الصليبيون وكنيستي أنطاكية وأورشليم

الحروب الصليبية
1098-1204

الصليبيون وكنيسة أنطاكية: وأحب اوربانوس المسيح فأحب الكنيسة. وأرادها واحدة لأن المسيح واحد. ولان لأخيه بيسوع البطريرك القسطنطينية نيقولاوس الثالث وخطب وده. ثم هاله تقدم الأتراك السلاجقة في الشرق وراعه ضعف الروم فخف لنجدة المسيحية وأعلن (الجهاد المقدس) وحض المؤمنين على القتال وأوجب بقرار مجمعي احترام حقوق الكنائس الشرقية وإعادة وأوقافها إليها. وانتقى أسقفاً صالحاً تقياً واسع الصدر لين العريكة بعيد النظر أديمار ليمثله في الحملة ويسهر على تنفيذ الخطة المرسولة.

وكان البطريرك الأنطاكي يوحنا السابع تقياً صالحاً جليلاً وقوراً. وكان قد أبصر النور في جزيرة أوكسية وقدم النذر في القسطنطينية. فلما رقي العرش الأنطاكي خف للعمل المثمر فسعى لإصلاح الرهبان والرهبانيات. وراسل توما الكفرطابي أسقف الموارنة على كفرطاب وكورة حلب وجادله في المشيئة الواحدة محاولاً صرفه عن القول بها. ومن آثاره رسالة في الحيارة الرهبانية احتج بها على تدخل السلطات في شؤون الرهبان وتلزيم الأديار للعلمانيين. وله أيضاً رسالة في التقديس على الفطير اتخذ فيها موقف المدافع عن التقليد الأرثوذكسي.

ولدى استيلاء الصليبيين على أنطاكية أسرع زعماؤهم إلى الإفراج عن هذا الأب الجليل وإعادته إلى سابق حريته وكرامته. ثم أمروا بتنظيف كاتدرائية أنطاكية وكنيسة السيدة فيها مما لحق بها من الأقذار في عهد الأتراك السلاجقة. ثم ترأس يوحنا السابع حفلة التطهير والتكريس وعاونه في الخدمة عدد من الكهنة والأساقفة اللاتينيين. وأعجب الصليبيون بهذا الرجل البار فأشاروا إليه في كتاباتهم بالعبارة Virum Christianissimum ومعناه المسيحي المسيحي واعتبر أديمار ممثل البابا في الشرق البطريرك الأورشليمي سمعان بطريركاً رسولياً. وحينما سمح الظرف برفع تقرير عن سير الأعمال في الشرق وضع أديمار هذا التقرير باسم سمعان بطريرك أورشليم وباسمه. ثم قضت الظروف بطلب النجدة من الغرب فكتب أديمار باسم سمعان الأورشليمي أيضاً. وظهر سمعان في هذه الرسالة بطريركاً رسولياً وتكلم باسم جميع الأساقفة في الشرق لاتينيين ويونانيين. وهدد بالحرم كل من حنث بالنذر الصليبي.

وتوفي أديمار الصديق في اليوم الأول من آب سنة 1098 فخسرت الكنيسة الجامعة بوفاته أباً باراً صالحاً محباً حكيماً. ولم توفق الكنيسة اللاتينية إلى خلف مصاف مسالم يتابع العمل الصالح الذي سعى إليه أوربانوس وأديمار.

وفي الحادي عشر من أيلول من السنة نفسها حرر الأمراء الصليبيون المجتمعون في أنطاكية رسالة البابا أوربانوس الثاني. وذكروا خبر وفاة أديمار ورجوا الأب الأقدس أن يجيء إلى أنطاكية ليرعى أبرشية بطرس الأولى. والغريب في هذه الرسالة أن الأمراء تناسوا وجود يوحنا السابع بطريرك أنطاكية الشرعي ولم يذكروه لمناسبة هذا الطلب. ولكنهم أشاروا إلى الصعوبات التي لاقوها على يد المسيحيين الهراطقة يونانيين وأرمن وسوريين ويعاقبة. واليونانيون الهراطقة في هذه الرسالة هم جماعات من اليونانيين البولسيين الذين كانوا لا يزالون يمارسون مسيحيتهم على طريقتهم الخاصة في جوار أنطاكية.

وفي الشهر التالي أي في تشرين الأول سنة 1098. انطلق ريموند أمير تولوز من ريحا على رأس رجاله في طلب المؤونة والعلف. فاستولى على البارة عنوة وقتل وسبى. ورأى أن يجعلها مدينة مسيحية فحض المسيحيين على سكناها وحول مسجدها إلى كنيسة وأقام عليها أسقفاً بطرس النربوني. وكان لا بد من سيامة بطرس سيامة مسيحية فطلب ريموند إلى البطريرك الأنطاكي يوحنا السابع أن يرأس حفلة السيامة ففعل هذا البطريرك الأرثوذكسي اليوناني وسام أسقفاً لاتينياً ليخدم على الطريقة اللاتينية.

وكان بوهيموند منهوماً بالسلطة مسهباً بطبيعته فاشتد حرصه على إمارة أنطاكية واستمات واستهلك إليها. فلجأ إلى بطرس برثلماوس فزعم هذا أن أندراوس ظهر له وقال أن أديمار قضى وقتاً في الجحيم وأنه لم يفلت لولا صلوات زملائه وصلاة بوهيموند من أجله. وزعم بطرس أيضاً أن أندراوس أمره أن يقول إلى ريموند بأن أنطاكية لبوهيموند ما دام تقياً صالحاً وأنه لا من مقاطعة الروم والكنائس الأرثوذكسية المحلية وانتخاب بطريرك لاتيني على كنيسة أنطاكية.

ثم كاشف بوهيموند الروم بالعداوة فحاول في حزيران السنة 1099 أن يخرجهم من اللاذقية. وتوفي اوربانوس الثاني في التاسع والعشرين من تموز التالي فتمادى بوهيموند في ضلاله وبسط عنانه في الجهل فهجم في السنة 1100 على مرعش وكانت هذه قد أعيدت إلى الروم بموجب شروط المعاهدة بينهم وبين الصليبيين. واستولى تنكريد نسيب بوهيموند على طرسوس وأدنه. ووقع بوهيموند أسيراً في يد الأتراك تموز السنة 1100 فتجنّى على البطريرك الأنطاكي يوحنا السابع ورماه بالتواطؤ مع الأتراك وأكرهه على الخروج من أنطاكية. ولا صحة في القول بأن يوحنا استقال فشغر كرسيه فنصب برناردوس. ولا في القول بأن استعفاء يوحنا تم في أثناء الأسر الذي وقع فيه بوهيموند. فيوحنا السابع لم يستقل قبل وصوله إلى القسطنطينية. واستقالته هذه ارتبطت منذ لحظتها الأولى بانتخاب خلف أرثوذكسي له يوحنا الثامن وذلك بالطريقة القانونية المرعية الإجراء أنئذ.

الصليبيون وكنيسة أورشليم: وكان سمعان الثاني بطريرك المدنية المقدسة الشرعي وقد فرّ منها لأن الأتراك السلاجقة كانوا قد جحدوا الذمام لأهل العهد من المسيحيين وغدروا وختروا وانتهكوا حرمة الكنائس. وكان هذا البطريرك العالم الصالح وقد رحب بالصليبيين وقدم لهم الزاد والمؤونة في أبان محنتهم أمام أسوار أنطاكية. وكان أيضاً قد اشترك مع أديمار الصالح في كل ما يؤول للخير. فكان له مع الصليبين أخوة وأسباب ترعة. ولكنه توفي قبيل استيلاء الصليبين على أورشليم (1099). ولا عبرة لما جاء في تاريخ ميخائيل السرياني من أن سمعان شهد الاستيلاء على أورشليم وأنه اشترك بنفسه في أعمال القتال. فشهادته هذه ينقصها الشيء الكثير من العدالة والضبط. وكانت المدينة قد خلت من الأساقفة لفرار هؤلاء مع بطريركهم إلى قبرص فأقام بعض الأمراء الصليبيين والكهنة اللاتينيون أرنولفوس روهيز بطريركاً على أورشليم. وكان أرنولفوس واعظاً وأديباً ولكنه لم يكن زاهداً تقياً ولم يحظ بأصغر درجات الكهنوت فاعترض ريمون أمير تولوز وعدد من الكهنة الفرنسيين الجنوبيين على ارتقائه السدة البطريركية وامتنعوا عن التعاون معه.

وماشى البطريرك الجديد بوهيموند في السياسة الكنسية فأبعد الكهنة الأرثوذكسيين والأرمن واليعاقبة والأقباط عن كنيسة القبر المقدس وعين عشرين كاهناً لاتينياً للخدمة في هذه الكنيسة. ثم قبض على الكهنة الأرثوذكسيين مطالباً بعود الصليب وأمر بتعذيبهم فقبلوا مكرهين وقدموالأثر المقدس له. فأثار هذا البطريرك اللاتيني باستبداده واستفزازه غضب الشعب الأرثوذكسي وكهنته. وشاع خبر تعصبه وتصلفه واضطربت به الألسنة فوصل إلى القسطنطينية وزاد في النفور والتباعد.

arArabic
انتقل إلى أعلى