تعود تسمية “شهود يهوه” بهذا الاسم إلى العام 1931، كما ذُكر سابقاً. وقد وردت، أول ما وردت، على لسان القاضي روذرفورد، الرئيس الثاني للمنظمة، في البيان الختامي لمؤتمر كولومبوس في أوهايو الأميريكية. قبل ذلك، ومنذ العام 1874، ارتأت الجماعة ان تطلق على نفسها، حسب الظروف، تسميات شتى أبرزها “دارسو الكتاب المقدس”. راصل –مؤسس المنظمة- وروذرفورد لم يجدا عيباً في تسمية الجماعة ب “المسيحيين”. روذرفورد سمّاها ايضاً “تلاميذ يسوع المسيح الحقيقيين”.
أما التسمية الجديدة فلا سابق لها على الاطلاق. لا شعب العهد القديم سمّى نفسه كذلك ولا تلاميذ الرب يسوع المسيح ولا الكنيسة من بعدهم إلى القرن العشرين. أكثر من ذلك إن لفظة “يهوه” لم ترد في ايٍّ من أسفار العهد الجديد، ولا حتى في الترجمة السبعينية -اليونانية- للعهد العتيق وهي التي كانت شائعة في زمن الرب يسوع واعتمدها الانجيليون والرسول بولس وسائر كتبة أسفار العهد الجديد. واليهود أنفسهم كانوا يستعيضون عن الاسم “يهوه” بـ “ادوناي” أي ربّ و”ألوهيم” أي الله.
أما التسمية التي جرت على أتباع الرب يسوع المسيح، في البدء، فكانت “التلاميذ”. من هؤلاء التلاميذ الاثنا عشر (متى 10: 1) والتلاميذ السبعون (لوقا 10) وجمهور التلاميذ (لوقا 19: 37 ) الذين عرفوا الرب يسوع شخصياً ثم المؤمنون به عموماً (اعمال 6 ). وشيئاً فشيئاً جرت عليهم تسمية أُخرى: “المسيحيون”. في أعمال الرسل 11: 26 إن التلاميذ دُعوا مسيحيين أولاً في أنطاكية. لم يَدعُ التلاميذ أنفسهم “مسيحيين”، في البداية، بل دٌعُوا كذلك. من الذي أطلق عليهم التسمية؟ الوثنيون، على الأرجح، ولعلهم أطلقوها تعييراً. النظرة العامة إلى أتباع المسيح كانت، في وقت من الأوقات، أنهم “سفلة عاميون”. تاسيتوس المؤرخ الوثني (55 – 120م )اعتبرهم كذلك. بهذا المعنى، ربما، جواب أغريباس الملك لبولس الرسول: بقليل تقنعني أن أصير مسيحياً” (اعمال 26:28 ). في كل حال، يبدو أن الإدارة الرومانية واجهت مشكلة تسمية أتباع الرب يسوع، في النصف الثاني من القرن الأول، لتمييزهم عن اليهود. ولكن المسيحيين ما لبثوا أن تبنوا التسمية الجديدة. رسالة بطرس الرسول الاولى تستعمل كلمة “مسيحي” كما نستعملها نحن اليوم: “فلا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر أو متداخل في أمور غيره، ولكن إن كان كمسيحي فلا يخجل بل يمجّد الله من هذا القبيل” (1 بط 4:15 – 16).
في ضوء هذه الحقائق التاريخية والمعطيات الكتابية يحق للقارئ ان يتساءل: ترى، لماذا اتخذ “شهود يهوه” تسميتهم هذه؟
هناك ولا شك اسباب متعددة، منها ما هو شخصي، مزاجي، كيفي، ومنها ما هو وضعي له علاقة بواقع المنظمة في بداية الثلاثينات من القرن العشرين. ولكن، من يقرأ بعض فقرات “بيان كولومبوس” الآنف الذكر يستنتج أن التسمية الجديدة تستند إلى اعتبارات ثلاثة:
- ثمة وعد نبوي من الله لصهيون بأنها ستسمى باسم جديد يعينه فم الرب (اشعياء 62: 1 – 2).
- هذا الاسم هو “شهود يهوه” تحقيقاً للقول النبوي انتم شهودي يقول الرب (يهوه) “(اشعياء 43: 10 – 12).
- جماعة الشهود هي صاحبة الاسم لأن الرب الإله نفسه هو الذي أعطاهم اياه.
أجل هذا ما يقول به الشهود. الله نفسه هو الذي جعلهم شهوداً له. بفمه سمّاهم. وقد حدث ذلك في خريف العام 1922، لكن الشهود لم يفطنوا للأمر إلا في العام 1931، كما ذكروا في كتابهم “التبرير” (ص 52). قبل ذلك، حسب ادعائهم، كان الرب يسوع المسيح، في حدود العام 1874 – والاشارة هنا إلى راصل والجماعة الاولى – قد باشر بإعطاء التلاميذ الأمناء “فهماً أوضح للحقائق الأساسية التي علّمها هو ورسله، وهي حقائق عتّمتها العقائد المغلوطة عبر قرون طويلة. بكلام آخر، ما يريد روذرفورد أن يقوله هنا هو أن ثمانية عشر قرناً مرّت لم يكن فيها شاهد حقيقي واحد لله (يهوه) إلى أن جاء “شهود يهوه”. صدّق أو لا تصدّق !!!. اما المسيحية – في نظر المنظمة – فاختراع شيطاني. لذلك قالوا في كتاب ” الغنى”، مثلاً، بعد ذلك بخمس سنوات:”بعد موت الرسل الاثني عشر، شرع الشيطان، خلسة وبالتدريج، في بناء هيئة أو نظام ديني ما برح منذ ذلك الحين معروفاً باسم مسيحي” (ص 243).
بماذا نرد على كلام من هذا النوع؟! ما قلناه يكفي. ولنا بعد هذه الكلمة: “الحماقة فرح لناقص الفهم، أما ذو الفهم فيقوّم سلوكه” (أمثال 15: 21).
الأحد 15 آذار 1992، العدد 11