ظهورات المسيح

الظهورات في الكتاب المقدّس هي وسيلة من وسائل التبليغ. في العهد القديم يظهر الله من خلال تجلّيات أو يحضر بواسطة الملاك. ويورد العهد الجديد ظهورات ملاك الرب أو ملائكته لمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح وقيامته. ولعلّه من الأهمية بمكان أن نشير، قبل الدخول في موضوع ظهورات المسيح، إلى أنّ العهد الجديد يشدّد على أن الله قد ظهر في المسيح:”من رآني فقد رأى الآب” (يوحنا14: 9). سنكتفي هنا بالكلام عن ظهورات السيد الواردة في العهد الجديد، وبخاصة تلك التي تلت قيامته من بين الأموات وظهوره لبولس الرسول.

يؤكد الرسول بولس أن المسيح تراءى بعد قيامته لكيفا وللأحد عشر ولأكثر من خمسِ مئةِ أخٍ وليعقوب ولجميع الرسل” ولي أنا أيضاً”(1 كورنثوس 15: 5-8).غير أن الأناجيل، التي تذكر من قائمة الرسول بولس ظهور المسيح لبطرس وللأحد عشر،تضيف ظهورات أخرى لمريم المجدلية (يوحنا20: 11-17)، وللنسوة(متى28:9-10)، ولتلميذي عمواس(لوقا 24: 13-35)، وللسبعة على شاطئ بحيرة طبريا(يوحنا21: 1-23). هذه الظهورات تندرج في إطار التأكيد على حقيقة قيامة السيد، فالتلاميذ رأوا الرب حيا بعد موته على الصليب ولمسوه وتكلموا معه وشاركهم في الطعام، ولذلك أتت شهادات أعيانه واقعية وحقيقية.

طبعا، لا يمكن وضع الروايات الكتابية حول ظهورات المسيح، قبل صعوده، في إطار الأدب الرؤيوي، فهي اختبارات واقعية عاشها فعلاً التلاميذ والذين تراءى المسيح لهم. وأكتشف التلاميذ أن هذا الماثل أمامهم ليس سوى المسيح القائم من بين الأموات. وفي كل الظهورات يبيّن الرواة أن القائم من بين الأموات لا يخضع لشروط الحياة الأرضية، فهو مثل الله في ظهوراته في العهد القديم يظهر ثم يختفي حسبما يشاء. ومن جهة أخرى، إنه ليس شبحا، ولذا كان التركيز على الملامسات الحسية. هنا، ينبغي القول إن جسد القائم من بين الأموات هو جسد حقيقي، لا شبه جسد.

ليست ظهورات المسيح بعد القيامة مقتصرة على تأكيد حقيقة القيامة، بل لها وظيفة أخرى هي إرسال التلاميذ إلى العالم للبشارة. فالمسيح يقول لهم:”اذهبوا الآن وتلمذوا كل الأمم معمِّدين إياهم باسم الآب والابن والروح القدس” (متى 28: 19؛ انظر مرقس 16: 15-18 ولوقا 24: 48-49)، ويقول أيضا:” كما أرسلني الآب كذلك أنا أرسلكم ” (يوحنا 20: 21). والجدير بالذكر أن المسيح قد وعدهم بعد ذلك بأنه سيكون معهم “كل الأيام إلى منتهى الدهر” (متى 28: 20). هذا الوعد يعني، بالنسبة إلينا، أن حضور المسيح معنا قد أضحى مختلفا، فهو ليس حضورا بواسطة الإقامة الجسدية الحسية بيننا، بل هو حضور في الروح القدس من خلال سر الشكر(القداس الإلهي) والبشارة والمحبة الأخوية…

أمّا ظهور المسيح لبولس- بعد صعوده –فيندرج في إطار الظهورات الرؤيوية من حيث الكلام على النُّور والصوت والمجد الوارد ذكره في رواية اهتداء بولس (أعمال 9:3-19) يضفي عليها طابعا مختلفا عن ظهورات المسيح للتلاميذ في الأناجيل، رغم أن بولس نفسه يورد هذه الحادثة ضمن ظهورات المسيح خلال الأربعين يوما التي تلت قيامته(1كورنثوس 15: 8)، وقد عهد المسيح إلى بولس في ظهوره له رسالة مباشرة (أعمال 26: 16-18) وهي الانطلاق إلى تبشير الأمم. غير أن ثمة فارقا بين الظهور للتلاميذ والظهور لبولس، وهو أن الظهور لبولس فقد حصل بعد نشأة الكنيسة التي كان يضطهدها، وهذا يؤكد حضور المسيح في الكنيسة بعد صعوده إلى السماء.

إن”عدم تصديق توما الجميل” (ذكصا كانين خدمة سَحَر الاثنين الذي يلي أحد توما) بقيامة المسيح-إلا بعد تحققه من القيامة الفعلية- قد أفاد المؤمنين”إذ أقبل َ بقلوبهم إلى المعرفة”، وبخاصة أن المسيح قال له: “طوبى للذين لم يروا وآمنوا” ( يوحنا20: 29). هذا حال المؤمنين الذين لم يشاهدوا المسيح بالعين المجردة، إلا أنهم يعرفون أن الرسل – وهم أناس مشهود لهم بالصدق- قد رأوه قائما. المؤمن لا يعرف معنى الظهورات إلا من خلال الرسالة التي تقوم بها الكنيسة جسد المسيح. والرب يحضر ويجعل الناس تعرفه عند كَسْر الخبز:”فأَخذا هما يخبران بما حدث وكيف عرفاه عند كَسْر الخبز” (لوقا 24: 35).

 نحن ننتظر مجيء المسيح ثانية، بصفته الديان العادل، في اليوم الأخير. عندئذ سيكون ظهوره خاطفا كالبرق، وذلك”لخلاص الذين ينتظرونه” (عبرانيين 9: 28).

عن نشرة رعيتي 1999

arArabic
انتقل إلى أعلى