ولد القديس برلعام (القرن السادس) في قرية اسمها اللحيية بالقرب من الجبل الأسود الممتد من الأمانوس حتى نهر العاصي. أحب الرهبانية فانصرف إليها ولبس الإسكيم الملائكي . فتنته الحضرة الإلهية وجملته العناية الربانية صارت الأصوام والأسهار والأتعاب لديه “بلا مشقة ولا ألم ” كان يُرى حاضراً بالجسد على الأرض فيما ذهنه عند إلهه وسيده في السماء. خطر بباله، أن يمضي إلى بيت المقدس تبركاً، فلما وصل إلى باب المدينة و جد قوماً وقوفاً فسألهم كما بإلهام من الله :”أهذه هي المدينة التي صلبت ربها؟ ” فقالوا: هي إياها، وقد سقته خلاً على الصليب ! فبكى! وللحال استدار وعاد من حيث أتى . فظهر له ملاك الرب قائلاً:”ولا إلى ههنا بعثك الرب بل إلى الجبل المسمى الأقرع ” (يقع بالقرب من جسر الشغور بين اللاذقية والسويدية ) فمضى فرحاً لأنه حسب مستأهلاً لأن يكون لربه رسولاً.
وجه رجل الله طرفه ناحية الجبل الأقرع، وقف وصلى وما كاد يفرغ من صلاته حتى ظهر له نور ساطع كخشبة صليب وصوت من الصليب يقول له:” يا برلعام ! أنا هو الطريق والحق والحياة !” ففرح القديس وشكر الله وصعد إلى الجبل وفي يده صليب من شجر الزيتون . فلما انتهى القديس إلى رأس الجبل نظر صنماً منصوباً وأمامه أثر الذبائح وأطفال ذبحوا ليحرقوا قدامه . فلما تأمل القديس في كل ذلك بكى وصلى قائلاً: أيها الرب يسوع المسيح أعطني قوة وعلامة صالحة ليدعى اسمك في هذا الجبل ويسبح، وبعدما صلى أخذ برجل الصنم فأنزله وقطعه وأباده، وجعل في موضعه الصليب الكريم. وأقام هناك على صخرة في جهادات نسكية فائقة، وبنى ديراً كبيراً سكنه خلق كثير . وقد آمن العديدون بالرب يسوع على يديه . وقصده الرهبان الذين في البراري ونسك كثيرون . وقد اقتنى بعضهم من الله نعماً جزيلة وأوتوا الآيات . أما برلعام فمن عليه الرب الإله بسلطان طرد الأرواح الخبيثة من الناس وأبرأ عمياناً قصدوه، ومقعدين أقامهم باسم الرب:
ومن بعض فضله أنه كان في الجبل ناسك حبيس مضيء بالفضائل مشهور بالعجائب . فلما سمع بالقديس برلعام أنفذ إليه ناراً مصرورة في خرقة فقبلها القديس وتبرك بها . ثم أخذ النار بيده وطرح فيها بخوراً أمام الرب الإله . كما أخذ ماء وصره في خرقة وأنفذه إلى الحبيس فقبله وتبرك به هو أيضاً. وحدث، في تلك الساعة، أن قوماً كانوا في زيارة الحبيس، وكانت بهم أوجاع وأمراض وعاهات. فلما نظروا الماء ادهنوا به فشفوا للوقت من أدوائهم بقوة الله فسبحوا العلي ومجدوه. فلما تمت لقديسنا أيامه، وهو في نحو الثمانين، عاين بالروح منظراً إلهيًا. رأى نعمة الرب الإله وجماعة من الملائكة القديسين، ومن عظم شرفه أن الملائكة خطفته وارتفعت به، ولما ارتفع في السماء نظر مناظر الأجساد العقلية وجاز في الطغمات السماوية وهو يردد : المجد لك يا سيد ي يسوع المسيح، الملك العظيم ! مسبح أنت يا رب القوات وعجيبة هي أعمالك ولا نهاية لعظمتك . ثم رأى بلاطاً حسناً وبلداً بهياً جداً وكرسياً عظيماً وتاجاً مهيأ. فقالت له النعمة : هذا كله يا برلعام مدخر لكل من يتشبه بحسن مذهبك ! فخر القديس ساجداً قائلاً: يا رب إن كنت قد وجدت نعمة بين يديك فامنحني ألا أفارق هذا الموضع . فسمع صوتاً يقول له اعلم أن ما طلبته يكون لك . بعد ذلك رأى القديس نفسه في قلايته، وكان كلما ذكر ما رآه في السماء من التسبحة والنور والبهاء يقول بشوق : أخرج يا رب من الحبس نفسي ! ولم تطل حياته بعد ذلك المنظر إلا تسعة أشهر انتقلت نفسه بعدها إلى ما رآه معداً له. وقد بقي جسده مدفوناً في ديره يشفي الأمراض ويصنع العجائب ويظهر الآيات والقوات إلى اليوم . شفاعته تنفعنا. آمين
نقلاً عن الموقع القديم لمطرانية حلب