Chrystus odkupiciel

يفيد لفظ “الفداء” العمل الذي يحرّر الله به شعبه كلّه، فيفتديه ويقتنيه. وبكلام آخر يفيد هذا اللفظ “الخلاص” الذي حقّقه الله كاملاً بالمسيح يسوع الإله المتأنّس الذي صُلب وقام في اليوم الثالث واهبًا الحياة. هكذا التصق لقب “الفادي” بالربّ يسوع حصرًا، إذ به وحده أتى الخلاص إلى العالم. وعلى الرغم من أنّ الله، كما ترينا مقاطع عديدة من العهد القديم، قد افتدى الشعب بطرق شتّى، إلاّ إنّ ذروة الفداء بلغت مداها الأقصى في تنازل الكلمة الإلهيّ حتّى الموت، موت الصليب، فبذل نفسه فديةً عن الإنسان ممزّقًا صكّ خطاياه.

أوّل الكلام على الفداء ورد في سياق تحرير الشعب من العبوديّة المرّة في مصر: “واذكرْ أنّك كنتَ عبدًا في أرض مصر، وفداك الربُّ إلهك” (تثنية الاشتراع 15: 15). لا بدّ، هنا، من التذكير بأنّ الفدية، كما يمارسها البشر، تعني تخليص أحد أو تحريره من سلطة قاهرة أو من مصير محتوم، من طريق دفع ثمن معيّن. أمّا حين يُستخدم لفظ “فدية” للكلام على عمل الله في العهد القديم، فيكتسب معنًى مجازيًّا، فالله يفتدي حتمًا، ولكن ليس من طريق دفع ثمن أو تسديد فاتورة، بل بالتأديب والقوّة: “وأفديكم بذراع مبسوطة وأحكام عظيمة” (خروج 6: 6). ويُلاحظ أنّ لفظَي “الفداء” و”الفَكّ” يردان من دون تمييز بينهما: “فإنّ الربّ قد افتدى يعقوب، وفكّه من يد مَن هو أقوى منه” (إرميا 31: 11)؛ وفي سياق آخر يرتبط الفداء بالإنقاذ: “فسأنقذك من أيدي الاشرار، وأفتديك من أكفّ الظالمين” (إرميا 15 : 21)؛ وأخيرًا يترادف لفظا الفداء والخلاص: “وخلّصهم من يد المبغضين، وافتداهم من يد الأعداء” (مزمور 106: 10).

يتبيّن من هذه الأمثلة أن فكرة “دفع فدية” غائبة عن عمل الله في العهد القديم، بل تبدو مرفوضةً: “فإنّه هكذا قال السيّد الربّ: مجّانًا بُعتُم وبغير فضّة تُفدَون” (أشعيا 52، 3). فالشعب، بحسب نظرة العهد القديم، قد أجلي إلى بابل بسبب خطاياه، ثمّ حُرِّر منها بقوّة الله بعد أن كُفِّرت خطيئته. لذلك، يرتبط عمل الفداء ارتباطًا وثيقًا بمغفرة الخطايا: “محوتُ كالسحاب معاصيك، وكالغمام خطاياك. إرجعْ إليّ فقد افتديتُك” (أشعيا 44: 22)، وأيضًا: “هو الذي يغفر جميع آثامك، ويشفي جميع أمراضك. يفتدي من الهوّة حياتك، ويكلّلك بالرحمة والرأفة” (مزمور 102: 3-4).

غير أنّ صورة “عبد الله المتألّم” الواردة في نبوءة إشعيا تسجّل تحوّلاً في معنى الفداء الذي يتمّه الله لخلاص الإنسان. فثمّة “عبدٌ لله بريء” سيحمل خطايا الناس وآثامهم بكلّ وداعة ومسالمة، ويكون فداءً لهم: “طُعن بسبب معاصينا، وسُحق بسبب آثامنا، نزل به العقاب من أجل سلامنا، وبجرحه شُفينا (…) يبرّر عبدي البارّ الكثيرين وهو يحتمل آثامهم (…) لأنّه أسلم نفسه للموت، وأحصي مع العصاة، وهو حمل خطايا الكثيرين وشفع في معاصيهم” (إشعيا 53: 5 و11-12). غير أنّه من الضروريّ التوضيح أنّ “ثمن الخطيئة” لا يمثّل دَينًا يُسدَّد لله كشرط لكي يغفر خطايا البشر، بل يتّصل الأمر بمبادرة الله نفسه بدافع محبّته المجّانيّة. وقد رأى التقليد المسيحيّ في عمل الربّ يسوع المسيح تحقيقًا لهذه النبوءات الإشعيائيّة.

يسعنا إيجاز معنى الفداء في العهد الجديد بعبارة واحدة هي أنّه خلاص الإنسان الذي تحقّق بموت المسيح وقيامته، إذ أعاد هذا الحدث الإنسان من غربته عن الله وانقطاعه عنه، وتاليًا أتْحده بالله مجدّدًا. وقد تحقّق هذا الفداء بفضل هبة المسيح حياته وكأنّها فدية: “وقد علمتم أنّكم لم تُفتدَوا بالفاني من الفضّة أو الذهب من سيرتكم الباطلة التي ورثتموها عن آبائكم، بل بدم كريم، دم الحمل الذي لا عيب فيه ولا دنس، دم المسيح” (رسالة بطرس الأولى 1: 18- 19). من هنا، يمكن القول بأنّ الفداء، مسيحيًّا، تحقّق بآلام المسيح وصليبه. فهو تحمّل كلّ التعذيبات، هو غير الخاطئ، عوضًا عن الخطأة: “أمّا الله فقد دلّ على محبّته لنا بأنّ المسيح قد مات من أجلنا إذ كنّا خاطئين” (رومية 5: 8)، وأيضًا: “وما تقوم عليه المحبّة هو أنّنا لسنا نحن أحببنا الله، بل هو أحبّنا، فأرسل ابنه كفّارةً لخطايانا” (رسالة يوحنّا الأولى 4: 10).

بيد أنّ الفداء قد اكتمل في قيامة الربّ يسوع من بين الأموات التي أسبغت على الصليب قيمته المطلقة بالنسبة إلى الإيمان المسيحيّ. فالرسول بولس يتساءل ويجيب في الآن عينه: “ومَن الذي يدين؟ المسيح يسوع الذي مات، بل قام، وهو الذي عن يمين الله والذي يشفع لنا” (رومية 8: 38). من هنا، يتّضح لنا أنّ مصدر الفداء هو محبّة الله المجّانيّة ورحمته تجاه بني البشر، وقد ظهر ذلك جليًّا عن طريق تأنّس الكلمة الأزليّ في التاريخ البشريّ. والله هو مَن أخذ المبادرة، فأظهر محبّته الفائقة عطاءً كاملاً لذاته بالمسيح يسوع. وفي الختام، لقد فتح لنا الفداء باب الاتّحاد بالله والعيش في حضرته إلى الأبد، في ملكوت وُعدنا بأنّنا نرثه إنْ قطعنا مع الخطيئة كلّ رباط يشدّنا إليها، والتصقنا بالربّ يسوع الفادي برباط وثيق لا ينحلّ ولا ينفكّ، فنستحقّ الحياة وتكون لنا.

عن نشرة رعيتي 2007

Przewiń na górę