نسب المسيح

القراء الذين أرادهم متى لإنجيله هم اليهود او المتنصرون من اليهود. لذلك كان هاجسه الأساسي في مطلع إنجيله ان يبين لهم ان يسوع الذي يدعو اليه هو المسيح الذي ارتجاه انبياؤهم وانه تاليا مصب التوراة وملخصها. اراد ان يقول ان انسانية السيد، منحدرة من مجموعة آباء اهمهم داود وإبراهيم وان الكتاب هكذا تكلم. ومن هنا انك لا تستطيع ان تسلخ المسيح عمن سبقه. يسوع وريث الشريعة والأنبياء ومنجز الكلمة الإلهية القديمة. وكان يجب ان يطلع في اسرائيل لأن النبوءة ظهرت فيه. اما اذا شوَّه اليهود من بعد مجيء المخلص الرسالة التي ورثوها، فهذه خطيئتهم، وهذا لا يلغي ارتباط المسيح بالأنبياء الذين تحدثوا عنه. فالعهد القديم كتابنا نحن، كتابنا حسب فهمنا نحن، فلا نكبه اذا قرأه الذين أرسل اليهم بخلاف مقاصد الله التي عرفناها في المسيح.

عندنا هنا لائحة اجداد للسيد معظمها مأخوذ من العهد القديم، ولكن كتب العهد القديم انقطعت قبل المسيح بقرن ونصف قرن. الأسماء الأخرى مأخوذة من “شجرة العائلة” وكان كثير من اليهود يحتفظون بها. ويفصل متى الأسماء على ثلاث مراحل تنتهي الأخيرة بيوسف. وكل مرحلة فيها 14 جيلا، وهذا الرقم – حسب علم الجمّل المعروف ايضا عند العرب – هو رمز لاسم داود الذي يكتب في العبرية هكذا: “دَود” وحرف الدال رمزه 6 كما ان حرف الواو رمزه 4 ومجموعها 14. ويكون أتى متى بهذا الرقم ليتحكم اسم داود بلائحة النسب.

وهناك افتراض آخر ان الـ 42 جيلا هي 6 سبعات ليدل على ان الزمن الذي يليهما وهو سابع سبعة زمان الكمال عندهم وهو زمن المسيح.

ثم كلمة ميلاد كما هي مترجمة هنا يجب ان نفهمها “نَسَب”. وهذا غالبا ما أراده متى اعتمادا منه على سفر التكوين في الترجمة السبعينية: “هذا كتاب اصل البشر”، فكأن الإنجيلي اراد ان المسيح غاية البشرية وخاتم النبوءة. اجل تنتهي اللائحة بيوسف لأن الإنسان يُنسب الى ابيه، او المظنون انه ابوه اي يوسف، ولا يمكن في شريعة اليهود الا ان يُنسب الى ابيه. غير ان مريم هي من قبيلة يوسف ومن بيته اذ لا يتزوج الرجل عندهم الا من اهل بيته. ويؤكد بولس الرسول على ان السيد “صار من نسل داود من جهة الجسد” (رومية 1: 3). وبسبب بتولية مريم يكون هذا تأكيدا على ان الرب يسوع منحدر من داود.

من جهة اخرى وبخلاف العادة يذكر متى ثلاث نساء في النسب هي راحاب الزانية وراعوث التي كانت اجنبية وبيتشبع المسمّاة “التي كانت لأوريا” واتخذها داود زوجة له على حياة زوجها. فلا يأبى متى ذكر تلك النساء ليقول ان المسيح أتى من بشر عاديين فيهم خطأة فإنه هو المخلص.

اما السؤال الذي يبدو شائكا فقوله عن يوسف انه “لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” فهو تأكيد على انه لم يعرفها قبل ولادتها يسوع، ولا يعني، لغويا، انه عرفها فيما بعد. ينفي الاتصال السابق للمولد ولا يؤكد شيئا بعده. فاذا سألتك مثلا: اين كنت حتى الساعة الثامنة مساء، وأجبتني كنت في بيتي، فلا يعني هذا انك غادرته بعد ذلك. تكون قد اجبت عن سؤالي وسكتَّ عما فعلت بعد ذلك. اهم المخطوطات لا يرد فيه لفظة البكر.

وحتى اذا كانت هذه اللفظة اصلية، فلا تحتم انه كان لمريم بعد يسوع اولاد آخرون. البكر كما ورد في العهد القديم تعني “فاتح الرحم” ولا تعني بالضرورة انه جاءه إخوة. هاجس متى ان يتحدث عن يسوع وينتهي عنده. اما عبارة “إخوة يسوع” الواردة في الإنجيل فلا تدل بالضرورة في اللغة العبرية على اشقاء ولكنها تشمل ايضا انسباء. ففي سفر التكوين 12: 5 نقرأ ان لوط هو ابن اخي ابراهيم، وفي 13: 8 يسمى لوط اخا ابراهيم. كلمة “اخ” اذاً اوسع مما عندنا بالعربية.

اما دوام بتولية مريم فهي من التقليد الشريف. في كل عباداتنا سميت مريم الدائمة البتولية، وثبّت هذا المجمع المسكوني الخامس.

على هذا ندخل في سر ميلاد المخلص.

عن نشرة رعيتي 2002

arArabic
انتقل إلى أعلى