ما الهدف من ذكر سلالة نسب المسيح؟ ولماذا توجد سلالتا نسب مختلفتين؟

ليس غريباً أن يكون لشخص مهم سلالة نسب، خاصة إذا كان هذه الشخص شرق أوسطي مثل المسيح. ولسلالات النسب أهداف مختلفة، وبالتالي يختلف عرض وصياغة كل سلالة بحسب الغرض الذي ترمي الوصول إليه. ونادراً ما تكون سلالة النسب دقيقة من الناحية البيولوجية. لكن هذه الحقيقة لا تُنقص من قيمة سلالة النسب ولا تجعلها غير دقيقة، لأن نية تدوينها لم تكن بيولوجية بالأصل. لهذا قد يُغفِل الكاتب بعض الأسلاف لأن ذكرهم لا يخدم هدف تدوينه لهذه السلالة.

الإنجيلي متى (1: 1-17) والإنجيلي لوقا (3: 23-38) دوّنا سلالتي نسب للمسيح. والمقارنة بينهما تُظهر لماذا اختلفت كل سلالة نسب عن الأخرى ولماذا دوّنها كل إنجيلي بطريقته الخاصة. تنزل لائحة متى من إبراهيم إلى يسوع، وتستعمل صيغة معينة: “أ كان أبو (وَلَدَ) ب، ب كان أبو (وَلَدَ) ت” وهكذا. بينما تصعد لائحة لوقا من يسوع عبر آدم إلى الله وتستعمل صيغة: “أ بن ب، (ب) بن ت”. طريقة متّى هي أقرب إلى لوائح العهد القديم. وبما أن لوقا يشمل الفترة السابقة للآباء (قبل إبراهيم)، فلائحته أطول من لائحة متّى، إذ تحتوي على 77 اسماً مقابل 41 اسماً عند متى. والفترة قبل الملكية في سلالتي النسب هي الفترة الوحيدة التي تتفق فيها السلالتان بشكل كبير.

توجد سلالتا نسب للرب يسوع لأن كل سلالة نسب قد كتبت بهدف معين يختلف قليلاً عن الثانية. ربما تمثل سلالة النسب في متّى تقليداً شعبياً كان سائداً عن الانحدار الداوودي الملكي مع إضافة اسمي يوسف ويسوع إليهم، بينما قد تكون سلالة النسب في لوقا هي لائحة انحدار عائلة أجداد يوسف. كان اهتمام متى الرئيسي هو إظهار أن يسوع الناصري هو ابن إبراهيم، ابن داود الذي فيه تحققت نبوات العهد القديم. بينما كان اهتمام لوقا الرئيسي هو إظهار أن يسوع هو ابن آدم، ابن الله. قرّاء متى من اليهود سيفهمون هذا التأكيد في متى، وقرّاء لوقا من الأممين (غير اليهود) سيتقبلون وسيفهمون تأكيد لوق، خاصة وأن لوقا (6) قد وضع سلالة النسب بين معمودية يسوع وبين تجاربه (7).

توجد أكثر من غاية كُتبت من أجلها سلالة نسب الرب يسوع. يمكن تلخيصها في غايتين رئيسيتين:

1. يسوع الناصري هو ابن إبراهيم، ابن داود الذي كمّل نبوات العهد القديم (متى)، فهو بالتالي المسيح المنتظر. “يهوه المخلّص”، الذي تاق إليه اليهود طويلاً. وهو أيضاً ابن آدم، ابن الله (لوقا)، الآتي إلى العالم ليخلّص جميع المؤمنين باسمه من اليهود ومن الأمميين على حد سواء.

2. تحوي سلالة النسب تلخيصاً لسر التدبير الإلهي كله. فالله يتجسّد في عمق التاريخ البشري، في عمق خزياته وضعفاته. إنه، وهو مدفوع بالمحبة الإلهية للإنسان، لا يستحي أن يقبل خطاة أسلافاً له، حتى يجعل الجميع أولاداً له. فالله، له المجد، لم يظهر فجأة في أول صفحات العهد الجديد، في بيت لحم، يسوع الناصري نفسه كان حاضراً وكائناً منذ الأزل لأنه الكائن والحياة وهو مصدر الكينونة والحياة. هذا التجسد الإلهي كان مرسوماً منذ الأزل في التدبير الإلهي لخلاص الإنسان، ولم يحدث بغتة. لقد خطب الله لنفسه الطبيعة البشرية نفسها التي لعبت دور بغي (عظات الذهبي الفم على إنجيل متى 3: 5)، وقدسها من كل خطيئة وعيب لتصير عروساً عفيفاً عذراء للمسيح. هكذا يأتي يسوع الناصري في لجة التاريخ، ابناً لداود يحقق النبوات المسيانية، وابنا لإبراهيم تتبارك به جميع شعوب الأرض. ومع ذلك، فهو ابن الله أيضاً الذي صار في ملء الزمان ابن آدم، ابن الإنسان، حتى يقدس الإنسان، ويعيد له مجد الصورة الإلهية الضائعة فيه، ويعيده ابناً لله، إلهاً مخلوق، متآلهاً بالنعمة (8).

عن كتاب سألتني فأجبتك
د. عدنان طرابلسي
س 38 & 39


(6) بعد أكثر من 19 قرناً يبدو التأويل عسيراً نسبياً. ولكن بالنسبة لمعاصري متّى ولوقا كان الأمر طبيعياً ومفهوماً وإلا لاعترضوا عليه. نعرف من العهد الجديد انتساب اليهود إلى أسباط. فيوسف ابن داود وآليصابات من بنات يعقوب وبولس من سبط بنيامين. وأثناء الاكتتاب ذهب كل واحد إلى بلده، فذهب يوسف ومريم إلى بيت لحم (الشماس اسبيرو جبور)

(7) راجع الدراسة عن سلالة النسب (للدكتور عدنان طرابلسي) في ترجمة شرح إنجيل متى للذهبي الفم، الجزء الأول …

(8) راجع ترجمة شرح إنجيل متى للذهبي الفم، الجزء الأول.

arArabic
انتقل إلى أعلى