إننا نرى ما للصحة الجسدية من قيمة وما تحمله للإنسان من فائدة في الرجل الذي يتمتع بتمام الصحة. ويلاحظ الشيء ذاته في قيمة الصحة الروحية. ولكي نقدر هذه الصحة قدرها علينا أن ندرس جمال نفس المؤمن وصحته، المرتبطة حقيقة بالمسيح. لن نعطي أهمية للأمور البشرية التي تزين المسيحي ولن نهتم بالعجائب حتى ولو كان المسيحي يملك نعمة العجائب. علينا أن ننتبه إلى غنى الفضيلة الموجودة في نفسه. عندما توجد الفضيلة ويوجد برهان على قيمتها فلماذا السؤال عما إذا كان الفاضل يملك نعمة عجائبية؟ العجائب ليست برهاناً على الحياة في الفضيلة، لأنه لا القديسين العظام كلهم اجترحوا العجائب ولا كل الذين اجترحوا العجائب كانوا من القديسين، ومن فعلة الفضيلة كثيرون من القديسين الذين ارتفعوا ورفعهم االله وقاموا بأفعال الفضيلة لم يجترحوا حتى ولا عجيبة واحدة، والعكس فقد وجد رجال أشرار خبثاء اجترحوا عجائب كما فعل يهوذا العبد الغاش.
يحتاج عمل الفضيلة وتحقيقها إلى تعب وألم. أما النعمة العجائبية فيعطيها االله. لا يحتاج الإنسان إلى جهد لاجتراح العجائب. كثيرون هم الذين حصلوا على نعمة العجيبة دون أن يشتاقوا نيلها. من يملك مثل هذه الموهبة يجب أن لا يباهي فرحاً “لا تفرحوا لان الأرواح تخضع لكم بل افرحوا لان اسمكم كتب في السماء” (لوقا 10: 20). فما دامت العجائب لا تعطي الإنسان الفضيلة ولا تطهرها إذا كانت موجودة فمن الغرابة أن يطلب الإنسان رؤية العجائب ليقتنع بوجود الفضيلة. من يعرف كل الأسرار ويلّم بكل النظريات الروحية لا يستحق أن يكون مثار إعجاب فمن المؤكد أن هذه الأمور كلها تتبع الحياة الفاضلة وهذا لا يفرض وجود الحياة الروحية بالضرورة، والبرهان ما يقوله الرسول إلى أهل كورنثية : “إذا كانت لي النبوة لأرى كل الأسرار واعرف كل المعرفة، وإذا كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال وليست لي محبة فلست بشيء” (1 كورنثوس 13: 2).
لنتغاض عن الأمور الأخرى كلها ولننظر إلى إرادة النفس التي يتعلق بها صلاح الإنسان وخبثه وصحته الروحية ومرضه وحياته الروحية وموته. فإذا كان االله وحده يحكم إرادة الإنسان أن يجعل نفسه غرضاً من أغراض مغبطة. كيف يروض إرادته حتى لا يريد إلا الصلاح. إن االله يعمل من أجل هذه الغاية وكل اهتمامه ينحصر في هذه الناحية. وقد أعطى االله المكافأة من أجل ترويض الإرادة على الفضيلة فوعد بالجوائز الأبدية والخيرات الصالحة كما فرض العقوبات والتهديدات التي لا حد لها في الوقت نفسه. إن االله خلق العالم ووضع نواميس إلهية لا تزول، وأعطى الإنسان خيرات غنية، كما انه أوجد عقوبات صارمة وكثيراً ما يعاقبه ويجربه بشتى الطرق ليجذب إليه نفسه ويقنعه بأن يحب االله بإرادته. من يستطيع أن يدرك غنى خيرات االله واحساناته التي لا تثمن للإنسان؟
أية مكافأة يطلب االله لقاء هذه الخيرات المنظورة وغير المنظورة؟ أن تكون لنا رغبة صالحة وأن نريد وأن نفعل الخير. كل الوصايا والإرشادات وكلام االله يستهدف خيرنا. عندما يدين االله الطمع والرغبات الوضيعة والغضب والحقد لا يطلب إلا توبة ومحبة للخير ودواء وإرادة قوية. كل الفضائل التي من أجلها يغبط المسيح الإنسان هي من عمل النعمة والإرادة.
أليس الإيمان باالله والعقائد الصحيحة عامة من مميزات البشر الذين يملكون نية حسنة وإرادة صالحة؟
إن االله أعطى الناموس من أجل المحبة ولكن الفضيلة لا تتطور بدون إرادة. فعندما يطلب االله منا، بعد الاهتمام بتهذيب نفوسنا وإرادتنا ثماراً روحية، فمن الواضح انه يعطي لإرادتنا كل قوة لفعل الخير.
فالمعمودية وكذلك الأسرار الأخرى تجهزنا للحياة المستقبلة ويعتبرها الرسول بولس “قوى الدهر الآتي” (عبرانيين 6: 5). أنها تجهزنا للحياة بما تعطيه لنا من القوة فنحقق الحقيقة المسيحية ونحياها. إن الحقيقة المسيحية كعمل وحياة هي إكليل لنا. أنها تؤهل المؤمن ليسكن المسيح في قلبه، “إذا أحبني احد حفظ كلامي وأبي يحبه واليه نأتي وعنده نجعل مقامنا” (يوحنا 14: 23).
من سيحافظ على كلام االله؟ من كانت له النية الصالحة ومن أراد أن تكون له هذه النية، فاالله حدد جوائز أبدية للإنسان لأنه ينشد الفضيلة بإرادته، وحدد عقاباً أبدياً للخطأة الكفرة لأنهم بإرادتهم يصبحون كذلك. الإنسان مسؤول أمام االله لأنه حر في أن يختار بين الخير والشر. فلو كان عبداً وكانت أفعاله إجبارية لما استحق لا الجوائز ولا العقوبات الحياة الروحية المغبوطة تتعلق بإرادتنا. الإنسان يكون بإرادته صالحاً أو شريراً. الشرير يهتم بالأمور الوضيعة البطالة الخاطئة، والصالح يفرح بالأمور الصالحة السامية الروحية. ليس الخبث والصلاح بل الشقاء والسعادة أيضاً يتعلقان بالطريقة التي تتهذب بها الإرادة وتتروض.