Facebook
Twitter
Телеграма
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎
☦︎

طالما سحت أتنقل من مكان إلى مكان ترافقني صلاة يسوع التي كانت تشددني وتعزيني على كل الدروب، في كل حين وعند كل اتصال بالناس. وبدا لي آخر الأمر أنه يجمل بي التوقف في مكان ما حتى تتاح لي عزلة أكبر، لدراسة الفيلوكاليا التي لم يكن بإمكاني قراءتها إلا مساء، عند توقفي للنوم، أو خلال راحة الظهيرة. وكانت فيّ رغبة ملحة تحدوني إلى الغوص فيها طويلاً أستقي منها بإيمان حقيقة التعليم المتعلق بخلاص النفس، بواسطة صلاة القلب. إلا أني، مع الأسف، لم يكن بوسعي القيام بأي عمل يدوي. لكي يتيسر لي إرضاء رغبتي هذه: فقد كان ذراعي الأيسر مشلولاً منذ طفولتي. ولما لم يكن بإمكاني الإقامة في أي مكان، قصدت البلاد السيبيرية، وتوجهت إلى مقام القديس إينوكنديوس الإركوتسكي (1) على أمل ن أجد في سهول سيبيريا وغاباتها المزيد من الهدوء، فأتفرغ للقراءة والصلاة بصورة أيسر. وهكذا مضيت أتلو صلاتي بلا انقطاع.

لم ينقض طويل وقت حتى شعرت بالصلاة تنتقل، من تلقاء ذاتها، إلى قلبي: أي إن قلبي، وهو يخفق بانتظام، كان وكأنه يردد في ذاته كلمات الصلاة المقدسة ترافق كل خفقة نحو: 1- أيها الرب، 2- يسوع ، 3- المسيح… إلى آخره. ولم أعد أحرك شفتي، فأصغيت بانتباه إلى ما كان يقوله قلبي، مختبراً، بذلك، الفرح الذي حدثني عنه الستارتس. ثم أحسست بألم خفيف في قلبي، وبحب ليسوع في فؤادي مضطرم إلى حد تصورت معه أنني، لو رأيته، لانطرحت على قدميه وأمسكت بهما أقبلهما وأغسلهما بدموعي شاكراً إياه على ما يهبه لنا، باسمه، من تعزية، لصلاحه ومحبته لخليقته المذنبة غير المستحقة.

وسرعان ما غمر قلبي دفء مستطاب وملأ جوانحي، مما ساقني إلى التمعن بقراءة الفيلوكاليا لا تحقق من أصالة هذه الإحساسات ودراسة تطور صلاة القلب الداخلية. فقد كنت أخشى أن أقع، دون رجوعي هذا إلى الفيلوكاليا في الأوهام، وأن أحسب عمل الطبيعة وكأنه عمل النعمة الإلهية فأنتفخ كبراً لبلوغي الصلاة الداخلية بسرعة، وقد حذرني الستارتس من ذلك. لذا، كنت أسير في الليل خاصة، وأقضي النهار في قراءة الفيلوكاليا، جالساً تحت الأشجار، في الغابات. كم اكتشفت من أمور جديدة عميقة ومجهولة في قراءتي هذه! كنت أتذوق فيها غبطة ما كان لي أن أتصور مداها فيما مضى. ولا شك بأنه فات عقلي المحدود فهم بعض المقاطع، غير أن مفعول صلاة القلب كان يزيل غموض ما أشكل علي. وإلى هذا كثيراً ما كنت أرى الستارتس في الحلم فيشرح لي الكثير مما استعصى على فهمه، ويوجه نفسي القليلة الفهم إلى التواضع والانسحاق.

قضيت شهرين من الصيف طويلين في هذا الهناء البالغ، وكنت أسعى خاصة في المسير عبر الغابات والحقول. وعندما كنت أصل إلى قرية، كنت أستعطي ملء كيسي خبزاً وحفنة من الملح، وأملأ قربتي الصغيرة ماء، ومن ثم انطلق من جديد في مسيرة مئة فرسخ.

السائح واللصان (2)

ظهرت التجارب عند نهاية الصيف، وكان ذلك، لا شك، إما بسبب خطايا نفسي المتحجرة أو من أجل تقدمي في الحياة الروحية. هذا ما حصل: خرجت ذات مساء من الغابة إلى الطريق العام، وإذا بي ألتقي برجلين تبدو عليهما هيئة الجنود. سألاني مالاً، وعندما أخبرتهما بأني لا أحمل مالاً قط، لم يصدقاني بل صرخا بوجهي بضراوة:

– أنت تكذب! فالسياح يجمعون مالاً كثيراً! وأضاف أحدهما: (الكلام الطويل معه لا يجدي)، وضربني على رأسي بهراوته، فسقطت على الأرض فاقد الرشد.

لا أدري إن كنت قد بقيت طويلاً على هذه الحال، ولكني، عندما ثبت إلى رشدي، رأيت أنني كنت في الغابة، قرب الطرق. كانت ثيابي ممزقة، وكيسي قد اختفى ولم يبق منه إلا أطراف الخيطان التي كانت تشده إلي. غير أن اللصين، والحمد لله، لمن يسلبا جواز سفري – وكنت أحتفظ به في قلنسوتي العتيقة، لتقديمه بسرعة إذا دعت الحاجة. وانتصبت وبكيت مر البكاء على كتبي والفيلوكاليا التي كانت في الكيس المسروق، لا تألما مما أصاب جسدي. وتفجعت طيلة النهار وطوال الليل وبكيت. أين كتابي المقدس الذي اعتدت قراءته منذ أن كنت طفلاً، والذي كان دوماً يصحبني؟ أين الفيلوكاليا التي استقيت منها علماً وتعزية؟ يا لشقائي! فقدت كنز حياتي الوحيد، دون أن أروي منه ظمأي! كنت أحرى بالموت مني بالحياة دون غذاء روحي. لن أستطيع، عمري أن أعوض عنها.

لم أستطع السير، خلال يومين، إلا بجهد شديد، لفرط حزني. وفي اليوم الثالث، خارت قواي فسقطت قرب عليقة ونمت: وإذا بي في الحلم أبصر بنفسي في المنسك، في قلاية الستارتس، أبكي أساي بين يديه وهو يعزيني ثم يقول لي: فليكن ما حدث لك درساً للزهد في الأمور الدنيوية، لتنطلق نحو السماء معتقاً من كل قيد. ولقد بليت بهذه المحنة لكيلا تتعثر باللذة الروحية، فالله يطلب من المسيحي أن يتخلى عن إرادته الشخصية وعن كل تعلق بها لكيما يستسلم بكليته للإرادة الإلهية. فكل ما يفعله تعالى، إنما هو لخير الإنسان وخلاصه. فهو (يريد أن جميع الناس يخلصون) (1تيمو 4:2). فتسلح بالشجاعة إذن وثق أن (الله أمين لا يدعكم تجربون فوق طاقتكم بل يجعل مع التجربة مخرجاً) (1كو13:10). ستنال عما قريب تعزية أعظم من كل ما أصابك من ألم.

عند سماعي هذه الكلمات، استيقظت وشعرت بقوى جديدة تدب في أوصالي وأحسست بفجر سكون جديد يحل في نفسي وقلت: فلتكن مشيئة الله! ثم نهضت ورسمت علامة الصليب وانطلقت.

أخذت الصلاة تعمل في قلبي من جديد كسابق عهدها، فسرت ثلاثة أيام هادئاً مطمئن البال. وإذا بي أصادف على حين غرة لفيفاً من المساجين المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة، يسيرون بحراسة بعض الجنود. ولما وصلت بمحاذاتهم، لمحت الرجلين اللذين سلباني وكانا يسيران في طرف الصف، فارتميت على أقدامهما أتوسل إليهما أن يخبراني أين كتبي. فتجاهلاني أول الأمر، ثم قال لي أحدهما: إن أعطيتنا شيئاً نقل لك أين كتبك: يلزمنا روبل فضي. فأقسمت أنني سوف أعطيهما ما يطلبان، حتى ولو اضطررت إلى الاستعطاء وقلت:

– إليكما! خذا جواز سفري. إن شئتما، كرهن. فأخبراني أن كتبي في إحدى العربات، مع أشياء أخرى مسروقة انتزعت منهما. فسألتهما:

– كيف يمكنني الحصول عليها؟

– أطلبها من رئيس الحرس.

فأسرعت إلى الرئيس ورويت له القصة مفصلة، فسألني، في سياق الحديث، إن كنت أستطيع القراءة في الكتاب المقدس. فأجبته:

– لا أقرأ فقط بل وأكتب أيضاً. وسترى على الكتاب المقدس كتابة تدل على أنه لي، وهاك، في جواز سفري، اسمي وكنيتي. فقال لي الرئيس:

– هذان اللصان من الجنود الفارين، كانا يعيشان في كوخ ويسلبان عابري السبيل. ألقى القبض عليهما أمس سائق عربة قوي، وقد كانا يحاولان سلبه عربته. سأعطيك كتبك بكل سرور، إن كانت معنا ولكن عليك أن تصحبنا حتى موقفنا القادم، وهو لا يبعد إلا أربعة فراسخ: فإني لا أستطيع توقيف الموكب كله من أجلك.

سرت، فرحاً إلى جانب حصان الرئيس، أجاذبه أطراف الحديث، فوجدته رجلاً شريفاً طيباً قد تجاوز طور الشباب. سألني من أنا ومن أين جئت وإلى أين أذهب، فأجبته بالصدق. وهكذا بلغنا الموقف، فذهب وأحضر كتبي وأعطانيها قائلاً: إلى أين تريد الذهاب الآن؟ ها قد أتى الليل فلم لا تبقى معي؟

وبقيت. كانت سعادتي باستردادي كتبي شديدة، حتى أني ما انقطعت عن شكر الله، وكنت أضم الكتب إلى قلبي حتى تشنج ذراعاي، وكانت دموع الغبطة تسيل من عيني، وقلبي يخفق بفرح مستعذب.

قال لي الرئيس وهو ينظر إلي: أرى أنك تحب قراءة الكتاب المقدس.

فلم أستطع أن أحير جواباً، لشدة فرحي، بل استرسلت في البكاء، فاستطرد: وأنا أيضاً، يا أخي، أقرأ الإنجيل بإمعان في كل يوم. قال هذا ثم كشف بزته الرسمية عن نسخة من إنجيل (كييف) دفتها الأولى فضية.

– أقعد وسأروي لك كيف اكتسبت عادة قراءة الإنجيل.

– يا غلام! أحضر لنا العشاء!

قصة الضابط

جلسنا حول المائدة وبدأ الضابط قصته، قال:

أنا، منذ شبابي، أخدم في الجيش، إلا أني لم أرابط في ثكنة ولا يوم. وكنت عليماً بدقائق الخدمة، مما اعتبرني رؤسائي معه عسكرياً نموذجياً. لكني كنت في ريعان الصبا، وكذلك كان أصدقائي. فاعتدت معاقرة الخمرة، لسوء حظي، وتعاطيتها إلى درجة سببت لي المرض. فكنت ضابطاً ممتازاً ما لم أقرب الصهباء. أما إذا شربت، حتى القليل القليل، فكان علي ملازمة الفراش مدة ستة أسابيع. واحتملوني طويلاً، غير أنهم أنزلوا رتبتي آخر الأمر لإهانتي أحد رؤسائي أثناء سكري وحكم علي بأن أخدم ثلاث سنين مرابطاً في إحدى الثكنات، وهددت بعقاب صارم إن لم أقلع عن الشرب.

عبثاً حاولت، وأنا في هذه الحالة المخزية، أن أمتنع عن المسكر، وأن أعالج، فلم أستطع التخلص من عادتي الذميمة، فتقرر إرسالي إلى الفرق التأديبية: ولم أدر ما سيحل بي، حين جاءني هذا الخبر.

كنت، ذات يوم، جالساً في المهجع أفكر في كل ذلك، وإذا براهب قادم، يجمع الهبات والتبرعات لكنيسة من الكنائس. وكان كل من الحاضرين يعطي ما تيسر، ولما وصل قربي سألني: لأي شيء أنت حزين؟

فتحدثت معه قليلاً وحكيت له عن مصيبتي. فأشفق الراهب على حالي وقال لي: حدث لأخي نفس الشيء تماماً، فاسمع كيف استطاع أن يتخلص من الشرب: أعطاه مرشده الروحي إنجيلاً وأوصاه بأن يقرأ منه فصلاً كلما راودته شهوة الشراب، وإن عاودته الرغبة، كان عليه قراءة الفصل التالي. وعمل أخي بهذه النصيحة، فلم يمض عليه وقت طويل حتى تخلى عن عادته. وها قد انقضى خمسة عشر عاماً دون أن يذوق للمسكر طعماً. فافعل أنت ما فعل وسترى ما تجنيه من فائدة. لدي إنجيل، سأعطيك إياه إن أردت.

فقلت له: ماذا تريدني أن أفعل بإنجيلك؟ أتراه أجدى وأنفع لي مما بذلت من جهود وما استعملت من وسائل طبية لتمنعني عن الخمرة؟ (قلت هذا لأنه لم يسبق لي أن قرأت الإنجيل).

فأجاب الراهب: لا تتكلم هكذا. أؤكد لك أنك ستجد فيه النفع الجزيل.

وفي الغد أعطاني الراهب فعلاً هذا الإنجيل الذي ترى. فتحته ونظرت فيه وقرأت منه بضع جمل وقلت للراهب: لا حاجة بي إلى إنجيلك، فلن أستطيع قراءته وهو مكتوب بلغة الكنيسة. (3)

استمر الراهب يحضني على قراءة الإنجيل قائلاً إن في كلماته قوة خيرة، فالله نفسه هو الذي نطق بالكلام الذي نراه فيه مطبوعاً. وأضاف: لا بأس ألا تفهم الآن، لكنما عليك أن تقرأ بانتباه. قال أحد القديسين: (إن كنت لا تفهم كلام الله، فالشياطين تفهم ما تقرأ وهم له يرتعدون) (يعقوب 19:2). ولا شك أن الرغبة في الشراب هي من عمل الشيطان. قال يوحنا فم الذهب: إن البيت الذي فيه إنجيل لا ترهبه قوى الظلام ويشكل عقبة تحبط مساعيهم الشريرة.

لا أذكر ما جرى بعد ذلك على وجه الدقة – ولعلي أعطيت ذاك الراهب بعض النقود – وأخذت إنجيله، ودسسته في خزانة لي، مع أمتعتي. ثم نسيته تماماً. ومضى بعض الوقت وعاودتني شهوة المسكر وألحت علي، فألقيت نظري على الإنجيل، وتذكرت فجأة كل ما قاله الراهب لي، ففتحت الكتاب وجعلت أقرأ الإصحاح الأول من إنجيل متى. قرأته حتى النهاية دون أن أفقه منه شيئاً، لكني تذكرت ما قاله لي الراهب: من أنه لا بأس إن لم أفهم، فما علي إلا أن أقرأ بإمعان. فقلت في نفسي: لم لا أقرأ فصلاً آخر؟ فبدت لي معانيه واضحة. قلت: فلنقرأ الفصل الثالث: وما بدأت بقراءته حتى تعالى صوت الخفير إشارة إلى أن الليل قد جن، فلا يسمح بعد بمغادرة الثكنة. فبقيت، يومها، دون أن أشرب مسكراً.

وفي صبيحة الغد، كنت مزمعاً على الخروج لشراء الخمرة، فقلت في نفسي: ماذا لو قرأت فصلاً من الإنجيل؟ دعنا نجرب. وقرأت فصلاً وبقيت في الثكنة. وفي مرة غير هذه، ثارت فيّ رغبة الشرب، غير أني أخذت أقرأ فشعرت بالراحة، واطمأن بالي لذلك، فكنت كلما استيقظت نزوتي، ألتهم فصلاً من الإنجيل. وتحسنت حالي على مضي الزمن، وما أنهيت الأناجيل الأربعة حتى لم يعد بي أدنى ميل إلى معاقرة الخمرة، فصرت تجاهها من حجر. وها قد مضى الآن عشرون عاماً لم أذق خلالها طعم شراب مسكر.

ذهل الجميع للتغير الذي طرأ علي، فأعدت إلى رتبتي السابقة كضابط بعد مرور ثلاث سنين، ثم رقيت فأصبحت رئيساً. وتزوجت، ووفقني الله بامرأة صالحة، ادخرنا سوية بعض المال. حالنا الآن، ولله الحمد، لا بأس بها: نساعد الفقراء ما بوسعنا ونضيف السياح والمتجولين. لي ابن قد أصبح ضابطاً، وهو من الشباب الأخيار. وقد قطعت على نفسي عهداً منذ شفائي: أن أقرأ كل يوم أحد الأناجيل الأربعة بأكمله، على مدى العمر، دون أن أقبل لنفسي التذرع بأي عائق عن القراءة، وأنا على العهد مقيم. فحين تتكاثر علي المشاغل وأحس بالتعب الشديد، أستلقي في فراشي وأطلب إلى زوجتي أو ابني قراءة الإنجيل بجانبي، فلا أحيد، هكذا، عن الخطة التي رسمتها لنفسي. وقد جلّدت هذا الإنجيل بدفتين من الفضة الصرف وأنا أحمله دائماً على صدري عرفاناً بجميل الله علي وتمجيداً لاسمه القدوس.

استمعت بسرور إلى حديث الضابط ثم قلت له: لقد وقفت على حالة مماثلة لحالتك: كان في قريتنا، في المصنع، عامل ممتاز يتقن مهنته أيما إتقان، ولكنه، لسوء حظه، كان يتعاطى شرب المسكر. ويكثر منه فنصحه أحد الأتقياء بأن يتلو صلاة يسوع الحلو ثلاثاً وثلاثين مرة (أي عدد سني حياة يسوع على الأرض) وذلك إكراماً للثالوث الأقدس كلما أحس برغبة في المسكر. وقد عمل بهذه النصيحة وسرعان ما توقف عن الشرب. بل الأجمل من هذا أنه دخل الدير بعد ثلاث سنين من ذلك.

فسأل الرئيس وما الأحسن: صلاة يسوع أو الإنجيل؟

فأجبته: الاثنان على حد سواء: فالإنجيل مثل صلاة يسوع لأن اسم يسوع المسيح الإلهي يتضمن كل ما في الإنجيل من حقائق. ويرى آباء الكنيسة أن صلاة يسوع هي خلاصة الإنجيل بأكمله.

ثم صلينا. أخذ الضابط يقرأ إنجيل مرقس من أوله وأنا أستمع إليه مصلياً بالفكر. أنهى الرئيس قراءته في الساعة الثانية صباحاً ثم افترقنا للنوم.

استيقظت باكراً في الصباح، على جاري عادتي وكان الجميع يغطون في النوم، واستغرقت في قراءة كتابي العزيز: الفيلوكاليا، مع بزوغ الفجر. ما كان أشد فرحي وأنا أفتحه! كنت كمن وجد أباً بعد غياب طويل وصديقاً بعث من الموت حياً! جعلت أقبل الكتاب وأشكر الله لاسترجاعه.

باشرت بقراءة ثيولبت أسقف فيلادلفيا (4) في القسم الثاني من الفيلوكاليا. وأدهشني أنه يوصي بالقيام بثلاثة أنواع من الأعمال في نفس الوقت. قال: حين تجلس إلى المائدة، أعط جسدك قوته، وروحك القراءة، وقلبك الصلاة. غير أن ذكرى سهرة البارحة المفيدة كان فيها التفسير العملي لهذا القول. عندها فهمت سر الفارق بين القلب والروح.

ذهبت إلى الضابط، لما استيقظ، فشكرته على كرمه وودعته. فسقاني شيئاً من الشاي وأعطاني روبلاً فضة وافترقنا. وتابعت مسيري يغمرني الفرح.

لما قطعت مسافة فرسخ، تذكرت أني وعدت الجنديين بروبل، قد أصبح الآن معي. أفينبغي إعطاؤه لهما أم لا؟ إنهما، من جهة، ضرباني ونهباني، وهما لا يستطيعان النيل مني الآن إذ إنهما موقوفان. إلا أني ذكرت، من جهة أخرى، ما جاء في الكتاب المقدس من أنه (إن جاع عدوك فأطعمه) (رو20:12). وقد قال يسوع نفسه: (أحبوا أعداءكم) (متى 44:5)، كما قال أيضاً: (من أراد أن يأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضاً) (متى 40:5). فعدت أدراجي وقد أقنعني كلام الكتاب المقدس، وبلغت المحطة وقد أوشكت القافلة على الرحيل. فأسرعت إلى اللصين وأعيتهما روبلي قائلاً: صليا وتوبا، فيسوع المسيح محب للبشر، وهو لن يترككما.

وعلى هذا تركتهما وعدت إلى المسير في الاتجاه المعاكس للوجهة التي كان الموكب مزمعاً على اتخاذها.

عزلة

تركت الطريق العام، بعد أن اجتزت عليه مسافة خمسين فرسخاً، وجعلت أسلك الدروب الصغيرة لعدم تكاثر المارة عليها لمؤاتاة هدوئها للقراءة والتأمل. سرت طويلاً في الغابات وكنت، من وقت لآخر، أجوز ببعض القرى الصغيرة. وغالباً ما كنت أقضي نهاري في الغابة، أقرأ الفيلوكاليا في ظلال أشجارها، فاستقيت من هذا الكتاب الكثير من المعارف العجيبة العميقة. ولقد التهب قلبي بشوقي إلى اتحادي بالله بواسطة الصلاة الداخلية التي جهدت في دراستها ومراقبة مفعولها فيّ، كما ورد في الفيلوكاليا، وكان يحز في نفسي، في ذات الوقت، إنني ما وجدت مأوى أستطيع أن أقرأ فيه بسلام وبصورة مستمرة.

كنت، في تلك الفترة، أقرأ الكتاب المقدس، وشعرت أني صرت أفهمه بصورة أفضل من ذي قبل: وجدت فيه من المقاطع الغمضة أقل مما كنت ألاقيه قبلاً. إن الآباء على حق إذ يرون أن الفيلوكاليا هي المفتاح الذي يكشف عما طوى الكتاب المقدس من خفايا، فلقد بدأت أفهم على ضوئها ما خفي علي من معاني كلام الله، واكتشفت ما تعنيه عبارات كهذه: (… إنسان القلب المستتر) (1بطرس 4:3)، (… الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق) (يوحنا 23:4)، (ملكوت الله في داخلكم) (لوقا21:17)، و(شفاعة الروح القدس) (رو26:8). كما صرت أفهم معنى هذه الكلمات: (أنتم فيّ) (يوحنا4:15)، (أعطني قلبك) (أمثال26:23)، (التسربل بالمسيح) (رو14:13) و(غلاطية 27:3)، (عرس الروح في قلوبنا) (رؤيا17:22)، ودعوة (أبا أيها الآب) (رو15:8- 16) ومعنى الكثير غيرها. ولما كنت أصلي داخلياً، كان كل ما يحيط بي يبدو لي خلاباً: الأشجار والأعشاب والطيور والأرض والنور والهواء، فكأنها جميعاً تقول لي إنها إنما وجدت من أجل الإنسان، إنها تشهد بمحبة الله للناس، فكان كل شيء يسبح بحمد الله. وهكذا أدركت ما تدعوه الفيلوكاليا: (معرفة لغة الخليقة) وعرفت كيف يمكن للإنسان أن يتبادل الحديث مع مخلوقات الله.

قصة مأمور الأحراج

سرت هكذا زمناً طويلاً إلى أن انتهى بي التطواف إلى منطقة مقفرة لم أر فيها أية قرية خلال ثلاثة أيام. وكنت قد أكلت كل زادي من الخبز فجعلت أتساءل قلقاً ماذا عساي أفعل لكي لا أموت جوعاً، غير أني ما إن باشرت بالصلاة الفكرية حتى تبدد قلقي واستسلمت لمشيئة الله فداخلني الفرح والطمأنينة.

كنت أسير منذ مدة وجيزة على طريق عبر غابة كبيرة وإذا بي أبصر أمامي كلب حراسة يخرج من بين الأشجار. ناديته فأتى وديعاً يتقبل مداعبتي، ففرحت وقلت: يا لكرم الله! لا شك أن في الغابة قطيعاً يرتعي، وهذا هو كلب الراعي أو لعل صياداً يلاحق بعض الطرائد في هذه الأنحاء، سوف أتمكن، في كل حال، من طلب شيء من الخبز، فها قد مضى علي يومان دون طعام أو لعلني أسأل فيما إذا كان هناك من قرية قريبة. فدار الكلب حولي، ولما رأى أن ليس معي ما يأكله فر إلى الغابة من نفس الدرب الذي قفز منه إلى الطريق. فتبعته ورأيته من خلال الأشجار بعد مسافة مئتي متر قابعاً في وكر، يخرج رأسه منه نابحاً.

رأيت من ظلال الأشجار قروياً يقترب، نحيفاً شاحب اللون متوسط العمر. سألني كيف توصلت إليه فسألته عما يعمل في هذا المكان المقفر الموحش، وتبادلنا بعض الأحاديث الودية. ثم دعاني القروي إلى دخول كوخه وقال لي أنه مأمور الاحراج، وكان عليه حراسة هذه الغابة التي ستقطع أشجارها عما قريب. وقدم لي الخبز والملح ودار الحديث بيننا. قلت له: أحسدك على ما أنت فيه من عزلة فلست مثلي دائم الرحلة كثير الاتصال بالناس.

فقال: بوسعك، إن تشأ، أن تعيش هنا. يوجد، بالقرب منا، كوخ قديم كان يسكنه حارس قبلي. إنه متهدم بعض الشيء، لكنه في الصيف صالح للسكن. لديك جواز سفر. ولدي من الخبز ما يكفي شخصين، ففي كل أسبوع يؤتى إلي بشيء منه من القرية. وها قربنا الجدول الذي لا ينضب ماؤه أبداً. لقد مضى علي عشر سنين، أيها الأخ، اقتصر مأكلي فيها على الخبز ومشربي على الماء. ولكن في الخريف، عند انتهاء العمل في الحقول، سيأتي هنا مئتا رجل لقطع الأشجار ولن يكون لي بعد ما أفعله هنا، ولن يسمح لك بالبقاء.

لما سمعت هذا، اشتد بي الفرح إلى حد كدت معه أنطرح على قدمي محدثي. ولم أدر كيف أشكر الله على تحننه ورحمته.

ها قد توفر لي فجأة كل ما أشتهيه وكل ما شغل بالي. وما زال أمامنا أربعة أشهر حتى منتصف الخريف، ويمكنني أن أفيد في هذا الوقت من السكون والهدوء لدراسة الصلاة الفكرية المستديمة مستعيناً بالفيلوكاليا. ولذا قررت الإقامة في الكوخ المشار إليه. وتابعنا حديثنا، فروى لي هذا الأخ البسيط حياته وأفكاره، قال:

لم أكن آخر أهل قريتي، فقد كان لي مهنة: كنت أصبغ الأقمشة حمراء وزرقاء وكنت في سعة من العيش ولكن ليس بدون لوم. فقد كنت أغش زبائني وأحلف في كل مناسبة، وكنت فظاً سكيراً مشاغباً. وكان في القرية مرتل مسن عنده كتاب قديم. قديم جداً عن يوم الدينونة (5). وكثيراً ما كان المرتل يتردد على المؤمنين ليقرأه على مسامعهم وكان الناس يجودون عليه ببعض المال لذلك. وكان أحياناً يجيء عندي أيضاً. كانوا يعطونه، في غالب الأحيان. بعض الدريهمات فيقرأ حتى صياح الديك. وفي ذات مرة، كنت أشتغل وأنا أصغي إليه: كان يقرأ مقطعاً عن عذابات الجحيم وعن قيامة الموتى وكيف سيدين الله الناس وكيف ينفخ الملائكة في الأبواق وعما سيكون من نار وقطران وكيف يأكل لدود الخطأة. وإذا بخوف مرعب ينتابني فجأة، فقلت محدثاً نفسي: لن أنجو من هذا العذاب! أواه! سأبدأ بالسعي لخلاص نفسي وربما توصلت إلى التكفير عن خطاياي. ففكرت طويلاً وعزمت على ترك مهنتي. فبعت بيتي. ولما كنت أعيش وحدي، صرت حارس أحراج لا أطلب راتباً إلا خبزاً وغطاء ألتحف به وشمعاً أشعله عندما أصلي.

صار لي أكثر من عشر سنين أعيش هنا، لا آكل إلا مرة واحدة في اليوم ولا أتناول إلا الخبز والماء. كل ليلة، أنهض عند صياح الديك، وأركع وأسجد وأصلي حتى شروق الشمس. وأشعل، عندما أصلي سبع شمعات أمام الأيقونات. وفي النهار، حين تجوالي في الغابة أحمل سلاسل تزن خمسة عشر كيلوغراماً على جلدي. لست أحلف الآن ولا أشرب البيرة أو الخمر ولا أخاصم أحداً ولا أعرف أبداً النساء أو بنات الهوى.

كنت في البدء راضياً من عيشي على هذا النحو، إلا أني فيما بعد ازدحمت فيّ أفكار لم أستطع طردها. والله يعلم إن كنت سأكفر عن خطاياي، لكن حياتي كانت صعبة شاقة. وبعد، هل ما رواه الكتاب صحيح؟ كيف للإنسان أن يقوم من الموت؟ الذين ماتوا من مئة سنة أو أكثر اختفى حتى ترابهم. ومن يدري: أهناك جحيم أم لا؟ وعلى كل حال، لم يعد أحد أبداً من العالم الآخر: فحين يموت الإنسان ينتن جسده وينحل ولا يبقى له من أثر. هذا الكتاب، ربما كتبه رجال الدين أو موظفو الدولة لإرهابنا نحن الأغبياء ولكي نزداد لهم خضوعاً. هكذا نشقى بحياتنا على الأرض ولا تعزية لنا، وفي الحياة الثانية لن يكون شيء! ففيم التقى إذن وفيم الزهد؟ أو ليس من الأفضل أن يصيب الإنسان شيئاً من اللهو في هذه الحياة؟ أن يتمتع بها؟ ثم أضاف: إن هذه الأفكار تطاردني وأخشى أن أضطر إلى العودة إلى مهنتي الأولى.

رثيت للرجل وأشفقت عليه وجالت بخاطري هذه الأفكار: يزعم الناس أن العلماء وحدهم والمثقفون يلحدون فلا يؤمنون بشيء، ولكن إخوتنا الفلاحون البسطاء، في أي كفر هم أيضاً يتورطون! لا شك في أن قوات الظلام تطال الجميع، ولعلها تجد من السهل عليها أن تطاول البسطاء. علينا أن نستعمل عاقلتنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وأن نتحصن بكلمة الله من حيل إبليس وملائكته.

أردت تشديد هذا الأخ بعض الشيء وتثبيت إيمانه، فأخرجت الفيلوكاليا من كيسي وفتحتها في الفصل التاسع بعد المئة للمغبوط ازيخيوس (6). فقرأت الفصل وبينت لرفيقي أن الإنسان لا يعف عن الخطيئة لمجرد خوفه من العقاب، فالنفس لا يمكنها أن تنعتق من الأفكار الشريرة إلا بتيقظ الروح وطهارة القلب، وإنما يكتسب ذلك كله بالصلاة الداخلية، وأضفت قائلاً:

– إذا سلك الإنسان طريق التقشف لا خوفاً من عذاب الجحيم الأليم بل حتى رغبة في ملكوت السماء فهو يعمل كما يعمل الأجير، على حد تشبيه الآباء وهم يقولون: إن الخوف من العذاب طريقة العبد والطمع في الثواب طريقة الأجير. لكن الله يريدنا أن نأتي إليه كأبناء، يود أن تدفعنا المحبة والغيرة إلى السلوك اللائق والتمتع بالاتحاد التام به بالروح وفي القلب (7). عبثاً تنهك قواك وتفرض على نفسك أقسى إماتات الجسد وعذاباته، فلن تكون في مأمن من أفكار السوء ما لم يكن الله دوماً في فكرك وصلاة يسوع في قلبك، بل تكون دائماً وشيك الوقوع في الخطيئة عند أول فرصة. فباشر أيها الأخ بترديد صلاة يسوع دون انقطاع: إنه أمر عليك سهل في عزلتك هذه، وسرعان ما تلمس فائدة هذه الصلاة، فستتلاشى أفكار الكفر، ويتجلى أمامك الإيمان بيسوع المسيح ومحبته، وستفهم كيف يمكن أن يقوم الموتى وتظهر لك الدينونة العتيدة على حقيقتها. سيحل في قلبك من الروح والسرور ما سيدهشك، ولن يصيبك الملل أو القلق بسبب حياة التوبة التي ستعيشها.

ثم شرحت له ما استطعت موضحاً كيفية القيام بصلاة يسوع حسب الوصية الإلهية وتعاليم الآباء. وبدا عليه أن هذا كان جل مراده وخف قلقه. عندها ابتعدت عنه ودخلت الكوخ القديم الذي دلني الحارس عليه.

أعمال روحية

الله! ما أشد الفرح وما أعظم التعزية والغبطة التي شعرت بها عندما تخطيت عتبة هذا المكان المظلم أو بالأحرى هذا القبر! كان بالنسبة لي أشبه بقصر منيف مليء بالحبور، وقلت في نفسي: ينبغي الآن في هذا الهدوء وهذه السكينة أن أنشط للعمل وأصلي حتى ينير الرب ذهني. وعليه، بدأت بقراءة الفيلوكاليا من أولها إلى آخرها بانتباه كبير. وانتهيت من قراءتها بعد فترة قصيرة من الزمن، وتحققت مما فيها من حكمة وعمق وقداسة. ولكن الكتاب يتناول مواضيع شتى عديدة، فلم يتسن لي فهم كل شيء ولا تركيز كل طاقات عقلي على تعليم الصلاة الداخلية وحدها فأبلغ الصلاة التلقائية الدائمة داخل القلب، بالرغم من شدة رغبتي في ذلك، تبعاً للوصية الإلهية التي نقلها الرسول فقال: (أطلبوا المواهب العظمى) (1كو 31:12)، كما قال: (لا تطفئوا الروح) (1تس 19:5).

وعبثاً فكرت، فلم أدر ما العمل. ليس لي من الذكاء كفاية ولا من الفطنة، ولا من يعينني. سوف أكثر من صلواتي إلى الرب وألح، فلعله يرأف بي وينير ذهني. ثم أمضيت يوماً كاملاً أصلي دون أن أتوقف لحظة، فسكن جائش أفكاري واستسلمت للنوم. وإذا بي أحلم بأني في حجرة صاحبي الستارتس وهو يشرح لي الفيلوكاليا ويقول: إن هذا الكتاب الشريف فيه حكمة عظمى. هو كنز ثمين من التعاليم عن مقاصد الله الخفية. وليس كل ما فيه في متناول فهم الجميع، غير أن فيه حكماً على مستوى كل قارئ: عميقة بالنسبة لأهل العلم وبسيطة للبسطاء. ولذا كان عليكم، معشر البسطاء، ألا تقرأوا كتب الآباء متوالية حسب ترتيبها في الفيلوكاليا، فتبويبها فيها كان لغاية لاهوتية. أما غير المثقف، فإن رغب في تعلم الصلاة الداخلية في الفيلوكاليا، فعليه إتباع الترتيب الآتي:

1- أن يبدأ بقراءة كتاب الراهب نيكفورس (في القسم الثاني من الفيلوكاليا)، ثم:

2- يثنيه بكتاب غريغوريوس السينائي بكامله، ما عدا الفصول القصيرة منه.

3- يتلوه قراءة صيغ صلاة القديس سمعان اللاهوتي الجديد الثلاث، ورسالته في الإيمان، وبعد هذا:

4- كتاب كاليستوس واغناطيوس.

في هذه النصوص، يجد المطالع تعليم صلاة القلب الداخلية التام، في مستوى يدركه كل قارئ.

وإن أردت نصاً أسهل فهماً من هذه النصوص فعليك، في القسم الرابع، بالنموذج المختصر للصلاة، لكاليستوس بطريرك القسطنطينية.

أما أنا، وكأني كنت أمسك بالفيلوكاليا بيدي حقاً، فأخذت أبحث عن المقطع الذي أشار إليه الستارتس دون أن أجده، فقلب الستارتس بضع صفحات وقال لي: هاك هو، سأضع لك علامة عليه! والتقط قطعة فحم كانت على الأرض وسطر خطاً صغيراً على جانب الصفحة مقابل المقطع المعني. استمعت إلى كلمات الستارتس كلها بانتباه وإمعان واجتهدت في حفظها في ذاكرتي حفظاً ثابتاً بتفاصيلها.

استيقظت ولم تكن الشمس قد أشرقت بعد فبقيت مستلقياً في الفراش أتذكر كل ما رأيت في الحلم وأردد ما قاله لي الستارتس. ثم فكرت: الله يعلم إن كانت روح الستارتس هي التي ظهرت لي أم أنها أفكاري تتخذ هذه الصورة، فإني كثير التفكير في الفيلوكاليا وفي الستارتس. ونهضت تساورني الحيرة والتشكك وكان النور قد بدأ ينتشر. وفجأة رأيت على قطعة الحجر التي اتخذتها طاولة، الفيلوكاليا مفتوحة في الصفحة التي عينها الستارتس والمعلمة بخط رسم بالفحم، تماماً كما كان في حلمي، وكانت حتى قطعة الفحم لم تزل إلى جانب الكتاب. فذهلت للأمر، إذ تذكرت أن الكتاب لم يكن هنا أمس، بل وضعته مغلقاً بقربي قبل النوم. وتذكرت أيضاً أنه لم يكن من إشارة في هذه الصفحة المعلمة. فجعلني هذا الحادث أعتقد بصحة الرؤيا كما ثبتني في اعتقادي بقداسة الستارتس. وهكذا بدأت أقرأ الفيلوكاليا تبعاً للترتيب المعين. فقرأتها مرة، ثم قرأتها مرة أخرى، مما زاد في غيرتي ورغبتي في اختبار كل ما قرأته اختباراً عملياً. فانكشفت لي بجلاء معنى الصلاة الداخلية واتضحت لي وسائل بلوغها وما لها من آثار، وفهمت كيف تفرح النفس وتبهج الفؤاد وكيف يمكن معرفة ما إذا كانت هذه الغبطة من الله أو من الطبيعة السليمة أو من الوهم.

واجتهدت بادئ بدء أن أتعرض إلى مكان القلب، حسب تعليم سمعان اللاهوتي الجديد. فأغلقت عيني ووجهت نظري إلى قلبي، محاولاً تصوره كما هو في الجهة اليسرى من الصدر، وأصغيت إلى خفقاته بعناية. وقمت بهذا التمرين مدة نصف ساعة، أول الأمر، عدة مرات في اليوم. ولم أر في البداية إلا ظلمات حالكات، إلا أنه سرعان ما رأيت قلبي وأحسست بخلجاته العميقة، ثم توصلت إلى أن أدخل فيه صلاة يسوع، وأن أخرجها منه على وزن التنفس، حسب تعليم القديس غريغوريوس السينائي واحتفظ به في صدري. وأنا أنظر بعين الروح إلى قلبي، قائلاً: أيها الرب يسوع المسيح، ثم أزفر الهواء قائلاً: ارحمني! وكنت بادئ الأمر أقوم بهذا التمرين خلال ساعة أو ساعتين، ثم صرت أقضي الكثير من وقتي أقوم به، وأصبحت أخيراً أمضي فيه كل يومي تقريباً.

ولما كنت أشعر بثقل أو بتعب أو بقلق، كنت أسارع إلى قراءة الفيلوكاليا في مواضيع تتناول نشاط القلب فكانت رغبتي في الصلاة واندفاعي إليها يتجددان فيّ. وشعرت بعد ثلاثة أسابيع بألم في قلبي، ثم بدفء لذيذ وأحسست بالتعزية والسلام. فقواني هذا التمرين على الصلاة التي أصبحت محور كل أفكاري، وأخذت أشعر بالفرح والبهجة. وابتداء من هذه المرحلة، كنت أشعر من وقت لآخر بأحاسيس جديدة في قلبي وفي ذهني. فكأن قلبي كان يعمر أحياناً بالغليان والخفة والانعتاق من كل قيد والفرح إلى حد أشعر معه بأني صرت رجلاً آخر، أو كأني في نشوة. وكنت، أحياناً أخرى أحس بمحبة لاهبة نحو يسوع المسيح ونحو الخليقة قاطبة. وكانت دموعي (8) مرات أخرى، تسيل من تلقاء ذاتها عرفاناً بجميل الرب الذي تحنن علي أنا الغارق في لجج الخطايا، كما كان ذهني المحدود يستنير أحياناً، فأفهم بوضوح ما لم يكن لي حتى مجرد تصوره قبلاً. وفي بعض الأحيان يدب الدفء المستطاب من قلبي إلى كل كياني فأشعر، والفرح يغمرني، بحضور الرب، كما كان يخالجني، في بعض الأوقات، فرح شديد عميق لذكري اسم يسوع المسيح، مما فهمت معه ما يعنيه قوله تعالى: (إن ملكوت الله في داخلكم) (لوقا21:17).

لاحظت وأنا في هذا الجو المفعم بالتعزية أن مفاعيل صلاة القلب تتجلى على أشكال ثلاثة: في الروح، وفي الحواس، وفي العقل.

ففي الروح مثلاً، يشعر المرء بعذوبة محبة الله وبالسلام الداخلي وبتهلل الروح وبصفاء الأفكار وببهاء حضرة الله. وفي الحواس، نشعر بدفء في القلب مستحب، وبملء العذوبة السارية في جسمنا، يجيشان السرور في القلب، بالبهجة، بالصحة والقوة وبعدم الاكتراث بالأمراض والآلام. وأما في العقل، فباستنارة الذهن، وبفهم الكتاب المقدس وفهم لغة الخليقة، بالتجرد عن المشاغل الباطلة، بالشعور بحلاوة الحياة الروحية وبالتيقن من قرب الله إلينا ومن محبته لنا (9).

بعد خمسة أشهر قضيتها في الخلوة في هذه الأعمال الروحية وفي هذه السعادة، اعتدت على صلاة القلب بحيث كنت أمارسها دون انقطاع. وشعرت، آخر الأمر، أنها تتردد فيّ من تلقاء ذاتها دون أدنى جهد مني. كانت تنبعث في الروح مني وفي القلب، لا في اليقظة وحسب بل حتى أثناء النوم، فلا تعود إلى التوقف لحظة من بعد ذلك. وكانت نفسي تشكر الرب وقلبي يتهلل بفرح مستديم.

وحان موعد قطع الأشجار، فتجمع الحطابون، واضطررت إلى مغادرة مسكني الهادئ. وبعد أن شكرت الحارس وصليت، قبلت تراب هذه الأرض التي أظهر فيها الرب نحوي فيضاً من صلاحه وحسنه، ثم وضعت كيسي على كتفي وانصرفت. وبعد أن سرت طويلاً وجزت دياراً كثيرة، دخلت مدينة (اركوتسك). وكانت صلاة القلب التلقائية تعزيني طوال مسيري، فما انقطعت عن التمتع بها، بالرغم من تفاوت درجات سروري فيها. فلم تزعجني أبداً في أي مكان أو زمان، ولم يؤثر شيء قط فيخفف من فعلها فيّ. ففي أثناء عملي، كانت الصلاة تستمر من تلقاء ذاتها في قلبي، فأنهي العمل بسرعة. وإن كنت أقرأ أو أستمع إلى قول ما بانتباه، لا تتوقف الصلاة، بل كنت أشعر في ذات الوقت بالأمرين معاً، كأن شخصيتي ازدوجت، أو كأن في جسدي روحين اثنتين. سبحان الله! ما أعجب الإنسان وما أعظم سره!..

ذئب في الغابة

(ما أعظم أعمالك يا رب، كلها بحكمة صنعت!) (مز24:104).

صدفت أثناء مسيري عدة أشياء عجيبة، ولو أردت سرد كل ما حدث لي منها لاقتضى مني ذلك عدة أيام. فقد كنت، مثلاً، في إحدى أمسيات الشتاء أجتاز الغابة وحيداً وكنت قررت المبيت في قرية تبعد فرسخين من المكان، قد لاحت بيوتها لي. وفجأة، هجم عليّ ذئب ضخم، وكان في يدي سبحة الستارتس الصوفية.

– وكانت دائماً تلازمني – فلوحت بها في وجه الذئب. فهل تصدق؟ انفلتت السبحة من يدي والتفت حول عنق الوحش، فارتد إلى الوراء، وقفز من فوق العليق وارتبكت قائمتاه الخليفتان في الأشواك، بينما تعلقت السبحة بغصن شجرة يابسة. فتخبط الذئب بكل قواه، لكنه لم يستطع التخلص من ورطته لأن السبحة كانت تشد على عنقه. أما أنا، فرسمت علامة الصليب بإيمان وتقدمت من الحيوان لأخلصه، خاصة وأني خشيت أن ينتزع السبحة ويفر بها هارباً، وهي لي مقتنى ثمين. وبالفعل، ما كدت أقترب منه وأمسك بالسبحة حتى قطعها وولى الأدبار لا يلوي على شيء. وهكذا وصلت القرية دون عائق، أحمد الرب وأذكر بالخير الستارتس المغبوط وأترحم عليه. وذهبت إلى الفندق وسألت صاحبه المبيت.

لما دخلت المكان، كان فيه مسافران يجلسان إلى مائدة في أحد الأركان: أحدهما شيخ تقدم في السن. والثاني كهل بدين. كانا يشربان الشاي. فسألت الفلاح الذي كان يحرس جواديهما عنهما، فأخبرني أن أكبرهما سناً معلم مدرسة وأن رفيقه كاتب قاضي محكمة الصلح، وكلاهما من أصل نبيل. وأضاف: إني أصطحبهما إلى السوق الأسبوعية التي تقام على بعد عشرين فرسخاً من هنا.

أصبت قليلاً من الراحة ثم طلبت من صاحبة الفندق إبرة وخيطاً، واقتربت من الشمعة وأخذت في إصلاح ما تقطع من سبحتي. فرمقني كاتب المحكمة بنظرة وقال: يبدو أنك أكثرت من السجود والصلاة حتى تمزقت سبحتك!

– ما قطعتها أنا بل الذئب…

فقال الكاتب ضاحكاً: هيه! حتى الذئاب تصلي!

فرويت لهم الحادثة بالتفصيل وأخبرتهم بالقيمة الكبرى التي لهذه السبحة بالنسبة إلي. فعاد الكاتب إلى الضحك وقال: إن كل شيء، في نظركم، أيها البسطاء أعجوبة وكرامة! أين العجب في قضية الذئب؟ لوحت له بشيء فخاف وفر هارباً: إن الكلاب والذئاب تخاف دوماً من هذه الأمور. أما أن ترتبك الأقدام في الغابة فليس أمراً صعباً. يا للسذاجة! أيليق بنا أن نعتقد بأن كل ما يحدث في العالم إنما يحدث بأعجوبة؟!

فأخذ معلم المدرسة يناقشه، قال: لا تتكلم هكذا، يا سيد! فلست خبيراً في هذه الأمور… أنا شخصياً أرى في قصة هذا الفلاح عجباً مزدوجاً: عجباً حسياً وآخر روحياً…

فسأل الكاتب: ماذا تعني بذلك؟

– اسمع: إنك لم تصب من العلم كثيراً، إلا أنك، دون شك، درست التاريخ المقدس في الكتب المدرسية، على طريقة السؤال والجواب. ولا بد أنك تذكر أن الإنسان الأول، آدم، لما كان في حالة البراءة الأولى، كانت كل الحيوانات تخضع له: فكانت تقترب منه بوجل فيطلق عليها أسماءها. والستارتس المتوفي، صاحب هذه السبحة الأول، كان قديساً. فما هي القداسة؟ ليست إلا انبعاث حالة البراءة الأولى في الإنسان الخاطئ، بفضل ما يبذله من جهود وما له من فضائل: فالروح تقدس الجسد. وهذه السبحة كانت دوماً بين يدي قديس، فانتقلت إليها، إذن، لاتصالها الدائم بجسده، قوة قديسة، قوة حالة البراءة التي كان فيها الإنسان الأول. هذه هي الأعجوبة من الوجهة الروحية… إن هذه القوة تحس بها كل الحيوانات بصورة طبيعية، بواسطة حاسة الشم خاصة: فالأنف أهم عضو من أعضاء الحواس لدى الحيوان. هذه هي أعجوبة الطبيعة المحسوسة… فقال كاتب المحكمة:

– أنتم معشر المتعلمين ترون في كل شيء عجائب وقصصاً مثل هذه. أما نحن، فإننا ننظر إلى الأمور نظرة بساطة. وأضاف: أن أصب كأساً ثم أجرعها، هذا أمر يكسب القوة.

قال هذا وقام إلى خزانة المشروب.

أجابه معلم المدرسة: هذا شأنك، ولكن دع لنا، والحالة هذه، المعارف التي فيها شيء من العلم.

أعجبني كلام المعلم، فاقتربت منه وقلت له: اسمح لي بأن أقص عليك المزيد عن الستارتس. وحكيت له كيف ظهر لي في الحلم وأرشدني ثم وضع علامة في كتاب الفيلوكاليا. واستمع المعلم إلى حديثي باهتمام. إلا أن كاتب المحكمة غمغم، وقد استلقى على أحد البنوك: صحيح أن الإنسان يصاب بلوثة في عقله إذا واصل مطالعة الكتاب المقدس! ثم أشار إلى السائح وأردف: هاكم (مسطرة) عمن عنيت… قل لي: أي غول يهتم بتسويد صفحات كتابك ليلاً؟ وقع كتابك منك على الأرض، حين أغفيت، وسقط في الرماد… هذه أعجوبتك! آه لكل هؤلاء الأوباش: إننا نعرفهم، يا صاح، من هم على شاكلتك!

وبعد أن أنهى كاتب المحكمة قوله هذا دمدم واستدار نحو الجدار ثم غط في النوم.

وعلى هذا، التفت إلى المعلم وقلت له: سأريك الكتاب، إن كنت تريد، وفيه العلامة التي كلمتك عنها، وما هي بآثار رماد. ثم أخرجت الفيلوكاليا من كيسي وأريته إياها قائلاً: يدهشني أن تتمكن روح بلا جسد من أن تمسك بقطعة فحم وتكتب…

نظر المعلم إلى العلامة في الكتاب وقال: إنه سر الأرواح. دعني أشرحه لك: عندما تظهر الأرواح للإنسان بهيئة جسدية، تتخذ جسدها المنظور هذا من النور والهواء، مستخدمة في ذلك العناصر التي جبل منها جسدها المائت. ولما كان الهواء يتمتع بصفة المرونة، فإن الروح التي تلبسه يمكنها العمل والكتابة أو الإمساك بالأشياء. ولكن، ما هو هذا الكتاب الذي معك؟ دعني أرى.

فتح الكتاب ووقع نظره على مقالة سمعان اللاهوتي الجديد فقال: إنه، على ما يظهر، كتاب في اللاهوت وأنا لا أعرف عنه شيئاً.

– هذا الكتاب، يا عم، إنما يقتصر مضمونه بكامله تقريباً على تعليم صلاة القلب الداخلية لاسم يسوع المسيح بحسب ما يفسره خمسة وعشرون من آباء الكنيسة.

فقال المعلم : آه! الصلاة الداخلية! أنا أعرف ما هي…

فرجوته سائلاً إياه أن يحدثني عن الصلاة الداخلية. قال: جاء في العهد الجديد أن كل الخليقة، بما فيها الإنسان (قد أخضعت للباطل لا عن إرادة) وأن كل شيء يئن ويصبو إلى انعتاق أبناء الله (رو 19:8- 20). إن نزوع الخليقة هذا العجيب، هذه الرغبة الأصيلة في النفس، هي الصلاة الداخلية. ولا يمكن تعلمها لأنها في كل كائن وفي كل شيء!…

سألته: ولكن كيف يتسنى لنا الحصول عليها، كيف نكتشفها ونحس بها داخل قلبنا؟ كيف نعي وجودها ونتقبلها بطيبة خاطر ونتوصل إلى أن نجعلها تعمل فينا بقوة فتبهج النفس وتنيرها وتخلصها؟

أجاب المعلم: لست أدري إن كانت المؤلفات اللاهوتية تبحث في ذلك.

فهتفت: ولكن هنا، في هذا الكتاب، تجد الجواب على كل ما سألته عنه!

فتناول المعلم قلماً وأخذ عنوان الفيلوكاليا وقال: سوف أطلب هذا الكتاب من (توبولسك) وسوف أطالعه. وعلى هذا افترقنا.

ومضيت أشكر الله على حديثي مع المعلم أسأله تعالى أن يجعل كاتب المحكمة يقرأ الفيلوكاليا ولو مرة، ويفهم معناها فيجد فيه خير نفسه وصلاحها.

قصة فتاة قروية

ومرة غير هذه، وصلت إحدى الدساكر في يوم من أيام الربيع، ونزلت على كاهن البلدة، وكان إنساناً طيباً يعيش وحده. قضيت عنده ثلاثة أيام، قال لي بعدها، وقد تسنى له أن يختبرني خلالها: أن تبق عندي أعطك راتباً: فإني بحاجة إلى رجل يكون موضع ثقتي. لعلك لاحظت أننا نبني كنيسة جديدة حجرية إلى جانب كنيستنا الخشبية العتيقة. لم أستطع إلى الآن أن أجد رجلاً أميناً يراقب الفعلة ويقف في الكنيسة لجمع الهبات المخصصة للبناء الجديد. وأنا أرى أنه يمكنك القيام بذلك، إن أردته، وأجد أن نمط الحياة الذي اقترحه عليك يوافقك ويلائمك. ستكون في الكنيسة وحدك، تصلي، ففيها ركن منعزل يمكن الإقامة فيه. فابق، أرجوك، إلى أن يتم بناء الكنيسة على الأقل!

تمنعت طويلاً، إلا أنني أذعنت، آخر الأمر، لرجاء الكاهن وإلحاحه. فقضيت الصيف بكامله حتى الخريف أقيم في الكنيسة. وتوفر لي في البدء الكثير من الهدوء، فاستطعت ممارسة الصلاة، إلا في أيام الأعياد خاصة حيث يكثر مرتادو الكنيسة، من تقي أتى للصلاة، إلى ثرثار حضر ليجتمع إلى من يحادث، إلى آخرين يؤمون المعبد بقصد اختلاس بعض النقود من (الصينية). ولما كنت أقرأ الكتاب المقدس أحياناً والفيلوكاليا أحياناً أخرى، كان بعض الزوار يبادرونني بالحديث، وكان منهم من يطلب مني أن أقوم له ببعض القراءة.

بعد مضي أيام على وجودي في الكنيسة، لاحظت أن صبية من أهالي البلدة تتردد على الكنيسة وتطيل في الصلاة. ولما أملت أذني لاستماع ما تتمتم به وجدت أنها تتلو صلوات غريبة، كان بعض منها مشوهاً كل التشويه. فسألتها: من علمك هذا؟ فقالت إنها والدتها، وهي مؤمنة مستقيمة الرأي، بينما كان والدها هرطوقياً من أتباع بدعة (البلا – كهنة) (10).

فرأيت أن وضعها هذا مزر ونصحتها بأن تتلو الصلوات على وجهها الصحيح، حسب تقاليد الكنيسة المقدسة: وعلمتها (أبانا الذي) و(السلام عليك يا مريم). وقلت لها أخيراً: أتلي صلاة يسوع خاصة، فإنها تقربنا من الله أكثر من كافة الصلوات الأخرى، وستنالين بذلك خلاص نفسك. فاستمعت إلي الفتاة بانتباه، وعلمت بنصائحي ببساطة. أفتصدق؟ أخبرتني، بعد أيام أنها اعتادت صلاة يسوع وأنها تشعر برغبة في ترديدها دائماً، إن أمكن. وكانت، إذ تصلي، تشعر باللذة، وبعدها بالسرور ترافقه رغبة الاستمرار في الصلاة. فابتهجت للأمر وأوصيتها بأن تستمر على الإكثار من الصلاة، وأن تذكر اسم يسوع المسيح.

كان الصيف على وشك الانتهاء، وكان كثيرون من مرتادي الكنيسة يأتون إلي، لا لطلب النصح أو شيء من القراءة فحسب، بل ليقصوا عليّ همومهم البيتية. بل إن البعض منهم قصدني لأخبره كيف يجد ما فقد من حاجات. والظاهر أن بعضاً منهم اعتقدوا أنني ساحر. وفي ذات يوم، أتتني تلك الفتاة مسرعة، وهي في غاية الحزن، تسألني ما يتوجب عليها فعله. فقد كان والدها مزمعاً على تزويجها قسراً من هرطوقي مثله، وأما صلاة الإكليل فسيقوم بها أحد الفلاحين، لا الكاهن. وهتفت: أهكذا يكون الزواج الشرعي؟ ليس إلا عهراً وفجوراً! أريد الفرار… سأهرب غير ملتفتة إلى الوراء.

فقلت لها: إنك لن تستطيعي الاختباء، في أيامنا هذه، في أي مكان دون أوراق هوية أو جواز سفر، وهذا مما يسهل العثور عليك. من الأفضل أن تصلي بحرارة من أجل أن يحطم الله بطرقه الخاصة عزم أبيك ويصون نفسك من الخطيئة والهرطقة. هذا أنسب لك من مشروع فرارك.

ومضت الأيام… وكانت وطأة الضجة قد ثقلت عليّ وأصبحت لا أطيق الانصراف عن الصلاة. وأخيراً انتهى الصيف، فعزمت على ترك الكنيسة والعودة إلى حياة التجوال التي كنت أحياها قبلاً. فذهبت إلى الكاهن وقلت له: أنت تعرف، يا أبانا، ما ميولي وما استعدادي. أنا بحاجة إلى السكينة لأنقطع إلى الصلاة، ولست أجد هنا إلا التشويش والبلبلة وتشتيت الأفكار. لقد أتممت ما طلبته مني وبقيت عندك الصيف بكامله: دعني الآن أذهب وبارك مسيري وحيداً.

ولم يكن الكاهن يريد التخلي عني فشدد عليّ للبقاء، قال:

– ماذا عساه يمنعك من الصلاة هنا؟ ليس عليك إلا أن تبقى في الكنيسة ويأتيك خبزك جاهزاً. صل فيها آناء الليل وأطراف النهار، إن أردت، بل عش مع الله! أنت مقتدر ومفيد هنا. ولست تتورط في سخيف الأقوال ومبتذل الحديث مع الزوار، كما أنك، من جهة أخرى، أمين وشريف، تؤمن دخل الواردات لكنيسة الله. هذا، لعمري، أفضل، في نظر الرب، من صلاتك تتلوها على انفراد. ففيم تبقى وحدك دائماً؟ إن الصلاة مع الناس أدعى للفرح والغبطة، فلم يخلق الله الإنسان حتى لا يعرف إلا ذاته، بل لكي يساعد قريبه. يقود بعضنا بعضاً نحو الخلاص، كل حسبما يستطيع. أنظر إلى القديسين ومعلمي المسكونة: لقد كانوا يجدون ليل نهار ويدأبون يشغلهم الاهتمام بشؤون الكنيسة، يعظون في كل مكان، لا يطلبون العزلة يتوارون فيها عن إخوتهم.

فأجبته: إن الله يعطي كل إنسان حسب ما يوافقه، يا أبانا، وقد قام كثيرون بوعظ الجماهير، كما عاش كثيرون غيرهم متوحدين منفردين. وكان كل من هؤلاء يعمل حسب ميله ويعتقد أن ما يعمل هو طريق الخلاص التي رسمها الله له. ولكن كيف تفسر أن كثيرين من القديسين قد تخلوا عن المراتب والمناصب في الكنيسة واعتزلوا، لئلا يجربوا وهم في العالم؟ هكذا ترك القديس اسحق السرياني رعيته، وترك المغبوط أثناسيوس الآثوني (11) ديره لأنهما اعتبرا أن في هذه الأمكنة من الرفاهية أكثر مما ينبغي وآمنا إيماناً حقاً بقول يسوع المسيح: (ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟) (متى26:16).

فرد الكاهن: ولكنهما إنما فعلا ذلك لأنهما كانا من كبار القديسين. فأجبت: إن احترس القديسون بعناية كبرى من الاتصال بالناس، فماذا تراني لا أفعل أنا الخاطئ البائس من باب الحيطة والحذر!

وأخيراً ودعت هذا الكاهن الصالح وافترقنا على محبة.

بعد عشر فراسخ، توقفت في قرية لأقضي ليلتي فيها. وكان هناك فلاح مريض أشرف على الموت، فنصحت عائلته بأن يتناول القربان المقدس. فأرسلوا، في الصباح، من يستدعي الكاهن من القرية. وبقيت إلى جانب عائلة الفلاح لأسجد أمام القربان المقدس وأصلي أثناء منحه للمريض.

كنت جالساً على مقعد أمام البيت أترقب مجيء الكاهن وإذا بي أرى فجأة تلك الفتاة التي كانت تأتي للصلاة في الكنيسة فسألتها:

– كيف أتيت إلى هنا؟

– كان كل شيء جاهزاً في البيت لتزويجي من الهرطوقي، فلذت بالفرار.

ثم هتفت وقد ارتميت على قدمي:

– أشفق عليّ!… خذني معك إلى دير من الأديار! لست أبغي الزواج، وسوف أعيش في الدير أتلو صلاة يسوع. خذني! فسيلبي من في الدير طلبك ويقبلني أهله عندهم. فقلت لها:

– إيه! وأين تريدين أن آخذك؟ لست أعرف ولا ديراً في هذه الأنحاء… ثم كيف آخذك معي ولا جواز سفر معك؟ لن يكون بإمكانك التوقف في أي مكان، فإن أمرك سيكشف في الحال، وسوف تعادين إلى بيتك وتعاقبين لتشردك. فالأولى بك أن ترجعي إلى البيت وتصلي. وإن كنت، كما تقولين، لا تريدين الزواج، فتظاهري بوجود مانع لديك: إن هذا يدعى خداعاً مقبولاً. هذا ما فعلته، مثلاً، والدة اقليمندس القديسة، المغبوطة مارينا التي سعت إلى الخلاص في دير للرهبان الذكور (12) وهذا ما فعله أيضاً كثيرون غيرها.

كنا نتحدث على هذا النحو، وإذا بنا نبصر أربعة فلاحين في عربة، ما إن رأونا حتى اتجهوا إلينا بسرعة، ولما ترجلوا، أسرعوا فأمسكوا بالفتاة ووضعوها في العربة وأرسلوها إلى البيت، على ما أعتقد، مع واحد منهم. وأما الثلاثة الباقون، فقد هجموا عليّ وأوثقوا قيد يدي وأرجعوني عنوة إلى البلدة التي أمضيت الصيف فيها. وكانوا يجيبون على جميع استيضاحاتي صارخين متوعدين: أسكت، أيها القديس الصغير! سوف نعلمك كيف يكون إغواء البنات!

وعند المساء، قادوني إلى السجن، فوضعت الأغلال في رجلي ثم أوصد الباب دوني بانتظار محاكمتي في الغد. ولما سمع كاهن البلدة بخبر حبسي، جاء يزورني وجلب لي العشاء، وعزاني وواساني وقال لي إنه سيتولى الدفاع عني ويعلن، بصفته الأب المعرِّف، إنني لست من أصحاب الأخلاق المشينة الفاسدة التي يتهموني بها. وبقي بعض الوقت معي ثم انصرف.

وحدث أن أمر حاكم المقاطعة بالبلدة، عند هبوط الليل، فعرضوا عليه القضية. فأمر بدعوة مجلس البلدة وباستحضاري إلى المحكمة. ولما دخلنا، بقينا واقفين. ووصل الحاكم فجأة، وقد بدت عليه، منذ دخوله، دلائل الانفعال الشديد، وجلس وراء المنصة محتفظاً بقبعته وهتف:

– هيه! يا ابيفانيوس! هذه الصبية، بنتك، ألم تسرق شيئاً من البيت؟

– كلا يا عم!

– ولم ترتكب أية حماقة مع هذا الأبله؟

– كلا يا عم!

– انتهت القضية، وهذا هو الحكم: مع بنتك، تدبر الأمر كما تشاء. أما هذا الفتى، فسوف نرحله غداً بعد تأديبه تأديباً قاسياً لئلا يعود إلى هذه البلدة.

وعلى هذا، قام الحاكم وراح لينام، وأما أنا فأعدت إلى السجن. وفي الغد الباكر، جاء فلاحان (13) جلداني ثم أطلق سراحي. ورحت أشكر الرب الذي أتاح لي أن أتألم من أجل اسمه، وكان في هذا ما عزاني وحثني على أن أصلي أكثر من ذي قبل.

لم تحزني هذه الأحداث مطلقاً، فكانت كأنها تختص بشخص سواي، وكأني متفرج عليها. حتى الجلد، احتملته بسهولة، فقد كانت الصلاة تفعم قلبي بالفرح بحث لم تسمح لي بالالتفات إلى ما عداها.

وبعد مسيرة أربعة فراسخ، التقيت بأم الفتاة عائدة من السوق، فتوقفت وقالت لي: تركنا الخطيب، فقد اغتاظ من آكولكا لأنها هربت من البيت.

ثم أعطتني شيئاً من الخبز وقطعة من الحلوى وتابعت المسير. وكان الطقس صحواً، مما لم يدع بي رغبة في النوم في القرية. ووجدت في الغابة كومتي قش فرقدت عليه لأمضي ليلتي. وفي أثناء النوم، حلمت أنني أسير على الطريق أقرأ ما كتبه القديس أنطونيوس الكبير (14) في الفيلوكاليا من فصول. وفجأة، انضم الستارتس إلي وقال لي: (ليس هنا ما يجب أن تقرأ)، وأشار إلى الفصل الخامس والثلاثين، للقديس يوحنا أسقف جزيرة كرباتوس (15)، وقد جاء فيه: (قد يتعرض التلميذ للتعيير أحياناً ويقاسي الشدائد والمحن من أجل الذين ساعدهم روحياً). ثم أراني أيضاً الفصل الواحد والأربعين الذي فيه: (كل الذين يقومون بالصلاة بحرارة متزايدة يغدون عرضة لتجارب شاقة رهيبة).

ثم قال لي: تشجع ولا تيأس! تذكر قول الرسول: (… إن الذي فيكم هو أعظم من الذي في العالم) (1يوحنا 4:4). ولقد علمت الآن بالخبرة أن ليس من تجربة فوق طاقة الإنسان احتمالها، فإن الله (… لا يدعكم تجربون فوق طاقتكم، بل يجعل مع التجربة مخرجاً…) (1كور13:10).

وإنما شدد القديسون أملهم بمعونة الرب، وهم لم يقضوا حياتهم بالصلاة فحسب، بل سعوا، محبة، إلى تعليم الآخرين وإرشادهم. إليك ما قال بهذا الصدد القديس غريغوريوس التسالونيكي (16): (لا يكفي أن نصلي دون انقطاع حسب الوصية الإلهية، ولكنما ينبغي علينا أيضاً أن نعلم ذلك للجميع: رهباناً وعلمانيين، أذكياء أو بسطاء، رجالاً أو نساء أو أطفالاً، لكي نثير فيهم الغيرة إلى الصلاة الداخلية). وقد تكلم المغبوط كاليستوس تليكوداس (17) بنفس اللهجة قائلاً: (إن العمل الروحي (أي: الصلاة الداخلية) والمعرفة الإشراقية ووسائل السمو بالروح كافة، ينبغي ألا نحتفظ بها لأنفسنا دون الآخرين، ولكن يجب تبليغها الغير كتابة أو خطاباً وذلك من أجل خير الجميع وحباً بهم، وقد قال الله إن الأخ يعضده أخوه أمنع من مدينة محصنة (أمثال19:18). وإنما علينا أن نجتنب الغرور ما استطعنا وأن نحترس لئلا تذري الرياح بذار التعليم الإلهي الصالح).

أحسست، ولما استيقظت، بفرح في قلبي عظيم وبقوة في نفسي جديدة، وتابعت المسير.

حادثتا شفاء

جرى لي، بعد هذا بزمان طويل، أمر سأرويه لك، لو سمحت. شعرت ذات يوم، وكان ذلك في الرابع والعشرين من آذار، بحاجة لا تقاوم إلى تناول أسرار المسيح المقدسة في ذلك اليوم المكرس لوالدة الإله، بذكرى بشارتها الإلهية. فسألت عما إذا كان في المنطقة من كنيسة، فقيل لي إن هنالك كنيسة على بعد ثلاثين فرسخاً.

سرت ما بقي من النهار، والليل كله، لكي أصل الكنيسة عند صلاة السحر. كان الطقس على أردأ ما يكون: مثلجاً تارة وممطراً طوراً، يزيده سوءاً ريح عاتية جليدية وبرد قار قارص. كانت الطريق تقطع جدولاً. لكني ما خطوت عليه بضع خطوات حتى انكسر الجليد تحت رجلي وخضت في الماء حتى حزامي. ووصلت مبتلاً إلى صلاة السحر، فحضرتها وحضرت القداس الإلهي الذي أتاح لي الله فيه المناولة.

طلبت من الحارس أن يبقيني حتى الغداة في كوخ الحراسة، وذلك لأقضي يومي بسلام دون ما يكدر هناء روحي. وقضيت النهار كله في فرح يفوق الوصف وفي صفاء القلب. كنت مستلقياً على بنك في هذا الكوخ دون تدفئة كما لو رقدت أرتاح في حضن ابراهيم. وكانت الصلاة تعمل بقوة محبتي ليسوع المسيح ولوالدة الإله، كانت تعبر قلبي، أمواجاً منعشة، وتغمس نفسي في نشوة هانئة. وعند دنو الليل، شعرت فجأة بألم مبرح في ساقي فتذكرت أنهما مبلولتان. لكني دفعت غفلة فكري عن هذه وعدت إلى الانغماس في الصلاة فلم أعد أشعر بالألم. وفي الصباح، لما أردت النهوض، لم أستطع تحريك ساقي: كانتا بلا حول وفي مثل رخاوة المرس. وأنزلني الحارس عن البنك وبقيت هكذا يومين دون حراك. وفي اليوم الثالث، طردني الحارس من كوخه قائلاً: إن مت هنا كان علي أن أتعب من أجلك وأهتم بأمرك. وتوصلت أن أجر نفسي على يدي جراً حتى باب الكنيسة حيث بقيت منطرحاً قرابة اليومين. ولم يكن المارة يعيرون أدنى التفات لا إلى شخصي ولا إلى طلباتي.

أخيراً! اقترب مني أحد الفلاحين وأخذ يحادثني. وقال لي: ماذا تعطيني؟ سوف أشفيك. لقد ألم بي مرة نفس ما أصابك، وأنا أعرف لدائك علاجاً. فأجبته ليس لي ما أعطيك.

– وماذا يوجد في كيسك؟

– لا شيء سوى الخبز الحاف وبعض الكتب.

– طيب، ستشتغل عندي مدة الصيف إن أنا شفيتك.

– لا يمكنني حتى العمل. أنت ترى أن ليس لي إلا يد واحدة سليمة.

– وماذا يمكنك فعله إذن؟

– لا شيء إلا القراءة والكتابة.

– هاه! الكتابة! طيب! ستعلم ابني الكتابة. إنه قد بدأ يتعلم القراءة، وحبذا لو تعلم الكتابة. لكن المعلمين طلبوا مني أجراً غالياً: عشرين روبلاً، لتعليم ابني الخط.

فاتفقت معه. ونقلني إلى بيته. بمساعدة الحارس، ووضعاني في حمام (18) عتيق في أحد أركان الفناء القصية.

وبدأ مضيفي في علاجي: جمع من الحقول والباحات وحفر الأقذار كمية لا بأس بها من عظام الحيوانات القديمة، وعظام الطيور ومن كل الأنواع، فغسلها وكسرها قطعاً صغيرة بحجر ووضعها في طنجرة كبيرة، غطاها بغطاء به ثقب وقلبها جميعاً فوق إناء وضعه في الأرض. ودهن قعر الطنجرة بعناية بطبقة من الآجر سميكة وغطاها بقطع من الحطب تركها تحترق أكثر من 24 ساعة. وقال، وهو يرتب الحطبات: (سينتج من هذا كله قطران العظم).

وفي الغد، نبش القدر، وكان قد سال به من فوهة الغطاء قرابة اللتر من سائل غليظ ضارب إلى الحمرة، قوامه دهني، رائحته كرائحة اللحم الطازج. وأما العظام الباقية في الطنجرة، فقد صارت بيضاء اللون شفافة كقلب الصدف أو اللؤلؤ، بعد أن كانت سوداء عفنة. كنت أدلك جسمي بهذا السائل خمس مرات يومياً. أفتصدق؟ شعرت ثاني يوم أنه بإمكاني تحريك أصابعي، وفي اليوم الثالث، كنت أثني ساقي، وفي الخامس، قمت واقفاً وأخذت أمشي في الباحة متوكئاً على عصا. وبعد أسبوع عاد ساقاي إلى حالتهما الطبيعية. فشكرت الله على ذلك مفكراً: إن حكمة الله تظهر في مخلوقاته! فالعظام الرميمة اليابسة العفنة التي أوشكت أن تعود إلى التراب تحتفظ بحيوية قوية ولون ورائحة. بل تفعل في الأجسام الحية، فيمكنها أن تعيدها إلى الحياة! إن هذا عربون القيامة في الدهر الآتي. ليتني أستطيع إطلاع حارس الأحراج، الذي عشت في كوخه، على هذا، فقد كان يشك في قيامة الأجساد!

بعد شفائي هذا، أخذت أعنى بالولد الصغير. كتبت كنموذج للخط صلاة يسوع، وطلبت منه أن ينسخها بعد أن أريته كيف يكتب الأحرف بصورة جميلة. وكان هذا لي عملاً مريحاً، لأن الغلام كان يخدم، طوال النهار في بيت وكيل الأملاك، فما كان يأتي إلي إلا عندما ينام معلمه، أي في الصباح الباكر. كان الصبي ذكياً، وسرعان ما تعلم الكتابة على وجه صحيح تقريباً.

سأله الوكيل مرة وقد رآه يكتب: من ذا الذي يعطيك الدروس؟ فأخبره الطفل أنه السائح الأشل الذي يعيش في منزلهم في الحمام العتيق. فأتى المدير مستطلعاً – وكان بولونياً – ليراني ووجدني أقرأ الفيلوكاليا. فحدثني قليلاً وقال: ماذا تقرأ؟ فأريته الكتاب. فال: آه! إنها الفيلوكاليا! إني رأيت هذا الكتاب عند كاهن بلدتنا، عندما كنت أقيم في (فلنا)، ولكن قيل لي إنه يحوي وصفات غريبة، وطرائق للصلاة، أوجدها رهبان من بلاد الروم، على غرار متصوفة الهند وبخارى، الذين ينفخون رئاتهم ويعتقدون ببلاهة، إذا توصلوا إلى الشعور بدغدغة طفيفة في قلبهم، إن هذا الإحساس الطبيعي هو صلاة وهبها الله لهم. إنما ينبغي الصلاة ببساطة، لكي نتمم واجبنا نحو الله. فعند النهوض من النوم، علينا تلاوة (أبانا الذي…) كما علمنا المسيح. وهذا يكفي طوال اليوم. ولكن إن نحن رددنا نفس الصلاة كل حين، ففي هذا خطر إصابتنا بالجنون وإتلاف قلبنا.

– لا تتكلم بهذه الصورة عن هذا الكتاب الشريف يا عم! فما كتبه رهبان أروام بسطاء بل أشخاص عريقون قديسون تكرمهم كنيستكم أيضاً كأنطونيوس الكبير ومكاريوس الكبير (19) ومرقس الزاهد (20) ويوحنا الذهبي الفم (21)  وغيرهم. إن رهبان الهند وبخارى قد اقتبسوا منهم طرائق صلاة القلب غير أن هؤلاء الرهبان شوهوها وأفسدوها كما قال لي الستارتس. كل ما في الفيلوكاليا من تعاليم عن الصلاة الداخلية مستقى من كلام الله، من الكتاب المقدس، الذي شدد فيه يسوع على وجوب الصلاة دون انقطاع. مع وصيته بتلاوة ( أبانا الذي…) فقد قال: (أحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك وكل ذهنك) (متى37:22)، كما قال: (فاحذروا واسهروا وصلوا…) (مرقس33:13)، و(اثبتوا فيّ وأنا فيكم…) (يوحنا4:15). وآباء الكنيسة، إذ يستشهدون بالملك داود في المزامير: (ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب) (مزامير9:34)، يفسرون هذا الكلام بأن على المسيحي أن يعمل كل شيء حتى يعرف عذوبة الصلاة. فيجب عليه أن يبحث فيها عن تعزيته بصورة مستديمة لا أن يكتفي بتلاوة صلاة (أبانا الذي…) مرة واحدة.

اسمع! سأقرأ لك ما يقوله الآباء فيمن لا يسعى إلى دراسة صلاة القلب الخيرة. إن هؤلاء يرتكبون ثلاث خطايا: 1- فهم يخالفون وصايا الكتب المقدسة، 2- لا يقرون بأن للنفس حالات سمو وكمال: فإنهم، باكتفائهم بالفضائل الخارجية، يتجاهلون الجوع والعطش إلى البر ويحرمون أنفسهم الغبطة بالله، 3- وهم، بنظرهم إلى فضائلهم الخارجية وحدها، غالباً ما يتردون في الاكتفاء وفي الغرور.

قال الوكيل: إن ما تقرأ له معنى سام، ولكن كيف لنا، نحن العلمانيين، أن نسلك هذا السبيل؟

– اسمع! سأقرأ لك كيف توصل بعض أهل الصلاح إلى تعلم الصلاة المستديمة، بالرغم من كونهم علمانيين.

وفتحت، في الفيلوكاليا، رسالة سمعان اللاهوتي الجديد عن شاب يدعى جاورجيوس وأخذت أقرأ. فأعجب الوكيل بما قرأت وقال لي:

– أعطني هذا الكتاب وسأقرأه في أوقات فراغي.

– سأعيرك إياه، إن كنت تريده ليوم واحد، فأنا أقرأه باستمرار، وليس لي عنه غنى.

– ولكن تستطيع، على الأقل، فيما أظن، أن تنسخ لي هذا المقطع، وسوف أدفع لك أجرك.

– لست بحاجة إلى مالك، ولكني سأنسخه لك بكل سرور آملاً أن يهبك الله غيرة للصلاة.

ونسخت على الفور المقطع الذي قرأته. فقرأه بدوره لزوجته، فاستحسنته وأعجبها كما نال استحسان زوجها. فكانا، بعد ذلك اليوم، يستدعياني من وقت لآخر فآتي إليهما بالفيلوكاليا، وأقرأ فيستمعان وهما يتناولان الشاي. وأبقياني، ذات يوم، على العشاء. وكانت زوجة الوكيل، وهي سيدة مسنة لطيفة، تأكل سمكاً مشوياً، وإذا بها تبتلع حسكة ما استطعنا إخراجها من حلقها رغم كل جهودنا. وآلمتها حنجرتها شديد الألم حتى أنها اضطرت، بعد ساعتين، إلى أن تلزم الفراش. وأرسل زوجها في طلب طبيب يسكن على بعد ثلاثين فرسخاً من المكان، وعدت إلى البيت حزيناً مكتئباً.

نمت، ليلتها، نوماً خفيفاً متقطعاً، وإذا بي أسمع بغتة صوت الستارتس دون أن أنظر أحداً. قال الصوت: (لقد شفاك معلمك ولا تستطيع فعل شيء لزوجة الوكيل؟ لقد أوصانا الله أن نتوجع لمصائب القريب).

– سأساعدها بسرور، ولكن كيف لي ذلك؟

– إليك ما يجب فعله: هذه المرأة كانت دوماً شديدة القرف من زيت الخروع، فبمجرد أن تشم رائحته ينتابها الغثيان. جرعها إذن ملعقة زيت خروع، وسوف تستفرغ فتخرج الحسكة، والزيت سيلين جرحها وستشفى.

– ولكن كيف أسقيها الزيت ما دامت تتقزز منه وتقرف؟

– أطلب من زوجها أن يمسك رأسها وصب السائل في فمها قسراً.

استفقت من نومي وأسرعت إلى الوكيل أقص عليه كل هذا بالتفصيل، فقال لي:

– ما عسى يكون نفع زيتك؟ فقد ألمت بها الحمى وها هي تهذي وقد تورم عنقها كما ترى. ولكن، على كل حال، لا بأس من المحاولة، فإن لم يفدها الزيت، فهو، في أي حال، لن يضرها بشيء.

وصب شيئاً من زيت الخروع في كأس صغير وتمكنا بعد جهد من تجريعها إياه. فبدأت تقيء في الحال قيئاً شديداً وبصقت الحسكة (22) مع قليل من الدم. وبعد، شعرت بتحسن حالها ونامت نوماً عميقاً.

جئت في صبيحة الغد أستطلع أخبارها فوجدتها مع زوجها تتناول الشاي. كانا يتعجبان من شفائها وخاصة مما قيل لي في الحلم عن قرفها من زيت الخروع، لأنهما لم يحدثا أحداً بشيء من هذا أبداً. وفيما نحن كذلك وصل الطبيب. فحكت له زوجة الوكيل كيف شفيت، وأنا رويت له كيف عالج الفلاح ساقي، فأعلن الطبيب قائلاً: ليست هاتان الحادثتان، بالأمر المدهش، فإنما سبب الشفاء في المرتين قوة طبيعية، لكني سأسجلهما للذكرى. وأخرج قلماً من جيبه ودوّن بضع كلمات في دفتر صغير.

وسرعان ما شاع في تلك الديار أني عراف ومطبب وساحر، وتوافد الناس من كل حدب وصوب لاستشارتي يجلبون لي الهدايا. وبدأوا بتكريمي كقديس وولي. ومضى أسبوع على ذلك ففكرت في الأمر وتخوفت من السقوط في الغرور والتشتت، وفي الليلة التالية، غادرت القرية خفية.

الوصول إلى أركوتسك (23)

هكذا عدت، مرة أخرى، أسير على الطريق وحيداً. شعرت بأني فرح خفيف كما لو انزاح عن كتفي ثقل جبل. وكانت تعزية الصلاة لي في ازدياد مطرد: كان قلبي يجيش أحياناً بمحبة لامتناهية ليسوع المسيح، وكانت أمواج منعشة تنبعث من هذا الجيشان فتنتشر في كل كياني. وكانت صورة يسوع المسيح ماثلة في نفسي بصورة شديدة حتى أني كنت وكأني أرى أحداث الإنجيل بأم عيني بمجرد التفكر بها. وكنت طرباً أبكي فرحاً، أشعر أحياناً بسعادة في قلبي كبيرة لدرجة لا أستطيع معها وصفها. وكنت أحياناً أبقى ثلاثة أيام بعيداً عن منازل الناس وبيوتهم فأشعر منتشياً بأني وحيد وخاطئ حقير أمام الله المتحنن والمحب البشر.

وكانت في هذه الوحدة سعادتي. وعذوبة الصلاة فيها كانت أوضح مما كانت عليه عند احتكاكي بالناس.

أخيراً وصلت إلى (اركوتسك). وركعت مصلياً أمام ذخائر القديس انوكنديوس، وتساءلت أين الذهاب من بعد. ولم أكن أرغب في البقاء في المدينة طويلاً لأنها كانت آهلة بالسكان. وسرت في الشارع أفكر، وإذا بي ألتقي فجأة بأحد تجار المدينة، فاستوقفني وقال لي: أنت سائح؟ لماذا لا تجيء إلى بيتي؟

ووصلنا بيته الفخم، وسألني من أكون، فرويت له رحلتي. ولما انتهيت قال لي: يجدر بك أن تذهب إلى مدينة أورشليم، ففيها قداسة لا مثيل لها!

فأجبته: الذهاب إليها مما يسرني، ولكني لا أملك من المال ما أدفعه أجرة الطريق، فإن ذلك يتطلب المال الكثير.

فقال التاجر: سأخبرك عن طريقة للذهاب، إن تشأ. ولقد أوصلت في العام الماضي إلى القديس شيخاً من أصدقائنا.

فانطرحت على قدميه، فقال لي: اسمع، سأرسل معك كتاباً إلى ابني وهو في أوروبا يتاجر مع القسطنطينية. إنه يملك بعض المراكب وسوف يوصلك إلى القسطنطينية وهناك تدفع لك مكاتبه فيها أجرة السفر حتى القدس، وما هذا بالباهظ الغالي.

لما سمعت هذه الكلمات، أفعم قلبي فرحاً وشكرت هذا المحسن شكراً جزيلاً، وشكرت الله خاصة لإظهاره لي حبه الأبوي الجم نحوي، أنا البائس الغارق في الخطايا، لا أحسن صنعاً تجاهه تعالى ولا نحو سواي من الناس، وآكل خبز الغير بلا جدوى.

ونزلت ثلاثة أيام على هذا التاجر الكريم، ثم أعطاني كتاباً إلى ابنه… ها أنا ذاهب إلى أوروبا على أمل أن أبلغ مدينة أورشليم المقدسة… غير أني لست أدري إن كان الرب سيسمح لي بالسجود أمام ضريحه المحيي.

 

 


(1) إينوكنديوس (كولتشيسكي) هو أول أسقف على اركوتسك، نشأ في مقاطعة تشرنيكوف في روسيا الصغرى. طلب العلم في مدرسة كييف الثانوية ثم صار أستاذاً في الأكاديمية السلافية اليونانية اللاتينية في موسكو، ثم راهباً ورئيساً لدير القديس ألكسندروس نفسكي في مدينة بطرسبرج. وقد أوفد إلى الصين مرسلاً برتبة أسقف فأقام قرابة الخمس سنين في سلنجنسك ثم عين عام 1727 أسقفاً على اركوتسك. وقد ذاعت شهرته كقديس لمكافحته المساوئ ولغيرته في نشر الإيمان وتقديم الأخلاق ولصبره ووداعته ومحبته. وقد سمح رسمياً بتكريم بقاياه من قبل المؤمنين عام 1805 ويحتفل بعيده يوم 26 تشرين الثاني بلقب رئيس كهنة وصانع العجائب

(2) تذكر هذه القصة بحادثة وقعت للقديس سيرافيم ساروفسكي. ففي خريف عام 1801 بينما كان الراهب يحتطب في الغابة هجم عليه لصوص بغية سلبه دراهمه. ولما قال لهم إنه لا يملك شيئاً، ضربوه على رأسه وجرحوه جرحاً بليغاً. ولم يقبل المتوحد أن يعالجه الأطباء، فقد ترك أمره للرب الذي جعله يرى رؤيا حينما كان طريح الأرض. وطلب ألا يطارد مهاجموه، مذكراً قول الإنجيل: (لا تخافوا ممن يقتل الجسد ولا يستطيع أن يقتل النفس، بل خافوا ممن يقدر أن يهلك النفس والجسد في جهنم) (متى28:10)

(3) هي السلافونية. وفي أبجديتها 37 حرفاً، تختلف عن أحرف الأبجدية الروسية في صورتها اختلافاً بيناً.

(4) توفي عام 1326 وكان أسقفاً نشيطاً. قام بالعديد من الأعمال النهضوية على صعيد الحياة الكنسية والاجتماعية

(5) يرجح أنها إحدى عظات أفرام السرياني التي يصور فيها يوم القيامة بصورة رهيبة مؤثرة

(6) (المغبوط ازيخيوس كاهن أورشليم). هو كاهن وشارح للكتاب المقدس من القرن الخامس على الأرجح، ألف شروحات للعهد القديم والجديد على طريقة رمزية، حاذياً في ذلك حذو أوريجنس

(7) راجع كتاب (حياة موسى) لغريغوريوس النيصصي (330- 394)، ترجمة الأب دانيلو صفحة 174. (فالكمال إنما هو حقاً في ألا نترك حياة الخطيئة خوفاً من العقاب، على ما يفعل الأجراء ولا أن نقوم بفعل الخير رجاء بالثواب، بل… أن نخشى شيئاً واحداً فحسب: أن نخسر محبة الله، وألا نعتبر إلا أمراً واحداً ذا قيمة ومرغوباً فيه: أن نصير أحباء الله)

(8) أنظر: اسحق السرياني. (يغدو القلب كطفل صغير، وتسيل الدموع حينما نبدأ الصلاة). راجع أيضاً بهذا الموضوع: (سر عطية الدموع في الشرق المسيحي)، منشورات النور

(9) يماثل هذا تقسيم الحياة الروحية ثلاثة أقسام كما عرفها مكسيموس المعترف وايفاغريوس قبله: (الروح التي تنجح في العمل تسير نحو الحكمة. فإن نجحت في التأمل، فتتقدم نحو العلم. وأما الأولى فتقود من يكافح إلى التمييز بين الفضيلة والرذيلة، وأما الثانية فتسير بمن يساهم فيها إلى أعلى الكائنات اللاجسدية والجسدية. وأما نعمة معرفة الله، فينالها الإنسان إذا ما اجتاز كل ما عداها بأجنحة المحبة فوصل إلى الله وتأمل بالروح العلم الإلهي، بمقدار ما يمكن للناس ذلك). (مكسيموس المعترف)

(10) أو بعبارة أخرى (رسكولنيك) أو (المؤمنين القدامى) وهم من أتباع بدعة نشأت في منتصف القرن السابع عشر (1652- 1658) على أثر إصلاحات في الطقوس قام بها البطريرك نيكون أدت إلى انشقاق داخل الكنيسة الروسية. وقد زاد من خطر هذا الانشقاق مراسيم بطرس الأكبر (العصرية)، إذ أنشأ سنة 1721 مجمعاً يحل محل البطريرك، مجرداً الكنيسة بهذا من الاستقلال الذي طالب به نيكون.

وقد انقسم أتباع الانشقاق هذا إلى مذاهب عديدة، يمكن إرجاعها إلى فرعين رئيسيين: فرع الذين حافظوا على الرتب الكهنوتية، ويسمون (الأبائيون)، وفرع لم يعرف أتباعه منذ البدء رجال دين وهم (البلاكهنة). وقد انتشرت بين هؤلاء ميول إلى التصوف الطبيعي أو بالعكس إلى التشدد الأخلاقي

(11) مؤسس سنة 963 أول دير اللافرا الكبير في جبل آثوس (925- 1003)

(12) عاشت مارينا في القرن الثامن. عمل مارينا هذا قد يبدو غريباً في يومنا الحاضر، أما إن أخذنا بعين الاعتبار العصر الذي عاشت المغبوطة فيه وما أحاط بعملها من ظروف اجتماعية خاصة، أدركنا أنه لم يكن لها من وسيلة، إلا تنكرها بزي الرجال، لكي تحيا حياة الرهبنة التي تاقت إليها. تعيد لها الكنيسة الأرثوذكسية في 12 شباط. ويرجح أن أصلها من بيثينيا

(13) حرفياً: قائد المئة وقائد العشرة. أما قائد المئة فينتخبه المجلس البلدي، وهو قائد الدرك العامل في الريف بإشراف رئيس الدرك مباشرة. وهذه الوظيفة ترجع إلى القرون الوسطى، إلا أن صاحبها لم تحدد مهامه إلا عام 1837 وهو تاريخ تأسيس الدرك. وكان قائد العشرة يأتمر بأمر قائد المئة، وهو أيضاً ينتخبه أعضاء المجلس البلدي.

(14) الكلام هنا عن تعاليم القديس أنطونيوس (251- 356) الواقعة في 170 فصلاً وتأتي في أول الفيلوكاليتين: اليونانية والسلافونية. والمؤكد أنها منحولة، مثلها في ذلك مثل كل الكتابات المنسوبة إلى رائد حياة التوحيد (ما خلا رسالة إلى الأب ثيوذوروس). وهي مؤلفات رواقية، حورت فيها قليلاً يد مسيحية، وهي على كل، تمتاز بطابع ديني كبير

(15) يرجح أنه عاش في القرنين السابع – الثامن، ويذكره المؤرخون باسم الأسقف، حيناً، والراهب، حيناً آخر

(16) المسمى أيضاً: غريغوريوس بالاماس (1296- 1359)، وكان رئيس أساقفة تسالونيكي، ومن كبار لاهوتيي التقليد الإزيخي وألمع المدافعين عنه. وتعيد له الكنيسة الأرثوذكسية في الأحد الثاني من الصوم الكبير

(17) أحد الزهاد على طريقة مدرسة كاليستوس واغناطيوس كزانثوبولس أثر عنه كتيب (في الإزيخيا العملية)

(18) الحمام بناء خاص للاستحمام بالبخار، كان دارج الاستعمال في روسيا كلها. وكانوا يبعدونه عن باقي أجزاء البيت لتجنب أخطار الحريق

(19) راهب (300- 390) متوحد طيلة 60 سنة في صحراء سكيتيا وأصله من صعيد مصر، تتلمذ على يد القديس أنطونيوس الكبير

(20) هو مؤلف كتب في الزهد. يبدو أنه عاش في مطلع القرن الخامس، وهو من تلاميذ الذهبي الفم. كان رئيس دير أنقره من أعمال غلاطية ثم تنسك في صحراء اليهودية

(21) من كبار الآباء الشرقيين. واعظ في أنطاكية ثم بطريرك القسطنطينية. مات في المنفى عام 407. راجع: (في الكهنوت، أحاديث عن الزواج والرسائل إلى أولمبيا)، منشورات النور

(22) في حياة رئيس الكهنة حبقوق واقعة مماثلة لهذه: فقد كاد هذا أن يختنق بقطعة من السمك، لكن ابنته أغربينا (أسرعت إليه، كما يقول الكتاب، وضربت على ظهره بمرفقيها الصغيران، فخرج من حلقه خثرة دم واستطاع أن يتنفس

(23) إحدى مدن سيبيريا الشرقية وتقع على نهر انغرا، بالقرب من بحيرة بايكال. تقع اركوتسك وسط منطقة مناجم هامة مما جعل منها مركزاً صناعياً مزدحماً بالسكان نسبة لما يجاورها

Facebook
Twitter
Телеграма
WhatsApp
PDF
bg_BGBulgarian
Превъртете до върха