قلنا في مقالة آنفة, إن السبتيّين يعتقدون بأنهم أطهر الناس طهراً, وأنهم “البقية الباقية” التي “طلّقت” كل التعاليم التي لا تتوافق, حسب زعمهم, والكتب المقدسة. هذا, وغيره مما يرسمه كبرياؤهم, دفعهم إلى أن يرفضوا كل حوار مع الكنائس المسيحية, لا مع الكنيسة الشرقية أو الكنيسة الغربية وحسب, وإنما أيضا مع الكنائس الإنجيلية التي قبلت أن تحاور الكنائس (الشرقية والغربية) وأخذت تتفهم بعض مواقفها وتعاليمها, فشنّوا عليها أشنع هجماتهم واتّهموها بالانحراف وخيانة الله.
هذا الانغلاق والتعجرف أظهره السبتيّون في غير موضع ومناسبة, وبخاصة في ما خلّفوا من كتابات هي الأسوأ بما تحمل من تشويه للحقيقة وشتم للغير. فتراهم يطربون بجهلهم (وقد أثبتنا هذا في غير مقال), ويكيلون للذين ينتمون إلى الإيمان الحقّ التهم فوق التهم, وكأن الله كلّفهم بأن يجلسوا مكان ابنه الوحيد, قبل نهاية الزمان, ليحكموا على غيرهم ويدينوا العالم. ولا يخفى أن عداءهم الأكبر هو ضد كنيسة روما (وهذا له أسبابه التاريخية…), فهم يعتبرون أن “الإثم والظلام الروحي” سادا “تحت سيادة روما”, وأن بابا رومية هو” نائب الشيطان” و”ابن الهلاك”…غير أن ما لا يخفى على أحد هو أن السبتيّين, بالقدر عينه, أعداء الحق وكنيسته في كل مكان.
ولا نزيد شيئا على ما هو شائع إن قلنا إن السبتيّين – نظير بدع كثيرة – يعمدون على بساطة بعض الناس أو تغرّبهم عن الإيمان الحق….حتى ينفثوا سمومهم. اختصاصهم أن يصوّروا للناس الأبيض أسود والأسود أبيض. هذا يعني أن يشوّهوا الإيمان الحق ويبينوا أنهم وحدهم مالكوه. وتجد عندهم كل ما يفصل الناس (الضعفاء أو المهملين) عن أصولهم, مثالا على ذلك تهجمهم الكبير على الاكليروس: الأساقفة أو الكهنة والرهبان, (وهذا للأسف يسمعه بعض الناس بانبساط), ومما قالوه جهلا في الرهبنة: “إن المسيح لا يقدم نفسه مثلا للناس, الرجال منهم أو النساء, ليحبسوا أنفسهم في الأديرة فيصيروا أهلا للسماء”, وهو “لم يعلم أن المحبة والعطف ينبغي كبتها”…. وهذا يدل, بوضوح ليس مثله وضوح, على أنهم لم يفهموا تكليف الرب, ولا قوة الملكوت الآتي التي يعيشها, في هذا الدهر, بعض الذين اختاروا الله سيدا وحيدا على القلب. إن هذا التشويه المريع والسام سببه الحقد وجهل الحقيقة الخلاصية…, ويفتخرون بأنهم يحافظون – وحدهم – على تعليم الكتاب المقدس, وهم, من دون أدنى شك, لم يعرفوا إرادة الله, ولكنهم حبسوا أنفسهم بمفاهيمهم المنحرفة.
نحن أيضا لا نريد أن ندعو السبتيّين إلى حوار, وذلك لأن الهراطقة أعداء الحق لا تحاورهم, كما يقول الكتاب الإلهي, وإنما تنذرهم مرة أو مرتين, وتعرض عنهم إذا لم يتوبوا إلى الحق (تيطس 3: 10). فهذا من المسلّمات. وهذا ما قاله بولس الإلهي وأكده في غير موضع ومناسبة, ونجد أن ما جاء في رسالته الثانية إلى تلميذه تيموثاوس ينطبق على السبتيّين خير انطباق, يقول: “واعلم إنه سيأتي في الأيام الأخيرة أزمنة عسيرة يكون الناس فيها… صلفين متكبرين شتامين…. نمامين مفروطين شرسين أعداء الصلاح, خوانين متهورين. أعمتهم الكبرياء…يظهرون التقوى ولكنهم ينكرون قوتها. فأعرض عن أولئك الناس” (3: 1 – 5). الحق, إذا, يفرض علينا أن لا نحاور السبتيّين (وأن لا نسمعهم أو نزور مراكزهم ونقرأ كتاباتهم…), لأن كل حوار يفترض أن يحترم المتحاورون بعضهم بعضا وأن يقبل كل طرف فرادة الآخر واختلافه عنه, وهم لا يحترمون أحداً ولا يسمعون إلا أنفسهم ولا يقبلون أن يتراجعوا عن مواقف وتعاليم منحرفة كثيرة انطبعوا عليها, ولا يهمهم تاليا, الحوار مع أحد, وإنما تشويه الحقيقة الإلهية التي سلّمها الربّ “دفعة واحدة” للكنيسة. ولا نفتري أن زدنا بأن السبتيّين – نظير أتباع بدعة “شهود يهوه” – يهود يدّعون أنهم مسيحيون؛ وكل ما يريدونه هو خطف ما تيسر لهم من المؤمنين ليخونوا عهد الله ويزداد الكفر الذي يعمل الشيطان من أجل أن يكثر ليعظم وَهْم انتصاره.
ما من شك في أن الدينونة هي لله, ونحن ما كنا نريد, في هذه المحاولة, أن ندين السبتيّين (فهم لهم من يدينهم), وإنما أن نبين أن حمقهم مكشوف “لجميع الناس” (2 تيموثاوس 3: 9), وأن نذكر المؤمنين بأن الحق الإلهي يفرض على كل واحد أن يعرف أولا تعليم كنيسته وأن يغرف من كنوزها, وذلك أنه من العيب جدا أن يصغي الإنسان إلى الغرباء عن الحق, وهم – وأمثالهم – ما كان بمقدورهم أن يتكاثروا لو لم يتساهل بعضنا بإهماله تراثه المقدس وانتماءه إلى الحق. فلنحذر منهم.