Фејсбук
Твиттер
Телеграм
ВхатсАпп
ПДФ

قد لا تستحبّ أذن رجل شرقيّ أن تسمع أحداً ينادي الله “صديقاً”! وذلك بسبب الميل الذي لدينا في الشرق لتقديم الاحترام العبادي لله. الأمر الذي يجعله فوق كلّ وصف، وخاصّة عن الأوصاف البشريّة المألوفة. لكنّ الإنسان الشرقيّ ينتظر أن يجد في الصديق أيضاً صفات وفضائل نادرة وعديدة، قد لا تجد كمالها إلاّ في الله ذاته.

قال الربّ يسوع في الإنجيل: “لستُ أدعوكم بعد عبيداً بل إخوة، لأن العبيد لا يعرفون ما يعمل سيّدهم”، لقد جعلَنا هو شركاءَ له في عمله وآلامه وفي رسالته لبناء كنيسته وملكوته في العالم. يقول القدّيس يوحنا السلّمي: “كيف تحبّ الله؟” ويجيب: “كما نحبّ ذوينا، الأمّ والأب والأخ والصديق”. يحمل الله في الكتاب المقدّس عدّة صورٍ، منها صورة الأمّ التي ترضع بنيها، وصورة الأب الذي يرعى أولاده، وبيسوع المسيح يأخذ أخيراً صورة الأخ والصديق.

يؤمن التقليد أنّ الله، كثالوث، قد سرّ أن يتجسّد منه الأقنوم الثاني، أي الابن. وبالتحديد الابن دون سواه لكي عندما يتجسّد الابن ينكشف الله بأكثر وضوح أنه “أبٌ”. فالابن، الأقنوم الثاني هو الأكثر دلالة على أنّ الله “آب”. وهو كإنسان يصرخ “أيّها الآب”، ولكَمْ من المرّات صلّى يسوع هذه الكلمات سرّاً، وكم صلاّها أيضاً علناّ، ورفع صوته ليسمعه تلاميذه صارخاً “أبا أيّها الآب”؟

 إذا كان خير صديق هو الأخ، فإن خير أخ كبير هو الأب. ما أجمل الأمثولة الشرقيّة التي تقول “إن كَبُر ابنك آخيه”. إنّ منتهى الحبّ والاحترام هو أن يحبّ الأب ابنه كأخ. ولن يجد أي ابن أخاً له كأبيه.

إنّ علاقة الصداقة المثاليّة، والتي نوّه إليها يسوع، عندما سمّانا إخوة، تعني أن يفتح الأوّل قلبه كلّه للثاني، وأن يخاطبه بما لا ينطق به مع سواه، وأن يشاطره ما لا يشارك به عداه. منتهى الصداقة هي أن أفشي للصديق كلّ ما في القلب من خصوصيّات، وأيضاً أن أسمع بواسطة الكلام، أو بلغة الصمت، ما ينطق به قلب الصديق.

هذان هما طرفا الصلاة في حياتنا مع الله. الصلاة تتضمّن النطق كما تتضمّن الإنصات. في الصلاة أصرخ إلى الله عن كلّ شيء حتّى عما أصمتُ عنه أمام سواه. وفي الصلاة أُصغي لله وأسمع منه، من كلامه ومن صمته، من إنجيله الناطق وفي حضرته الصامتة، ما يريده. وأردّد على تلك الكلمات: “لتكن مشيئتك لا مشيئتي” وليتقدّس اسمك.

الصداقة بين إنسان وآخر لا تورَث وإنّما تُكتسب. هناك روابط عديدة في حياتنا نرثها، مثل العائلة والبيئة وسواها… ولكن كلّ هذه إنّما هي مجرّد طرق تؤدي للصداقة التي نكتسبها بجهدنا ومحبتنا وحريّتنا.

وكذلك الأمر مع الله، فالدين رابط يسمح لنا أن ننتقل بواسطته من معارف بالعموم لله إلى أصدقاء له أخصّاء. الدين هو أسلوب حياة يسمح لنا أن نتعرف إلى الله، وفي المسيحيّة، كأب. يؤمن الإنسان بالفطرة بالله الخالق. ونحن نؤمن بالمسيحيّة أن الله أكثر من ذلك. وأنّ الله في علاقة شخصيّة مع كلّ واحد منّا، إنّه الأب. غاية المسيحيّة تتمحور حول هذه الحقيقة. أن نسعى من خلال مسيحيّتنا لنشعر بالله أباً لنا وأن نحقّق دعوتنا كأبناء له. “فتكونون لي بنين وأكون لكم أباً”. هذا هو هدف زمن الحياة أن نبني هذه الصلة –البنويّة ونحصل على هذه المحبّة –الأبويّة- بشكل حيّ ويوميّ.

الخبرة المرتجاة هي، أن نشعر بأنّ الله ليس ذلك الغريب الذي نحترمه ونعبده ونخشاه ونزوره من حينٍ لآخر ونعمل بوصاياه وننساها حيناً آخر. بل أن نشعر به الصديق اليوميّ الذي اكتشفنا أنّه أحبّنا وأننا نطمئن إلى أن نحبّه، إنّه الصديق القريب وليس الغريب. إنّه المرافق لي في فرحي وآلامي، في ضعفي وقوّتي، في المجد وفي الأوهان. تارةً يبارك وتارةً يشدّد. الله ليس القاضي ولا المحاسب، الله هو الرفيق والعاضد. الصديق والقريب. وكما يرد في التقليد “أنّه الأقرب من أنفسنا إلينا”.

هناك كلمة مهمّة جدّاً في حياتنا المسيحيّة، وبالوقت ذاته نشعرها غريبة جدّاً، أو غير ممكنة أو مثاليّة، وهي “القداسة”. إنّ أفضل تعبير عنها وأبسط توصيف لها هو “أن نأخذ الله صديقاً لنا”، ولكن بالفعل! هكذا تبدو القداسة ممكنة وقريبة وهي ليست إلاّ كذلك. “احملوا نيري عليكم فإنّ نيري خفيف”.

من هذا المنظور، القداسة لا تُعدّ حالة مخصّصة لبعض الرهبان، أو القدّيسين أو الكهنة، أو وفي أحسن الأحوال، لبعض العلمانيّين الخادمين في المجالات الكنسيّة المتعدّدة. الصداقة مع الله لا يمنعها لا عمل ولا أولاد ولا حاجات ولا حتّى الأمراض. كلّ هذه الظروف، على العكس، تحتاج إلى صداقة أعمق مع الله وتتطلب هكذا علاقة. في الضيق لدينا الله أفضل صديق. هذه الظروف يجب ألاّ تكون حواجز وموانع ومبررات تبعد الله عن حياتنا، بقدر ما علينا أن نصرخ فيها إلى الله ونلجأ إليه.

القداسة حالة لهذه الحالات، وإمكانيّة لمثل هذه الظروف. بما أنّ قداستنا ليست إنجازاً منّا بل إنجاز الله معنا وفينا، فلا شكّ أنّ الله حاضر حيث تكثر الشدائد، ويساعد ويشدّد أكثر الناس عوزاً إليه. بهذا المعنى يقول بولس الرسول: “حيث تكثر الخطيئة تكثر النعمة”، والربّ يسوع علّمه أنّ قوّة الله تظهر في ضعفنا. فعندما يخلّص اللهُ بارّاً تظهر محبّته ولكن ليس بالمقدار الذي يظهر عندما يخلّص ضعيفاً ومحتاجاً ومرتبكاً في هموم الدنيا وحاجاتها. الله ليس نظريّة للمترفّهين والمرتاحين ليتأمّلوا فيها، وهو ليس قطعةً موسيقيّة كلاسيكيّة بمبادئ وألوان وأنغام لا يمكن إلاّ “للمرتاحين” أن يتعاطوا فيها، الله نعمة للمحتاجين. لذلك إنّ المريض، وربّ العائلة، والعامل والمحتاج، وأيّ إنسان في أقسى الظروف هم أكثر الناس حاجة واحتمالاً أقرب إلى الله، والله أقرب إليهم.

التعلّل بمقتضيات الحياة بأنّها تفرض علينا أن نؤجل أو نلغي الحسابات مع الله هي مسألة تنطلق في الأساس من مفهوم خاطئ ينظر إلى الله على أنه شيء من الكماليات التي ليست للحظات الحاجة وليست لأوقات العمل ولا لوقت الضيق. الله هو كلّ شيء عدا هذه النظرة. الله هو الشخص الأب الذي نزل من سماه ليغيّر فينا هذه النظرة عنه. الله انحدر من السماء ليدخل في حياتنا ولا يبقى موضوعاً لنظريّاتنا. لقد “طأطأ السماوات ونزل” ليشاطرنا همومنا وبناء عائلاتنا وطريقة أدائنا لأعمالنا. “الله هنا”، وقد “تجسد”، ليكون معنا في كلّ دروبنا. ملكوت الله في قلوبنا وسكنى الله بيننا. “في ضيقي صرخت إلى الربّ فنجّاني”، و”جعلت الربّ أمامي في كلّ حين”، و”عصاك وعكازك هما عزياني”، كلّها وسواها هي صلوات رائعة نردّدها وتعلّمنا أن “الله معنا” وليس علينا. الله “عضدنا” وليس “دَيْنَنَا”، الله “نعمة” وليس “فريضة”، الله هنا وليس هناك؛ الله على الباب واقف يقرع كلّ لحظة. فلنفتح له ليدخل ويتعشّى معنا!

والقداسة هي هذه “المعركة” المتمركزة حول التعلّق بحضرة الله في حياتنا وعلى دمج السماء بأرضنا، على إدخال حياة الله في حياتنا. الله لا يلغي حياتنا بل يطعّمها. ملكوت الله ليس “هناك”، بل هو حياتنا المستترة بالمسيح. الله خميرة تدخل عجين حياتنا فتعطيه طعمها وحياتها وتجعلها خبزاً حيّاً للناس والعالم.

لطالما يجري “التعليم الدينيّ” في توسيع الشقاق بين حياة الله الطاهرة وحياة الإنسان الخاطئة، وذلك تشديداً على الحاجة إلى التوبة وعلى قداسة الله. ولطالما يتمّ هذا التعليم بطريقة مبالغة، نتائجها هي أن يتّسع البعد بين حياة الله وحياتنا. فالله هناك في قداسته ونحن هنا في أوهاننا… وما يصلنا به هو طلب العفو والغفران والخوف والقربان، وبعض لحظات الصلاة كرسائل نرسلها على أثير الإيمان والشك معاً، في رجاء ضعيف أنّها ستصله، وإن وصلت قد لا يقرؤها. في مثل هذه الأجواء، تغدو القداسة حقيقةً نعم، ولكن ليست لنا ولا لعالمنا. إنّها حقيقة نظريّة أو بكلمة أخرى مجرّد “تعليم”!

“الربّ هو سيّد حياتي”، الربّ لضعفاتي وليس ليستمع أنغام صلاتي. صلاتنا بالأساس يجب أن تبنى على قاعدة حضرة الله وليس على حضرتنا وحدها. في الصلاة الله حاضر، وحضرته تعني الكثير من الخشوع ومن الفرح. لأن حضرته هي مجيء الأب إلى وسط حياة أولاده. “لنقص ِ(لنطرح) عنّا كلّ اهتمام دنيويّ”، هذه العبارة، وأمثالها الكثير، تشدّد على أهميّة عدم التشتّت في الصلاة والتركيز على الكلمات واحترام الحضرة الإلهيّة، أي على نقاء الصلاة. كلّ هذا لا يعني أبداً أن نطرح همومنا الإنسانيّة وحاجاتنا الحقيقيّة ومشاكلنا وصعوباتنا خارجاً عن وقت الصلاة كلحظات رومنطيقيّة يجب ألاّ تعكّرها حقيقة الحياة بآلامها! لا، على العكس. الصلاة هي صرخة القلب المجروح من كلّ هذه الهموم وسواها، لكنّها صرخة في حضرة الله، صرخة إليه. هذه الاهتمامات مع غيرها من لحظات الفرح والشكر والسعادة في الحياة، هي قربان صلاتنا، هذه هي أيضاً النصوص غير المكتوبة في حروف الصلاة المطبوعة والتي نضمّنها ما بين السطور، وهذه هي لغة الطقوس.

هل يمكنني أن أصلّي اليوم ما كان يصلّي ه باسيليوس الكبير وداؤود النبيّ علماً أن همومي والزمن والحياة… كلّها اختلفت؟ بالطبع لا، إذا كنت سأصلّي الحروف التي صفّوها والكلمات التي رتبوها والنصوص التي صاغوها… وبالطبع نعم، حين تكون كلّ هذه النصوص كلمات وسطور ومعانٍ واسعة أضمّنها صلاتي الخاصّة. الصلوات المكتوبة ليست أحجاراً أنقلها من زمن الأجداد إلى زمني. الصلوات والنصوص هي أوانٍ أحمّل بين سطورها الرائعة معاني صلواتي. النصوص والطقوس هي سطور موسيقيّة أحمّلها قصيدتي وما يخصّني من مشاعر ومشاكل… هكذا تصير الصلاة “نغمة” يعزفها الله معنا، بعد أن كانت رسائل نكتبها إليه، ولربّما دون رجاء أن نتلقى منه يوماً جوابها.

فهناك إذن “الصلاة” وهناك الصلوات. هناك “العبادة” وهناك “الطقوس”. الصلوات (نصوص) هي أداة للصلاة؛ والطقوس (أماكن، رموز، أوقات، سجود) هي أدوات للعبادة.

“الصلاة – والعبادة”، هي بالروح والحقّ. الصلوات والطقوس، يمكنها أن تكون على هذا الجبل أو على ذاك، في السامرة أو في أورشليم، إنّها ممكنة بلغتي الخاصّة ولربّما أفضل بلغة آخرين من الشعراء والكتّاب المسيحيّين. يمكنني أن أستخدم من أجل الصلاة غرفتي أو غرف الآخرين، كنيسة هنا أو هناك. لكنّ الصلاة لا يمكنها أن تكون إلاّ صلاتي الخاصّة. لربّما، من الأفضل أن نعتمد على الأدوات الموجودة والألحان التي نظمها قبلنا تاريخٌ طويل وعديدٌ من القدّيسين. وأن نصلّي في كنائس بناها سوانا من المؤمنين، ونبني مثلها لأجيالنا اللاحقة، لكن بهذه الصلوات وهذه الكنائس لا يقبل الله إلا “صلاتنا” الخاصّة.

أحياناً عديدة – من التربية الدينيّة – نتعوّد أن “نكرّر” وأن “نعيد” وأن “نقرأ” صلوات الآخرين. وهذه هي أجواء الصلاة في مستوى “الفريضة”! هذه الصلوات هي الرسائل الساقطة التي لا يستلمها الله. الله مُحاوِرٌ حيّ لا يستمع لثرثرات، بل سيّد واقف أمامنا كعبدٍ من حبّه لنا في جاهزيةٍ لخدمتنا. وهذا ما تعنيه بالتمام كلمة “خلاصنا”! خلاصنا لن يتمّ هناك! بل هنا.

يروى أنّ أحد الكتاب المسيحيّين المشهورين، قد سبق وفسّر الكتاب المقدّس كلّه بمجلّدات ضخمة، دخل مرّة الكنيسة. فلما رآه الكاهن طلب منه أن يتفضّل ويقوم بعظة الصلاة. ولما اعتلى المنبر وجد السفر مفتوحاً عند النصّ الكتابيّ من المزمور: “ما لك أيّها الخاطئ قد وضعت كلماتي على فمك؟” ولما قرأ هذه الكلمات، لم يستطع أن ينطق بكلمة، فبكى ونزل! لقد صلّى، ولم يقرأ فقط. هناك بين سطور داؤود النبيّ قرأ صلاته الخاصّة.

طريقة صلاتنا من أهمّ الأمور التي تجعل الله صديقاً وليس غريباً. والعكس صحيح.

Фејсбук
Твиттер
Телеграм
ВхатсАпп
ПДФ

Информације о страници

Наслови страница

Садржај секције

Ознаке

sr_RSSerbian
Иди на врх