, experimentado en quebranto, y de quien nuestro rostro fue escondido, fue despreciado, y no lo estimamos” (Isaías 53:2, 3). Se dice de San Juan, que fue Patriarca de Alejandría a principios del siglo VII y fue llamado “Juan el Misericordioso”, que cuando asumió su responsabilidad patriarcal pidió a sus asistentes que le prepararan una lista con los nombres de sus “ maestros.” Cuando le preguntaron sorprendidos ¿quiénes podrían ser estos señores? Él les respondió que eran los pobres de Alejandría. Ésta es la auténtica posición cristiana.

Pero el amor por los miserables y desposeídos no puede tomar únicamente el carácter de acción individual, porque entonces sería incompleto. Nuestro amor cristiano por los miserables nos llama a rechazar todo lo que perpetúa su desesperación y privaciones en los sistemas económicos, políticos y sociales. Ese amor nos llama a luchar por establecer una sociedad que brinde justicia y condiciones para una vida digna a los miserables de la tierra. Esto es lo que ha comprendido un número creciente de cristianos de nuestro tiempo, que en todos los rincones del mundo luchan por la justicia y la dignidad humana, motivados no sólo por consideraciones humanitarias, sino también por su convicción de que toda injusticia infligida a una persona es un puñalada a Cristo en el corazón: “Todo lo que hicisteis a uno de estos mis hermanos más pequeños, a mí me lo hicisteis… Todo lo que no hicisteis a uno de estos mis hermanos más pequeños, a mí no lo hicisteis”. .” Ante la sangre que mana de las heridas de los desposeídos de este mundo, los cristianos no pueden dejar de recordar la famosa frase de Pascal: “Cristo está en conflicto hasta el fin de los tiempos, entonces, ¿cómo podemos dormir?”

* De la resurrección de Cristo derivamos la capacidad de amar a nuestro prójimo:

Pero el amor al prójimo, tal como lo hemos definido, es ese amor incondicional que se vuelve hacia el otro por sí mismo y se sacrifica por él. Ese amor no está en armonía con las exigencias del “viejo hombre” en nosotros. ese hombre caído, prisionero del ego, que se considera el centro del universo y no mira al otro sólo como un medio para satisfacer sus deseos y como una barrera para lograr su objetivo.

El amor cristiano requiere que imitemos la moral de Dios, y esto no puede lograrse excepto a través de nuestra participación en la resurrección de Cristo, a través de la cual nos convertimos en contribuyentes a la vida de Dios y, por tanto, a la moral de Dios. El amor cristiano es fruto de la Resurrección que compartimos, como hemos visto, a través del arrepentimiento y los sacramentos. “El viejo hombre”, que acecha en cada uno de nosotros mientras vivimos, no tiene capacidad para el amor cristiano porque está lejos de Dios, en desintegración y muerte. Si la vida divina fluye en nuestro ser, crea en nosotros un nuevo ser humano, restaurando la imagen de su Creador, y así nos hace capaces de amar al prójimo. Por eso, el apóstol Juan escribió a los cristianos, diciéndoles que el amor que los une es prueba de su salida de la muerte a la vida, es decir, prueba de su contribución a la resurrección de Cristo: [Nuestro amor por nuestros hermanos nos muestra que han pasado de la muerte a la vida. El que no ama a sus hermanos permanece en la muerte [1 Juan 3:14].

El mismo Apóstol también escribió: [Amados, amémonos unos a otros, porque el amor viene de Dios. Por tanto, todo el que ama es nacido de Dios y conoce a Dios (en el sentido bíblico: es decir, unido a Dios). En cuanto a quien no ama, ¡nunca ha conocido a Dios porque Dios es amor! ] [1 Juan 4:7, 8]. Por eso, la Iglesia vincula la Resurrección con el amor a las personas, por eso canta en el servicio pascual: “Hoy es el día de la Resurrección... digamos <يا إخوة> Todo lo perdonamos en la resurrección a los que nos odian”, como si nos recordara que nuestra participación en la resurrección es la fuente de nuestro amor por los demás.

Pero si el amor a los hermanos es fruto de nuestra participación en la resurrección, entonces, por otra parte, practicarlo y esforzarse por adquirirlo es un aspecto esencial de ese esfuerzo, el esfuerzo del arrepentimiento, a través del cual, como hemos visto , aceptamos la participación en la cruz del Señor y nos hacemos partícipes de su resurrección. El esfuerzo de entregarnos al Señor es inseparable del esfuerzo por amar al prójimo: [Y nosotros mismos hemos experimentado el amor que Dios nos ha otorgado, y en él hemos puesto nuestra confianza. Dios es amor. Y el que permanece en el amor, permanece en Dios, y Dios permanece en él (1 Juan 4:16). En resumen, el amor al prójimo es a la vez fruto de la resurrección y camino hacia la resurrección.

Por eso el filósofo ateo Sartre escribió la famosa frase en una de sus obras: “El infierno son los demás”. Se cree que a esa obra asistía el filósofo cristiano Gabriel Marcel, y cuando pronunció la citada frase, uno de los sentados a su lado lo escuchó murmurar: “¡No!” El cielo es para los demás. Reconocer al otro como una persona independiente de nuestros caprichos e intereses es importante en sí mismo. Es decir, reconocerlo como otro y no sólo como una extensión de mi personalidad. Este reconocimiento impuesto por el amor cristiano es en verdad “el infierno”. para el “viejo hombre” que hay en mí, un ser humano de la lujuria, prisionero del egoísmo. Es muda y muerte. Pero antes de pasar por esta muerte, participa de la cruz de Cristo y llega a Dios a través de su apertura a los demás, así se alcanza el “cielo” en su corazón.

أسئلة:

Lea Lucas 10:25-37 y Mateo 25:31-46.

  1. ¿Cómo el amor del Redentor por nosotros inspira nuestro amor por las personas? (Ver Lucas 12:49 y 1 Corintios 8:11).
  2. ¿No nos pidió el Señor que la calidad de nuestro amor por las personas fuera la misma que la calidad de su amor por nosotros? (Ver Juan 15:12).
  3. ¿Todo lo que la gente llama “amor” es amor en el verdadero sentido? ¿No se esconde a menudo esta frase detrás del deseo de aprovechar y explotar a las personas? ¿No es el amor cristiano radicalmente diferente de un “amor” como este? (Ver 1 Juan 3:16, Romanos 15:1-3).
  4. ¿No requiere el amor cristiano la participación de las personas? ¿No niega la participación esa elevación que a menudo distorsiona la compasión? (Ver Romanos 12:15, Hebreos 13:3 y 2 Corintios 11:29).
  5. ¿Puede el amor cristiano ser sólo una emoción? (Ver 1 Juan 3:18 y Lucas 10:34, 35).
  6. ¿El sacrificio de Cristo por nosotros fue condicionado a nuestra posición ante Dios? (Ver Romanos 5:6-8 y 1 Juan 4:10). ¿No significa esto que nuestro amor por las personas también debería ser libre? (Ver Lucas 6:32-35).
  7. ¿No resulta esto en un nuevo concepto de quién está cerca? Los judíos creían que el pariente al que estaban obligados a amar era su propia raza y religión. ¿No anuló Cristo este concepto al volver a contar la parábola del samaritano compasivo (Lucas 10:25-37)? ¿Cuál es la definición de relativo según este proverbio? (Ver Lucas 10:36 y 37). ¿No significa esto que el amor no tiene límites?
  8. ¿No se unió Cristo a todos los verdugos de la tierra (ver Mateo 25:40)? ¿Qué significa esto para nuestra posición sobre ellos? ¿Es posible que haya algún grado de elevación y bondad en esa posición? ¿Nuestro amor por quienes sufren se limita a brindarles ayuda individual? ¿No nos impone una lucha social?
  9. ¿Están el amor cristiano y los requisitos del “viejo hombre” en nosotros, es decir, en armonía con los requisitos de la adoración del ego arraigada en nuestra naturaleza caída?
  10. ¿No se sigue de esto que el amor es el resultado de nuestra renovación a través de nuestra participación en la resurrección, que nos infunde nueva vida y, por lo tanto, nos imbuye de la moral de Dios? (Ver Juan 3:14 y 4:7, 8).
  11. ¿No es cierto, por otra parte, que practicar el amor, al sacarnos del culto a uno mismo, es un camino hacia la unión con Dios, es decir, hacia la resurrección? (Ver Juan 4:16).

*extensión:

1 – Él era Juan CrisóstomoEl Patriarca de Constantinopla (que despojó al patriarcado de todos los aspectos del lujo, vivió allí en la pobreza y murió en el exilio en 407 por reprender a los reyes) se dirige audazmente a los ricos de su tiempo, declarando que su abandono de los pobres por el bien de su lujo es un descuido del mismo Cristo, y entre sus dichos:

  • “Dios os ha dado un techo sin lluvia, no para que lo adornéis con oro mientras los pobres mueren de hambre. Os dio ropa para cubriros, no para que la uséis con lujos, mientras el Cristo desnudo muere de frío. Él te dio una casa, no para que vivieras solo, sino para que recibieras a otros, y la tierra, no para que desperdicies sus recursos en esclavas, bailarinas, actores, flautistas y arpas, sino para brindarte socorro. al hambriento y al sediento”.
  • “¿De qué sirve adornar la mesa de Cristo con vasos de oro si él mismo se muere de hambre?” Satisfacerlo primero cuando tenga hambre. Más adelante considerarás embellecer su mesa con oraciones voluntarias”.
  • “No decores iglesias si es porque descuidas a tu hermano en apuros. Este templo es más majestuoso que eso”.
  • “Mientras tu perro se sacia, Cristo muere de hambre”.
  • “Respetas este altar cuando el cuerpo de Cristo desciende a él, pero lo descuidas y permaneces indiferente cuando perece aquello que es el cuerpo de Cristo”.

2 – En nuestros días, el mismo espíritu preocupa todavía a los cristianos que desean comprender el Evangelio en profundidad. Ven a Cristo en las víctimas de las injusticias políticas y sociales, aunque los perpetradores de estas injusticias sean “cristianos” y sus víctimas no pertenezcan a la fe cristiana. En el año 1754, cuando la policía francesa torturaba a los marroquíes que luchaban por la independencia de su país, el famoso escritor cristiano francés dijo: François Mauriac, premio Nobel de Literatura, pronunció una conferencia ante dos o tres mil personas en París con motivo de la Semana de los Pensadores Católicos, titulada: “Imitando a los verdugos de Cristo”, en la que dijo con dolor:

“Cualesquiera que sean nuestras justificaciones y excusas, digo que, después de diecinueve siglos de cristianismo, Cristo nunca aparece, ante los verdugos de hoy, en el verdugo, y su santo rostro nunca se revela ante el árabe sobre quien cae el comisario de policía con su puño. ¿No os resulta extraño que nunca piensen, especialmente delante de uno de estos rostros morenos y de rasgos altivos, en su Dios atado a una columna y entregado a los soldados, que no oyen, entre los gritos y gemidos de sus conciencias, Su voz adorada diciendo: “Tú me lo harás a mí”. Esa voz que un día sonará, y entonces no habrá ningún suplicante, y les gritará y nos gritará a todos los que aceptamos y tal vez apoyamos estas cosas: “Yo era este joven que amaba a su país y Luché por su rey. Yo era este hermano a quien querías obligar a traicionar a su hermano”. ¿Cómo es posible que esta gracia nunca se le conceda a uno de estos verdugos bautizados? ¿Cómo es que los soldados de la división a veces no tiran el látigo y se arrodillan a los pies del que están azotando?

3 – El corazón del cristianismo es la creencia de que el Hijo de Dios voluntariamente tomó en Sí mismo nuestro sufrimiento para liberarnos del sufrimiento. El cristianismo no es, como dicen algunos, una religión que exige sumisión al dolor y la injusticia. El cristianismo no es una religión de sufrimiento, sino más bien una religión de redención. El dolor no tiene valor a nuestro modo de ver a menos que sea aceptado, como lo recibió Cristo, por amor a Dios y a los demás. El cristiano, si quiere seguir el camino de su Maestro, debe estar dispuesto a soportar el dolor y la muerte para liberar a los que sufren, a los oprimidos y a los esclavizados. Debe luchar hasta la sangre por la justicia. Esto es lo que explicó el profesor”.Alberto Lahham“En una conferencia que dio en el simposio libanés como parte del ciclo de conferencias “Justicia en el cristianismo y el Islam”. A continuación se muestra un extracto del mismo:

“En medio del ala dedicada al cristianismo en el Museo del Ateísmo de la ciudad de Leningrado se encuentra una gran estatua de Cristo sufriendo bajo el peso de una pesada cruz. Esta estatua, le dice el guía, es un símbolo del cristianismo, que llama a las personas a cargar la cruz, someterse a la injusticia, aceptar el dolor y rendirse a la tiranía, esperando la otra vida. Esta definición caricaturesca del cristianismo me recuerda las palabras del apóstol Pablo: [Porque la palabra de la cruz es locura para los que se pierden, pero para nosotros los que somos salvos, es poder de Dios] [1 Corintios 1:18 ]. La cruz no es un signo de humillación, letargo y rendición. Más bien, es el título del amor divino y redentor. Absoluta solidaridad con todas las personas. Y la plena participación de quienes sufren la injusticia y la tiranía. Y el atrevido riesgo de morir para liberarlos a todos. Porque, como dice la Epístola a los Hebreos: [Porque siendo los niños participantes de carne y sangre, él también participa de lo mismo, para destruir mediante la muerte al que tenía autoridad. Muerte, es decir, el diablo, y libera a los que por miedo a la muerte estuvieron toda su vida bajo esclavitud [Hebreos 2:14, 15].

Si el cristiano está comprometido con la causa de la justicia política en su sociedad, es porque sigue los pasos de Aquel que se comprometió con nuestra miseria y miseria al asumir nuestra naturaleza y luchar con nosotros, como uno de nosotros, la batalla de la muerte y de la vida, y nos abrió con su cruz el camino de la victoria y de la esperanza. Dijo: [Pero yo vine para que tengan vida y tengan para ellos. Mejor] [Juan 10:10]”.
Albez Lahham: Justicia política en el cristianismo (Revista “Symposium Lectures”: vigésimo año, Boletín 11-12, 1966, p. 44).

4- Esto no son sólo teorías, sino una realidad que vivieron y viven los cristianos que quisieron ser fieles al mensaje de su Señor. Basilio el Grande y Juan Crisóstomo lucharon audazmente por la justicia social, y Felipe, metropolitano de Moscú, fue asesinado por orden del zar ruso Iván el Formidable porque lo reprendía por su tiranía. En nuestros días, un número creciente de cristianos luchan. soportando a veces insultos, prisión y muerte, para los maestros de la tierra que son víctimas de la tiranía política o social o racial.

5- Se multiplican e intensifican en nuestro tiempo las posiciones cristianas que dan testimonio del derecho de los oprimidos a una vida digna, y luchan por “construir un mundo nuevo en el que no haya opresores ni oprimidos, según el designio de Dios”. En todos los rincones de la tierra, un número cada vez mayor de cristianos enfrentan persecución, encarcelamiento, tortura y la muerte misma, como testimonio del amor de Cristo y la contribución de ellos a su obra de liberación. Pero América Latina es el lugar privilegiado para ese testimonio, porque es allí donde las gestas de los primeros mártires se escriben de nuevo, con letras de sangre y de luz. El número de obispos, sacerdotes, monjes y monjas que fueron encarcelados, torturados, asesinados o secuestrados y cuyos rastros se perdieron, en América Latina, entre 1968 y principios de 1978, se estimó en ochocientos cincuenta (según del periódico mexicano UNO MAS, publicado el 3 de marzo de 1978). Entre ellos se encuentran Mons. Anerco Angelelli, Arzobispo de La Rioja en Argentina, quien el 4 de agosto de 1976 fue víctima de un sospechoso accidente que todos creen fue un asesinato camuflado, y Mons. Oscar Romero, Arzobispo de El Salvador, quien Fue asesinado públicamente el 24 de marzo de 1980 mientras celebraba la Divina Misa. Vale la pena señalar que esta persecución, que no perdona al clero en América Latina (incluso en El Salvador afectó al 25 por ciento de ellos), a pesar del estatus que disfrutan y de que la mayoría de los países adoptan un carácter cristiano, también afecta a miles de laicos que , inspirados por su fe, están comprometidos con la causa de la justicia en ese país.

Confirmamos a continuación un extracto de una carta que dirigió a sus amigos, el 23 de noviembre de 1975, desde su prisión en el norte de Argentina, el padre Jacques Renevot, detenido por su apoyo a los campesinos oprimidos:

“Quisiera decirles primero que estoy muy feliz porque fui encontrado digno de sufrir la controversia del Evangelio de Jesús, porque todas las acusaciones que se dirigen contra mí son falsas. Ustedes me conocen y me han escuchado, y saben muy bien que nunca he predicado la violencia ni el derrocamiento del régimen, sino que mis palabras siempre han sido un llamado a la bondad, la paz, el amor y el perdón. He llamado a la lucha por la justicia, por la eliminación de la injusticia entre nosotros, pero nunca he llamado al uso de la violencia de esta manera (…) Creo que los cristianos, hoy como ayer, debemos pasar por pruebas y encarcelamientos para dar testimonio del Evangelio. Creo que hoy puedo considerarme preso por causa del Evangelio (…) Reflexiono mucho sobre el ejemplo que nos dio ese gran preso por causa del Evangelio, que es el apóstol Pablo (…) Sabes que soy prisionero como discípulo de Cristo. Espero que esto fortalezca vuestra determinación y podáis proclamar el mensaje del Evangelio sin miedo y con mayor confianza”.

Ver:
Michel Duclercq: Cris et Combats de L'Eglise in Amérique Latine, Ed. Du Cerf, París. 1979.
Charles Antoine: Le Sang et L'Espoir. Ces Chrétiins D'Amèrique Latine, Ed. Du Centurion, París, 1979.

5 - Ascensión

* La Ascensión es la culminación del proceso de redención:

La gloria divina, como hemos visto, invadió la humanidad de Jesús cuando ésta se entregó, por su propia voluntad, completamente en la cruz. Esta misma gloria divina que resucitó a Jesús de entre los muertos fue suficiente para ascenderlo al cielo, es decir, para conceder a su humanidad plena participación en la vida divina y la soberanía divina sobre todos los seres. Así, la naturaleza humana de Jesús, cuando alcanzó la perfección a través de la cruz, entró en esa gloria divina que su naturaleza divina había disfrutado desde toda la eternidad. A esto se refería el Señor cuando se dirigió al Padre antes de ir a la Pasión, diciéndole: [Y ahora, Padre, glorifícame en tu presencia con la gloria que tuve contigo antes de que el mundo existiera] [Juan 17:5]. Así, el descenso de Cristo, por su elección, a las profundidades de la muerte fue para él un camino para alcanzar la cima de la gloria. A esto se refirió el apóstol Pablo cuando escribió: [El que descendió es el que también ascendió sobre todos los cielos, para llenarlo todo] [Efesios 4:10]. Cuando el Hijo de Dios, por Su extrema humildad, se alejó al máximo de Su origen divino, entonces, por esta misma humildad, devolvió Su cuerpo a ese origen divino. Esto es lo que cantó el Apóstol en su carta a los Filipenses: [El que era imagen de Dios, no estimó el ser igual a Dios como cosa a que aferrarse. Pero él se despojó a sí mismo, tomando forma de siervo, y haciéndose semejante a los hombres. Y cuando fue hallado en apariencia de hombre, se humilló a sí mismo y se hizo obediente hasta la muerte, y muerte de cruz. Por esto también Dios lo exaltó hasta lo sumo y le dio el nombre que está sobre todo nombre, para que ante el nombre de Jesús se doble toda rodilla, en el cielo y en la tierra. Y desde debajo de la tierra, y toda lengua confiesa que Jesucristo es el Señor, para gloria de Dios Padre [Filipenses 2:6-11].

* Este es el cielo al que ascendió Jesús, y del cual su ascensión al espacio ante los discípulos fue imagen y símbolo.

Varios creyentes confunden el cielo físico con el “cielo” de Dios. Creen que Dios es un ser que reside en la atmósfera del espacio exterior. Varios no creyentes comparten este pensamiento. Así, el astronauta Titov declaró que Dios no existe porque no lo encontró durante su viaje espacial. Esta es una concepción infantil que no corresponde a la mente humana ni a la naturaleza de Dios. Dios no reside en las esferas superiores del espacio exterior. Él es un ser que no está limitado por el lugar y está presente con Su conocimiento, poder, amor y cuidado en todas partes. El hombre, por ser un ser sensual y limitado, no puede expresar a Dios excepto en una forma sensual e imperfecta. El cielo físico es más alto que la tierra, por lo que en todas las religiones se lo ha tomado como una imagen de la trascendencia de Dios. La frase "cielo" en sí se deriva de "sama", que significa "todo". El cielo físico es un símbolo de la trascendencia de Dios. Esto es lo que expresó el profeta Isaías cuando escribió: [Porque mis pensamientos no son vuestros pensamientos, ni vuestros caminos mis caminos, dice el Señor. Porque como son más altos los cielos que la tierra, así son mis caminos más altos que vuestros caminos, y mis pensamientos más que vuestros pensamientos] [Isaías 55:8, 9]. La ascensión de Cristo al cielo significa, por tanto, la participación de su humanidad en la trascendencia de Dios, en la vida de Dios, en la gloria de Dios, en la soberanía de Dios.

* Pero Jesús ascendió al cielo para llevar consigo a la humanidad:

La profunda inclinación del hombre es llegar al cielo, es decir, participar de la vida divina. Éste es el significado profundo de su anhelo de poder, conocimiento, justicia, amor, felicidad e inmortalidad. Pero aspira a llegar al cielo por su propia acción. Los seguidores de las religiones paganas creían y creen que el hombre puede llegar al mundo de la divinidad a través de los rituales que realiza y las austeridades a las que se dedica. También vemos a muchas personas en nuestro mundo moderno soñar con deificar a la humanidad a través de medios puramente humanos, como inventos científicos y sistemas sociales. Respecto a estas posiciones, el cristianismo declara que el hombre no puede, por iniciativa propia, liberarse de sus limitaciones y alcanzar la divinización. No puede, por iniciativa propia, liberarse radicalmente de la miseria, del pecado, del aislamiento y de la muerte. El cielo no se entromete, sino que desciende hasta nosotros como un regalo gratuito. El hombre no habría podido llegar a Dios si Dios no hubiera descendido al hombre para elevarlo hacia Él. Esto expresó el Señor Jesús cuando le dijo a Nicodemo: [Y nadie subió al cielo sino el que descendió del cielo, el Hijo del Hombre, que está en el cielo] [Juan 3:13].

El camino al cielo, es decir, a la vida divina, con su victoria final sobre el pecado, la miseria, el aislamiento y la muerte, nos fue abierto por Cristo cuando regresó en el cuerpo a la gloria que tuvo desde la eternidad. Con su ascensión inauguró nuestra ascensión. Este es el significado de su oración al Padre antes de la Pasión: [Oh Padre, deseo que estos que me has dado estén conmigo dondequiera que esté, para que vean mi gloria que me has dado porque Me amaste antes de la fundación del mundo] [Juan 17:24]. Con la ascensión del Señor Jesucristo comenzó nuestra deificación: [Dios, que es rico en misericordia, por su gran amor con que nos amó, aunque estábamos muertos en pecados. Él nos dio vida con Cristo; por gracia habéis sido salvos y juntamente con él nos resucitasteis y con él nos sentaste en los lugares celestiales en Cristo Jesús] [Efesios 2:4-6].

* A través de su ascensión, Jesús nos abrió el camino al cielo:

Es decir, la manera de participar de la vida divina. Todavía tenemos que tomar este camino. Pero nuestro camino sólo puede ser el camino de Jesús. El camino de Jesús hacia la resurrección y luego hacia la ascensión fue el camino del abandono generoso. El camino de la abnegación en una dirección amorosa hacia Dios y las personas. Por tanto, quien quiera participar de la ascensión debe desprenderse, con un esfuerzo que es todo el proceso de la vida, del disfrute egoísta de los bienes del mundo, para poder avanzar, con Cristo y con el apoyo de su gracia, hacia arriba, es decir, a esa comunión con Dios que ha sido preparada para nosotros. Esto es lo que nos enseñó el apóstol Pablo cuando escribió a los Colosenses: [Y si habéis resucitado con Cristo, buscad las cosas de arriba, donde está Cristo sentado a la diestra de Dios. Poned vuestra atención en las cosas de arriba, no en las de la tierra; porque habéis muerto, y vuestra vida está escondida con Cristo en Dios] [Colosenses 3:1-3].

*Ascender no significa escapar de la tierra y de sus deberes:

Pero la frase del Apóstol: [Pon tu atención en las cosas de arriba, no en las de la tierra] no significa, como creen algunos, que los cristianos deban descuidar la tierra, dejarla en paz. Naturalmente, esta interpretación es rechazada porque niega el amor al prójimo, sin el cual, como hemos visto, no podemos acercarnos a Dios. El amor a los hermanos requiere que nos preocupemos por sus asuntos, no sólo los espirituales, sino también los terrenales (así como Cristo saciaba a los hambrientos y sanaba a los enfermos). Por eso, nos ocupamos de los asuntos mundanos (con el trabajo, la educación y la salud). lucha social, por ejemplo). Por lo tanto, la frase del Mensajero significa que debemos alejarnos del disfrute egoísta y voraz de las bondades de la tierra. Quien se preocupa por este disfrute se aleja de Dios y de los demás porque está inmerso en su propia lujuria. En cuanto al cristiano que lucha contra el egoísmo de la lujuria, al compartir la Cruz del Señor, contribuye a su ascensión y, al alcanzar así la vida divina, no se vuelve un extraño para las personas y sus preocupaciones, sino muy cercano a ellas. ellos a través de ese amor que hay en él, derivado del amor de Dios por sus criaturas.

La ascensión no significa escapar de la tierra, de sus deberes, problemas y dolores. Este escape, cualesquiera que sean sus justificaciones, indica, por el contrario, que aún no hemos ascendido, que todavía somos prisioneros del “viejo hombre” dentro de nosotros cuyo consuelo y seguridad están divinizados. La Ascensión, por el contrario, es un compromiso total con todas las cuestiones humanas de la tierra. Es una presencia llena de amor y sacrificio. Esto se debe a que el cielo, como dijimos antes, no está por encima de las nubes, sino que es, en el centro de nuestro ser, una participación, desde ahora, en la vida de Dios. El Señor Jesús dijo: [El reino de Dios está dentro de vosotros] [Lucas: 17:21]. El Reino de Dios es vida divina, es decir, cielo. Por tanto, el verdadero cristiano asciende al cielo sin salir de la tierra. Vive en la tierra celestial, es decir, participando de la vida de Dios hasta que ésta se consuma en él en el último día. Esto expresó el Señor Jesús cuando dijo de sus discípulos, dirigiéndose al Padre: [Y yo ya no estoy en el mundo, pero éstos están en el mundo, y yo voy a vosotros. Oh Santo Padre, guárdalos en tu nombre. Aquellos que me has dado, sean uno como nosotros. Les he dado vuestras palabras, pero el mundo las aborrece, porque no son del mundo, así como yo no soy del mundo, yo no pido; No para sacarlos del mundo, sino para guardarlos del mal [Juan 17:11, 14, 15]. El creyente que participa en la ascensión de su Señor está imbuido de la moral de Dios: [La religión pura e inmaculada delante de Dios Padre es ésta: visitar a los huérfanos y a las viudas en sus aflicciones, y proteger a los huérfanos y a las viudas en sus angustias. El hombre mismo está sin mancha del mundo] [Santiago 1:27]. Pero la vida divina inherente a ella es en esencia amor y generosidad, por lo que no puede evitar derramarse y brotar a su alrededor, difundiendo justicia, paz, alegría y hermandad en la tierra. Así el reino irradia de los creyentes para transformar la tierra así como un poco de levadura fermenta toda la masa: [El reino de los cielos es semejante a la levadura que una mujer tomó y escondió en tres medidas de flor de harina hasta que fermentó. Todos] [Mateo 13:33]. En este sentido, el Señor Jesús llamó a sus creyentes: [la sal de la tierra] [Mateo 5:13]. La sal es diferente de los alimentos, pero se mezcla profundamente con los alimentos para nutrirlos en su conjunto. Así, el creyente lleva en sí la vida de Dios que trasciende el mundo, pero la difunde en todos los ámbitos de la existencia terrena, en la vida familiar, profesional, social y política. Su amor por la gente y su anhelo de ver el reino plenamente realizado lo empujan a pintar su imagen en el universo. Por lo tanto, no puede dejar de luchar por todos los derechos y bienes de la tierra, por la justicia, la paz y la fraternidad entre los seres humanos, por la dignidad de cada ser humano y el crecimiento de su personalidad, por la retirada de la miseria, el dolor, la enfermedad y muerte.

* Pero el cristiano sabe que su transformación y la transformación del universo no se cumplieron hasta la Segunda Venida al final de los tiempos:

Con la ascensión de Cristo, la luz de Dios fue arrojada al centro del mundo y la tierra comenzó a convertirse en cielo, pero al final de los tiempos: “el río estallará” (2 Pedro 1:19). Él renueva el universo, de modo que la tierra se convierte en cielo, así como Dios se vuelve “todo en todos” (Corintios 15:28). La ascensión del Señor es, por lo tanto, un preludio de su victoriosa segunda venida, como se desprende claramente del evento mismo (ver Hechos 1:1-11):
[La primera declaración, Teófilo, la creé sobre todo lo que Jesús comenzó a hacer y enseñar. Hasta el día en que fue recibido arriba, después de haber dado instrucciones a los apóstoles que había elegido por el Espíritu Santo. A quienes también se presentó vivo con muchas pruebas después de haber padecido, apareciéndoseles durante cuarenta días y hablándoles de las cosas. Respecto al Reino de Dios. Y mientras se encontraba con ellos, les mandó que no salieran de Jerusalén, sino que esperaran la promesa del Padre que habéis oído de mí, porque Juan Él fue bautizado con agua, pero vosotros seréis bautizados con el Espíritu Santo dentro de no muchos días. Y los que estaban reunidos le preguntaron: “Señor, ¿restaurarás el reino a Israel en este tiempo?” } Entonces les dijo: {No os toca a vosotros saber los tiempos y las sazones que el Padre ha fijado por su propia autoridad. Pero recibiréis poder, cuando haya venido sobre vosotros el Espíritu Santo, y seréis mis testigos en Jerusalén, en toda Judea, en Samaria, y hasta lo último. la tierra }. Y dicho esto, se levantó mientras ellos miraban, y una nube lo ocultó de su vista. Y mientras ellos miraban al cielo mientras él partía, he aquí, estaban junto a ellos dos hombres vestidos de blanco. Y ellos dijeron: “Varones galileos, ¿por qué estáis de pie y miráis al cielo? Este Jesús, que fue llevado de entre vosotros al cielo, vendrá de la misma manera como lo visteis subir al cielo.
Por tanto, el creyente espera este nuevo universo: [Pero según su promesa esperamos cielos nuevos y tierra nueva, en los cuales habita la justicia] [2 Pedro 3:13]. Este universo fue descrito por el Apóstol Juan en el Libro del Apocalipsis, diciendo: [Vi la ciudad santa, la nueva Jerusalén, descender del cielo, de Dios, dispuesta como una novia ataviada para su marido. Y oí una gran voz del cielo que decía: He aquí el tabernáculo de Dios está con los hombres, y él habitará con ellos, y ellos serán su pueblo. Y Dios mismo estará con ellos como su Dios. Y Dios enjugará toda lágrima de sus ojos, y la muerte no será más, ni habrá dolor ni dolor. Ya no habrá más llanto ni dolor, porque las cosas anteriores han pasado”. Y el que estaba sentado en el trono dijo: "He aquí, yo hago nuevas todas las cosas". Y él me dijo: Escribe, porque estas palabras son verdaderas y fieles (Apocalipsis 21:2-5).
Esa tierra renovada en la que el cielo de la presencia completa de Dios se ha convertido en nuestro verdadero hogar. En este sentido fue mencionado en la Epístola a los Hebreos: [Porque aquí no tenemos ciudad duradera, sino que buscamos la que ha de venir] [Hebreos 13:14]. Y en la Epístola a los Filipenses: [Porque nuestra vida está en el cielo, de donde también esperamos al Salvador, que es el Señor Jesucristo, el cual cambiará la apariencia de Nos hemos humillado para ser conformados a la imagen de su cuerpo glorioso, según la operación de su capacidad para sujetar todas las cosas a sí mismo [Filipenses 3:20, 21].

* Pero a partir de ahora vamos entrando en este universo renovado, como hemos visto:

En este sentido, el Señor Jesús dijo: [Pero viene la hora, y ahora es, en que los verdaderos adoradores adorarán al Padre en espíritu y en verdad, porque así el Padre busca que le adoren.] [Juan 4:23]. La renovación finalizará el último día, pero ya ha comenzado. Debemos entrar en él desde ahora para que se realice plenamente en nosotros en la segunda venida del Señor. El cristiano no sólo espera la llegada del Día del Señor, sino que también “acelera su llegada”, en palabras del apóstol Pedro (2 Pedro 3:12), es decir, que comienza a realizarlo, por la gracia del Señor. , en él y a su alrededor, descendiendo sobre la tierra, en palabras del escritor Khalil Ramez Sarkis, “unos días de cielo”. Y en su lucha, a veces amarga, por la verdad, el bien y la alegría en la tierra, siente una confianza incomparable porque sabe que sus esfuerzos no serán en vano y que el mal y la muerte serán derrotados de una vez por todas por la gracia de Dios que Se encarnó, crucificó, resucitó y ascendió al cielo para liberar al hombre y deificarlo.

أسئلة:

Lea Hechos 1:1-11.

  1. ¿Qué significa la ascensión para la humanidad de Cristo? (Ver Juan 17:5). ¿No es, en este sentido, una extensión y culminación de la Resurrección y de todo el proceso de la redención?
  2. ¿Cuál es la relación entre el despojo que realizó Jesús y su ascensión? (Ver Filipenses 2:6-10 y Efesios 4:10).
  3. ¿El “cielo” al que ascendió Jesús significa las esferas superiores del espacio? (Ver Isaías 55:8-9).
  4. ¿Puede una persona, con sus propios poderes, ascender a ese “cielo”? ¿Conseguirá tal aumento la penetración de misiles en el espacio? (Ver Juan 3:13).
  5. ¿No se cumplió nuestro sueño de ascender al cielo a través de Cristo Jesús? (Ver Juan 17:24, Juan 12:26 y Efesios 2:4-6.)
  6. ¿Significa esto que no deberíamos preocuparnos por los asuntos terrenales? ¿Se requiere que el cristiano abandone el mundo o se proteja del mal del mundo? (Ver Juan 17:11-15 y Santiago 1:27). Si la ascensión es participación en la vida de Dios, y si la vida de Dios es una vida de amor, ¿no significa esto que el creyente ascendido se ha vuelto extremadamente cercano a la gente y está extremadamente interesado en todos sus asuntos, incluidos los asuntos terrenales? ¿Cuáles son los dichos del Señor Jesús que prueban que el creyente está viviendo su ascensión de ahora en adelante y el mundo está ascendiendo con él? (Ver Lucas 17:21, Mateo 5:13, Mateo 13:33).
  7. ¿Cuál es la relación entre la ascensión de Cristo y su segunda venida? ¿Estará completa nuestra renovación y la renovación del universo antes de esta venida? (Ver 2 Pedro 3:13, Filipenses 3:20-21 y Apocalipsis 21:2-5). ¿No es este universo renovado nuestro verdadero hogar? (Ver Filipenses 3:20-21 y Hebreos 13:14).
  8. ¿Basta con esperar este universo renovado? (Ver 2 Pedro 3:12). ¿Qué significa “acelerar el día de Dios”?

extensión:

El cristiano es ciudadano del cielo al que Cristo ascendió en carne, llevándose consigo a la humanidad. Pero sabe que el cielo no es un lugar encima de las nubes, sino una vida divina puesta en él para renovar y cambiar la faz de la tierra y de la historia, acelerando así el Día del Señor en el que Dios será “todo en todos”. ” “en una tierra nueva donde habite la justicia”. Esto es lo que nos recuerdan tres textos que demostramos a continuación:

  1. El primer texto es de una conferencia pronunciada por el profesor Albert Lahham en el simposio libanés titulado “Justicia política en el cristianismo”, en la que dice:
    • “El cristiano sabe muy bien que la utopía no es de este mundo. Es la Jerusalén celestial, la tierra nueva, con la que Dios coronará la obra de Su creación en los últimos días. Pero el cristiano también cree que esa tierra nueva, el Reino de Dios, no es sólo un evento en el más allá que esperamos. oración, sino más bien un acontecimiento que entró en la historia humana en Jesucristo y sigue presente en la historia y activo en ella como fuerza de resurrección, de renovación y de transformación. “Si alguno está en Cristo, nueva criatura es. Las cosas viejas pasaron; he aquí todas son hechas nuevas” (2 Corintios 5:17). Por lo tanto, el cristiano, habiéndose convertido en miembro de esa nueva creación al experimentar la muerte de la cruz y el poder de la resurrección, está llamado a desarrollar la sociedad y cambiar el rostro de la historia”.
      (De la revista “Symposium Lectures”, Año 20, Boletín 11 y 12, 1966)
  2. El segundo texto es del filósofo francés Emmanuel Monet, fundador de la doctrina del personalismo. En él aparece que la esperanza del cielo impulsa la transformación de la tierra porque el más allá no será la aniquilación del universo, sino la culminación de la renovación que Cristo inició en él y a la que los cristianos deben contribuir de ahora en adelante:
    • “…La verdadera esperanza cristiana no es un escape. La esperanza del más allá despierta directamente la voluntad de organizar este mundo. Todas las parábolas del libro, como la de las vírgenes prudentes y las vírgenes insensatas, la parábola de la invitada a la boda que no usó el vestido de novia, la parábola de los talentos y muchos otros proverbios también, se centran en este tema: O el más allá estará presente entre ellos y a través de ti de ahora en adelante, o nunca lo estará. Recordaréis que en el momento en que los apóstoles, después de haber visto a Cristo partir entre las nubes, todavía alzaban asombrados la cabeza al cielo, se les acercaron dos hombres vestidos de blanco y les dijeron: “¿Por qué están ¿Os quedáis aquí con la nariz en alto? El que se fue, volverá. Entonces tu trabajo estará a tus pies”. Así, para el cristiano que espera el más allá, la idea del fin de los tiempos no es una idea de aniquilación, sino una expectativa de continuación y consumación”.
      Emmanuel Mounier: La Petite Peur du XXe Siècle (1949), en Oeuvres, T. III, p. 346, Seuil, París, 1962
  3. El tercer texto es del famoso teólogo protestante suizo Karl Barth. En él parece que nuestra confianza en que las fuerzas del mal y de la muerte serán derrotadas de una vez por todas en el Día del Señor nos proporciona el coraje necesario para luchar por construir un mundo mejor, porque sabemos que nuestros esfuerzos no serán suficientes. desperdiciarse y que la historia humana tiene significado:
    • “Si creemos que los acontecimientos y la historia tienen significado, y también creemos en el desarrollo y la revolución, en la reforma y renovación de la sociedad, en la posibilidad de la hermandad en la tierra y bajo el cielo, entonces es porque estamos esperando algo mejor, quiero decir. el cielo nuevo y la tierra nueva. Si nos dedicamos, con todas nuestras fuerzas, a nuestras tareas diarias, por pequeñas que sean, y si trabajamos incansablemente para construir un nuevo (país), es porque estamos esperando que la Nueva Jerusalén baje de Dios. Si tenemos el coraje, en nuestro mundo, de soportar las restricciones, los obstáculos y las desventajas, e incluso si tenemos el coraje de destruirlos también, es porque, ya sea que los soportemos o los destruyamos, creemos en lo divino. plan que requiere derrotar al último de los enemigos y a la más fuerte de las restricciones, es decir, la muerte misma”.
      Karl Barth

6- El Cristo Universal:

Por favor revíselo en su lugar en el libro...la red.

Facebook
Gorjeo
Telegrama
WhatsApp
PDF
☦︎

información Acerca de la página

Direcciones el articulo

contenido Sección

Etiquetas Página

الأكثر قراءة

Scroll al inicio