اكليمنضس أسقف رومية

القديس اكليمنضس أسقف رومية

القديس اكليمنضس أسقف روميةهو ثالث أسقف على مدينة رومية (92 – 102). عرف الرسول بطرس, ويسود الاعتقاد بأنه هو المذكور في رسالة القدّيس بولس الى أهل فيلبّي (4: 3). له رسالة واحدة منسوبة اليه موجّهة الى أهل كورنثُس, نشرها البطريرك الياس الرابع في كتاب “الآباء الرسوليون” (منشورات النور). أما سبب كتابة هذه الرسالة فهو المشاغبات التي سادت كنيسة كورنثُس والتي أدّت الى عزل شيوخ الكنيسة, وهم أبرياء لا عيب فيهم. تعيّد الكنيسة لتذكار اكليمنضُس شهيداً في الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني, وتدعوه “برجاً إلهياً للكنيسة غير متزعزع وعموداً شريفاً عزيزاً لحسن العبادة”.

في رسالة اكليمنضُس إشارات عديدة الى الإيمان بألوهة المسيح وتجسّده والفداء الذي تم بدمه, والى قيمته التي هي عربون قيامتنا العامّة. وواضح عنده الإيمان بالآب والابن والروح القدس, فالقديس إيريناوس أسقف ليون (+202) يقول في إطار تعليقه على رسالة اكليمنضُس:”أن تبشّر الكنائس بأن الإله الذي خلق السموات والأرض هو نفسه أبو ربنا يسوع المسيح لأمر شهدت له هذه الرسالة” (في كتابه “ضد الهرطقات”). واكليمنضُس نفسه يقول:”فلتعرفك كلّ الشعوب أنك الإله الوحيد وابنك يسوع المسيح ونحن شعبك وخراف حظيرتك” (الفقرة 59).

يحتلّ موضوع الكنيسة المكانة الأساسيّة في الرسالة بسبب الخلافات التي سيطرت على الكنيسة الكورنثية, فيتساءل الكاتب في إطار دعوته الكورنثيين الى استعادة الوحدة الكنسيّة فيما بينهم:”أليس لنا إله واحد ومسيح واحد وروح نعمة واحد انسكب علينا؟ ودعوة واحدة في المسيح؟ لماذا نمزّق ونقطع أعضاء المسيح؟ لماذا نثور ضد جسدنا؟ لماذا يستولي علينا الجنون فننسىّ أننا أعضاء واحدنا في الآخر؟”(الفقرة 46). لا يغرب عن بالنا عند قراءتنا هذا النصّ أن الرسول بولس في رسالته الاولى الى أهل كورنثُس – ايضا – قد سبق اكليمنضُس في تشبيه الكنيسة بالجسد والمؤمنين بأعضاء الجسد الواحد. وفي مكان آخر يقول كاتب الرسالة:”فلنصرخ نحن ايضا, نحن الذين يجمعنا جسد واحد باتفاق مقدّس, فلنصرخ كما من فم واحد لنصير شركاء مواعيده الممجّدة” (الفقرة 34). وهو يرى في الوحدة شرطاً للخلاص:”الرأس بدون الأقدام ليس بشيء. أقلّ الأعضاء ضروريّة ومفيدة للجسد كلّه او بالأحرى كل الأعضاء تنسّق وتخضع لخلاص كلّ الجسد” (الفقرة 37).

القديس اكليمنضس أسقف روميةيشدّد اكليمنضُس على أهميّة الأسقفية التي أسّسها الرسل, وتالياً على أهميّة التسلسل الرسوليّ:”خرج الرسل يبشّرون في المدن والقرى وكانوا يعمّدون الذين يطيعون إرادة الله وأقاموا مختاري الروح القدس أساقفة وشمامسة” (الفقرة 42). ويتابع معترضاً على خلع الكورنثيين شيوخهم فيوبّخهم قائلا:”إنه لمن الخطايا الكبرى أن نبعد عن الأسقفية أولئك الذين يحملون كل فضائلها بقداسة ونقاوة”. ويذكّر الكاتب بأهم الصفات التي ينبغي للأسقف أن يتجمّل بها فيقول:”ويشترط أن يكون هؤلاء الخلفاء من الذين خدموا رعيّة المسيح بدون زيغ وبتواضع ومشهوداً لهم بالهدوء والوداعة” (الفقرة 44). أما السلطة في الكنيسة فهي للروح القدس الحاضر في الجماعة المصلية, وهي سلطة وحبّة وتواضع وخدمة: “إن المسيح هو مسيح المتواضعين لا مسيح الذين يتعالون على قطيعهم. إنّ الربّ يسوع المسيح, صولجان عظمة الله, لم يأتِ بقطار العجرفة والكبرياء مع أنه يستطيع أن يفعل ذلك, بل بقطار التواضع كما أعلن الروح القدس” (الفقرة 16). من هنا, الدعوة الى أساقفة الكنيسة وكهنتها الى التصرف بسلطتهم بمقتضى تعاليم المسيح وسلوكه المتواضع.

يورد القدّيس اكليمنضُس في رسالته الكثير من الاستشهادات الكتابيّة من العهدين القديم والجديد. وعلى الرغم من معاصرته للعهد الرسوليّ وتدوين الأناجيل والرسائل, فإننا نجده يبني كتاباته وآراءه على الفكر الإنجيليّ. وبخاصة إنجيلي القدّيسين متى ولوقا. كما نلتقي في رسالته بآيات مستلّة من معظم رسائل القدّيس بولس (بما فيها الرسالة الى العبرانيّين) والرسالة الأولى للقدّيس بطرس ورسالة القدّيس يعقوب. وهذه دلالة أكيدة على انتشار الكتب والرسائل المقدّسة في جماعات المؤمنين, والاعتراف بصحّتها منذ نهاية القرن الأول الميلادي.

أخيراً, يحثّ كاتب الرسالة الكورنثيّين على العودة الى تعاليم الرسالة التي وجّهها اليهم الرسول بولس, فيقول لهم:”عودوا الى الرسالة التي كتبها لكم بولس المغبوط…. المحبّة تلصقنا بالله, يغطّي كلّ خطايانا. المحبة لا تعرف الكبرياء. بالمحبة التي لنا عنده أعطانا المسيح دمه بإرادة الله وأعطانا جسده من أجل أجسادنا وروحه من أجل روحنا” (الفقرة 49). لقد وفّر لنا القدّيس اكليمنضُس نموذجاً من الأسقفية المعلّمين الذين لم تلههم أسقفيّتهم عن الرعاية. إنه جمع العلم الى القداسة بتواضع كبير.

نُفي الى بلاد القرم ناحية البحر الاسود بسبب نشاطه في البشارة. وهناك اكتشف اكليمنضس وجود عدد كبير من المسيحيين يناهز الالفين محكوم عليهم بالأشغال الشاقة في مقالع المرمر. كان وجوده تعزية لهم، قوّاهم وشددهم في الايمان بالرب يسوع المسيح. واذ كان الماء عزيزا عندهم صلّى فأخرج الرب الاله الماء من الصحراء. وكان لهذه الاعجوبة صدى طيب لا بين المسيحيين وحسب بل بين الوثنيين ايضا. بدأوا يأتون اليه ويسمعون كلامه ويهتدون بأعداد كبيرة حتى اسس القديس كنائس عديدة.

القي القبض عليه بسبب عمله البشاري الناجح والقي في البحر بعد تعذيبه. تعيّد له كنيستنا الانطاكية وكنيسة اليونان في الرابع والعشرين من هذا الشهر بينما تعيّد له الكنائس السلافية في الخامس والعشرين منه والكنيسة اللاتينية في الثالث والعشرين منه.

arArabic
انتقل إلى أعلى