Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

مُبهجة وكاملة وجميلة

57. يمتدحها العريس لأنها طَلَبته حسنًا وبإصرار، وهي الآن تُدعى فقط أختًا، بل أيضًا مبهجة، إذ هي سرور ذاك الذي هو موضع سرور الآب (مت 17: 5)، وجميلة كأورشليم وموضع إعجاب في تنظيمها (أو هندامها) (نش 6: 3). لأنها تحمل كل أسرار المدينة السماوية، تُثير إعجاب كل من يتطلع إليها. لأنها مثل البرّ الكامل التام تكتسب بهاءها من نور الكلمة، وتسعى جاهدة نحوه على الدوام. تصير أيضًا مُرهِبة كلما تقدمت في تدبيرها إلى مرتفعات الفضيلة.

لهذا يقول لها كما إلى شخص كامل: “حوِّلي عني عينيكِ” (نش 6: 5)… فمن فيض الإيمان والتقوى قد تجاوزت قدرتها الطبيعة؛ لكنه أَمْر صعب أن تنظر مباشرة إلى النور الذي لا يُدْنى منه (1 تي 6: 16). “حوِّلي عني عينيكِ”، لأنهما لا يستطيعان احتمال ملء اللاهوت وبهاء النور الحقيقي.

يمكننا أيضًا تفسير “حوّلي عني عينيكِ” هكذا: وإن أصبحْتِ كاملة، فإنني ملتزم أن أُخلِّص نفوسًا أخرى وأقويها، فإنكِ إذ تتطلّعين إليَّ تمجدينني (تنشغلي بمجدي دون اهتمام بخلاص إخوتك) لكنني نزلت لكي أمجد كل البشر (يو 6: 38-40). إن كنت قد قمت وها أنا في عرش الآب (عب 8: 1؛ 12: 2) لن أترككم يتامى (يو 14: 18)، محرومين من عون أب، إنما بحضوري أقويكم. هذا ما تجدونه مكتوبًا في الإنجيل: “أنا معكم حتى انقضاء الدهر” (مت 28: 20).

[يرى القديس أمبروسيوس أن السيد المسيح، كمعلم كل البشرية، ينبغي ألاَّ ينشغل الإنسان الكامل بالتطلع إلى أمجاد المخلص كمن يُشغِله عن الاهتمام بخلاص صغيري النفوس. إنه يتحدث كما بلغة البسطاء لكي يُظهِر لنا مدى انشغاله بالنفوس البعيدة والمحرومة منه. وبهذا يحثنا أن نجاهد في خلاص إخوتنا، ولا نقول مع القديس بطرس: جيد أن نكون ههنا].

تأملوا الآن معلمًا يرغب في أن يشرح لسامعيه أمرًا غامضًا. فمع كونه متحدثًا لبقًا يجيد الكلام، لكن يليق به أن ينزل إلى مستوى جهل غير الفاهمين ليستخدم معهم لغة الحديث اليومي البسيط والسهل حتى يفهموه. فمن كان حصيفًا سريع البديهة بين سامعيه يقدر أن يتتبَّعه بسهولة، وعندما يقع نظره عليه يكبحه المعلم لكي يسمح له أن يقضي وقتًا بالحري مع مَنْ هم أكثر منه تواضعا وأقل منه في المستوى، حتى يستطيع غيره أن يتابع المعلم.

أعمالها مُشرقة ومدوية

58. كما جاء في أكيلا Acylas [ربما يقصد ترجمة Aquila] “مدوية كمن هي مُعلنة” (نش 6: 9).

إنها مدوية، إذ عجيبة هي أعمالها في قدرتها وغِنَى فاعليتها.

إنها مُعلَنة، وذلك لضياء أعمالها، إذ تُشرق أعمال النفس في حضرة الآب السماوي (مت 5: 16). لهذا تفهمون أن إزارها لم يُخلع بلا سبب، لكنها وإن كانت عارية لكنها متألقة في استحقاقاتها.

تتسم بوحدة الروح

59. تُمتدَح بالأكثر لأنها أمينة وقوية في حديثها، وفيرة هي ثمارها العديدة المتنوعة. إنها كحمامة واحدة (نش 6: 9)، لها وحدانية الروح الذي فيه سلام يجعل الاثنين واحدًا (أف 2: 14). تتألف من عناصر مغايرة ذات طبيعة مختلفة متقابلة. أي شيء غير متجانس مثل النار والماء، الهواء والأرض، الذي منه يتألف المخلوق جسمنا؟ هكذا أيضًا “مباركة هي النفس الصادقة بالتمام” (أم 11: 25 LXX) التي تتشبَّه بالقائل: “ليكون الجميع واحدًا، كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضًا واحدًا فين” (يو 17: 21). هذا هو تحقيق الكمال والتمام. بهذا النحو أضاف أيضًا: “ليكونوا واحدًا كما أننا نحن واحد. أنا فيهم وأنت فيَّ ليكونوا مكملين إلى واحد (وحدة)” (يو 17: 22-23). لهذا مثل هذه النفس هي حمامة واحدة، صادقة وروحية، لا تضطرب بشهوات الجسد مع وجود صراعات من الخارج ومخاوف من الداخل (2 كو 7: 5).

يعلمنا الكتاب المقدس أن لفظة “وحدة” تعني التوافق والسلام، إذ قيل: “وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة ولم يكن انقسام بينهم” (أع 4: 32).

مُخصبة ومثمرة

60. تُمدَح النفس لخصوبتها، وذلك ليس بدون سبب، من جهة لأنها ولود في الفضائل، ومن جهة أخرى أنها بلا شر في ذاتها. إنه لأمر جميل ألاَّ يوجد شر، إنه جميل ما هو صالح، أما الشر فليس بجميل. الخصوبة في الأعمال الصالحة جميلة؛ أما العقم فمضاد للجمال، إذ يوجد شر فيما هو محروم من الجمال واللياقة. ما هو شر فهو عقيم وغير مخصب. وما أدل على ذلك ما تقدمه الطبيعة. الأرض الجيدة خصبة ومثمرة، أما الرديئة فمجدبة وبور.

كان مناسبًا ما قيل بالنسبة للرب نفسه بعد أن جعل الكنيسة تزداد خصوبة: “الرب قد ملك، لبس الجلال” (مز 93: 1). وفي نص آخر: “مجدًا وجلالاً لبست” (مز 104: 1). واضح إذن إن ما هو ولود وخصيب جميل، وما هو عقيم قبيح.

حال النفس كحال التربة، فالنفس تكون جميلة إن كانت وفيرة في استحقاقاتها وفي المشورة، وأما النفس العقيمة (والمشغولة بالماديات) فهي قبيحة، لأن العقم هو ضعف في النفس، يجردها من ثمرها ويخدعها. يجعلها في عوز ويثير مخاوف، يضاعف الشهوات الشرهة والأفكار الخاملة فتسقط!

وما الشر إلاَّ غياب للخير؟ تنخدع بمالها فتحتاج إلى ما يخص الغير؛ تكون فارغة ليس من حد أو قياس يملأها. أيضًا تظلم المادة نعمة النفس. والجهل والشهوة الدنسة هما مرضا النفس.

[يرى القديس أمبروسيوس أن الشباب دون الأطفال والشيوخ يتمتعون بصحة قوية، وهذا خير، لكن جهل الشاب للخير أو تجرده منه يثير فيه الشهوة الجسدية، فيتحول ما هو خير إلى شر… بهذا يرى أن الشر هو غياب للخير].

تدرك النفس الله كمصدر لخيره

61. هذا هو اهتمام النفس الطاهرة، هذا ما تدركه داخليًا: تدرك الله وتبقى في كل الأمور الصالحة. على هذا الأساس تقول: “حلقُهُ حلاوة وكله مشتهيات” (نش 5: 16). لأن الله صانع كل خير، وكل الموجودات هي منه. ليس من شر في أي موضع (بل هو منا)، إن سكن ذهننا في الله لا يعرف الشر. أما النفس التي لا تستوطن عند الله فهي صانعة شرور بذاتها، ومن ثَمَّ تخطئ، والنفس التي تخطئ تموت (حز 18: 4، 20). إذ تتخلى عن رباطات الفضيلة الذهبية تُحمَل رأسًا إلى شفا كارثة وتسقط في مواضع دنيا.

طوبى للنفس التي لا يغلبها أي صراع مضاد في الجسد، فإن مثل هذه النفس تطير كعصفور من فخ مكسور (مز 124: 7)، لأن ملذات الجسد هي غذاء الشرور. من يلتفت إليها يسقط في فخ.

ترفض النفس ظلمة الشر فتشرق كالفجر

62. أما بالنسبة لمن يمتنع عن هذا الغذاء (الشر) وعن الظلمة فتُشرق نفسه كالفجر. وعنها قيل: “من هذه المشرقة مثل الصباح، جميلة كالقمر؟” (نش 6: 9 LXX). فإنها تشرق كما من بيت حرّ، ولا تقول: “الظلمة حولي والحيطان تُخيفني، ومن يدري إن كان العليُّ يرى؟” (سيراخ 28: 18). بالحري تطلب النور، وتجلس فوق العالم كأنها في عُليَّة بيتها – أي جسدها – تحدق في الإلهيات، وترتفع إلى الأبديات، لتكون مع الله، تكشف نور أعمالها، كما يكشف القمر عن سطحه للعالم كله.

63. أما بالنسبة لعبارة أكيلا: “مدوية كالشمس“، فيبدو أن دوران محور السماء: حركة الشمس والقمر والنجوم وتناسق المدارات، كل هذا يُعرض هنا فيستحسنه بعض المسيحيين، بينما لا يُقابل هذا التناغم بالتصديق (ربما عَنِيَ أن الإيمان أعظم من التناسق في حركات الكواكب).

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى