[يرى القديس أمبروسيوس في إسحق رمزًا للسيد المسيح، ليس فقط بميلاده بوعد إلهي ولا بتقديمه ذبيحة طاعة لأبيه، وإنما حتى باسمه كمصدر فرح للغير وبزواجه من رفقة رمز الكنيسة…]
إسحق مكافأة إبراهيم العظيمة
1. لقد وصفتُ باستفاضة كُلاً من أصل القديس إسحق، والنعمة التي نالها، وذلك أثناء حديثي عن أبيه(1). وهو يزخر بالمجد، حيث وُلد (إسحق) كمكافأة لإبراهيم، أبيه العظيم الذي لا مثيل له. ولا عجب إذ حمل فيه رمزًا لميلاد الرب وآلامه. ولدته امرأة مُتقدّمة في الأيام وعاقر، وذلك بوعد إلهي (تك 18: 11-15؛ 21: 1-2)، حتى نؤمن بأن الله قادر أن يحقق ميلادًا حتى من عذراء.
لقد قُدّم كذبيحة بطريقة فريدة، كي لا يفقده أبوه، ومع هذا تتم الذبيحة (تك 22: 1-19).
أيضًا يرمز إلى النعمة باسمه، لأن “إسحق” يعني “ضحكً” (تك 21: 5)، والضحك علامة الفرح. الآن يعرف كل أحد أن (المسيح الذي يرمز له إسحق) هو فرح جميع الذين حطموا رهبة الموت المفزع، فقد نزع رُعبه، وصار لكل الناس غفرانًا لخطاياهم.
إنه ذلك الوديع المتواضع والرقيق (مت 11: 29)، الذي خرج إلى الحقل ليتأمل، حيث جاءت رفقة (ترمز للصبر(2))، لأن الإنسان الحكيم ينبغي عليه أن ينأى عن الملذات الجسدية، ويسمو بنفسه، منسحبًا عن (ملذات) الجسد. هذا بالنسبة لمن يعرف نفسه إنسانًا Homo باللاتينية و enos بالكلدانية. لقد طلب أخنوخ Enos الله في رجاء ومن ثمَّ يُظن أنه قد نُقل (تك 5: 24). هكذا يبدو الإنسان “إنسانً” فقط حينما يضع رجاءه في الله. أيضًا المفهوم الواضح والحقيقي للنص (تك 5: 18-24) هو أنَّ مَنْ يضع رجاءه في الله لا يسكن الأرض بل يُنقَل، ومن ثمَّ يلتصق بالله. هكذا كان إسحق صالحًا وصادقًا، إذ كان مملوءًا نعمة وينبوع فرح.
إسحق ينبوع حكمة لا فيض دم
2. إلى هذا النبع جاءت رفقة لتملأ جرَّتها ماءً، إذ يقول الكتاب المقدس: “فنزلت إلى العين، وملأت جرَّتها وطلعت” (تك 24: 16). وهكذا أيضًا نزلت الكنيسة أو النفس إلى نبع الحكمة، لتملأ جرَّتها، وترفع تعاليم الحكمة النقية التي لم يرغب اليهود أن يرفعوها من الينبوع الفائض. أصغوا إليه، إذ يقول الينبوع نفسه: “تركوني أنا ينبوع المياه الحية” (إر 2: 13).
تعطش نفوس الأنبياء إلى هذا الينبوع، فيقول داود: “عطشت نفسي إلى الله الحيّ” (مز 42: 2-3)، لكي يروي ظمأه بغنى معرفة الله ويغسل دم الحماقة بمياه المجاري الروحية. لأن هذا هو فيض الدم كما يشير الناموس (لا 20: 18)، والذي يُستبان حينما يضطجع رجل مع امرأة طامث. فالمرأة (هنا تشير إلى) البهجة وفتنة الجسد. احترس لئلا يُقوض ثبات فكرك ويلين باللذة الجسدية التي للاضطجاع. فتذوب باحتضانها تمامًا، وينفتح ينبوعها الذي يجب أن يُغلَق ويوصد بالنية الغيورة والتعقل المتزن. أنت “جنة مغلقة، عين مختوم”، (نش 4: 12). فإنه إذ ينحل ثبات الفكر تتدفق أفكار اللذات الجسدية الضارة للغاية، المتهيجة إلى شهوة جامحة نحو خطر مميت. لكن متى صارت لنا اليقظة الواعية لحراسة الفكر الحيّ، تُضبط (اللذات الجسدانية).
(1) هذا هو عمل القديس إمبروسيوس “عن إبراهيم”، ظهرت مختارات منه بالفرنسية في:
D. Gorce: Saint Ambroise: Traite’s sur L’Ancien Testaments, Namur 1967.
(2) تظهر رفقة كرمز للصبر في كتابه: “يعقوب والحياة السعيدة”، وفي رسالتيه 36، 100.