تقسَّم المعجزات التي اجترحها يسوع الى اربعة انواع يجمعها هدف واحد هو خلاص الانسان وهي:
- السيطرة على عناصر الكون (السير على المياه، تهدئة العاصفة، الصيد العجائبي)
- طرد الارواح الشريرة
- شفاء المرضى
- إقامة الموتى
ويظهر هذا الهدف بشكل كامل بقيامة يسوع من بين الاموات التي حقّقت ما كان قد لمّح اليه في عجائبه, أعني انتصار الحياة على الموت. ولذلك في ضوء القيامة فقط نستطيع أن نفهم بعمقٍ تعليمه من خلال المعجزات: إن ملكوت الله قد أتى بقوة.
يدلّ العهد الجديد على معجزات يسوع بطرائق ومفردات متنوعة تختلف في الاناجيل الإزائية (متى، مرقس ولوقا) عمّا هي في انجيل يوحنا. فبينما نرى، مثلا، في انجيل مرقس ان 209 آيات من اصل 688 التي تشكل الانجيل كله تتحدث عن المعجزات، يورد يوحنا سبع معجزات فقط في انجيله، من دون أن يذكر معجزة واحدة تتحدث عن إخراج اشياطين. تسمّى المعجزات عند الإزائيين “ذيناميس” اي “اعمال قدرة” او “عجائب”، اما في نظر يوحنا فهي “إرغا” اي “أعمال” عندما يتكلم يسوع (يورد يوحنا هذه اللفظة 18 مرة في انجيله، راجع مثلا 10: 37 – 38، 14: 10 ويطبّق مدلولها على سالة يسوع كلّها “العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته” 17: 4)، وتسمى “آيات” عندما يتكلّم الناس او الانجيليّ نفسه. أهمية هذه اللفظة (آية) هو انها تشير الى المعنى الذي يرافق العمل وتفسِّر بُعدَهُ الروحي. غير أن المفردات التي تدلّ على المعجزة مهما تنوّعت فإنها تشير الى عنصر هام هو كونها آية او علامة تقود البشر الى الله وتعبّر عن دخول قدرة الله في الزمان والمكان.
تخبرنا المعجزات، بطريقة ملموسة، أن زمان الوعد قد انقضى وبات يسوع المنتظَر معنا. وذلك لانها تشهد لرسالته ووضعه المسيساني وتُظهر مجدَهُ. نتبين هذا بأجلى وضوح من خلال جواب السيد على الرجلَيْن اللذين أرسلهما يوحنا المعمدان الى يسوع ليسألاه: “أأنت الآتي ام ننتظر ىخر؟”. يقول لوقا الانجيلي:”وفي تلك الساعة شفى كثيرين من أمراض وأدْواء وارواح شريرة ووهب البصر لعميان كثيرين”. ومن ثم أجاب يسوع وقال لهما: “اذهبا واخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما. إن العمي يُبصرون والعرج يمشون والبرص يُطهَّرون والصمّ يسمعون والموتى يقومون والمساكين يُبشَّرون. وطوبى لمن لا يعثر فيّ” (لوقا 7: 20 – 23، قارن مع اشعيا 35: 5 – 6 و61: 1). وهذا يدلّنا على أن الاعمال المتنوّعة التي عملها يسوع، هي – لمن يعرف الكتب المقدسة – كفيلة بأن ترسم له طريقا ايمانيا اي أن تقوده الى المسيح المنتظَر موضوع الايمان الوحيد ومعطيه.
ما لا شك فيه ان يسوع لم يصنع المعجزات إرضاء للناس او إثارة لإعجابهم او هدفا لاجتذابهم، فإذا َعلنت كرازتُهُ وأمثالُه عن مجيء ملكوت الله ودعت الناس الى التعرّف عليه “توبوا لقد اقترب ملكوت السموات”، فإن أعماله علامات و رسائل للذين لهم عيون ليروا ان الله وملكوته حاضران.يقول المغبوط اغسطينوس: “لنسألِ المعجزات: ماذا تستطيع أن تطالعنا عن المسيح؟ اذا فهمناها فإنها تتكلم بنفسها… انها كلمة الله، وجميع أعمال كلمة الله هي أقوال موجهّة لنا. ليست المعجزات تاليا مورا ننظر اليها ونُعجب بها، انها رسائل علينا أن نقرأها ونفهمها”، ذلك أن المعجزة وجه من أوجه خلاص الله الأخيري عندما لا تبقى للشر اية سلطة ويكون الله الكل في الكل، وهذا بلا شك يفهمه المؤمنون ويرتضيه التائبون.
من المفيد أن نذكر أن بعضا من الامراض العصبية والنفسية التي وَجَدَ لها الأطباء حلولا اليوم ارتبطت في العرف الشعبي القديم بالتعاليم الخرافية والاسطورية المتعددة، فاعتُبرت، مثلا، “مسّاً” من الشيطان او متأتية من وجود قوى شيطانية. لا شك أن يسوع أنمى في تلاميذه إيمانهم بالإله الواحد الذي يطهّرهم من الخرافات الشعبية، وتاليا فإن معجزاته تروي تأسيس ملكوت الله بعيدا عن التفاسير التي وردت في مفهوم زمانه.
الهوس في حبّ المعجزات في زمننا الحاضر ومتابعتها واعتبارها عشوائيا- عن قصد او عن غير قصد- أعمالا إلهية فيه الكثير من عدم الاتزان الروحي وجهل بالغاية التي صنع يسوع لأجلها معجزاته، خصوصا وان البعض يميلون الى طلب المعجزات حبا بالخوارق او إثباتاً لوجود الله او لقداستهم الشخصية. كلّنا نعلم انه في التجربة على الجبل رفض يسوع رفضا قاطعا أن يكون رَجُلَ خوارق، وعندما طلب اليه اليهود ورؤساء الكهنة أن يخلّص نفسه وينزل عن الصليب اعتبر أن الطلبَ شيطانيّ أيضاً ولم يُجب بكلمة واحدة، وذلك لأن يسوع كان همّه الوحيد لا أن يرضي الناس وتصوّراتهم حياله، وإنما أن يعمل عمل ابيه ويرضيه وحده. ونعلم ايضا انه في زمن يسوع –وفي كل زمن –كان عرج وعمي وموتى كثيرون وأن يسوع لم يشفهم جميعا لانه لم يأتِ ليقلب نظام الطبيعة، وإنما أتى بـ”علامات” تبيّن اكتمال ملكوت الله في اليوم الأخير، وقيامته (يسوع) هي العلامة الكاملة والأخيرة التي تدلّ على أن حدود بشريتنا وضعفنا وهشاشتنا قد تحطم وأن موت كلّ واحد منا قد مُني بالهزيمة.
المعجزات في الإنجيل تعزيات كبيرة يتلقّاها الذين تابوا الى الله وآمنوا به بكل قلوبهم، هم وحدهم يفقهون أن الملكوت حَضرَ وأن الموت ومظاهره هُزمت في المسيح الغالب. هؤلاء المؤمنون التائبون يعلمون أن الله حاضر معهم بشكل معجز في أسراره وكلمته وهو رفيق قلوبهم، وهو القوي حتى عندما يبدو ضعيفا (على الصليب)، ولذلك هم لا يحتاجون الى شيء، لكونهم يختبرون كل يوم أن القلب البشري هو مكان المعجزات الدائمة التي تخبر بقوّة لا نظير لها أن الله لم يوقف عمله في العالم.
Om mit sogneblad
الأحد 18 آب 1996