بين أفسس، واللصوصي، وخلقيدونية

ترفض الكنائس التي لا تعترف بمجمع خلقيدونية أن يطلق على السيد المسيح لقب “إله وإنسان” إذ جاء في تعليم هذه الكنائس في نقدهم لمجمع خلقيدونية ما يلي:
“على الرغم من أن مجمع أفسس المسكوني المقدس قد حرم نسطور، إلا أن جذور النسطورية قد امتدت إلى مجمع خلقدونية الذي ظهر فيه انفصال الطبيعتين حيث قيل فيه أن المسيح اثنان إله وإنسان: الواحد يبهر بالعجائب والآخر ملقى للشتائم والإهانات.”

وأيضاً يفسرون مثال اتحاد الحديد والنار الذي استخدمه القديس كيرلس على الشكل التالي:
مثال اتحاد الحديد والنار: وقد استخدمه القديس كيرلس الكبير، واستخدمه أيضا (القديس) ديسقورس. ففي حالة الحديد المحمى بالنار، لا نقول هناك طبيعتان: حديد ونار، وإنما نقول حديد محمى بالنار، كما نقول عن طبيعة السيد المسيح إله متأنس، أو إله متجسد، ولا نقول إنه اثنان إله وإنسان.

ملاحظة : مثل الحديد والنار ليس للقديس كيرلس بل قد استخدمه قبله القديس باسيليوس الكبير.

هذا كان إيمان الكنائس التي ترفض خلقيدونية وتؤمن بالطبيعة الواحدة. أما الكنيسة الأرثوذكسية فهي تؤمن أن المسيح إله وإنسان معاً ولكن لا تقصد عندما تقول هذا أن المسيح شخص بشري وشخص إلهي اتحدا مع بعضهما -كالنسطورية-، وإنما تقصد بهذا أن المسيح شخص -أقنوم- واحد للطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية معاً.
المسيح “أقنوم واحد” إله -طبيعة إلهية كاملة- وإنسان -طبيعة بشرية كاملة-. أي أن المسيح ضم إلى طبيعته الإلهية في شخصه الإلهي طبيعة بشرية. وأصبح أقنوم الابن الإلهي هو اقنوم الطبيعة البشرية. وكما يقول الأباء “قنّم الطبيعة البشرية في شخصه الإلهي إلى جنب -باتحاد مع- الطبيعة الإلهية”.

وإليك هذا العرض السريع للأحداث التاريخية حول أفسس (431) إلى خلقيدونية (451) وبعض التفسيرات العقائدية كما وردت في كتاب سألتني فأجبتك:

قبلت الكنائس غير الخلقيدونية بمجمع أفسس 449 برئاسة أسقف الإسكندرية ديوسقوروس الذي برّأ أوطيخة الهرطوقي. وكان قد نادى بأن الطبيعة الإلهية في المسيح ابتلعت الطبيعة البشرية. حاكمه مجمع القسطنطينية 448 وخلعه وجرّده من الكهنوت. عقد ديوسقوروس مجمعاً في الإسكندرية دان فيه مجمع القسطنطينية. كان أسقف القسطنطينية فلافيانوس سورياً قد وصل إلى السدة رغماً عن أنف الوزير خريسافيوس الخصي الذي يقود الأمبراطور الضعيف ثيئودوسيوس الصغير من أنفه. كان هذه الخص ابن أخي أوطيخة وابنه في المعمودية.

استفاد ديوسقوروس من الوضع. دعا الأمبراطور إلى مجمع في أفسس برئاسة ديوسقوروس مع أن القانون 3 من المجمع المسكوني الثاني رفع القسطنطينية فوق الإسكندرية بعد روما. قام الإمبراطور بحرمان ثيئودوريتوس قورش الخصم اللدود لبدعة الطبيعة الواحدة من الحضور. حضر مندوبا البابا القديس لاون وأسقف القسطنيطية فلافيانوس وأسقف أنطاكية دومنوس وأسقف دوريليوم بطل المعركة ضد أوطيخا. برَّأ ديوسقورس أوطيخا وتسبَّب بمعركة وقع فيها فلافيانوس قتيلاً وهرب مندوبا البابا وصحبهما. وحُرم البابا. وخُلع دومنوس وثيئوذوريتوس. وأُعطي الاستقلال لأسقفية جوفينال أورشليم التابعة لأنطاكية قبلاً. ونصَّب نفسه بطريركاً مسكونياً وسعى لنفي لاون ليشغر كرسي روما فيملأه. قامت قيامة البابا لاون. في 28-7-450 مات الإمبراطور فخلفته أخته القديسة بولخارية. اتصل بها البابا فدعت إلى مجمع مسكوني انعقد في خلقيدونية قرب القسطنطينية. رفض ديوسقوروس المثول أمامه. تبرَّأ من أوطيخا. دانه المجمع ورفيقه جوفينال. تاب جوفينال وتصالح مع أسقف أنطاكية في المجمع.

حدَّد المجمع الإيمان الأرثوذكسي: أقنوم يسوع اتخذ من العذراء والدة الإله طبيعة بشرية ضمَّها إلى أقنومه الإلهي: أقنوم واحد في طبيعتيين (راجع سر التدبير الإلهي للأب الشماس اسبيرو جبور).

الصيغة مستعارة من رسالة المصالحة التي أنشأها ثيئوذوريتوس ووقعها كيرلس الإسكندري، ومن غريغوريوس اللاهوتي وايسيدوروس الفرمي الأب الروحي لكيرلس، ومن أثناثيوس الكبير وسواهم.

رفضها ديوسقوروس ومشايعوه متمسكين بعبارة منسوبة لأثناثيوس الكبير استعملها كيرلس: “طبيعة واحدة متجسدة لكلمة الله”. بعد مشاحنات برز فيها كيرلس وثيئوذوريتوس قطبين كبيرين تفاهما على صيغة رسالة المصالحة (مجموعة الشرع الكنسي، ص380- و400). اعترف كيرلس فيها بالطبيعتين. بعد مشاحنات طويلة ركّز سويروس أسقف أنطاكية زعيمهم التعليم على ما يلي: أقنوم من أقنومين، طبيعة من طبيعتين، فعل من فعلين، مشيئة من مشيئتين غير ممتزجتين. كيرلس الإسكندري قال: “إن الكلمة قد ضمّ إلى ذاته جسداً … لأن الطبيعتين… اتحدتا.. اتحاداً لم ينزع الفرق بين الطبيعتين… قد ضمَّ هو شخصياً إلى ذاته جسداً.. الطبيعة الإلهية لم تتألم. الطبيعة التي صارت جسده قد تألمت…” (مجموعة الشرع الكنسي ص 496).

وفي المكان نفسه ينفي كيرلس اتحاد شخصين أي اقنومين. لا “نعتقد كما يعتقد البعض (أي النساطرة) باتحاد شخصين، لأن الكتاب المقدس لم يقل إن الكلمة وحّد بين شخصه وشخص إنسان، بل قال إنه صار جسداً”(ص297).

ويتعرض كيرلس صراحة لنوعية الإتحاد بين الأشخاص. فهي اتحاد في الكرامة وو…. ولا يمكن دمج شخصين (ص303). في لاهوت الثالوث الشخص هو الأقنوم. وفي التجسد الأمر كذلك. فإذاً لا يصير شخصان وأقنومان شخصاً واحداً وأقنوماً واحداً (راجع سر التبدير الإلهي).

فالأقنومان أي الشخصان لا يصيران واحداً. النسطوريون يقولون بأقنومين منفصلين. غير الخلقيدونيين يقولون بأقنومين قبل الإتحاد صاراً أقنوماً واحداً بعده. نحن نقول: ابن الله ضم إلى أقنومه الإلهي طبيعة بشرية أخذها من العذراء مريم. لم تكن موجودة قبل التجسد ليجمع الله الطبيعتين. وهكذا نقول في المشيئة والفعل. ففي كلامهم عسر كبير. وكيف يكون الفعلان فعلين قبل التجسد وفعلاً واحداً بعده؟ فلا وجود قبل التجسد للفعل البشري. ما انضم فعلان موجودان سابقاً. يسوع ضم إليه طبيعة بشرية ذات فعل بشري ومشيئة بشرية. لا لبس ولا ابهام في عبارتنا بينما اللبس والابهام هما كنه عبارتهم (التفصيل في هذا الموضوع في كتاب “سر التبدبير الإلهي”). ومن جهة أخرى رسالة المصالحة تركّز مثل رسالة غريغوريوس (101) ومطوَّلها (رسالة ثيئوذوريتوس رقم 3 في 431-132) على الفعلين تركيزاً قاطعاً. فلماذا يرفضون الفعلين؟ رسالة المصالحة عمِّمت على العالم المسيحي وقبلها.

فكيرلس واضح: يسوع أخذ طبيعة بشرية لا شخصاً بشرياً كما يقول خصمه نسطوريوس. وينسب الآلام إلى الرب بسبب الإتحاد الأقنومي. فكيف يقولون أقنوم من أقنومين وشخص من شخصين؟ كيرلس حريص على وجود الفرق بين الطبيعتين.

كان كيرلس يستعمل طبيعة وأقنوم مترادفتين في أمر ربنا يسوع المسيح ومختلفتين في سر الثالوث القدوس. ثيئوذوريتوس قاده إلى تعبير غريغوريوس اللاهوتي: أقنوم واحد وطبيعتان. بعد ذلك تراجع كيرلس عن عبارته القديمة. كيرلس فهمها فهماً أرثوذكسياً لأن لفظة طبيعة لديه مرادفة للفظة أقنوم. في سر الثالوث استعمل “أقنوم” للشخص و”طبيعة” للجوهر. هنا كان فضل ثيئوذوريتوس عليه: قاده إلى التفريق بينهما في سرّ التجسد على غرار التفريق بينهما في سر الثالوث.

يوحنا أنطاكية وزّع رسالة كيرلس على العالم المسيحي فقبلها الناس إلا نفراً صغيراً. حقوقياً استعمال كيرلس لعبارة الأقنوم الواحد والطبيعتين هو تراجع عن استعماله لعبارة الطبيعة الواحدة. الكلام الختامي هو الكلام الأخير الذي يلغي ما قبله. روما والقسطنطينية وأنطاكية قبلت رسالة كيرلس.

الأرثوذكسية لا تجد من معنى لعبارات أقنوم من أقتومين و….

الأقنوم هو الشخص. لا يمكن دمج شخصين في شخص واحد. والطبيعتان غير متزامنتين. الطبيعة الإلهية سرمدية. الطبيعة البشرية مأخوذة في الزمن من والدة الإله مريم العذراء. والطبيعة البشرية ليست أقنوماً؛ إن كانت اقنوماً كما في تعليم نسطوريوس استحال الإتحاد. لذلك قال نسطوريوس بوجود شخص إلهي وشخص بشري وشخص اتحاد في يسوع يجمع الشخصين. لماذ؟ لتجنّب صعوبة القول إن الشخصين صارا شخصاً واحداً.

نقول إن الآب والابن والروح القدس ثلاثة أقانيم لهم طبيعة واحدة. هل نستطيع أن نقول إن الآب والابن هما أقنوم واحد. لا، بل طبيعة واحدة في ثلاثة أقانيم. ليس كيرلس وحده قانون الكنيسة. الآباء جميعاً، قبله، قالوا بالطبيعتين. ويعترف سويروس بذلك (راجع سر التدبير الإلهي، ص 45…). والعلماء اليوم مجمعون على أن العبارة “طبيعة واحدة متجسدة لكلمة الله” لأبوليناريوس. ومع ذلك يعاندون -أصحاب القول بالطبيعة الواحدة- ويكابرون متشبثين بنسبتها إلى كيرلس. فلا بد من عقلٍ علمي معاصر في الموضوع. ويصرّون على رفض مجمع خلقيدونية (المسكوني الرابع) والمجمع السادس وعلى التشبث بمجمع 449. وهذا مستحيل للأرثوذكس. بدون خلقيدونية والمجمع السادس تنهار أسس إيماننا الأرثوذكسي.

إيمان كيرلس أرثوذكسي. في عبارتهم غموضاً. يقولون بأقنومين، هذا تعبير نسطوري. ويقولون بطبيعة واحدة، وهذا تعبير أبوليناريوس. ويقولون بعدم امتزاج الطبيعتين، وهذا تعبير كيرلسي. كيف مزجوا الثلاثة؟ عليهم تجنب تعبير أبوليناريوس ونسطوريوس. متى خرج من المعركة تمّ الوفاق.

المقارنة تكشف الحقيقة: أبوليناريوس قال بأقنوم واحد وطبيعة واحدة وقال أن يسوع أخذ طبيعة بشرية بدون Nous (روح عاقلة). صدمه الكبادوكيان النزينزي والنيصصي: واحد في طبيعتين وفعلين.

اندفع نسطوريوس وزملاؤه تلاميذ ثيئوذوروس المصيصة (موبسويستة) في التركيز على تمامية الطبيعتين حتى وصل نسطوريوس إلى القول بتجاورهما.

ركز كيرلس وثيئوذوريتوس حين المصالحة على وحدة الأقنوم وثنائية الطبيعتين والفعلين.

ركزت خلقيدونيا 8 مرات على وحدة الأقنوم فقطعنا الطريق على المتشيّعين زوراً لكيرلس. ثم ركزت على الطبيعتين.

جاء سويروس يردّ على تطرف أبوليناريوس ونسطوريوس وديوسقوروس. اعتدل الموقف ولكن بقي متطرفاً كما رأينا أعلاه. سويروس قال إن لطبيعة يسوع الواحدة صفتان صفة إلهية وصفة بشرية بعد الإتحاد. ما هي هذه الصفة؟ يقولون: طبيعة إلهية واحدة. طبيعة يسوع الإلهية هي طبيعة الآب. فلا يمكن أن تصبح صفة. أين الطبيعة البشرية إذاً؟ لماذا مسخها؟ الآباء القديسون (غريغوريوس اللاهوتي، كيرلس، الذهبي الفم، كيرلس الأورشليمي…) قالوا إن النفس والإرادة هما اللتان نخطآن. غريغوريوس وكيرلس قالا إن ما لم يأخذه يسوع لم ينل الشفاء. لم يخلص. إذاً: أخذ طبيعتنا الساقطة وإراداتها ليشفيها ويخلصها.

ثيودوريتوس قال بالتأله الذي لم يقل به النساطرة. قال به سويروس وقال إن نور ثابور إلهي. هذه النقطة الهامة تفتح باباً واسعاً ليطرحوا بعمق انثروبولوجيا (علم الإنسان) التي تقوم على الخريستولجيا (علم المسيح) ليصلوا إلى عمق لاهوتي سليم. تألّه الإنسان لا يكون إلا بوجود طبيعة إنسانية كاملة في يسوع. بذلك فقط يبتعد سويروس 100% عن أبوليناريوس، ليقول بطبيعة بشرية تامة غير ناقصة. ابوليناريوس بتر منه -المسيح- ال NOUS. سويروس بتر منه -المسيح- الطبيعة. ولكن مع اعترافه بالـ NOUS.

العقيدة الأرثوذكسية معتدلة وسليمة:

أقنوم واحد في طبيعتين تامتين وفعلين ومشيئتين بدون امتزاج ولا استحالة ولا تشوش ولا انقسام ولا انفصال… الأقنوم الإلهي ضمَّ إليه طبيعة بشرية صارت جزءاً من أقنومه الإلهي. صار أقنوماً أبدياً لها. أي قنّمها. امتلأت من الأنوار الإلهية، تألّهت، تألهنا بفضلها. الألوهة تجسدت في أقنوم الابن دون أن يتجسد الآب والروح القدس. إنما تجسّد برضوان الآب وفعل الروح القدس. كيف ذلك؟ إنه سرّ إلهنا. نحن نحيا بالإيمان لا بالعيان (2كور 5:4). إيماننا أقوى من عيوننا.

لاهوتنا شخصاني. يركز على أقانيم الثالوث وعلى أقنوم الابن في التجسد. التركيز على الطبيعة والجوهر في اللاهوت الغربي يذعرنا: رائحة الفلسفة اليونانية.

وتركيز غير الخلقيدونيين على الطبيعة الواحدة بدلاً من الأقنوم لا يُسرَّنا. والحط من وزن الطبيعة البشرية في يسوع يذعرنا: روائح يونانية إلى حد ما. لاهوت أقنوم أي لاهوتنا هو الذي قصم ظهر الفلسفة اليونانية الخالية كلياً من مفهوم الأقنوم. هي فلسفات ماهيات نظرية. نحن عبّاد أقنوم يسوع لا عبيد ماهيات خيالية.
ما ينقص لاهوتهم أيضاً هو التقنيم. الاتحاد الأقنومي بين الطبيعتين. ضمها ضماً محكماً إلى الأبد. قنّم الطبيعة البشرية وألّهها. امتلأت من أنوار لاهوته. ويقول سويروس: سترها عن أعيننا إلا على جبل التجلي. وإلا لعجزنا عن النظر إليه. فالرسل لم يروه إلا حسبما استطاعوا.

ذعر غير الخلقيدونيين توجه ضد نسطوريوس. هذا عظيم. ولكن توجّهه ضدنا كان خطأً فاحشاً.

إن استطاعوا أن يطالعوا “بعمق” كبير كتاب لارشيه الفرنسي “تأليه الإنسان بحسب مكسيموس المعترف” استطاعوا أن يفهموا صواب موقفنا.

لم نمسخ الطبيعة البشرية في يسوع نكاية بنسطوريوس. النكايات إلى جهنم ولم نبالغ في تعظيمها نكاية بأبوليناريوس. الروح القدس قاد سفينتنا في مضايق هذه الصخور العاتية فوصلنا شاطئ السلامة…

فشلت عبر التاريخ كل محاولات الصلح. ومحاولات القرن العشرين باءت عملياً بالفشل. فقد عادوا والسريان إلى التمسك بالقديم والطعن في خلقيدونيا والبابا لاون والإمبراطورة بولخاريا وو… واستغربتُ -الشماس اسبيرو جبور- حديثاً ما جاء في كراسة البطريرك شنودة: يرفض استعمال كلمة “إله وإنسان” ليسوع. هو ملكي أكثر من الملك. بولس الرسول استعمل كلمة “يسوع الإنسان” (رو5: 15 و اتيمو2: 5-6). وهل هو إنسان بدون طبيعة إنسانية؟ دستور الإيمان قال فيه: “تجسد وتأنس” أي صار إنساناً. ويتهمنا بالقول بثلاث طبائع. ما لم يدركوه من إيماننا هو أن يسوع أخذ طبيعة بشرية لا شخصاً بشرياً على ما قال كيرلس. ضم إلى شخصه الإلهي طبيعة بشرية. اتحاد النفس والجسد لا يؤلّف فقط الطبيعة البشرية بل هو موجود في الشخص البشري. هناك في الثالوث القدوس الأقانيم والطبيعة والواحدة. وفي يسوع الأقنوم الواحد والطبيعتان. وكيرلس وقع رسالة المصالحة معترفاً بالطبيعتين والفعلين فقبلها العالم المسيحي، فسجَّل بذلك تراجعاً مسكونياً عن الطبيعة الواحدة التي أثبت العلماء أنها لأبوليناريوس لا للقديس أثناثيوس. فأنا-الشماس اسبيرو جبور- حقوقي ممارس أصيل. لا أستطيع أن أرى في رسالة المصالحة إلا اهتداء للقديس كيرلس للقول بالطبيعتين. القانون الجديد يلغي القانون القديم.

من جهة أخرى مقارنة رسالة المصالحة برسالة غريغوريوس اللاهوتي إلى كليدونيوس ورسالة ثيؤذوريتوس المستقاة بدورها من رسالة غريغوريوس: يسوع في طبيعتان وفعلان وهو مساوٍ للآب في لاهوته وللبشر في ناسوته.

ونص خلقيدونية مستقى من غريغوريوس: “شخص واحد في طبيعتين”.

وغريغوريوس أبو لاهوت الثالوث علّمنا أن الله واحد في ثلاثة أقانيم وأن يسوع واحد في طبيعتين. ركّز على الأقنوم لا على الجوهر فأنقذنا من ضلال الفلسفة اليونانية (فلسفة الماهيات). لاهوته شخصاني (أقنومي). ركّز على شخصانية الأقانيم وعلى شخصانية يسوع. الشخص يملك الطبيعة الإلهية. شخص يسوع يملك الطبيعتين. شخصه هو مسند الطبيعتين وقلب اتحادهما الأقنومي. هذا ما يجب أن يفهمه العالم المسيحي ليفهمنا. ركّزت خلقيدونيا 8 مرات على وحدة شخص يسوع. كتابي -الشماس اسبيرو جبور- “سر التبدبير الإلهي” جسّد فكر سيد اللاهوتيين غريغوريوس. كيرلس تلميذه في كتاباته الثالوثية وفي رسالة المصالحة.

نقول إن للآب والابن والروح القدس طبيعة إلهية واحدة. ونقول إن الألوهة تجسّدت في أقنوم الابن. فالآب والروح القدس لم يتجسدا. فكيف يكون يسوع ذا طبيعة واحدة معهما وهو ذو جسد؟ هذا مستحيل.

وكيف تكون له كل خواص اللاهوت والناسوت ولا تكون له طبيعتان؟ فطبيعته الإلهية هي طبيعة الآب والروح القدس. لا يمكن أن تكون خواصه اللاهوتية إلا خواص طبيعته الإلهية. خواصه الناسوتية أين تقع؟ هذا تحجيم لطبيعته البشرية.

يذكر البابا شنودة صلاة في الساعة التاسعة نصلّيها نحن: “يا من ذاق الموت بالجسد في الساعة التاسعة من أجلنا…” فكيف يتوّهم البعض أننا نفصل الطبيعتين؟ المطلوب هو الارتقاء إلى اللاهوت الشخصاني الغريعوريوسي في الثالوث والخريستولوجيا. هذا هو معجزة المسيحية التي حطمت الفلسفة.

وبعد هذا العرض السريع من كتاب سألتني فأجبتك للمشكلة التي حدثت بعد أفسس بين الكنائس الخلقيدوينة واللاخلقيدوينة. رأينا أنه من الجيد وضع بعض ما جاء في رسائل القديس كيرلس -الجزء الرابع- حوله إيمانه في المسيح. وهل هو بطبيعة واحدة أم طبيعتين؟ وجميع هذه الرسائل هي ترجمة قبطية -لا خلقيديونية- لرسائل القديس، وتم الاقتباس منها بدون تصرف.

والأن لنرى رأي كل من تيموثاوس الثاني خليفة ديسقوروس وبطل (الأرثوذكسية) اللاخلقيدونية ساويروس الأنطاكي، ورأي الكنيسة الأرمنية-لاخلقيدونية- في ساويروس:

إن  كلٍّ من تيموثاوس خليفة ديسقوروس، وساويروس الأنطاكي. قد رفضا تعليم كيرلس صراحة. لا وبكل وقا وننقل هنا النص الإنجليزي كما ورد في موقع أرثوذكس اينفو، ثم نضع النص العربي:

457: Timothy Ailouros (another Monophysite “saint”) condemns Saint Cyril on account of the agreements:

“Cyril… having excellently articulated the wise proclamation of Orthodoxy, showed himself to be fickle and is to be censured for teaching contrary doctrine: after previously proposing that we should speak of one nature of God the Word, he destroyed the dogma that he had formulated and is caught professing two Natures of Christ” [Timothy Ailouros, “Epistles to Kalonymos,” Patrologia Graeca, Vol LXXXVI, Col. 276; quoted in The Non Chalcedonian Heretics, p. 13].

499: Philoxenos of Hierapolis convenes a synod in Constantinople and deposes the Orthodox Patriarch of Antioch (Flavian), and Severos, a Disciple of Timothy Ailouros (and another Monophysite “saint”) is installed in his place [Ibid., p 14].

Severos also condemns St. Cyril’s Agreements:

“The formulae used by the Holy Fathers concerning two Natures united in Christ should be set aside, even if they be Cyril’s” [Patrologia Graeca, Vol. LXXXIX, Col. 103D. Saint Anastasios of Sinai preserves this quote of Severos in his works; quoted in The Non-Chalcedonian Heretics, p. 12].

تيموثاوس الثاني (قام الأقباط برسامته بيطريركاً بعد قتل القديس بروتيريوس سحلاً في الشارع سنة 457): ” كيرلس ، شرح بدقة و بلاغة العقيدة الأورثوذكسية … و لكن بعد أن صار علينا أن نتكلم عن طبيعة واحدة لله الكلمة ، فإن كيرلس بعد ذلك دمر العقيدة التي قام هو بصياغتها و رأيناه يعترف بطبيعتين في المسيح ! “

 (Timothy Ailouros, “Epistles to Kalonymos,” Patrologia Graeca, Vol LXXXVI, Col. 276; quoted in The Non Chalcedonian Heretics, p. 13)

ساويرس الأنطاكي يقوم بدوره ، و يقول : ” إن العقيدة التي حددها الآباء القديسون بوجود طبيعتين متحدتين في المسيح يجب أن تُطرح جانباً، حتى لو كانت لكيرلس!!

(Patrologia Graeca, Vol. LXXXIX, Col. 103D. Saint Anastasios of Sinai preserves this quote of Severos in his works; quoted in The Non-Chalcedonian Heretics, p. 12)

ساويرس الأنطاكي يقوم بدوره ، و يقول : ” إن العقيدة التي حددها الآباء القديسون بوجود طبيعتين متحدتين في المسيح يجب أن تُطرح جانباً، حتى لو كانت لكيرلس!!

وسنتعرف أكثر على موقف الكنيسة الأرمنية التي هي من رافضي خلقيدونية أيضاً. إذ أن هذه الأخيرة اعلنتها صراحةً أن ساويروس الأنطاكي هرطوقي. وقد جاء هذا التصريح في اللقاءات التحضيرية التي جمعت كل من الكنيسة الأرثوذكسية والكنائس غير الخلقيدونية. وقد تم جمعها واصدارها في كتاب “مجمع خلقيدونية، أيجمع أم يفرق؟” قام الأب ميشال نجم بترجمته. وسنقتبس منه التالي:

سويروس الأنطاكي (465- 538) علمّ “أن جسد الرب كان فاسداً على الصليب وأنه كان عرضة للفساد” [1] وهذا التعليم الخاطئ عند سويروس رفضه ودحضه يوليانوس هاليكارنسوس (في القرنين الخامس والسادس)، لكن أتباعه أيضاً سقطوا في المغالاة وذهبوا إلى حد أنهم أعلنوا “إن جسد الرب ممتنع على الألم وأنه خالد” (حتى قبل القيامة” [2].

لا تقبل الكنيسة الأرمنية هرطقة سويروس المختصة بتألمّ الله أي اللاهوت على الصليب أو رأي يوليانوس القائل بطيفية التجسد والمؤمن بأن جسد يسوع المسيح كان غير فاسداً وغير قابل للفساد…

وفي ملحق المحاضرة، مناقشة المحاضرة، قال الأب صموئيل القبطي:

يُشَك فيما إذا فَهِمَ التقليد الأرمني سويروس المرفوض عنده فهماً حقيقياً.

فردّ عليه الأب كريكوريان:

موخراً تفحصت الكنيسة الأرمنية تعاليم سويرس ويوليانوس عن كثب على الأخص من قبل البطريرك ملاخيا أورمنيان ورئيس الأساقفة جارجين يورسفيان والأستاذ أروند ترميناسيان.

والآن لنقرأ بعض ما جاء في رسائل -الجزء الرابع- القديس كيرلس والتي من خلالها نستطيع أن نعرف إيمان القديس كيرلس، هل طبيعة واحدة، أم طبيعتين، في المسيح؟

رسالة 54 من كيرلس إلي أوسيبيوس الكاهن

“…… قرأت الرسالة المرسلة من تقواك ووجدت أن رسالتك تتسم بالأسى كما لو أن سلام الكنائس لم يكن قد تم بصورة صائبة………… ولكن التعليم الصحيح عن المسيح ليس هكذا .. نحن نعرف أن هناك أبناً ومسيحاً ورباً واحداً الذي هو نفسه إله وإنسان، ونحن نقول أن اللاهوت خاص به، وبالمثل أيضا الناسوت خاص به. لأنه يتكلم أحياناً إلهياً كإله وأحياناً أخرس هو يتكلم إنسانياً كإنسان. لذلك حيث إنهم اعترفوا بتلك التعاليم فكيف لا يكون غريباً أن يظلوا يقاومون أولئك الذين هم ضد الانقسام، وأيضاً أن يستميلوا كنائس الشرق إلي الهرطقة؟ ليت جميع الأساقفة الآخرين يكونون مثل هؤلاء”.

رسالة 59 من كيرلس إلي أرستولاوس

” كتب إلىّ سيدي المقدس جداً الأسقف بيرونيسيانوس أن القرار الموقر للأباطرة أحباء الله قد أعطي إلى سموك،………………. أن ربنا يسوع المسيح هو بالتأكيد ابن الله الوحيد وهو كلمته المتأنس والمتجسد، ولا يُقسّم إلى ابنين، بل هو مولود من الله قبل كل الدهور بطريقة لا يُعبّر عنها، وإنه وُلد بحسب الجسد من امرأة في الأزمنة الأخيرة، وهكذا فشخصه هو واحد أيضاً. وبهذه الطريقة نحن نعرف أن العذراء القديسة هي والدة الإله، لأنه هو إله وإنسان معاً، وأن الذي بغير تغيير وبغير اختلاط هو الابن الوحيد الذي تجسد وصار إنساناً، وأكثر من ذلك أنه صار قادراً أن يتألم بحسب طبيعة بشريته. ونحن نعرف أنه من المستحيل عليه أن يتألم بحسب طبيعة ألوهيته، وأنه تألم في جسده الخاص بحسب الكتب”.

رسالة 60 إلي أرستولاوس أيضاً

“……. ليس فقط الأساقفة الغيورين الذين في مدينة الإسكندرية العظمى بل أيضا الأساقفة المقدسون جداً في كل مصر، قد عرفوا قوة القرارات المقدسة التي أرسلت حديثاً إلى سموك. لقد قدمنا صلوات حارة لله لأجل عطاياه، ولأجل النصر واحتمال أحباء المسيح وأباطرتنا الأتقياء جداً لكي يكونوا أقوياء ضد أعدائهم وأشداء في مواجهة كل قوة تقاومهم، لكي يوجدوا في سلام وغبطة. وهذا جدير بغيرة سموك…………….. وهم لم يقل هذا فقط، أي أن العذراء القديسة ليست هي والدة الإله، بل أضاف إلى جوار هذه الكلمات دفاعات أخرى لضلاله، مقاوماً التسليم الصحيح والرسولي. لقد ذكر مسيحين وابنين، واحد على حدة، الكلمة الذي من الله الآب، وآخر على حدة إلى جانبه، واحد من نسل داود وهو الذي دعاه أداة اللاهوت. وضع انقسامات في كل اتجاه، وكما لو كان قد نسى قول المغبوط بولس “رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة” (أف 5:4). نحن لم نعتمد لإله وإنسان كما لابنين مختلفين بل اعتمدنا لمسيح واحد، أي كلمة الله الوحيد الجنس المتأنس والمتجسد، حتى أنه هو إله وإنسان معاً، مولود حقاً من الله الآب غير المولود، ومولود بالمثل من العذراء القديسة بحسب الجسد”.

وجاء أيضاً في تفسير القديس كيرلس لدستور إيمان نقيقة-قسطنطينية ما يلي:

3- تجسد الابن وتأنسه: فالابن نزل من سموه وأخذ جسدنا بنفس عاقلة ومع ذلك فقد بقي إلهاً، ولم يتخل عن ما كان عليه، بل ظل محتفظاً بملء ألوهيته في إخلائه ليكون مثلنا، وجعل ما يخص الجسد خاصا به، لأن الجسد لم يكن جسد شخص أخر غيره بل بالحرى جسده متحداً به بطريقة تفوق الوصف والتعبير. وهو لما صار جسداً لم يتغير إلى طبيعة الجسد بانتقال أو تحول أو تغير، ولا تعرض لاختلاط أو امتزاج في الجوهر. وهو نفسه الله صار إنساناً، الإله والإنسان معاً، ولا ينقسم إلي أثنين، كما يعتقد الذين يقولون إن الكلمة اتصل بإنسان وأعطاه نصيبنا في رتبة البنوة. فالمسيح لم يصر إلهاً بعد أن كان إنساناً، بل إذ كان الكلمة هو الله، فإنه صار إنساناً.

وهكذا نرى أن تعبير إله وإنسان معاً هو في صلب إيمان كيرلس وهذا هو الإيمان القويم للكنيسة الجامعة. نزيد على ذلك ما جاء في كتاب الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية في كتابه: “كتاب وثائقى عن كنيسة المشرق الأشورية تاريخها وعقائدها وحاضرها” وفي فصله الثالث إذ يقول: وقد ورد حرم للقديس كيرلس فى حروماته الإثنى عشر بهذا الشأن، الحرم السادس ونصه: “من يتجاسر ويقول أن الكلمة الذى من الله الآب هو إله وسيد للمسيح، ولم يعترف بالحري أنه هو نفسه إله وإنسان معاً (فى نفس الوقت)، حيث إن الكلمة صار جسداً حسب الكتب، فيكن محروماً”.

وجاء في موقع الأنبا بيشوي في رسالة القديس كيرلس الكبير رقم 50 إلى فاليريان أسقف أيقونية التالي: لأنهم إعترفوا أيضاً معنا أن العذراء القديسة هى والدة الإله ( ثيؤطوكوس qeotokoV) ولم يُضيفوا أنها والدة المسيح خريستوكوس (CristokoV) أو والدة الإنسان ( انثرو بوطوكوس anqrwpotokoV ) كما يقول هؤلاء الذين يُدافعون عن آراء نسطور البائسة الكريهة، بل يقولون بوضوح أنه يوجد مسيح وإبن ورب واحد، الله الكلمة المولود بطريقة تفوق الوصف من الله الآب قبل كل الدهور، وإنه وُلد فى الأيام الأخيرة من إمرأة بحسب الجسد، وبهذا يكون Бог и човек فى وقت واحد ( فى نفس الوقت) كامل فى اللاهوت. وكامل فى الناسوت. ويُؤمنون أن شخصه (بروسوبون) واحد، دون أن يقسموه بأى شكل إلى إبنين أو مسيحين أو ربين. لذا إذا كان البعض يكذبون ويقولون ان أساقفة الشرق يعتقدون أى شئ مختلف عن هذه الإعترافات، فلا يجب أن يُصدقوا، بل يجب أن يُبعدوا كغشاشين وكذبة ويُرسلوا إلى أبوهم الشيطان كى لا يزعجوا هؤلاء الذين يرغبون فى السير بإستقامة، وإذا زّور البعض رسائل لأغراضهم الخاصة ونشروها كما لو كانت مكتوبة بيد أحد الرجال الأكثر شهرة منهم، فيجب أن لا يُصدقوا، إذ كيف يستطيع هؤلاء الذين إعترفوا بالإيمان كتابة، أن يكتبوا شيئاً آخر، كما لو وصلوا آسفين ( على أنهم آمنوا قبلاً بالحق) إلى حالة من عدم الرغبة فى الإيمان بالحق.

رسالة من كيرلس إلى إكليروس مدينة القسطنطينية

1- قرأت المذكرة المرسلة منكم، والتي منها علمت أنه حينما قابلكم القس أنستاسيوس، فإنه تظاهر بأنه يسعى للصداقة والسلام وكان يقول: “حينما كتب إلى الرهبان؛ هكذا نعتقد”، وإذ كان يتطلع إلى هدفه الذي يرنوا إليه، قال عني: “هو نفسه أيضا قال أن المجمع المقدس لم يذكر التعبير أي “والدة الإله”. ولكني قد كتبت، أنه حتى وأن كان المجمع لم يذكر هذا التعبير، فإنه قد تصرف بصواب، لأن مثل هذا السؤال لم يكن مثاراً آنذاك. لذلك لم يكن من الضروري عرض أمور لم تكن مثار سؤال، خاصة وأن المجمع، بواسطة قوة المعاني، يعرف أن القديسة العذراء هي والدة الإله. لقد قال المجمع، أنه (أي الابن) الذي ولد من الآب، والذي به صار كل شيء، تجسد، وتأنس، وتألم، وقام من الأموات، وصعد إلى السموات، وسيأتي دياناً للأحياء والأموات. والمجمع لم يقل بأي حال أن الكلمة نفسه الذي ولد من الله بالطبيعة، مات وطعن بالحربة في جنبه، لأنه أي جنب ــ خبروني ــ بكون لذلك الذي لا جسم له؟ وكيف يمكن للحياة أن تموت، ولكن بسبب أن الكلمة اتحد بجسد، فحينما تألم هذا الجسد، كجسده الخاص المتألم، فإنه هو نفسه جعل الآلام خاصة به. لذلك فإن أولئك الذين يقولون مثل هذه الأفكار، يغالطون ويخدعون أنفسهم، بسبب أنهم يكذبون، وعندهم سمهم الخاص في داخل قلوبهم.

كيرلس إلي كسيستوس أسقف روما

1- لأني لم أُتهم أبدا في آرائي لا بالتفكير في أي شئ مختلف عن الحق، ولا قلت بالمرة أن طبيعة الكلمة الإلهية خاضعة للألم.

(وبعد فقرات أخرى )

2- أنا أعرف أن طبيعة الله غير قابلة للتألم، وغير متغيرة، وغير متبدلة، رغم أنه بواسطة الطبيعة الناسوتية، المسيح واحد في طبيعتين ومن طبيعتين.

من كيرلس إلي أوسيبيوس الكاهن

ولكن التعليم الصحيح عن المسيح ليس هكذا .. نحن نعرف أن هناك أبناً ومسيحاً ورباً واحداً الذي هو نفسه إله وإنسان، ونحن نقول أن اللاهوت خاص به، وبالمثل أيضا الناسوت خاص به. لأنه يتكلم أحياناً إلهياً كإله وأحياناً أخرس هو يتكلم إنسانياً كإنسان.

شرح القديس كيرلس لقانون الإيمان

وكون كلمة الله المتجسد يجلس معه (مع الله) وإنه مساو لله الآب في المجد، ورغم أنه (جاء) بالجسد، فهو ابن واحد حتى حينما صار إنساناً، هذا ما يوضحه بولس الحكيم جداً حينما يكتب: “لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في الأعالي” (عب 1:8).

ويتابع القديس في نفس رسالته ويقول:

33- وتبعاً لذلك، إذ نقتفي آثار اعتراف الآباء بدون انحراف، نقول إن كلمة الله الآب نفسه الذي هو الابن الوحيد المولود منه، تجسد وتأنس، وتألم، ومات، وقام من بين الأموات في اليوم الثالث. وكلمة الله يُعترف به أنه غير قابل للألم من جهة طبيعته الخاصة. ولا أحد فقد صوابه فيظن أن الطبيعة التي هي فوق كل الأشياء يمكن أن تكون قابلة للألم. ولكنه بسبب أنه صار إنساناً وجعل الجسد الذي من العذراء القديسة خاصاً به، لهذا السبب فنحن نؤكد بثبات تابعين كلمات التدبير أن ذاك الذي هو غير قابل للتألم كإله، تألم في جسده الخاص إنسانياً. وإذ هو الله الذي صار إنساناً، فهو لم يكف مطلقاً عن أن يكون إلهاً. وإن كان قد صار خليقة فهو أيضا قد ظل فوق الخليقة. وإن كان واضع الناموس فقد صار تحت الناموس وظل مع ذلك واضع الناموس. وإن كان هو السيد حسب ألوهيته فقد لبس “صورة عبد” (في 7:2) ومع ذلك فلا يزال له مقام السيد الذي لا يقبل الفقدان. وإن كان هو الابن الوحيد وقد صار “البكر بين إخوة كثيرين” (رو 30:8) فهو يظل مع ذلك الابن الوحيد. فما هي الغرابة إن كان رغم تألمه في الجسد بحسب إنسانيته فهو يُعرف أنه غير متألم بحسب ألوهيته؟ وهذا ما يقوله بولس الحكيم جداً، إن الكلمة نفسه الذي هو “في صورة الله” (في 6:2). ومساو لله الآب، “أطاع حتى الموت موت الصليب” (في 8:2).

من كيرلس إلي أرستولاوس

1- كتب إلىّ سيدي المقدس جداً الأسقف بيرونيسيانوس) أن القرار الموقر للأباطرة أحباء الله قد أعطي إلى سموك، وبهذا القرار يأمرون بأن يُحرم كل أساقفة الشرق المقدسين جداً، نسطوريوس عديم التقوى، وأظن أن هذا يُقصد به الهرطقة السيمونية والنسطورية التي تجدف ضد المسيح، وليس غيرها. وأشار القرار أن كل هؤلاء الأساقفة ينبغي أن يكونوا مستعدين لتحرير معتقداتهم وآرائهم من مثل هذا الاشتباه لأنهم من كل جهة هم أحرار من تلك التجاديف. ولأني أرغب في تثبيت السلام الذي مُنح لكنائس المسيح، فإني أرجو أن الجميع يكون لهم هذا القصد وأن يكونوا أحراراً من ابتداعات كلمات نسطوريوس.

2- ومع ذلك فلأنهم يقولون إننا ينبغي أن لا نطلب شيئاً أكثر مما احتوته الرسائل الإمبراطورية المقدسة، فإنهم يطلبون من صلاحك أن تساند رأي الجميع الصالح، وتُعدّهم ليحرموا نسطوريوس وتعاليمه الدنسة وأن يعتبروه معزولاً، مؤمنين أن ربنا يسوع المسيح هو بالتأكيد ابن الله الوحيد وهو كلمته المتأنس والمتجسد، ولا يُقسّم إلى ابنين، بل هو مولود من الله قبل كل الدهور بطريقة لا يُعبّر عنها، وإنه وُلد بحسب الجسد من امرأة في الأزمنة الأخيرة، وهكذا فشخصه هو واحد أيضاً. وبهذه الطريقة نحن نعرف أن العذراء القديسة هي والدة الإله، لأنه هو إله وإنسان معاً، وأن الذي بغير تغيير وبغير اختلاط هو الابن الوحيد الذي تجسد وصار إنساناً، وأكثر من ذلك أنه صار قادراً أن يتألم بحسب طبيعة بشريته. ونحن نعرف أنه من المستحيل عليه أن يتألم بحسب طبيعة ألوهيته، وأنه تألم في جسده الخاص بحسب الكتب.

من يوحنا الأنطاكي وأساقفة مجمعه إلى كيرلس.

11- فها هم، كانوا يفكرون في تقسيم الشعب نتيجة للاضطراب، إلى أن أقنعناهم، لأنه ليس هناك شئ غير مناسب قد قيل وحدث ضد المعلمين المذكورين سابقاً، بواسطة المجمع المجتمع. والآن وإذ نحن نُهدّئ من اضطراب الشعب، فإننا نؤمن أيضاً أن قداستك تهتم بنا، ولذلك فقد كتبنا رسالة مجمعية إليك، قبلنا فيها المجلد الذي سبق إرساله إلينا، وقد رفضنا أولئك الذين تجاسروا أن يُفسدوا الإيمان بالإضافة والحذف، ذلك الإيمان الذي تحدد في نيقيا بواسطة آبائنا المقدسين جداً والمغبوطين جداً. ونحن نعترف أن ربنا يسوع المسيح هو الابن الوحيد لله. لأننا هكذا نعرف الاختلاف في الطبائع وخصائصها ولكننا نعرف مع ذلك الوحدة الفائقة غير المنقسمة، ونحن نعتقد في نفس الوقت أن أولئك الذين يقولون بابنين ومسيحين هم غرباء عن الإيمان الصحيح ونحن نعتنق ذلك القول المقدس لوقارك، الذي يصرح متفقاً مع الكتب المقدسة، “رب واحد يسوع المسيح رغم عدم تجاهل اختلاف الطبيعتين”.
من كيرلس إلي يوحنا أسقف أنطاكيا والمجمع الأنطاكي

وحينما جاء بعدهم المبتدع ومعلم كل كفر وأثار ابتدعات نسطوريوس “الباطلة” (أنظر 1تي 20:6) ضدنا، فها نحن جميعاً بنعمة الله، والفهم الذي أعطاه لنا نحرم المرتد بلسان واحد، تابعين آثار غيرة آبائنا المجيدة، واقفين بشجاعة ضد أعداء صليب المسيح، مكرمين الإيمان الصحيح، ومعلمين في الكنائس أن لا نقبل تجديفات أولئك الناس الذين يقولون بوجود مسيحين وابنين : واحد بالطبيعة وحقيقي، الكلمة الذي من الله الآب، والأخر بالتبني والنعمة وهو الذي من نسل داود، وأما بحسب الإيمان النقي بلا لوم، الذي أتى إلينا من البداية، فهو ابن واد الرب يسوع المسيح كلمة الله الآب المتأنس والمتجسد حسب اعتراف الآباء القديسين حتى أنه هو نفسه، هو الذي يُقال عنه أيضاً أنه إله من الله الآب ككلمته ويصدر بالطبيعة من جوهره وهو أيضا من نسل داود حسب الجسد أي أن من مريم القديسة والدة الإله.

4- لأن أولئك “الذين كانوا من البدء معاينين وخداماً للكلمة” (لو 2:1) لم يسلموا لنا (الإيمان) بابن وابن آخر كما قلت، بل هو واحد وهو هو نفسه الإله والإنسان معاً، الابن الوحيد “والبكر” لكي يكون له (اللقب) الأول كإله والثاني كإنسان، حينما “صار بكراً بين أخوة كثيرين” (رو 29:8)، واتخذ مشابهة لنا ولم يضم إنساناً آخر إلى نفسه كما استحسن بعض الأشخاص الغرباء يفكروا، بل بالحقيقة صار إنساناً ولم يتخل عن أن يكون ما كان عليه. لأنه إذ هو الله بالطبيعة وغير متغير، لهذا السبب تألم باختياره في جسده الخاص. لأنه لم يُبذل جسد شخص آخر لأجلنا، بل كلمة الله الوحيد الجنس قدم نفسه بعدما صار إنساناً، كذبيحة بلا عيب لله الآب.

5- لذلك كان ضرورياً بالنسبة لنا أن نقيم احتفالاً باهراً لأجل هذه الأسباب، فقد طُرحت مع تعاليم نسطوريوس الشريرة، كل الأصوات الأخرى من أية جهة إذا كانت متفقة مع كلماته الكاذبة لأن ما قلناه نحن وقداستك بدون تغيير صار ضد أولئك الذين يفكرون مثله وحتى أولئك الذين قد فكروا مثله من قبل، أي أننا نحرم أولئك القائلين بابنين ومسيحين، لأنه كما قلت فنحن وأنتم جميعاً نكرز بمسيح وابن ورب واحد، كلمة الله الوحيد الجنس “صائراً في شبه الناس ووُجد في الهيئة كإنسان” بحسب قول بولس الحكيم جداً.

ونختم برسالة المصالحة بين يوحنا وكيرلس كما جاءت في:
كتاب مدخل إلى تاريخ الكنيسة
إعداد: مجموعة الحياة الكنسية
الفصل السادس منه: “المجامع الكنسية في الكنيسة القبطية” لزكريا عبد السيد
بإشراف الأساقفة الجزيلي الاحترام: الأنبا رافائيل الأسقف العام والأنبا موسى أسقف الشباب (الكنيسة القبطية):

ومما يذكر أن يوحنا أسقف أنطاكية لم يوافق أولاً على قرارات المجمع-أفسس-، وأظهر عداوة للقديس كيرلس استمرت فترة بعد انتهاء المجمع . وتدخل الملك ثيؤدوسيوس الصغير بينهم من أجل عقد صلح، فأبدى الأنبا كيرلس استعداده التام لأن يتصالح مع الجميع، مؤكداً للمندوب الإمبراطوري أن لا هدف لنا إلا إعلان الإيمان الأرثوذكسي وتثبيته في قلوب الناس أما الإساءات الشخصية فلا أثر لها في نفسه على الإطلاق، وتأييداً لكلامه هذا كتب رسالة حَّملها لاثنين من شمامسته تضمنت الاعتراف الأرثوذكسي في أن سر التجسد المجيد قائم في إتحاد اللاهوت والناسوت في أقنوم الكلمة الأزلي وهو مساو للآب في جوهر اللاهوت، ومساو لنا في جوهر الناسوت، ولما كانت الطبيعيتان قد اتحدتا بلا اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير فأننا نعترف برب واحد هو المسيح الواحد، وهو الابن الواحد الوحيد، كما أننا نعترف بأن السيدة العذراء هي أم الله لأن ابن العلى أتخذ جسده منها، وعاش فى أحشائها تسعة أشهر، فوافق يوحنا الأنطاكي على الرسالة ووقع عليها، وهكذا عقد الصلح بين الكرسيين الرسولين الإسكندري والأنطاكي.

وهذا هو الكلام الختامي الذي تكلم عنه الأب الشماس اسبيرو جبور. إذاً لم يعد هناك أي مجال للشك أن الاصطلاح اللاهوتي “إله وإنسان” هو ما عبّر به القديس كيرلس عن إيمانه بسر التجسد “المسيح أقنوم واحد في طبيعتان” وهو الإيمان الأرثوذكسي القويم الذي تسلّمناه من الآباء القديسين، وأعلنه وأقرّه الآباء القديسون المجتمعون في خلقيدونية. ولم يكن إيمان خلقيدونية ذو ميل نسطوري وإنما كان تأكيداً لإيمان كيرلس والآباء من قبله وتوضيحاً لهم.


حواشي كتاب “مجمع خلقيدونية، أيفرق أم يجمع؟”

[1] (Girq Thltoc “كتاب الرسائل” “تيلفيس 1901” ص60) إن الأرمن وعلى الأخص الجاثليقين نرسيس بغريوند (548- 557) ويفانيس جابتين (557-574) أدانوا وأبسلوا سويروس وهرطقته، أنظر كتاب الرسائل الصفحات 56، 57 و83 ويفانيس أوزنيكي (717 – 728) أنظر أروند فاردابت تريميناسين، علاقات الكنيسة الأرمنية بالكنائس السريانية (باللغة الأرمنية) (أجميازين 1918) ص 185-203. ومع ذلك فمن المفيد أن نشير إلى أن إسمه لا يذكر بين أولئك الهراطقة الذين أبسلوا في احتفالات وضع اليد –انظر ميك ماستوك، (كتاب الطقوس الكبير) (اسطنبول 1807) ص 259- 60. طقس وضع اليد على رجال الدين، الشمامسة والقسوس والآباء ورؤساء الآباء، المرجع المذكور ص 234 – 343.

[2] زوسروفيك الترجمان القرن الثامن، حرره الأب جارجين يوفسفين (أجمزين 1899) ص163. زوسروفيك دحض هرطقة يوليانوس (المرجع المذكور، الفصل الخامس ص 149- 84) وكذلك مجمع مالزجيرت (منزيكرت) الأرمني – السرياني الذي عقد في أيام الجاثليق يوفانيس أوزنيكي (زوسروفيك ص 75 – 86). إن أسم يوليانس هاليكانسوس (بودروم) لم يُذكر بين أسماء الهراطقة الذين يُبسلون أثناء خدمة وضع اليد على الإكليروس (طقس وضع اليد ص 259 -60)

sr_RSSerbian
Иди на врх