دوروثاوس غزة

القديس دوروثاوس غزة

القديس دوروثاوس غزةالقديس دوروثاوس (500- 555) الذي من غزة. أبواه الروحيّان هما : يوحنا “النبي” وبرصنوفيوس “الشيخ الكبير”.

نشأته:

أصله من أنطاكية. اكتسب ثقافة واسعة قبل دخوله إلى الدير، وكان يقول: “عندما أتيت إلى الدير كنت أقول في نفسي: “إن كنت أشعر بمثل هذا العطش وبمثل هذا الشوق إلى العلوم الدنيوية وذلك بفضل الاجتهاد في الدارسة والاعتياد عليها، فكم بالأحرى يكون الحال مع الفضيلة؟ من هذه الفكرة كنت أستمدّ قوة كبيرة”. (المقطع 105).

ويقول في المقطع نفسه: إنه لم يكن يجد أيَّة لذة خارج المطالعة والدراسة. وقد أظهر في حياته الاجتماعية طبعاً صلباً متميزاً.

وربما أثر هذا الجهد الدراسي على صحته، فكان نحيل القامة. وقد تكلّم عن صعوبة العودة إلى الصحة الكاملة بعد إهمال للجسم طويل. (مقطع 113). وقد أجبره هذا الضعف الجسدّي على التخفيف من النسك الجسدي، والتركيز على النسك الداخلي على التواضع والطاعة.

في دير الأب سريذس:

كان القديس دوروثاوس يريد أن يسلك طريق الرسل ويقول مثلهم للرب: “ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك، فماذا يكون لنا…؟” (مرقس 10: 28). ويريد من جهة أخرى أن يكتسب هذا “الفن الروحي” بالجهد نفسه الذي كان يبذله في الدراسة.

أما دير الأب سريذس، فقد أنشأه في أواخر القرن الخامس، وكان الأب سريذس هو الذي يرئسه. ويقع الدير على بضعة كيلومترات جنوبيّ مدينة غزة، وقرب مدينة جرار القديمة، حيث نزل إبراهيم مرة. وكان الرهبان في تلك البقعة يعتبرون إبراهيم الأب السابق للرهبنة.

الأب سريذس نفسه هو تلميذ اثنين من الرهبان الكبار: برصنوفيوس “الشيخ الكبير” ويوحنا “النبي”. وقد خضع دوروثاوس في مجيئه اليها بكل ثقة؛ وأخذ يتخلى بصورة تدريجية عن ممتلكاته في الدنيا. وكان آباؤه الروحيون يشددون على ضرورة تحرره من أفكاره الخاصة وارادته. وهو من جهته، يعترف لهم بكل أفكاره العميقة، بتجاربه، بجهاداته وبالصعوبات التي كان يواجهها. وهكذا أفكاره العميقة، بتجاربه، بجهاداته وبالصعوبات التي كان يواجهها. وهكذا كان قدوة لنا قبل أن ينقل تعاليمه الروحية القيمة حول هذا الموضوع.

ومن بين الصعوبات التي واجهها القديس دوروثاوس ضعفه الجسدّي، وعدم قدرته على ممارسة التقشفات المتعبة في دير الأب سريذس؛ كما أنه كان يجرب من جهة طهارته. كل ذلك كان يجعله يميل في بعض الأحيان إلى اليأس. وعندما يلتجئ إلى الآباء كان الشيخ برصنوفيوس ينبهه ألاً يترك نفسه إلى حدّ اليأس، لأن في هذا الموقف فرحة الشيطان الكبير. لهذا سمح له أن يشرب بعضاً من الخمر من أجل صحته دون أن يعطي لجسده كل مشتهاه. أما من جهة فكان عليه أن ينتبه إلى حواسه، وخاصة عينيه وجسده، وأن يضبط الجسد بالرسن كما يفعل راكب الخيل بحصانه. ولكن سلاح الظفر كان روحياً: لوم النفس لمحاربة الدالة، التواضع، قطع الادارة الخاصة، وأهم من كل ذلك الصلاة، الصلاة الشخصية المستمرة التي تساندها صلوات الآباء. كالمرساة بالنسبة للسفن، هكذا كانت صلوات الآباء بالنسبة للمبتدئ دوروثاوس. (راجع بصورة خاصة تجربته الصعبة وكيفية خلاصه منها على يد شخص عجيب) (المقطع 67).

وأخذ يتمتع بعد هذا الحدث، بسلام عجيب، إلى حد جعله يستغرب الأمر، ذلك لأنه كان يقرأ في الكتاب المقدس أنه لا بد من ضيقات كثيرة للدخول إلى ملكوت الله. لكن آباءه قالوا له: إن الطاعة الكاملة للآباء هي التي أثمرت في نفسه، وبسرعة، لتوصله إلى هذا السلام الذي كان يتمتع به.

الأعباء الثقيلة:

استلم المبتدئ دوروثاوس وفي وقت مبكر مسؤوليات كبيرة في الدير وهي : إضافة الغرباء (119)، تأسيس وإدارة مستوصف لمعالجة الإخوة المرضى، الإرشاد الروحي كما يتبين من (المقطع 121)، تدريب الراهب الشاب دوسيثاوس، وأخيراً خدمة الأب يوحنا الشيخ حتى موته (56).

وكانت طاعته للآباء هي التي تجعله يرضى من كل قلبه بهذه الأعباء الثقيلة على جسده النحيل؛ ورغم شوقه للعزلة والهدوء. كيف يمكن له وفي هذه الحال من الأعمال المتواصلة أن يحافظ على لوم النفس وذكر الله الدائم؟ وكان الأب يوحنا يقول له: “حياة الهدوء جيّدة ولكن للكاملين فقط. أما للآخرين فهي مصدر للتكبر والهلاك”. كان عليه إذاً أن يجمع بين حياة التأمل والعمل بطاعة. هكذا حافظ على التواضع في الهدوء وعلى اليقظة وسط الأعمال الصعبة والمتعبة. إذ يمكن لنا أن نخدم الآخرين دون أن نعيق حياتنا الروحية، إذاً عرفنا كيف نحافظ على سهرنا على أنفسنا، وعدم إرضاء الناس، بل نبقى دائماً في إطار التواضع والطاعة.

دوروثاوس مؤسس دير ورئيسه:

نعلم من خلال عنوان تعاليمه الروحية أنه أسس ديراً جديداً، إذ جاء في المخطوطات القديمة العنوان التالي: “تعاليم الأب دوروثاوس لتلاميذه بعد خروجه من دير الأب سريذس، وتأسيسه دير خاصاً به، بعد موت الأب يوحنا وبرصنوفيوس الشيخ”.

والدير واقع بين غزة وميّوما. وتفسير هذا الانتقال ربما يكون الآتي: إن الله، بعد اختباره دوروثااوس في دير الأب سريذس، شاء أن يستخدمه في دير جديد لتقديس كثير من التلاميذ الروحيين.

كتاباته:

إلى جانب رسائله المتبادلة مع أبويه الروحيين برصنوفيوس “الشيخ” ويوحنا “النبي”، جاءت كتابات الرئيسية في “التعاليم الروحية” التي تضم مجموعة من المقالات حول المبادئ العملية للحياة الرهبانية، وهي تتوجه إلى المبتدئين من الرهبان الساكنين في أديار تعتمد على الحياة المشتركة: في الطاعة، في التواضع، في الضمير، في مخافة الله وغيره. وتتميز هذه التعاليم بطابع البساطة ومسحة النعمة الروحية.

وهي تقدم إشارات عملية للحياة المشتركة في الأديار، من خلال خبرات خاصة (فقرة 119) على سبيل المثال. كما تميزت مقالاته بدقة الملاحظة، والتحليل النفسي البارع، والأسلوب الروائي السلس. وكان الأب دوروثاوس يتمتع بثقافة عامة روحية تؤهله لأن يلتقط أقوال الآباء السابقين له في وحدة الروح معهم. ولكن يبدو أنه قبل كل شيء، كان مهتماً بإفادة إخوته الرهبان المبتدئين في حياتهم المشتركة.

والقديس دوروثاوس غزّة، هو الذي يؤهلنا أكثر من سواه للدخول في عالم آباء البرية الروحي من مصر وفلسطين وسوريا، أمثال إفاغريوس، كاسيانوس، يوحنا السلّمي، إسحاق السوري. إن كتاباته تعود بالفائدة على كل مسيحي يهتم بتقية حياته الروحية وتنميتها.

نقلاً عن كتاب التعاليم الروحية للقديس دوروثاوس غزة
تعريب الأرشمندريت أفرام كرياكوس

arArabic
انتقل إلى أعلى