أحب االله الإنسان، أحبه هذا القدر من الحب حتى ” أفرغ ذاته متخذاً صورة عبد” (فيليبي 2: 7). لم يدعه ليكون قريباً منه فقط، لم يدع الإنسان العبد للخطيئة الذي أحبه. لقد نزل من السماء وفتش عن الخاطىء، عن المجرم، عن المدان، عن الضائع. فاالله الغزير الرحمة يزور روح الإنسان وبزيارته يفصح عن شوقه ومحبته اللذين يكنهما نحوه. وعندما يرى أن الخاطىء الذي أحبه لا يقبله فأنه لا يبتعد عنه فوراً ولا يتأفف إذا شتمه ولا يهرب عندما يرى إن من جاء ليخلصه يهينه بل يبقى خارجاً أمام باب النفس. لا يتأفف من هذا الموقف المخزي لأنه أحبه كخاطىء وقد دفعته محبته ليصير إنساناً مثلنا، يتألم ويتعذب ويموت فوق الصليب من اجل المحبوب. أهناك ما هو أقوى من هذا التعبير عن المحبة؟ كان بامكان االله الذي أحبنا كغير متألم إلا يتألم من اجلنا لكنه أراد كرحيم أن يحسن إلينا فاتخذ صورة عبد لكي يعبر عن محبته التي لا تحد “أخلى ذاته” وتألم وعانى عذاب الصليب وتحمل كل شيء ليعيد الإنسان الضال إلى أحضان أبيه السماوي.
إن المخلص، وهنا الغرابة والعجب، لم يتحمل العذاب الشديد فقط، لم يمت بجراحاته ودمائه بل استمر يحمل آثار جراحاته حتى بعد أن عاد إلى الحياة وأقام جسده بطريقة خارقة. بهذه الجراحات رأته الملائكة وقد اعتبر هذه الجراحات التي فتحتها مسامير الصليب أعظم وسام وكان يفرح عندما يشير إليها كآثار لآلامه. لقد صار جسـده الطاهر روحياً لا وزن له ولا ثقل ولا صلة تربطه بما يميز أجساد البشر الفانية. جسد المخلص ممجد وغير فان. احتفظ المخلص بجراحات الصليب ولم يرد أن يتخلى عنها حباً بالإنسان. بها وجد الخروف الضال واشترى الإنسان الذي أحبه لما كان يجرح.
إذا كانت أجساد البشر المائتة تطهر كل اثر من آثار الجراحات التي تصاب بها فكيف احتفظ الجسد الغير المائت بآثار الجراح؟ أراد المخلص أن يحتفظ بآثار الجراحات ليبقى واضحاً للجميع أن جنبه قد طعن بحربة من اجل العبيد وانه صلب من اجلهم. يعتبر السيد آثار المسامير التي بقيت في جسده مجداً الله. اتقاس محبه بالمحبة التي أظهرها ويظهرها المسيح نحونا؟ من اظهر محبة كهذه المحبة؟ أين حنان الأم من حنانه؟ من أحب عاقاً واستمر على حبه؟ من احتفظ بالجراحات التي قبلها محبة بالعاق؟ يحتفظ المسيح بآثار الجراحات حتى وهو جالس على العرش السماوي كملك ممجد حباً بنا.
وبهذه الطريقة يكرم الطبيعة البشرية. المخلص يحبنا جميعاً ويدعونا إلى ملكوته. انه يعتقنا من عبودية الخطيئة ويجعلنا أبناء للأب السماوي. فتح السماء للجميع وأرشدنا إلى الطريق الذي نود أن نسلكه أعطانا أجنحة روحية لنطير إلى آفاق روحية سامية. وعندما يرى إن التواني قد غَمرنَا يرجونا أن نستيقظ. حتى إن لم اذكر أسمى مثال لمحبته التي أظهرها نحونا نحن عبيده. انه لم يعطنا خيراته السماوية فقط بل وهبنا بالمناولة الإلهية كل ذاته وجعلنا هيكلاً حياً الله. إن أجسادنا هي أعضاء للمسيح والشاروبيم في السماء تسجد للمسيح رأس هذه الأعضاء.