Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

الفصل (45): يتبرر العاملون بالناموس ليس بأعمالهم بل بالنعمة يتبارك أسم الله و قديسيه في معانٍ مختلفة

ولم يقصد الآن أن يناقض نفسه في قوله: “الذين يعلمون بالناموس هم يبررون” (رو2: 13) كما لو كان تبريرهم يأتي بأعمالهم وليس بالنعمة؛ لأنه يصرح أن الإنسان يتبرر مجانا بنعمة الله بدون أعمال الناموس (رو3: 24، 28) قاصدا بكلمة “مجانا” أن الأعمال لا تسبق التبرير إذا أنه في عبارة أخرى يقول بصراحة: “فإن كان بالنعمة فليس بعد بالأعمال والإ فليست النعمة بعد نعمة” (رو11: 6) ولكن تقريره أن: “الذين يعملون بالناموس يتبررون” (رو11: 13) يجب أن يفهم كذلك كما نعرف أنهم خلافا إلى ذلك لا يعملون بالناموس إذا لم يتبرروا لكي لا ينالون التبرير فيما بعد لكونهم عاملون بالناموس ولكن التبرير يسبقهم كعاملون بالناموس. فماذا تعني كلمة “تبرروا سوى أصبحوا أبرارا” بواسطة الله طبعا الذي يبرر الإنسان الشرير إلى أن يصبح إنسانا تقيا؟ لأننا إذا أردنا أن نعبر عن حقيقة معينه بأن يقول: “الرجال سيتحررون” فإن هذه الجملة ستفهم بالطبع كأنها تؤكد أن التحرير سيمنح لهؤلاء الذين أصبحوا الآن رجالا ولكن إذا أردنا أن نقول الرجال سيخلقون فلا تفهم بالتأكيد كأننا نؤكد أن الخلق سيحدث للذين هم الآن في الوجود ولكن أنهم أصبحوا رجالا بعملية الخلق نفسها، وإذا قيل بمثل هذه الطريقة أن العاملين بالناموس سيكرمون فإننا سنفسر التقرير بطريقة سليمة إذا افترضنا أن الكرامة كانت يجب أن تمنح لهؤلاء الذين كانوا يعملون بالناموس سابقا: ولكن عندما يكون البرهان: “الذين يعملون بالناموس يتبررون” فماذا تعني سوى أن الإنسان المستقيم سيتبرر؟ إذ أن الذين يعملون بالناموس هم أشخاص مستقيمون (أبرار).

وهكذا تصل إلى نفس الشيء كما لو قيل أن الذين يعملون بالناموس سيخلقون. ليس الذين خلقوا سابقا ولكن لكي يقدروا أن يصيروا هكذا. لكي بهذا يفهم اليهود الذين كانوا يسمعون الناموس أنهم يريدون نعمة الله الذي يبرر لكي يمكنهم أن يعملوا بها أيضا. أو أن تعبير “يتبررون” استعمل بمعنى “أنهم يعتبرون أو يحسبون كأنهم أبراراً. كما نسب إلى إنسان معين ذكر في الإنجيل: “وأما هو فإذا أراد أن يبرر نفسه” (لو 10: 29) بمعنى أنه أراد أن يعد ويحسب نفسه باراً وبمثل هذه الطريقة تضيف معنى إلى التقرير “الله يقدس قديسيه” ومعنى آخر إلى الكلمات “ليتقدس اسمك” (مت6: 9)

إذا أنه في الحالة الأولى نفترض أن الكلمات تعني أن الذين لم يكونوا قبلا قديسين يجعلهم الله قديسين. وفي الحالة الأخرى أن الشخص الذي يصلي يجب أن يعتبر ما هو مقدس دائما في ذاته مقدسا أيضا بالنسبة للناس- وبكلمة يكون مخوفا برهبة مقدسة.

الفصل (46): كيف أن العبارة التي جاءت في الناموس تتفق مع تلك التي ذكرها النبي

إذاً قصد الرسول بناءاً على ذلك عندما ذكر أن الأمم يفعلون بالطبيعة الأشياء التي في الناموس ولهم أعمال الناموس مكتوبا على قلوبهم (رو2: 14، 15) هؤلاء الذين يؤمنون بالمسيح. الذين لم يأتوا إلى الإيمان مثل اليهود بواسطة ناموس سابق- ليس هناك سببا أفضل يعلل سبب سعينا في تميزهم عن هؤلاء الذين بواسطة النبي وعدهم الرب بالعهد الجديد قائلا لهم أنه سيكتب ناموسة على قلوبهم وعلاوة على ذلك فهم أيضا بواسطة التطعيم الذي يقوله ضعفوا من الزيتونة البرية ينتمون إلى زيتونتهم الخاصة (رو11: 24) وبمعنى آخر إلى نفس شعب الله. لذلك فإنه يوجد موافقة كبيرة بين عبارة الرسول هذه وبين كلمات النبي لدرجة أن من له العهد الجديد يعني أن لديه ناموس الله ليس مكتوبا على ألواح بل على القلب. الذي هو يشمل بر الناموس مع المشاعر العميقة حيث الإيمان العامل بالمحبة (غلا5: 6) لأن الله بالإيمان يبرر الأمم. سبق فبشر إبراهيم قائلا: “فيك يتبارك جميع الأمم” (غلا3: 8- تك22: 18) لكي بنعمة هذا الوعد تطعم الزيتونة البرية في الزيتونة الصالحة والأمم التي تؤمن سيكونون أولاد إبراهيم: “في نسل إبراهيم الذي هم المسيح” (غلا3: 16)

تابعين إيمانه الذي بدون أخذه الناموس المكتوب على ألواح ولا أيضا أخذ الختان فآمن بالرب فحسبه له براً (تك15: 6) (رو4: 3) والآن ماذا ينسب الرسول إلى الأمم من هذه الصفة. كيف أن لهم الناموس مكتوبا في قلوبهم” (رو2: 15) يجب أن يكون شيئا آخر مثل الذي قاله لأهل كورنثوس: “لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحميه” (2كو3: 3) وهكذا يضمون من بيت إسرائيل، عندما تعد عزلتهم ختاما بحقيقة أنهم لا يسندون بر الناموس إلى فناء الجسد ولكنهم بمحبة القلب يحفظونه. ويقول “إن كان الأعزل يحفظ أحكام الناموس أفما تحسب عزلته ختاناً”؟ (رو2: 26)

لذلك فإن بيت إسرائيل الحقيقي الذي لا غش فيه (أنظر يو1: 47) فهم يعتبرون مشتركون في العهد الجديد لأن الله يصنع ناموسة في عقلهم ويكتبه في قلوبهم بإصبعه، الروح القدس، الذي بواسطته تنسكب في قلوبهم المحبة (رو5: 5) التي هي تكميل الناموس (رو13: 10)

الفصل (47): الناموس “معمولا به بالطبيعة” يعني العمل به بالطبيعة وتجديده بواسطة النعمة

يجب أن لا يزعجنا وصف الرسول لهم كعاملين بالناموس بالطبيعة- ليس بواسطة روح الله، ليس بواسطة الإيمان ولا بواسطة النعمة لأن روح النعمة هي التي تفعل ذلك لكي تجدد فينا نحن صوره الله التي خلقنا عليها (تك1: 26) وتعتبر الخطية بالحقيقة ضد الطبيعة والنعمة هي التي تبرئها وعلى حساب ذلك يتقدم المصلي لله: “يا رب ارحمني. اشف نفسي لأني قد أخطأت إليك” (مز41: 4) لذلك أنه بالطبيعة يقبل الناس ما في الناموس (رو2: 14) إذ أنهم الذين لا يعملون ذلك يغسلون في عمل ذلك بسبب تصورهم الشرير. ونتيجة لهذا الشر فإن ناموس الله محي من قلوبهم وبناءاً على ذلك عندما يبرأوا من الخطية فيكون مكتوبة هناك، فيتم فرض الناموس بالطبيعة التي لا تنكرها النعمة ولكن على العكس من ذلك فإن الطبيعة تصلح بواسطة النعمة من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع” (رو5: 12) لأنه لا فرق إذ أخطأ الجميع وأعوزهم مجد الله متبررين بنعمته مجاناً (رو3: 22-24) بهذه النعمة يوجد البر الذي محته الخطية مكتوبا في الإنسان الباطن الذي تجدد وهذه الرحمة تأتي على الجنس البشري بربنا يسوع المسيح لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح” (1تى2: 5)

الفصل (48): إن صوت الله لم تمح كليه من هؤلاء الغير مؤمنين- خطايا بسيطة

ومع ذلك بالنسبة للبعض الذين يفعلون بالطبيعة الأشياء التي في الناموس لا يجب اعتبارهم بعد ضمن هؤلاء الذين تبررهم نعمة المسيح بل على العكس فبين هؤلاء البعض الذين لا يمكننا فقط لومهم (على الرغم من أنهم ضمن الناس الذين لا يعبدون الله بالصدق والحق)، بل أيضا مدحهم بالعدل والحق- منذ فعلوها كما نقرأ أو نعرف أو نسمع وتبعا لقاعدة البر مع أننا في نفس الوقت يجب أن نناقش السؤال لمعرفة ما الدافع على فعلهم هذا أنهم بالكاد يجب أن يوجدوا هكذا كمستحقي المدح والحماية التي ترجع إلى تدبير البر. وأيضا بما أن صورة الله لم تمح تماما من عقل الإنسان بوصمة المشاعر الأرضية كما لو ترك باقيا هناك لا يتعدى نفس ملامحها لذلك كان لابد أن يقال بالضبط أن الإنسان حتى في حياته الشريرة يفعل أو يستحسن بعض الأشياء التي يحتوي عليها الناموس إذا كان هذا هو ما يقصد بالتقرير أن “الأمم الذين ليس لديهم الناموس” (الذي هو ناموس الله) يفعلون بالطبيعة ما في الناموس” (رو2: 14) وهؤلاء الناس الذين لهم هذه الصفة هم ناموس لأنفسهم ويظهرون على الناموس مكتوبا في قلوبهم. هذا ليعبر عن أن الشيء الذي ختم في قلوبهم عندما خلقوا في صورة الله لم يمح كليه: حتى بالنظر إلى هذا الموضوع، هذا الاختلاف العريض لا يشوش ما يفرق بين العهد الجديد والقديم وأنه في الحقيقة بواسطة العهد الجديد كتب ناموس الله في قلوب المؤمنين بينما نقش في العهد القديم على ألواح من الحجارة. ولأن هذه الكتابة في القلب تمت بالتحديد بالرغم من أنها لم تمح تماما بالطبيعة القديمة لأنه بالضبط كما أن صورة الله تجددت في عقل المؤمنين بالعهد الجديد. الذي لم يمنع تماما الإلحاد به (إذ أنه بدون شك كان باقيا هناك ما لا يفهمه عقل الإنسان) لذلك فإن ناموس الله أيضا الذي لم يمح منها بواسطة الشر كتب عليها متجددا بواسطة النعمة.

ولدى اليهود الآن أن الناموس الذي كتب على ألواح لا يمكنه صنع مثل هذا النقش الجديد الذي هو التبرير، ولكن فقط التعدي هو ما يستطيع صنعه لأنهم أيضا كانوا بشر وهذه القوة الطبيعية كانت ملازمه فيهم والتي تمكن العقل السديد من ملاحظة وفعل ما هو مباح. ولكن التقوى التي تنقل إلى حياة أخرى سعيدة ودائمة لها “ناموس الرب كامل يرد النفس” (مز19: 7) لكي يمكنهم أن يتجددوا بالنور الذي منه ولكي يتم فيهم ما هو مكتوب “أرفع علينا نور وجهك يا رب” (مز4: 6) مطرودين مما يستحقون أن يزدادوا في الكبر طالما هم عاجزين عن التجديد إلا بنعمة المسيح وبمعنى آخر، بدون شفاعة الوسيط الذي بكونه “إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع” (1تى2: 5، 6) فهل هؤلاء غرباء عن نعمة الله التي نبحثها الآن والذين (وبعد الطريقة التي تكلمنا عنها بما فيه الكفاية) “يفعلون بالطبيعة ما في الناموس” (رو2: 14) فماذا يستفيدون من أفكارهم التي يشتكون بها “في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس” (رو2: 15، 16) ما لم ترتب لهم عقوبة معتدلة (مناسبة)؟

لأنه بينما، من ناحية، يوجد بعض الخطايا البسيطة التي لا تمنع الإنسان البار من بلوغه الحياة الأبدية والتي لا مناص منها في هذه الحياة، لذلك من الناحية الأخرى توجد بعض أعمال صالحة والتي ليس لها فائدة لإنسان شرير تجاه بلوغه الحياة الأبدية بالرغم من أن يكون من الصعب جدا اكتشاف حياة أي إنسان شرير آخر مهما كان خارجا عنهم كليه. ولكن بما أن في ملكوت الله يختلف القديسين في المجد كما يختلف نجم عن آخر (1كو15: 41)- فكذلك في دينونه العقاب الأبدي سيكون أكثر احتمالا لسدوم مما لتلك المدينة (لو10: 12) بينما بعض الناس سيكونون أضعاف من أبناء جهنم (مت23: 15)

وهكذا في حكم الله فحتى هذه الحقيقة سيكون لها تأثيرها- لدرجة أنه إذا أخطأ إنسان أكثر أو أقل من آخر وحتى لو غرق كلاهما في الشر فيكون مستحقا لعذاب الجحيم.

الفصل (49): النعمة التي وعد بها النبي للعهد الجديد

إذاً ماذا قصد الرسول ليكني عن- بعد صد تفاخر اليهود بقوله لهم أن “ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون (رو2: 13) ثم تكلم عنهم بعد ذلك مباشرة “الذين ليس عندهم الناموس متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس” (رو2: 14)

إذاً لم يفهم من هذا الوصف الذين لهم نعمة الشفيع بل العكس الذين بينما لا يعبدون الإله الحقيقي بتقوى صادقه فهل يظهرون بعض الأعمال الصالحة في الأسلوب العام لحياتهم الشريرة؟ أو ربما اعتبر الرسول أنه من المحتمل لأنه قال سابقا: “ليس عند الله محاباة” (رو2: 11) وقد قال بعد ذلك: “أم الله لليهود فقط أليس للأمم أيضا. بلى للأمم أيضا” (رو3: 29) وحتى مثل أعمال الناموس هذه القليلة كما افترضت لم تكتشف بالطبيعة كما لم يستلمها الناموس. ما عدا نتيجة بقاء صورة الله التي لم يزدرِ بها عندما يؤمنون به الذي ليس عند محاباة؟ ولكن أي هذه الآراء مقبولا فإنه من الواضح أن نعمة الله التي وعد بها النبي للعهد الجديد. وأن هذه النعمة كان يجب حتميا أن تأخذ هذه الصورة. كان يجب أن يكتب ناموس الله في قلوب الناس؛ وكان يجب عليهم أن يصلوا إلى مثل هذه المعرفة لله، حتى لا يعلم بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الرب لأنهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم” (إر31: 33-34)

هذه هي عطية الروح القدس التي بواسطته تنسكب المحبة في قلوبنا (رو5: 5) ليس بالحقيقة أي نوع من المحبة ولكن محبة الله “من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء” الذي يقود الإنسان البار الذي يحيا في هذه الحالة الغريبة بعد درجات “المرآة” و “اللغز” و “بعض المعرفة” إلى الرؤيا الحالية والتي هي وجها لوجه يستطيع أن يعرف كما عرف (1كو13: 12) واحدة سأل من الرب وإياها يلتمس وهي أن يسكن في بيت الرب كل أيام حياته لكي ينظر جمال الرب “(مز27)

الفصل (50): البر هو عطية الله

لذلك لا تدع أي إنسان يتفاخر بما يبدو له أنه يمتلكه كأنه لم يأخذه (1كو4: 7) ولا تدعه يظن أنه أخذه فقط لأن حرف الناموس الخارجي إما أظهر له لكي يقرأه أو يرن في أذنه لكي يسمعه. لأن “أن كان بالناموس بر المسيح إذاً مات بلا سبب” (غلا 2: 21) ومع ذلك فإنه إذا يمت المسيح بلا سبب فقد صعد إلى العلاء وسبي سبيا وأعطى عطايا للناس (مز68: 18) وتلي ذلك أن كل من له يعطي من هذا المنبع. والذي يفكر أن ما عنده هو من الله، إما لا يكون له وإما يكون في خطر عظيم بأن يحرم مما عنده (لو8: 18)

“لأن الله واحد هو الذي سيبرر الختان بالإيمان والعزلة بالإيمان” (رو3: 30) حيث لا يوجد اختلاف حقيقي في معنى الكلمات كما لو تعني الكلمة”by faith” معنى خاص وتعني “through faith” معنى آخر ولكن فقط هي تنوع في التعبير لأنه في عبارة واحدة عند الحديث عن الأمم – الذي هوعن العزلة- قال: “والكتاب إذ سبق فرأى أن الله يبرر الأمم “by faith” (غلا3: 8) وأيضا عند الحديث عن الختان الذي يخصه هو أيضا يقول: “نحن بالطبيعة يهود ولسنا من الأمم خطاه إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل “through faith”  يسوع المسيح آمنا نحن أيضا بيسوع المسيح” (غلا2: 15، 16)

لاحظ أنه يقول أن كل من الغرلة والختان يتبرر بالإيمان، إذا حفظ الختان بر الإيمان. لأن الأمم التي لم تتبع البر قد نالوا البر، حتى البر الذي هو الإيمان (رو9: 30) وقد حصلوا عليه من الله وليس من أنفسهم. ولكن إسرائيل وهو يسعى في إثر ناموس البر لم يدركوا ناموس البر. ولماذا؟ لأنهم طلبوه ليس بالإيمان ولكن كأنه بالأعمال (رو9: 31، 32) وبمعنى آخر. باحثين عنه كما لو كان بأنفسهم دون إيمانهم أن الله هو الذي يعمل داخلهم. “لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة” (فى2: 13) وبهذا “اصطدموا بحجر الصدمة” (رو9: 32) لأن ما قاله “ليس بالإيمان بل كأنه بالأعمال” (رو9: 32) شرحه شرحا واضحا في الكلمات الآتية: “لأنهم إذ كانوا يجهلون بر الله ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا لبر الله لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن” (رو10: 3، 4) فهل نظل إذاً في شك عن ماذا تكون أعمال الناموس هذه التي بها لا يتبرر الإنسان إذا ظنها أعماله هم “كأنها” بدون مساعدة وعطية الله التي تكون “بالإيمان بيسوع المسيح”؟ وهل نقترح أنها هي الختان والفروض الأخرى المشابهة، لأن مثل هذه الأشياء في عبارات أخرى تقرأ من نحو تلك الطقوس الدينية أيضا؟ في هذا الوضع، مع ذلك، ليس هو الختان بالتأكيد الذي يطلبون أن يثبتوه كأنه برهم الخاص لأن الله أثبت هذا بأمره هو نفسه أم هل يكون من الممكن لنا أن نفهم هذا التقرير لتلك الأعمال التي بخصوصها يقول الرب لهم “حسنا رفضتم وصية الله لتحفظوا تقليدكم” (مر 7: 9) لأنه كما يقول الرسول: “إسرائيل وهو يسعى في إثر ناموس البر لم يدرك البر” (رو9: 31)أنه لم يقل وهو يسعى في أثر تقاليدهم- منظما إياها ومعتمدا عليها. هذا هو الاختلاف الوحيد أن نفس الوصية ” لا تشته” ووصايا الله الصالحة والمقدسة الأخرى، نسبوها لأنفسهم بينما يمكن لذلك الإنسان حفظها لابد أن يعمل الله فيه بالإيمان بيسوع المسيح الذي هو “غاية الناموس للبر لكل من يؤمن” (رو10: 4)

هذا لكي يقول أن كل من أنضم لله وبقى عضوا في جسده يكون قادرا على عمل البر بواسطة إعطاء الله له البركة في داخله- ومثل هذه الأعمال هي ما قال عنها المسيح نفسه “بدوني لا تقدرون أن تنفعلوا شيئا” (يو15: 5)

الفصل (51): الإيمان هو أساس كل بر

اقترح بر الناموس في تلك النصوص التي كل من يفعلها يحيا فيها؛ ويكون الغرض هو أن عندما يكتشف كل فرد ضعفه لا يقدر بقوته الذاتية ولا بحرف الناموس (الذي لا يقدر أن يفعله) ولكن بالإيمان جامعا بين الله الذي يبرر، فيدركه، ويفعله، ويعيش فيه. إذ أن العمل الذي يعيش فيه من يقوم يفعله لا يتم إلا بواسطة الشخص الذي تبرر ومع ذلك فإن تبريره قد حصل عليه الإيمان ومكتوب بخصوص الإيمان “وأما البر الذي بالإيمان فيقول هكذا لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء أي ليحد المسيح أو من يهبط إلى الهاوية أي ليصعد المسيح من الأموات. لكن ماذا يقول. الكلمة قريبه منك في فمك وفي قلبك أي كلمة الإيمان التي نكرز بها لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت” (رو10: 6-9)

وكلما خلص كلما كان بارا لأن بهذا الإيمان نثق أن الله سيقيمنا من الموت حتى الآن في الروح لكي يمكننا في هذا العالم الحاضر أن نعيش بتعقل وبر وتقوى في تجديد نعمة الله وعما قريب في جسدنا الذي سيقوم ثانية للخلود

وهو في الحقيقة ثواب الروح الذي يسبقه قيامة تخص الله ويكون هذا بالتبرير “لأننا دفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جده الحياة” (رو6: 4)

لذلك فإننا ننال الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح سواء المسيح سواء كان هذا بالحقيقة في داخلنا وفي حد ترقب إتمامه: “لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص” (رو10: 13) ويقول المرتل: “ما أعظم جودك الذي ذخرته لخائفيك وفعلته للمتكلين عليك تجاه بني البشر” (مز31: 19″). بالناموس نخاف الله وبالإيمان نرجو في الله.

ولكن النعمة تختفي في الذين يخافون العقاب- والنفس التي تعمل تحت هذا الخوف بما أنها لم تتغلب على شهوتها الشريرة والتي لم يختف منها هذا الخوف الذي يشبه سيدا قاسيا- ليتها تلتجيء إلى رحمة الله لكي يعطيها ما يأمر به ملهما فيها عذوبة نعمته بروحه القدوس يجعل النفس تبتهج أكثر بما يعلمها الله مما تبتهج بما يعارض إرشاداته بهذه الطريقة تكون أن عذوبة الله الوفيرة التي هي ناموس الإيمان- محبة الله التي هي في قلوبنا، ومنسكبة فيها ويكون الرجاء في الله كاملا فيها- هذا الصلاح يمكن أن تصنعه النفس- لا يبرأ بالخوف من العقاب ولكن بمحبة البر.

الفصل (52): النعمة تثبت الإرادة المطلقة

أفنبطل إذاً الإرادة المطلقة بالنعمة؟ حاشا كلا فإننا نثبت الإرادة المطلقة لأنه حتى ناموس الإيمان لا يبطل الإرادة المطلقة بل يثبتها. لأنه لا يتم الناموس إلا بإرادة مطلقة ولكن بالناموس معرفة الخطية، بالإيمان إحراز النعمة ضد الخطية، بالنعمة شفاء النفس من مرض الخطية، بصحة النفس حرية الإرادة، بالإرادة الحرة محبة البر، بمحبة البر إتمام الناموس.

وبناءاً على ذلك فإن الناموس لم يبطل بل أثبت بالإيمان لأن الإيمان ينال النعمة التي بها يتم الناموس لذلك فإن الإرادة الحرة لا تبطل بالنعمة بل تثبت لأن النعمة تعالج الإرادة التي بها يصبح البر محبوبا جدا.

والآن فكل المراحل التي جمعتها مما في ربط متوالٍ لها أصواتها الخاصة في الكتب المقدسة: يقول الناموس “لا تشته” (خر20: 17) ويقول الإيمان “اشف نفسي لأني قد أخطأت إليك” (مز 41: 4) ويقول النعمة: “ها أنت قد برئت فلا تخطيء أيضا لئلا يكون لك أشر” (يو5: 14) وتقول الصحة: “يا رب إلهي استغثت بك فشفيتني” (مز30: 2) وتقول الإرادة المطلقة: “أذبح لك منتدبا” (مز54: 6)

وتقول محبة البر: “المتكبرون قد كروا لي حفائر ذلك ليس حسب شريعتك ” (مز119-85). إذاً كيف يجرأ هؤلاء الناس المساكين أن يفتخروا إما بإرادتهم الحرة قبل أن يتحرروا أو بقوتهم الذاتية لو كانوا قد تحرروا؟

أنهم لم يدركوا أن مجرد ذكرهم للإرادة الحرة ينطقون اسم الحرية. ولكن “حيث روح الرب هناك حرية” (كو3: 17) فلذلك لو كانوا عبيدا للخطية فلماذا يفتخرون بالإرادة الحرة؟ لأنه ما انغلب منه أحد فهو لو مستعبد أيضا (2بط2: 19) ولكن إذا تحرروا لماذا يفتخرون بأنفسهم كما لو كان هذا من فعلهم ويفتخرون كما لم يأخذوا؟ أو هل يتحرون لدرجة أنهم لا يختارون الله رباً لهم الذي يقول لهم: “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً” (يو15: 5)

“وإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا”؟ (يو8: 36)

الفصل(53): الإرادة والمقدرة

بيسأل البعض هل الإيمان نفسه الذي يبدو منه أن يكون إما بذاته الخلاص أو بداية لتلك السلسلة التي تقود إلى الخلاص التي ذكرتها سابقا- يكون في مقدرتنا يمكننا أن نرى ذلك بسهولة إذا درسنا جيدا معنى كلمة “مقدرتنا” إذاً يوجد شيئان: الإرادة والمقدرة؛ من المتبع أن ليس كل من عنده الإرادة عنده بناءاً عليها المقدرة أيضا لأننا أحيانا نريد شيئا لا نقدر أن نفعله وكذلك أيضا أحيانا يمكننا عمل شيء لا نريده وعندما نتأمل جيدا الكلمات نفسها سنكتشف أن كلمة “volition” مشتقة من willingness – وكلمة “ability” مشتقة من “ableness” [that is, in the Latin “volutes” choice, will, volition comes from “velle” (to wish, desire, determine) and patestas (power, ability) from posse” (to be able).-w] ” بناءاً على ذلك فإن الإنسان الذي يرغب له الإرادة، كذلك أيضا الذي يقدر له المقدرة- ولكن لابد أن توجد الإرادة لكي يتم فعل شيء بالمقدرة. إذ أن عادة لا يفعل أي إنسان شيئا بمقدرته لو فعله كرها بالرغم من، في نفس الوقت، لو لاحظنا بأكثر تدقيقا- حتى الشيء الذي أجبر الإنسان أن يفعله كارها فهو يفعله بإرادته؛ إلا أنه يدعي فاعل غير راغب أو يفعل ضد إرادته لأنه يفضل شيئا آخر. أنه بالحقيقة مجبرا ببعض التأثير السماء أن يفعل ما يفعله تحت إجبار راغبا في تخلصه أو إزالته من طريقة. لأنه لو كانت إرادته قوية جدا حتى أنه يفضل أن لا يفعل هذا لكي لا يعاني من تلك وفوق كل شك فإنه يعارض النفوذ الإجباري ولا يفعله. وبناءاً على ذلك لو فعله فلا يكون بإرادة كاملة وحرة. ولا يقبله أيضا بدون إرادة وبما أن الإرادة يتبعها تأثيرها فلا نقدر أن نقول أنه يحتاج إلى المقدرة على فعله- وإذا رغب في الحقيقة أن يفعله مستسلما للإجبار ولكنه لم يستطع بالرغم من أننا لو سمحنا بوجود إرادة مجبرة فسوف نقول أيضا أن المقدرة لم تكن موجودة. ولكن عندما لم يفعل الشيء لأنه كان غير راغب إذاً بالطبع كانت المقدرة موجودة ولكن الإرادة لم تكن موجودة لأنه لم يفعله بصده للتأثير المجبر. لهذا فإن حتى الذين هم يجبرون أو يقنعون اعتادوا أن يقولوا لماذا لم تفعل ما في مقدرتك، لكي تتجنب هذا الشر؟ بينما الذين هم غير قادرين تماما أن يفعلوا ما أجبروا على عمله لأنهم افترضوا أن يكونوا قادرين دائما ويجيبون مشتكين أنفسهم ويقولون كنت أحب أن أفعله لو كان ذلك في مقدرتي. فماذا نطلب أكثر لأننا نسمي المقدرة عندما تضاف إلى الإرادة كفاءة العمل؟ بناءاً على ذلك يقال أن كل فرد يفعل ما في مقدرته إذا أراد- وأن لا يفعل إذا لم يرد.

الفصل (54): هل الإيمان في مقدرة الإنسان

أصغ الآن إلى النقطة التي نطرحها للمناقشة: هل الإيمان في مقدرتنا؟

نحن نتكلم عن ذلك الإيمان الذي نستعمله عندما نصدق أي شيء وليس ذلك الذي نعطيه عندما نصنع وعدا، لأن هذا يسمى إيمان.

نحن نستعمل الكلمة بمعنى عندما نقول: “ليس عنده ثقة فيَّ” وبمعنى آخر عندما نقول:”لا يحفظ الثقة معي” وتعني الجملة الأولى” أنه لا يصدق ما أقوله” وتعني الجملة الثانية “أنه لم يفعل ما وعد به”

بموجب الإيمان الذي نؤمن به فإننا نكون أمناء لله ولكن بموجب ذلك الذي به يمر الشيء الذي يتعهد به الله نفسه يكون أمينا لنا، لأن الرسول يصرح: “الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون” (1كو10: 13)

إن الأول هو الإيمان الذي نسأل عنه هل هو في مقدرتنا؟ حتى الإيمان الذي به نصدق الله أو نؤمن بالله إذ أنه مكتوب عن هذا: “آمن إبراهيم بالله فحسب له براً” (رو4: 3-تك15: 6)

تأمل الآن إذا آمن أي شخص وكان كارها أو إذا لم يؤمن وكان يرغب ذلك مثل هذا الوضع في الحقيقة يعتبر غير معقول (لأن الذي يعتقد بل راضيا بصدق ما قيل؟ وهذا الرضى هو بكل تأكيد إراديا) لذلك فإن الإيمان هو في مقدرتنا. ولكن مثل ما يقول الرسول: “لأنه ليس سلطان إلا من الله” (رو13: 1) فماذا يكون السبب إذاً لماذا لم يقل لنا حتى عن هذا: “لماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟” (1كو4: 7) لأنه حتى الله هو الذي يعطينا أن نؤمن. ومهما كان فإننا نجد أصلا هذا التصريح في الكتاب المقدس مثل: ليست مشيئة إلا وتأتي من الله.

وبالحقيقة لم تكتب كذلك لأنها ليست صادقه. وإلا سيكون الله منشيء الخطايا (حاشا!) وإذا لم تكن هناك إرادة أخرى سوى التي تأتي من الله نظرا لأن أي إرادة شريرة هي وحدها خطية إذا كانت بدون سبب- بمعنى آخر إذا لم تكن لها المقدرة. ولكن إذا أخذت الإرادة الشريرة المقدرة على إتمام غرضها فإن هذا يصدر عن حكم الله الذي به لا يوجد شر (رو9: 14) ويعاقب الله على هذا النمط، ولا يكون قصاصه غير عادل لأن هذا سرا.

مع أن الإنسان الشرير لم ينذر بأنه سيعاقب إلا عندما يكتشف بغير إرادته بعقاب مكشوف كم ارتكب الشر بإرادته كثيرا.

هذا تماما ما قاله الرسول عن بعض الناس: “أسلمهم الله في شهوات قلوبهم…. ليفعلوا ما لا يليق” (رو1: 24، 28)

لذلك قال الرب أيضا لبيلاطس: “لم يكن لك علىَّ سلطان البتة لو لم يكن قد أعطيت من فوق” (يو19: 11) ولكن أيضا عندما تعطى المقدرة، فبكل تأكيد ليست هناك ضرورة مفروضة.
لذلك مع أن داود أخذ المقدرة على قتل شاول إلا أنه فضل مصارعته عن ضربه (1صم24: 7، 26: 9) لذلك أن الناس الأشرار يأخذون المقدرة لأجل الدينونه على إرادتهم الدنيئة بينما يأخذ الناس الصالحين المقدرة لكي يختبروا إرادتهم الصالحة.

الفصل (55): ما هو الإيمان الحميد

بما أن الإيمان إذاً هو في مقدرتنا نظراً إلى أن كل فرد يؤمن عندما يريد وعندما يؤمن يكون ذلك طوعاً ويكون تحقيقنا التالي الذي يجب أن نجريه بعناية: ما هو الإيمان الذي يمدحه الرسول بغيرة كبيرة؟ إذ أن الإيمان الذي لا يميز لا يعتبر صالحا.

لذلك نجد هذا التحذير: “أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله” (1يو4: 1) ولا يجب أن عبارة مدح المحبة “التي تصدق كل شيء” (1كو8: 7) تفهم كذلك كما لو كنا تستخف بمحبة أي إنسان إذا رفض أن يصدق ما يسمعه في الحال لأن نفس المحبة تحذرنا أنه لا يجب علينا أن نصدق بسرعة أي شيء يقال على الأخ. وإذا قيل شيء من هذا النوع عنه فهل عدم تصديقه هذا يحسب مناسبا جدا لسجيته؟ أخيرا نفس المحبة “التي تصدق كل شيء” لا تصدق كل روح.

بناءاً على ذلك فإن المحبة تصدق كل شيء بدون شك ولكن تثق في الله. لاحظ أنه لم يقل أنها تثق في كل الأشياء لذلك لا يمكن أن يشك في أن الإيمان الذي يمدحه الرسول هو الإيمان الذي به نثق في الله (رو4: 3).

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى