أحس المسيحيون الأوائل بأن يسوع الذي ارتفع إلى السماء إنما هو آتٍ سريعاً (أعمال 1: 9 – 11). وكان الرب قد كلّفهم بأن “يُتلمذوا جميع الأمم ويعمّدوهم…”(متى 28: 19). وكانت المسؤولية كبيرة على بشر لا يملكون إمكانيات التنقل ووسائل الاتصال التي يعرفها عالم اليوم. غير أن رجاءهم بيسوع الحيّ كان كاملاً, فوثقوا بوعده بأنه “لن يفارقهم”, وحملوا, بقوة الروح القدس, هذا الخبر السار, خبر موت المسيح وقيامته ومجيئه الثاني, إلى العالم (1 تسالونيكي 4: 13 – 18), وكانوا يردّدون, بثقة وفرح, في هدأة الدعاء: آمين! تعال, أيها الرب يسوع” (1كورنثوس 16: 22؛ رؤيا 22: 20).
بيد أن لا شيء في الكتب المقدسة يمكنه أن يوحي للناس بأن يحدّدوا ما يجهلونه (وقت مجيء الرب ثانية). فالرب الذي قال لأخصائه إنه آتٍ ثانية لم يُطلع أحداً منهم على الوقت الذي سيعود فيه ليدين العالمين (متى 24: 42و 43؛ مرقس 13: 33؛ لوقا 12: 40, 17: 20 و21: 34؛ أعمال 1: 7؛ 1 تسلونيكي 5: 1- 3؛ 2 بطرس 3: 10؛ رؤيا 3:3) ولا يخفى أن الوصية التي تركها لهم, في ما دعاهم إلى انتظار يومه, هي: “اسهروا”, فألمح إلى كيفية التهيّؤ لهذا اليوم من دون أن يحدد وقته. وحذّرهم من ظهور أنبياء كذبة سوف “يأتون بآيات عظيمة وأعاجيب” ويوهمون الناس أن المسيح “هنا أو هناك” (متى 24: 23 – 28).
وواقع الحال أن السبتيّين خرجوا على الحق الإلهي, وذلك أن مؤسسهم “ميلر” حدّد وقت مجيء الرب مرات عدة (ما بين العامين 1842 – 1844), ودعا الناس إلى انتظاره (الصراع العظيم, ص 334 – 473, 448), فخذل وفق رأيه, وأتى بعده من صحّح تعاليمه فازدادت الانحرافات. أما ماذا قال (ميلر), في هذا الباب, فهذا يحتاج إلى بعض السرد.
لا بدّ من أن نعرف بدءاً أن ميلر كان يستقي تعاليمه من مفهومه من مفهومه الخاطئ للكتاب المقدس, فأوحت إليه دراسته المنحرفة بـ “أن الفرصة المحدّدة لبقاء الأرض…. كانت موشكة على الانقضاء”, وذلك أن علامات المجيء (زيادة الجريمة في العالم, الحروب والويلات, الكوارث الطبيعية والمجاعات…) التي أنبأ عنها الربّ, كانت, كما يدّعي, قد كملت (الصراع العظيم, ص 339 – 345و 370؛ إيمان الأدفنتست السبتيين,ص 584 – 586). وبدا له أن “النبوّة” التي “تعلن بأجلى وضوح وقت المجيء الثاني هي الواردة في دانيال (8: 14)”, والتي تقول: ” إلى ألفين وثلاث مائة صباح ومساء فيتبرأ القدس”. وقد قَبلَ أن ” تكون الأرض هي المرموز إليها بالقدس… وفهم أن تبرئة القدس… أو تطهيره يرمز إلى تطهير الأرض بالنار عند المجيء الثاني…”. ولذلك حاول أن يكتشف من الكتاب ” النقطة التي منها تبدأ ال 2300 يوماً ” (أو ال 2300 سنة حرفية “، كما فسّر هذا الرقم) ليعرف ” وقت المجيء الثاني”، ويعلنه (الصراع العظيم، ص 359-366, 439-441). فأقر الرأي على أن هذه النقطة تبدأ في الوقت عينه الذي بدأت فيه السبعون أسبوعا التي ذكرت في نبوءة دانيال, أي في العام 457 ق.م ز (9: 24-27؛ وعزرا 6: 14 و 7: 12-16). وقد أجرى ميلر حساباته هكذا 2300-457= 1843؛ فأعلن أولا هذا التاريخ وقتا للمجيء الثاني، وبعد إخفاقه أعاد النظر في تحديده, فطلع, بعد البحث، بنظرية جديدة، وهي: أن المجيء سيتم وفق السنة العبرية وروزنامة الكتاب المقدس, أي بين ربيع 1843 وربيع 1844، مستخلصا أرقامه الجديدة استنادا إلى (خروج 12: 1 ولاويين 23: 5). وبعد فشل توقعاته ثانيةً أجّل هذا التاريخ, بمساعدة أحد مشايعيه (صموئيل سنوو)، إلى خريف العام 1844، وتحديداً إلى ” يوم الكفّارة” (22 تشرين الأول), وذلك بعد أن لاحظ أن اليهود قد أبدلوا تقويمهم، إذ إنهم جعلوا سنتهم تبدأ في الخريف بدلا من الربيع، فخُذل من جديد.
وما يثير الضحك هو أن السبتيّين اعتبروا أن حركتهم، في نشأتها وانتشارها, هي ” واحدة من أوضح العلامات على أن عودة المسيح توشك أن تتم”، ولم يقف كبرياؤهم عند هذا الحد, وذلك أنهم شبّهوا أنفسهم بيوحنا المعمدان الذي أعدّ الطريق لمجيء المسيح (إيمان الأدفنتست السبتيّين، ص 580، الصراع العظيم، ص 377 و 408). ولا يخفي أن هوايت قارنت بين تلاميذ المسيح الذين أعلنوا البشارة وبين ميلر الذي أعلن (حدّد) وقت المجيء الثاني (م.ن، ص 389). ولقد تبنّت آراء أحد أقطاب دعاة حركة السبتيّين وهو حيرام أدسون الذي اعتبر أن ميلر أخفق في تحديده موعد ” يوم الرب ” لأنه ترجم لفظة ” القدس ” بالأرض، وكان عليه أن يترجمها، استنادا إلى (عبرانيين 9: 24, 6: 19و 20, 9: 12), بالمقدس السماوي, ومما قالته: ” وهكذا رأى أولئك الذين اتّبعوا نور الكلمة النبوية أن المسيح بدلاً من المجيء إلى الأرض… في عام 1844 دخل إلى قدس أقداس المقدس السماوي ليكمل عمل الكفارة الختامي استعداداً لمجيئه” (م. ن، ص 408 و 464؛ المعتقدات الأساسية، ص 23؛ من هم الأدفنتست السبتيّون؟، ص 22). وهذا انحراف آخر, وذلك لأن هوايت، في تبريرها خطأ ميلر (أو قبولها تفسير أدسون)، أجّلت غلبة المسيح التي تمّت بموته وقيامته, وأوحت بمجيء خفيّ ليس له سند في الكتب المقدسة.
لمّا قال يسوع: ” ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي حدّدها الآب بذات سلطانه ” (أعمال 1: 7)، منع الناس – أياً كان حالهم ووعيهم الروحي – من أن يفتّشوا عمّا لم يُعطَ لهم. وهو, بكلامه هذا, لم يقصد أن يقول (كما فعل السبتيّون): إن هذا الحدث ” في نظر المنصرفين إلى شؤون الدنيا سيكون غير متوقع ” (إيمان الأدفنتست السبتيّين، ص 571)، ليوحي: أن السبتيّين لا يخفى عنهم شيء. ويعرف المطّلعون أن التلاميذ لمّا سألوا يسوع عن وقت مجيئه, أخفى نفسه – كما يقول المطران جورج (خضر) – ” وراء بشريته” بقوله: ” أما ذلك اليوم وتلك الساعة، فما من أحد يعلمهما, لا ملائكة السموات ولا الابن إلا الآب وحده (متى24: 36). وهذا يفضح انحراف السبتيّين – ومن قال أقوالهم – لأنهم يدّعون معرفة ما لم يقله يسوع ويتطاولون على الحق…,
إن ضلال السبتيّين ساطع في تعليمهم وليس لنا أن ندينهم, وإنما ” نرثي لهم على خوف “, وأن نذكّر المؤمنين بأن يحصّنوا قلوبهم بمحبة الرب الحاضر الآتي, وتاليا باستقامة العقيدة التي هي وحدها نور الحياة، وبأن يبتعدوا عن الهراطقة ” ويبغضوا حتى القميص الذي دنّسه جسدهم ” (يهوذا 23).