في صلاة الربّ

ما هي الصلاة. وما معنى أنّ المسيح قد صلّى: الصلاة ارتفاع العقل إلى الله أو هي التماس احتياجاتنا منه تعالى. فكيف إذاً قد صلّى الرب بشأن لعازر وفي وقت آلامه؟ لأنّ عقله الأقدس لم يكن بحاجة إلى الارتفاع إلى الله، فإنه كان متحداً دفعة واحدة في أقنومه بالله الكلمة، ولم يكن بحاجة إلى الالتماس من الله، لأنه واحدٌ معه تعالى. لكنَّ المسيح – باختصاصه بشخصنا وبصيرورته مثالاً لنا وبجعله ذاته رسماً لنا- قد علَّمنا أن نلتمس من الله وأن نتوقَ إليه، طارقاً لنا بعقله الأقدس للارتقاء إلى الله. وكما أنه احتمل الآلام فقوّانا للانتصار عليها كذلك قد صلّى أيضاً، طارقاً لنا، كما قلنا، للارتقاء إلى الله، متمّماً بذلك كل عدل لأجلنا، كما قال هو نفسه ليوحنا. واستعطف أباه نحونا، مكرّماً إيّاه، فأظهر لنا بذلك أنه ليس مقاوماً لله. فهو عندما قال بخصوص لعازر: “يا أبتِ، أشكرك لأنك سمعت لي. وقد علمتُ أنك تسمع لي في كل حين. لكن قلت هذا لأجل الجمع الواقف حولي ليؤمنوا أنك أنت أرسلتني” (يوحنا11: 41…).أليس واضحاً للجميع كالزلال أنه بقوله هذا يكرم أباه ويعلن أنه ليس مقاوماً لله؟

ولمّا قال: “يا أبتِ، إن كان يُستطاع فلتعبر عني هذه الكأس. لكن ليس كمشيئتي بل كمشيئتك” (متى26: 39) أليس واضحاً هنا أنه يعلّمنا بأن نستغيث في المحن بالله وحده، وأن نفضّل المشيئة الإلهية على مشيئتنا، معلناً بذلك أنه بالحقيقة اختص لذاته ما هو لطبيعتنا، ذلك أنّ له مشيئتين بالحقيقة وهما طبيعيتان، واحدة لكلٍّ من طبيعتيه، وهما فيه لا تتنافران؟ -وقد قال: يا أبتِ، لأنه مساوٍ للآب في الجوهر. وقال: إن كان يُستطاع، ذلك ليس لأنه يجهل ما يستطيعه الله، بل ليروّضنا على إخضاع مشيئتنا لمشيئة الله. فإنّ غير المستطاع هو وحده ما لا يُريده الله ولا يسمح به. وقال أخيراً: لكن ليس كمشيئتي بل كمشيئتك. فبما أنّ المسيح إلهٌ، مشيئته هي مشيئة الآب نفسها. أما بما أنه إنسان فتظهر مشيئة ناسوته ظهوراً طبيعياً وهي ترفض الموت رفضاً طبيعياً.

أما قول المسيح: “إلهي إلهي لماذا تركتني؟”، فمعناه أن المسيح قد اختصّ شخصنا، فإنّ الآب لا يكون إلهّه إلا إذا فصل العقل بتصوّرات دقيقة بين ما يُرى وما يُعقل جاعلاً المسيح معنا في صفِّنا دون أن يفصله البتّة عن لاهوته الخاص، لكننا كنا نحن المهمَلين والمنسيّين، حتى إنه وقد اختصّ شخصنا صلّى الصلاة المذكورة.

arArabic
انتقل إلى أعلى