Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

1- مقدمة

في مقاطعة فلسطين التي تقرب من قرية تيقوع التي تشرفت بظهور النبي عاموس منها، توجد صحراء شاسعة تمتد من العربية حتى البحر الميت حيث يجري فيها نهر الأردن. يقطن هناك كثير من الرهبان الطوباويين، هؤلاء الذين قتلهم الـ Sarcens المجرمين. ولقد كرّم الأساقفة المجاورين للمنطقة أجساد هؤلاء القديسين وكانت بينهم غيرة ورعة، إذ كان يرى كل منهم الحق في أخذ الأجساد ودفنها والاحتفاظ بها.

تساءل البعض: لماذا يُذبح هؤلاء الرجال ذوو الاستحقاق العظيم والفضائل الجمَّة بواسطة هؤلاء اللصوص؟! لماذا يسمح الله أن تحدث جرائم لعبيده فيسقطوا تحت أيدي الأشرار؟!

 وإذ كنا في حزننا أتينا إلى القديس ثيؤدور الذي برز في (نعمة) التمييز. كان هذا الأب يقطن في منطقة القلالي Calle بين نتريا والإسقيط، تبعد خمسة أميال عن نتريا وثمانية عن برية الإسقيط التي كنّا مقيمين فيها. وإذ تقدمنا إليه ونحن في ضيق بسبب موتهم، مظهرين دهشتنا لطول أناة الله العظيمة حتى يسمح بقتل هؤلاء بهذه الكيفية، أولئك الذين كانوا قادرين على حفظ غيرهم من مثل هذه التجارب بسبب قداستهم، هم أنفسهم لم يقدروا أن يخلصوا من السقوط في أيدي الأشرار. لذلك سألناه: لماذا يسمح الله بحدوث مثل هذه الجرائم ضد خدامه؟!

أجابنا الطوباوي ثيودور قائلاً:

2- هذا السؤال غالبًا ما يتردد في أذهان من ليس لهم إيمان عظيم ومعرفة، حاسبين أن مكافأة القديسين التي لا توهب في هذا العالم بل في الحياة العتيدة، تُمنح لهم في هذه الفترة القصيرة من الحياة الزائلة، أما نحن فقد وضعنا رجاءنا في المسيح، لا في هذه الحياة، لئلا نصير كقول الرسول أشقى جميع الناس (1كو 19:15).

فالله لا يمنع التجارب عن المستقيمين، ولا يكافئ في هذا العالم الصالحين بأمورٍ نافعةٍ، والأشرار بأمورٍ شريرةٍ. فإن قلنا بغير هذا نسقط في العقاب مع من ذكرهم صفنيا النبي: “القائلين في قلوبهم إن الرب لا يحسن ولا يسيءُ” (صف 12:1)، أو على الأقل نصير بين المجدفين على الله القائلين: “كل مَن يفعل الشرَّ فهو صالح في عيني الرب، وهو يُسَرُّ بهم. أو أين إله العدل؟” (مل 17:2)، ونسقط في التجديف الذي وصفه (النبي) هكذا: “عبادة الله باطلة، وما المنفعة من أننا حفظنا شعائرهُ وأننا سلكنا بالحزن قدام رب الجنود. والآن نحن مطوِّبون المستكبرين، وأيضًا فاعلوا الشرّ يُبنَون بل جرَّبوا الله ونجوا” (مل 4:3، 15).

يجدر بنا أن نتجنب هذا الجهل الذي هو أصل هذا الخطأ المهلك. كذلك يلزمنا أن نتعرف على ما هي الأمور الصالحة والأمور الشريرة، حسب المفهوم الوارد في الكتاب المقدس، وليس حسب الفهم العام لهذين التعبيرين، بهذا نهرب من الخداع الذي يسقط فيه غير المؤمنين.

3- الأمور الصالحة والأمور الشريرة

تنقسم الأمور التي في العالم إلى ثلاثة أنواع: أمور صالحة، وأمور شريرة، وأمور ليست صالحة ولا شريرة.

يلزمنا أن نعرف أن في الأمور البشرية لا يوجد صلاح حقيقي إلا فضيلة الروح وحدها التي تقودنا بإيمان حقيقي إلى الأمور السماوية، وتجعلنا على الدوام متمسكين بالأمور الباقية.

ومن هذه الناحية الأخرى ينبغي علينا ألا ندعو شيئًا ما شريرًا إلا الخطية وحدها التي تفصلنا عن الله وتربطنا بالشيطان الشرير.

أما دون هذا فهو ليس بصالح ولا شرير، بل يمكن أن يكون هكذا أو كذلك، وذلك حسب تفكيرنا أو رغبتنا مثل الغنى والقوة والشرف والقوة الجسدية والصحة والجمال والحياة والموت والفقر والضعفات الجسدية والآلام وما إلى ذلك من مثل هذه الأمور التي تمدنا بالصلاح أو الشر حسب شخصية الإنسان واتجاه تفكيره.

فالغنى كثيرًا ما يكون لصالحنا كقول الرسول بولس طالبًا من الأغنياء: “أن يكونوا أسخياءَ في العطاءِ، كرماءَ في التوزيع، مدَّخرين لأنفسهم أساسًا حسنًا للمستقبل، لكي يمسكوا بالحياة الأبدية” (1تي18:6،19). وكما يقول الإنجيل بأن هذا الغنى يكون للخير لمن يصنع لنفسه “أصدقاءَ بمال الظلم” (لو9:16). ويمكن أن يوجه الغنى إلى الشر عندما نحشده للتخزين أو التنعم به، غير مبالين باحتياج الفقراء.

كذلك القوة والشرف والصحة السليمة ليست صالحة ولا شريرة، إنما يمكن أن تكون هكذا أو كذلك. ويظهر ذلك بوضوح مما جاء عن كثير من القديسين الواردين في العهد القديم، إذ كانوا في غنى وفير وشرف عظيم ولهم قوة جسدية، ومع هذا كانوا مقبولين لدى الله. وبالعكس نجد الذين أساءوا استخدام هذه الأمور، مفسدين إياها لتحقيق أغراضهم الذاتية يعاقبون ويهلكون ويظهر ذلك بوضوح مما ورد في سفر الملوك.

أيضًا الحياة والموت ليسا في ذاتهما صالحين أو شريرين، ويؤكد هذا ميلاد يوحنا ويهوذا. أحدهما كانت حياته نافعة له، ويظهر ذلك مما قيل عنه، “وكثيرون سيفرحون بولادتهِ” لو14:1. والآخر قيل عنه: “كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يُولَد” (مت24:26).

كذلك المرض الجسدي أحيانًا يكون نافعًا كما في حالة الطوباوي لعازر، ذلك الشحاذ المملوء بالقروح. إذ لا يشير الكتاب المقدس إلى فضائل له سوى احتماله العوز والمرض الجسدي بصبرٍ عظيمٍ، فاستحق أن يكون له نصيب مبارك في حضن إبراهيم.

كم تكون نافعة لنا تلك التجارب والآلام التي يحسبها البعض شريرة، فلا يحاول القديسون تجنبها، بل بحق يطلبونها بكل قوتهم، محتملين إيّاها بشجاعة، وبهذا يصيرون أحباء الله، ويحصلون على جعالة الحياة الأبدية، ويتغنى الرسول الطوباوي قائلاً: “أسرُّ بالضعفات والشتائِم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح، لأني حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قويّ” (2كو10:12).

4- هل يُفرض الشر على أحد؟

الاحتفاظ بهذا التمييز الواضح الثابت وتلك المعرفة، بأنه ليس شيئًا خيّرًا إلا الفضيلة وحدها، ولا يحسب شيء شريرًا سوى الخطية وحدها والانفصال عن الله، هذا يجعلنا ندرك بكل حرص: هل الله يسمح للشر أن يُفرض على قديسيه مباشرة، أو عن طريق آخرين؟ بالتأكيد لا يمكن أن يحدث هذا. إذ لا يفرض أحد شر الخطية على آخر قهرًا. إنما يحدث هذا خلال تراخيه أو شهوات قلبه الفاسدة.

لقد استخدم الشيطان كل حيله الشريرة ضد أيوب الطوباوي محاولاً أن يفرض عليه شر الخطية، فلم يقطع عنه فقط الاحتياجات الزمنية، بل وحاول أن يُرعبه بكل مصائب الحرمان التي لم تكن متوقعة، كموت أولاده السبعة، وإصابته بقروح مميتة، وعذابات لا تطاق من رأسه حتى أخمص قدميْه، لكن أيوب بقيَ في هذا كله ثابتًا غير مجدِّف.

5-كيف يُقال أن الله يخلق الشر؟

جرمانيوس: كثيرًا ما نقرأ في الكتاب المقدس أن الله خلق الشر وجلبه على البشر، كما جاء في هذه العبارة: “ليس غيري. أنا الرب وليس آخر. مصوّر النور وخالق الظلمة صانع السلام وخالق الشرّ” (إش 6:45،7). وأيضًا: “هل تحدث بليَّة في مدينةٍ والرب لم يصنعها؟” (عا 6:3).

6- ثيودور: اعتاد الكتاب المقدس أن يستخدم بعض التعبيرات في غير معناها الأصلي. فيستخدم كلمة “الشرور” عن “الأحزان والضيقات” ليس لأنها “شر” أو طبيعتها شريرة، بل لأن من تحلّ بهم هذه الأمور لأجل صالحهم يعتبرونها شرًا.

فحينما يتحدث الحكم الإلهي مع البشر، يتكلم معهم حسب لغتهم ومشاعرهم البشرية. فالطبيب يقوم بقطع أو كيّ الذين يعانون من القروح لأجل سلامة صحتهم، ومع هذا يراه من لا يقدرون على احتماله أنه شر. والمنخاس أو السوط يكون مفيدًا للحصان الجموح. والتأديب يُعتبر مرًا بالنسبة للمؤدبين، إذ يقول الرسول: “ولكن كلُّ تأديبٍ في الحاضر لا يُرَى أنهُ للفرح بل للحزن، وأما أخيرًا فيعطي الذين يتدرَّبون بهِ ثمر بٍرّ للسلام” (عب11:12)، “الذي يحبُّهُ الربُّ يُؤَدّبهُ ويجلد كل ابنٍ يقبلهُ فأيُّ ابنٍ لا يؤَدبهُ أبوهُ؟!” (عب6:12،7).

لذلك فقد أُعتاد أن تُقال كلمة “شرور” عوض “الحزن”، ذلك كما نقرأ: “فلما رأَي الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئَة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعهُ فلم يصنعهُ” (يون10:3)، وأيضًا: “لأنه رؤُوف رحيم بطيءُ الغضب وكثير الرأْفة ويندم على الشر” (يؤ13:2)، أي يندم على الضيقات والخسائر التي يسمح بها من أجل خطايانا.

إننا لا نستطيع أن نزعم بأن هذه الأمور شريرة في ذاتها، لأنها تعمل في كثيرين للخير، مقدمة لهم فرصًا للبركة الأبدية.

وبذلك فنحن نعود إلى السؤال الذي وجه إليّ: فأقول بأن كل هذه الأشياء التي قد جلبها علينا أعداؤنا ويظن أنها شر لا يمكن اعتبارها شرًا، بل هي في ذاتها ليست شرًا ولا خيرًا.

في النهاية نقول بأننا  لا ننظر إلى هذه الأشياء حسبما يريد من صنعها أثناء ثورته وغضبه، إنما ننظر بالنسبة للذين يحتملونها. فإذا ما لحق قديس قتلاً، ينبغي علينا ألا نظن أنه قد لحقه شر، بل ما هو ليس بخيرٍ أو شرٍ، فيُعتبر شرًا بالنسبة للرجل الشرير، وراحة وتحريرًا من الشرور بالنسبة للصالحين.

7- سؤال لماذا يعتبر مجرمًا من يقتل إنسانًا ينتفع بالموت؟

جرمانيوس: حسنًا. إذا كان الرجل الصالح لا يحدث له شر بقتله، بل ينتفع من ذلك بحق، فكيف نستطيع أن نتهم الرجل الذي لم يصنع له ضررًا بل خيرًا بقتله؟!

8- ثيودور: لا يجوز عدم معاقبة الشرير لأن فعله الشرير لم يستطع أن يؤذي الإنسان الصالح. فصبر الرجل الصالح واستقامته لا يفيدان من قام بقتله، إنما يفيده هو فقط إذ تحمل بصبر ما قد حل به. فبعدل يُعاقب الشرير عن قسوته ووحشيته من أجل نيته الشريرة، بينما لا يصيب الآخر شرًا لأجل قلبه إذ احتمل التجربة والألم بصبر، محولاً ما قد وقع عليه من شر ليكون لنفعه مساعدًا إياه في بركة الحياة الأبدية.

9-أمثلة:

إن صبر أيوب وانتفاعه بالتجارب التي بها ازداد صلاحًا لم ينتفع به الشيطان بل أيوب وحده لأنه احتمل بصبر. كذلك يهوذا لم يعفَ من العقاب الأبدي بسبب خيانته التي بها عاون على خلاص البشرية. يلزمنا ألا ننظر إلى نتيجة العمل بل هدف الفاعل.

لنتمسك بهذا متأكدين أنه لن يصيب أحد غيره شرًا، ما لم يتقبله الغير بالكسل والفتور. يؤكد الرسول الطوباوي هذا بقوله: “ونحن نعلم أن كل الأشياءِ تعمل معًا للخير للذين يحبون الله” (رو28:8). بقوله “كل الأشياءِ تعمل معًا للخير” تشمل كل الأمور على قدم المساواة، سواء الأمور المبهجة أو الأمور التي تبدو كأنها مصائب. ويخبرنا الرسول في موضع آخر أنه قد اختبر هذا وذلك بقوله: “بسلاح البرّ لليمين ولليسار” أي “بمجدٍ وهوانٍ بصيتٍ ردي وصيتٍ حسن. كمُضِلّين ونحن صادقون. كحزانى ونحن دائمًا فَرِحون. كفقراءَ ونحن نُغنِي كثيرين” (2كو7:6-10). دعى كل الأمور المبهجة “لليمين”، هذا ما أوضحه الرسول من عبارات “بمجد وبصيت حسن”، والأمور التي تبدو كمصائب أوضحها بقوله: “وهوانٍ وبصيتٍ ردي” هذه التي “لليسار”، كل هذه الأمور بالنسبة للرجل الكامل “سلاح برّ” وذلك لأنه متى حلت به وتحملها بشجاعة يكون كما كان مستخدماً إياه كسلاح قوي ولا يكون هو المُهاجم بها. يحتمي بها كسلاح وسيف وترس قوي ضد الذين يستخدمونها (لهلاكه) فيضمن فوائد صبره وصلاحه، نائلاً صبرًا عظيمًا لثباته، مستخدمًا نفس الأسلحة التي رشقه بها أعداؤه (الشياطين) لقتله.

 إذا لم ينتفخ بنجاحه ولا ييأس بفشله، يكون بهذا سائرًا على الدوام باستقامة في الطريق الملوكي من غير أن ينحرف عن الهدوء، لا يمينًا حيث يشمله الفرح (منتفخاً)، ولا يسارًا حيث تكتنفه المصائب وتغمره الكآبة. بالنسبة للكاملين والحكماء يقال: “كل الأشياءِ تعمل معًا للخير للذين يحبون الله” (رو28:8). أما بالنسبة للضعفاء الأغبياء فقد قيل أن كل شيء ضد الشخص الغبي، فلا ينتفع من النجاح ولا ينصلح شأنه من المصائب. إذ ينهزم الإنسان بأكثر سهولة بالنجاح أكثر من الفشل، لأن الفشل يجعل الإنسان أحيانًا يقف ضد إرادته، وينال اتضاعًا، وخلال حزنه المفيد يقلّل من خطيته وينصلح شأنه. أما النجاح فقد يدفع بالإنسان إلى الكبرياء العقلي والعظمة الكاذبة.

10 – تشبيه الإنسان الكامل بالأشول

يشَّبه (الرجل الكامل) في الكتاب المقدس بالأشول، إذ وُصف أهود في سفر القضاة (15:3) بأنه يستخدم يده اليسرى كما لو كانت يمنى. ويمكننا أن ننال هذه القوة (أي تكون يدنا اليسرى قوية كاليمنى) باستخدامنا الأشياء السارة استخدامًا سليمًا ومفيدًا هذه التي هي “لليمين”، واستخدامنا الأشياء المؤلمة التي هي “لليسار” استخدامًا حسنًا “سلاحًا للبرّ” كقول الرسول.

الإنسان الداخلي له جانبان، أو بمعنى آخر “يدان”. فلا يستطيع أي قديس أن يعمل من غير أن يستعمل يده اليسرى، وبهذا يظهر كمال الفضيلة. الإنسان الماهر يستطيع أن يحوّل كلا يديه إلى “يدين يمينيتين“. ولكي نوضح ذلك نقول بأن القديس له يد يمينية للأعمال الروحية، وذلك بحصوله على الرغبات الصالحة والأهواء الحسنة بغيرة روحية، متحررًا من هجمات الشيطان بدون أي مجهود أو صعوبة في بغضه وقطعه للخطايا الجسدية، وعندما يكون مبتهجًا على الأرض، ناظرًا إلى الأمور الزمنية والأرضية كبخارٍ وظلٍ باطلٍ، مزدريًا بها كأمور زائلة. وبقلبه الفياض لا يشتاق بغيرة زائدة نحو الأمور العتيدة فحسب، بل بالحق يراها بوضوح، مقتادًا بالتأمل الروحي، مدركًا الأسرار بوضوح، ومقدمًا صلواته أمام الله بنقاوة واستعداد، ملتهبًا بغيرة روحية نحو العبور إلى الأمور غير المنظورة الأبدية، حتى يصعب الاعتقاد بأنه لا يزال باقيًا في الجسد.

ويكون للإنسان يد يسارية عندما يسقط في أشراك التجربة ويحترق بنيران الشهوة ويكون كما لو كان جالسًا على نيران بسبب التهيج والغضب، مغلوبًا من الكبرياء والافتخار، متضايقًا من الحزن العامل للموت، متزعزعًا نحو قطع الرجاء، مُهاجمًا بالفتور، فاقدًا كل دفء روحي، ناميًا في نوع من الفتور والغمّ الذي بلا سبب، حتى أنه ليس فقط تتركه الأفكار الصالحة، بل والترنم بالمزامير والصلاة والقراءة وينهزم من النوم، وتبدو كأن جميع التداريب قد فقدت طعمها بكراهية مريعة لا تطاق، فإذا ما اضطرب (الراهب) بهذه الناحية فليعلم أنه مهاجم من الجانب اليساري.

فإذ لا ينتفخ الإنسان بالكبرياء بسبب ما بلغه من الجانب الأيمن مما سبق ذكره، ويقاوم ببسالة الهجمات التي تأتيه من الجانب الأيسر من غير أن يترك مجالاً لليأس، ممسكًا بأسلحة الصبر متدربًا على الفضيلة، فإن هذا الرجل يكون مستخدمًا كلا يديه كيدين يمينيتين. فينال نصرة في كل عمل ويحصل على الجعالة بسبب الجانب الأيسر كما من الجانب الأيمن.

فإننا نقرأ عن المكافأة التي نالها الطوباوي أيوب والذي توج بالنصرة من الناحية اليمينية، لأنه إذ كان أبًا لسبعة بنين وكان غنيًا وصاحب ثروة طائلة كان يقدم كل يوم ذبائح لله لأجل تطهيرهم، وذلك لشغفه أن يكونوا مقبولين وأعزاء لدى الله أكثر منه. وكان يفتح بابه لكل غريب إذ كان: “عيونًا للعمي وأرجلاً للعُرج” (أي 15:29)، وكسى أكتاف التعابى بصوف غنمه. وكان أبًا للأيتام وزوجًا للأرامل، ولم يكن يفرح قط لسقوط عدوٍ له.

وقد بقي نفس الرجل في حياة الفضيلة بصورة أعظم عندما انتصر على المصائب من الناحية اليسارية، عندما أُخِذ منه أولاده السبعة في لحظة، فإنه كأب لم يتغلب عليه الحزن المرّ، بل كخادم حقيقي لله ابتهج بإرادة خالقه. وإذ صار فقيرًا بعدما كان صاحب ثروة، ومُعدمًا بعد أن كان غنيًا، وهزيلاً بعدما كان قويًا، ومؤدبًا ومرذولاً بعدما كان مشهورًا وصاحب شرف، في كل هذا احتفظ بثبات عقلة من غير أي اضطراب. وأخيرًا إذ تجرد من كل شيء جلس وسط الرماد وكان يحُك جسده بسبب ما أصابه، زافرًا بتنهدات حارة، ومع هذا لم يسقط في اليأس ولا جدف أو تذمر على خالقه.

أستطيع أيضًا أن أقول بأن يوسف كان أشولاً. ففي أفراحه كان عزيزًا جدًا عند والديه، محبًا لاخوته، مقبولاً لدى الله. وفى ضيقاته كان عفيفًا، مؤمناً بالله. في سجنه كان أكثر شفقة على المسجونين، متسامحًا مع المخطئين، صافحًا عن أعدائه (امرأة فوطيفار). وبالنسبة لاخوته الحاسدين له، فإنه بمقدار ما سقطوا تحت سلطانه إذ كان في إمكانه أن يقتلهم أثبت محبته لهم بل وسخاءه الحقيقي تجاههم.

إن هؤلاء الرجال وأمثالهم بحق يدعى كل منهم “أشولاً” إذ يقدرون أن يستخدموا كلا يديهم كأيد يمينية قائلين بحق: “بسلاح البرّ لليمين ولليسار. بمجدٍ وهوانٍ، بصيتٍ رديء وصيتٍ حسن الخ.” (2كو 7:6،8).

يتحدث سليمان في سفر نشيد الأناشيد عن اليد اليمنى واليد اليسرى في شخص العروس قائلاً: “شمالهُ تحت رأسي ويمينهُ تعانقني” (نش6:2). وبينما يظهر أن كليهما مفيد، إلا أنها تضع إحداهما تحت الرأس، لأنه ينبغي أن تخضع الضيقات لمراقبة القلب، فتصير نافعة لأنها تهذّبنا إلى حين، وتؤدبنا لأجل خلاصنا، وتهبنا الكمال في الصبر. أما اليمنى فتأمل أن تلتصق بها لكي ما تلاطفها، فتنال المعانقة المباركة التي للعريس، وفى النهاية تضمها إليه.

وهكذا يحسب كل منا أشولاً عندما لا يؤثر فينا الرخاء ولا العوز. فلا يغوينا الرخاء، ولا يدفع بنا نحو الإهمال الخطير، كذلك لا يجذبنا العوز إلى اليأس والشكوى (التذمر)، بل نقدم الشكر لله في كل شيء.

وقد أظهر الرجل الأشول، معلم الأمم، أنه هو نفسه كان هكذا بقوله: “فإني قد تعلَّمت أن أكون مكتفيًا بما أنا فيهِ. أعرف أن أتَّضع وأعرف أيضًا أن استفضل. في كل شيءٍ وفى جميع الأشياءِ قد تدرَّبت أن أشبع وأن أجوع وأن استفضل وأن أنقص. أستطيع كل شيءٍ في المسيح يسوع الذي يقوّيني” (في11:4-13).

11- لماذا يسمح الله بالتجربة؟

ينبغي علينا أن نعرف أن البشر جميعًا يجرّبون لأسباب ثلاثة:

(أ) غالبًا لأجل اختبارهم (تزكيتهم).

(ب) وأحيانًا لأجل إصلاحهم.

(ج) وفى بعض الحالات بسبب خطاياهم.

1- فمن أجل اختبارهم، كما نقرأ عن الطوباويين إبراهيم وأيوب وكثير من القديسين الذين تحملوا تجارب بلا حصر.

2- ومن أجل الإصلاح، وذلك عندما يؤدب أبراره من أجل خطاياهم البسيطة (اللاإرادية) والهفوات، ولكي ما يسمو بهم إلى حال أعظم من النقاء، منقيًا إياهم من الأفكار الدنسة، وذلك كالقول: “كثيرة هي بلايا الصديق” (مز19:34)، “يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولاتَخُرْ إذا وبَّخك. لأن الذي يحبُّهُ الربُّ يُؤَدّبهُ ويجلد كل ابنٍ يقبلهُ فأيُّ ابنٍ لا يؤَدبهُ أبوهُ. ولكن إن كنتم بلا تأْديبٍ قد صار الجميع شركاءَ فيهِ فأنتم نغول (أي أولاد زنا) لا بنون” (عب5:12-8). وفى سفر الرؤيا: “إني كلُّ من أحبهُ أوبّخهُ وأؤَدّبهُ” (رؤ19:3). ويصلي داود من أجل عطية التطهير هذه قائلاً: “جرّبني يا ربُّ وامتحنّي. صفِّ كليتيَّ وقلبي” (مز2:26). وإذ يعلم النبي قيمة هذه التجارب يقول: “أدِّبنْي يا رب ولكن بالحق لا بغضبك” (إر24:10)، وأيضًا “أحمدك يا رب لأنه إذ غضبت عليّ ارتد غضبك فتعزيني” (إش1:12).

3- كعقاب من أجل الخطية وذلك كما هدّد الله بأن يُرسل أوبئة على بني إسرائيل (لشرهم) “أرسل فيهم أنياب الوحوش مع حُمَة زواحف الأرض” (تث24:32). وأيضًا في المزامير: “كثيرة هي نكبات الشرير” (مز10:32)، وفى الإنجيل جاء: “ها أنت قد بَرِئْت. فلا تخطئْ أيضًا لئَلاَّ يكون لك أَشَرُّ” (يو14:5).

4-بالحقيقة أيضًا نجد سببًا رابعًا ذكره الكتاب المقدس، وهي أن الأتعاب تُجلب علينا ببساطة من أجل إظهار مجد الله وأعماله، وذلك كقول الإنجيل: “لا هذا أخطأَ ولا أبواهُ لكن لتظهر أعمال الله فيهِ” (يو3:9). وأيضًا “هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله بهِ” (يو4:11).

5- وهناك أنواع أخرى للنقمات التي يُبتلي بها الذين  تجاوزوا رباطات الشر في حياتهم (وبالغوا فيه)، إذ نقرأ عن داثان وأبيرام وقورح الذين عوقبوا، وعن الذين يقول عنهم الرسول: “أسلمهم إلى أهواءِ الهوان إلى ذهنٍ مرفوض” (رو 26:1، 28). وهذه تعتبر أمرّ كل عقاب لأنهم صاروا غير مستأهلين لأن يشفوا بالافتقاد الإلهي واهب الحياة، إذ “هم قد فقدوا الحسَّ أسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسةٍ في الطمع” (أف19:4). وبسبب قسوة قلوبهم والتمادي في عادتهم وفعلهم للشر قد صار لهم عقاب في هذا العالم من غير تطهير. وتعيّرهم الكلمة المقدسة التي نطق بها النبي قائلاً: “قلبتُ بعضكم كما قلب الله سدوم وعمورة فصرتم كشعلةٍ مُنتَشَلة من الحريق فلم ترجعوا إليَّ يقول الرب” (عا 11:4). ويقول ارميا: “أثكل وأبيد شعبي. ولم يرجعوا عن طرقهم” (إر 7:15). وأيضًا “ضربتهم فلم يتوجعوا. أفنيتهم وأبوا قبول التأديب. صلَّبوا وجوههم أكثر من الصخر. أبوا الرجوع” (إر3:5). فيرى النبي أن كل أدوية هذه الحياة لم تُجدِ نفعًا لشفائهم، معلنًا أنه قد يئس من حياتهم، قائلاً: “احترق المِنفاخ من النار، فني الرصاص. باطلاً صاغ الصائغ والأشرار لا يُفرَزون. فضةً مرفوضةً يُدعَون. لأن الرب قد رفضهم” (إر 29:6، 30).

ينوح الله عليهم لأنه قدّم لهم التطهير بالنار فلم ينتفعوا، متصلبين في خطاياهم. فيبكيهم في شخص أورشليم التي تغلفت بالصدأ إذ يقول: “ضعها فارغةً على الجمر ليحمي نحاسها ويُحرَق، فيذوب قذرها فيها، ويفنى زنجارها. بمشقَّاتٍ تعبت، ولم تخرج منها كثرة زنجارها. في النار زنجارها. في نجاستكِ رذيلة لأني طهَّرتكِ فلم تطهري ولن تطهري بعدُ من نجاستكِ” (حز11:24 –13).

إنه يشبه الطبيب الحاذق الذي استخدم كل وسائل الشفاء ولم يعد بعد هناك علاج يمكن أن يُستخدم. لقد غُلب اللّه من ظلمهم، ويُجبر على الكف عن تأديباته الرقيقة، فاضحًا إياهم قائلاً: “وأُحِلَّ غضبي بكِ فتنصرف غيرتي عنكِ فأسكن ولا أغضب بعدُ” (حز42:16).

12-ثبات الإنسان المستقيم

ينبغي للإنسان المستقيم ألا يكون عقله مثل الشمع أو أي مادة رخوة فيسهل تشكيله بما يُضغط عليه، فيُختم آخذًا شكل الختم إلى أن يأخذ شكلاً آخر عندما يُختم بختم آخر. وبهذا لا يبقى ثابتًا على شكله، بل يتغير ويتشكل متأثرًا بما يُضغط عليه. إنما يلزم أن يكون كالختم الحديدي الصلب، فيحتفظ العقل على الدوام بصلاحه وطهارته، خاتمًا شكله على كل شيء، مظهرًا علاماته عليها. وبهذا فإنه مهما حدث من الأمور لا تنزع عنه علاماته.

13-جرمانيوس: ولكن هل يستطيع عقلنا أن يحتفظ بحاله على الدوام بدون تغيير؟

14- ثيؤدور: إننا نحتاج إلى ما يقوله الرسول: “وتتجدَّدوا بروح ذهنكم” (أف 23:4)، إلي التقدم الروحي فـ “أنسى ما هو وراءُ” (في 13:3). فإن تغاضى الإنسان عن فعل ذلك تكون النتيجة الحتمية هي النكوص والتقهقر من سيئ إلى أسوأ.

لا يمكن للعقل أن يبقى على حالٍ واحدٍ. فكما أن الإنسان الذي يجدف بقوة يحاول أن يقاوم بسفينته ضد العاصفة القوية، مقتحمًا التيار بقوة ذراعيه، وبهذا يمتد إلى ما هو قدام، أما إذا تراخى بيديه فإن سفينته تدور بسرعة تحت قوة العاصفة، هكذا يصير فشلنا واضحًا إن كنا لا نكتسب شيئًا إضافيًا، لأنه بغير شكٍ نتراجع إلى الوراء عندما نكون غير متقدمين إلى الأمام. وكما قلت إن العقل البشري لا يستطيع أن يبقى على حاله، إذ لا يستطيع أي قديس أن يصل إلى مرتفعات كل الفضائل مادام باقيًا في الجسد حتى يبقى بدون تغيير. فإما أن يضيف شيئًا أو يفقد شيئًا. إننا نعترف بأن الله وحده هو غير المتغير، فيصلي إليه النبي الطوباوي قائلاً: “ولكن أنت، أنت، وسنوك لن تفنى”(عب 12:1). ويقول الله عن نفسه: “أنا الرب لا أتغيَّر” (مل 6:3). لأنه هو وحده الذي بطبيعته صالح على الدوام وكلي الصلاح ولا يمكن أن يُضاف أو ينقص منه شيء.

لهذا يلزمنا أن نخضع لمطالب الفضيلة بعناية فائقة وشوق، وأن نشغل أنفسنا بعملها، لأنه كما قلنا أن العقل لا يقدر أن يبقى على حال واحد، أي لا يمكن أن يبقى من غير أن يُضاف أو تقل منه صفاته الحسنة. فالفشل في اقتناء صفات جديدة يعني وجود خسارة. وإذ تبطل الرغبة في التقدم يوجد خطر التقهقر إلى الوراء.

16- القوات السمائية يمكن أن تتغير

 حتى القوات العلوية كما قلنا تخضع للتغير، ويظهر هذا من الذين سقطوا من رتبتهم بسبب خطأ إرادتهم الفاسدة. لذلك ينبغي علينا ألا نظن أن طبيعتهم غير قابلة للتغير هؤلاء الذين بقوا في حالة مباركة كما خلقوا عليها ببساطة.

فبالأولى يلزمنا نحن أن نحفظ بحرص ما يمكن أن نفقده بالإهمال، إذ مكتوب: “لا تغبط (لا تمدح) أحدًا قبل موته” (يشوع بن سيراخ30:11). فإنه طالما الإنسان في حالة جهاد يبقى في موقف مصارع. ليست فضيلة ما يمكن للإنسان أن ينالها بدون احتمال التغيير، فإذا ما نالها يجب عليه أن يحافظ عليها دائما ويراعيها بنفس العناية والسهر اللذين طلبها بهما.

17_ لا يحدث السقوط فجأة

ينبغي ألا نظن بأن إنسانًا ما يزل وينزل إلى الغم بسقطة مفاجئة، إنما ينحدر إلى سقطة ميئوس منها، إما عن طريق خداعه منذ البداية أثناء تدربه ببداية خاطئة، أو يزل من حالته الروحية الحسنة تدريجيًا خلال فترة طويلة بسبب الإهمال العقلي، فتزداد الأخطاء قليلاً. لأن “قبل الكسر الكبرياءُ، وقبل السقوط تشامخ الروح” (أم 18:16). ذلك كالمنزل الذي لا يسقط فجأة دفعة واحدة بل يحدث بعض الخلل في الأساس لفترة طويلة، أو يحدث نتيجة إهمال ساكنيه لمدة طويلة، فيحدث بعض (الرشح أو الخلل) وبعد هذا تنهار الحوائط المحصّنة تدريجيًا. لأنه “بالكسل الكثير يهبط السقف وبتدلّي اليدين يَكِفُ البيت” (جا 18:10)، هذا أيضًا ما يحدث للروح.

إذ سمعنا ذلك تنعمنا بوليمة روحية، حتى فاق السرور الذي ملأَنا بهذه المناظرة الحزن الذي كنا فيه بسبب موت القديسين. فإننا لم نتعلم فقط بخصوص الأمور التي كنا في حيرة من جهتها بل وتعلمنا من سؤالنا هذا أمورًا أخرى لم نكن قد سألنا عنها.

ملخص المبادئ

لا يجازي الله الأبرار بالبركات الزمنية، ولا يعاقب الأشرار بالضيقات هنا، إنما نصيبنا هو الرب ورجاؤنا هو الحياة الأبدية.

ما يصيب الأبرار هنا من شر هو في الحقيقة ليس شرًا، لأن الشر هو الخطية التي تفصلنا عن الله، والخير هو الفضيلة التي تقربنا الله.

بالنسبة للمؤمن الحقيقي، جميع الأمور تعمل معًا للخير، فهو الرجل الأشول الذي يستخدم يده اليسرى كأنها يمنى.

( أ) يستخدم الأفراح وتمتعه بالبركات الزمنية كيد يمنى بها يشكر الله ويسبحه، ويستخدم الأحزان والضيقات كيد يسرى بها يحتمل بصبر شاكرًا الله.

(ب) في حالة التعزية الروحية والفرح – كيدٍّ يمنى – يتعبد لله بغيرة واشتياق. وفى حالة الفتور الروحي – كيد يسرى – لا يكف عن المثابرة والجهاد من أجل محبته للرب.

يخسر الإنسان الغبي في الرخاء والتمتع بالبركات الزمنية أكثر مما يخسره في حالة الأحزان والآلام.

يسمح الله لأولاده فترات فتور روحي لكي يتعبدوا ويثابروا رغم فتورهم، فينالوا النصرة من الناحية اليسارية.

يسمح الله بالتجارب إما لتزكية المؤمن، أو لأجل تنقيته، أو كتأديب، أو لأجل تمجيد الله. وأحيانًا يسمح بها نتيجة تخليه عن الإنسان الشرير بسبب إصراره على الشر.

الله وحده غير متغير، لأن صلاحه لا عن جهاد أو مكتسب، بل هو كلي الصلاح بطبعه، أما الإنسان فهو دائم التغير، لأنه مهما بلغت قداسته وصلاحه لا يصل إلى كمال الصلاح غير المحدود، لهذا لا يبقى في حالة ثابتة. بهذا إن لم يتقدم في حياة الفضيلة حتمًا يتقهقر.


ملاحظة: المترجم عنوان هذا اللقاء بـ “لماذا يسمح الله بالضيقات للقديسين؟!” ونوه على أن العنوان الأصلي هو “موت القديسين”. ولكن قمنا نحن بوضع العنوان الأصلي والتنويه للإجراء الذي قمنا به… (الشبكة).

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF

معلومات حول الصفحة

عناوين الصفحة

محتويات القسم

الوسوم

arArabic
انتقل إلى أعلى